تاريخ بتلميت



بتلميت بئر مشهورة حفرها الشيخُ سيدي الكبير بنُ المختار بن الهيبه، بعد مقدمه من أزواد مُنهيًا رحلته العلمية أوائل سنة 1243 هـ / 1827 م حيث عرفت أوج ازدهارها في فترته الذي جعل منها حاضرة علمية مشعة تخرج منها الكثير من العلماء والفقهاء. يقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه الوسيط في تراجم أدباء شنقيط : (بُتِلِميتْ) بئر مشهورة لأهل الشيخ سيدي، وقد مضى عليها زمان في حياة الشيخ سيدي، لا يصلها خائف إلا أمن، ولا فقير إلا استغنى، ولا جائع إلا شبع، فهي كقبة ذي الأعواد، 

:وقد صدق الأسود بن يعفر في قوله
ولقد علمت سوى الذي حدثتني ... أن السبيل سبيلُ ذي الأعواد
.بعد أن استقر بها الشيخ سيدي الكبير أصبحت بتلميت الوجهة العلمية الأولى في موريتانيا وخاصة في الجنوب الموريتاني (ولاية الترارزة) التي تعتبر الدماغ الثقافي لموريتانيا
تأسست مدينة بتلميت في ظروف تميزت بالصراع السياسي القوي بين إمارات الجنوب والوسط في موريتانيا - إمارتي اترارزة ــ ، ولبراكنه 

.حيث كانت البلاد تحكمها في ذلك الوقت مجموعة من الإمارات المنتشرة في أرجائها المختلفة، وهي الصراعات التي كان المستعمر الفرنسي يغذيها ويدعمها تمهيدا لغزوه المنتظر للبلاد
ونتيجة للمكانة البارزة التي كان يحظى بها الشيخ سيدي الكبير فقد تحولت المدينة الوليدة إلى قبلة لزعماء ومبعوثي تلك الإمارات، ومرتادي وتلامذة الشيخ من كل الجهات 

.واستطاع نتيجة لتلك الثقة أن يتوسط في إصلاح ذات البين بين زعماء وأمراء المناطق المتصارعة
وحاول في مرحلة لاحقة أن يجمع كلمة الزعماء (أمراء اترارزة، لبراكنة، آدرار) في مؤتمر سمي مؤتمر تندوجة 1856 لحل الخلافات وتسوية الصراعات الدائرة بينهم، وتنسيق الجهود وتعبئة الموارد لمواجهة المستعمر الفرنسي الذي بدأ حينها يطرق أبواب البلاد، وبموازاة ذلك وجه رسالتين إحداهما للحاكم الفرنسي يدعوه فيها إلى الإسلام 

.والأخرى للسلطان المغربي يدعوه فيها إلى مساعدتهم بالمال والسلاح لمواجهة الفرنسيين
.وقد أم آلاف طلاب العلم المدينة ناهلين من محاظرها، كما بدأت نواة أول مجتمع سياسي موريتاني حديث التشكل في هذه المدينة نهاية القرن الثامن عشر  



.وكان لأسرة الشيخ سيديا النفوذ الروحي الأكبر بين سكان المنطقة قبل أن يمتد نفوذها إلى جميع أنحاء البلد، بل يتجاوزه إلى البلدان المجاورة 

.أنتج الوسط العلمي للمدينة جواً مثالياً للنبوغ والعبقرية في الشريعة والسياسة


 وكان معهد أبي تلميت الذي أسسه الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي بابه سنة 1956م ، ودشنه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول عام 1957 أثناء زيارته لموريتانيا، تحول مع الوقت إلى أهم معهد علمي في البلاد كلها، واستطاع أن يستقطب كثيرا من علماء البلد، وأن يمزج بين الدراسات المحظرية (التقليدية) والدراسات الحديثة, 

.وارتأى الشيخ عبد الله أن يكون المعهد جامعا معرفيا كبيرا يضاهي جامع الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس وجامع القرويين في المغرب
وكان الفرنسيون قد بنوا قبل ذلك أول مدرسة في البلاد تدرس طبقا للنظام العصري في مدينة بوتلميت سنة 1914م 

وهي المدرسة التي تخرج فيها عدد من أبناء الولاية من بينهم الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه

وكان معهد بوتلميت صرحا معرفيا ومنارة علمية كبيرة ، قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب ، داخل البلاد وخارجها، وسجل نجاحا باهرا منقطع النظير ، لم يسبق له مثيل، لشمولية مناهجه وتميز نظامه ,مما مكنه ذلك من أداء رسالته على الوجه الأمثل في نشر العلم والمعرفة و الثقافة الإسلامية والتربية وبث الوعي المدني في ربوع الوطن على يد أساتذته وعلمائه الذين حرصوا كل الحرص على تقديم الأفضل والأجود ، بإشراف وتوجيه وإملاء من الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي بابه نفسه، كما كان لخريجيه أيضا الدور الفعال في نهضة الحياة الثقافية والسياسة في البلاد وخارجها ، ولم تزل المدينة منارة إشعاع حضاري بارز, وملتقى لفطاحلة العلماء، وعباقرة الأدباء، وأساطين المجتمع، والوجهة المفضلة 

.لكبار الشعراء والمثقفين، بل أسهم الجو العام للمدينة في انتشار المشيخات العلمية في القرى المجاورة، حيث اشتهر عشرات العلماء الموريتانيين الأفذاذ طوال القرنين الماضيين
.ولا تزال المدينة تتبوأ الصدارة من الناحية العلمية والثقافية، رغم إلغاء الدور السابق الذي كان يقوم به المعهد، وتحوله بعد عام 1975 إلى مقر لثانوية المدينة