أبوتلميت الأصل ... والحقيقة

بتلميت بئر قديمة شهيرة حفرها الشيخ سيدي الكبير بن المختار بن الهيبه بن أحمد دوله بن أبابك واسمه أبوبكر بن انتشايت بعيد مقدمه من عند أزواد أوائل سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف 1243هـ, ويمكن ان يكون الشروع في حفرها في شهر رمضان من السنة المذكورة لخبر في ذلك عن أحد حفرتها وهو : الشيخ أحمدُّ بن ألفغ محمد بن حبيب بن محمد بن الطالب أحمد بن سيد إبراهيم , وذلك أنه كان هو الذي يرد بالقِرب إلى عقلة انوكّر مكان في الشمال الغربي عن بتلميت المذكورة على نحو ثمانية أميال منها مما يدل على أنها لم يكن بقربها بئر أوان الشروع فيها . ( وقد اقترن اسم البئر بنبتة صحراوية تسمى تلميت المعروفة لدى أهل المنطقة كغذاء جيد للإبل ). 

ولما رجع الشيخ سيدي المذكور رجعته من عند أزواد ولقي كبار قبيلته وتعلق به كثير من الناس اهتم بحفر بئر يقطن عندها بنفسه ويجمع عندها أكثر تلاميذه فسأل عبد الجليل بن محمد الملقب الناهْ بن أحمد بن ألفغ محم بن الفالل بن محمد القاري وهو ادقرَهاوَ وكان من أسن قبيلته في ذلك الوقت عن مكان لا يدعيه أحد ولم يتقدم عليه إحياء من أي بشر , فدَلَّه على مكان بتلميت فشرع في حفرها على أيدي التلاميذ , ولما تمت ونجحت جعلها مقره الرسمي ومقر تلاميذه كما يوجد جميع ذلك في رسائله , وقد ذكرها في شعره مرارا مثل قصيدته الشهيرة التي مطلعها : 

ألا عم صباحا يا أباتلميتا...إلى آخرها 

ومثل قوله في الحائية : 

ينحط كلكله على مثوى أبي تلميت ... إلى آخرها

 ومثل قوله : 

 ظهرت معالمُ أرضنا مثلُ الغررْ *** يا حبذا نُجُدٌ تبدتْ للبَصَرْ

أرض تُحبُّ نزولنا ونحبُّها فيها *** أبو تلميت ثُـمَّت ذُو عُشَرْ

يعني انتورجات حيث دفن أبابك بن انتشايت ودفنت أم المؤمنين بنت اشفغ عبيد والدة الشيخ سيدي ومعهما غيرهما .


وقال فيها أيضا :

أبا تلميتَ أبشر بالنجاحِ *** وبالفوز العظيم وبالرباح 

لأنك سيدُ الآبار هُنَّا *** لحوزك دونها حزبَ الفلاح 

فلا برحت رُباك إليك تُهدِي ***  جموع الفضل رُوادَ الصلاح.

وبنى عندها داره التي هي أول داربنيت في ابي تلميت وجعلها مخزنا للنفقات وكون وحدات من التلاميذ في نواحيها تعتني بالحراثة وجني الكندر ومقرها كلها بتلميت , ويوضح ذلك الرسائل التي تعين كل صنف من هذه الأصناف , وذكرها الشعراء في أشعارهم كثيرا , ومن ذلك قول الشيخ محمد بن حنبل في قصيدته الشهيرة التي منها :

 وعلى ذي التِّيلميت اسْتَوسَقَتْ *** لمَزار الشَّيخ تُهدِي بالهِضَبْ

وفي الوسيط في تراجم أدباء شنقيط للشيخ أحمد بن الأمين العلوي المولود عام 1289هـ المتوفى سنة 1331هـ صبيحة يوم الأربعاء 18 رمضان ص: 464 ما لفظه : (بُتِلِميتْ) بئر مشهورة لأهل الشيخ سيدي، وقد مضى عليها زمان في حياة الشيخ سيدي، لا يصلها خائف إلا أمن، ولا فقير إلا استغنى، ولا جائع إلا شبع، فهي كقبة ذي الأعواد، وقد صدق الأسود بن يعفر في قوله:
ولقد علمت سوى الذي حدثتني ... أن السبيل سبيلُ ذي الأعواد

اهـ بلفظه , وقد ولد صاحب الوسيط المذكور بخمس سنوات بعد وفاة الشيخ سيدي المذكور .

والبئر المذكورة مطوية بالصخور وبالخشب فقط لأنها الموجودة آنذاك .

واستمرت عمارة بتلميت منذ حفرت بالعلم والدين والاستقامة على يدي الشيخ سيدي الكبيرحافرها , وفي رسائله ما يدل على انها هي مقره , فقد ورد ذلك في رسائل خاصة للعيال الخاص فقد ورد فيها في أمرهم بالرحيل ويخيرهم بين جهتين إلى أن يقول : إما إلينا عند أبي تلميت إلى آخرها , وورد في أخرى للعيال الخاص أيضا ما لفظه : واعلموا أن الذي عاقنا عن تعجيل القدوم عليكم بعد إرادة الله تعالى إنما هو كثرة الهموم والأشغال التي تخصنا والتي تعم جميع الأهال بل وهموم المسلمين القاطنين بقربنا أجمعين إلى آخرها في كثير من هذا النوع .

وجعلها موعدا بينه وبين محمد لحبيب بن اعمر بن المختار في رسالته إليه التي يريد أن يصلح ما بينه وبين خندوس, وما بينه وبين ابن عيدَّه أمير آدرار , وأرسل كذلك لابن عيده أنها الموعد بينه وبينه في رسالة كتبها إليه ليصلح بينه وبين محمد لحبيب أمير الترارزة , كل هذا يدل على أنها هي الموطن الرسمي عنده , وإن كان يُرحِل العيال عنها والمواشي كثيرا , وقد قيل إن ابنه الشيخ سيدي محمد ولد عندها .

ويحكى أن الشيخ سيدي بنى سبعين مسجدا في نواحيها ردم في كل مسجد حجابا مهما .

ولم تزل الناس تكثر عندها وتستقر وتبني الخيام واخصاص الحشيش في خفارة الشيخ سيدي المذكور وتلاميذه إلى أن وصل الفرنسيون أوائل عام 1903م , فبنوا القصبة العسكرية المعروفة على ألسنة العوام بابلكوص في مارس عام 1903م.

 وهذه الدارــ أي دار الشيخ سيدي ــ قائمة لهذا العهد 1969م على تهدم فيها وكانت قوية غاية بنتها قسمة عسكرية تعمل تسع ساعات في النهار , وحفروا آبارا بجوانبها وقد وجدوا عندها آل الشيخ سيدي ومن معهم من قبيلتهم وتلاميذهم , وقد أتوا بلَصُ الآن وجُدد به بئرا أبي تلميت القديمتين , وأدركتهما بذلك الصنع , وهما أكثر ما يشرب الناس بمائهما .

وقد ذكر الشيخ سيدي باب بتلميت في شعره حيث قال :


أبو تلميت واسطةُ البلاد *** هَدى أهليه إذ نَزلوه هـــــادِ

توسَّط بينها شرقًا وغربًا *** وبين الريف منها والبوادي

هواء طيِّبٌ ونميرُ ماء *** إلى الشُّم الحسان من النـــجادِ

وصاحبه من الرحمن لطف *** وإرشاد إلى سبل الرشــاد

وأعطي كل عافية وأمن *** مدى الدنيا إلى يوم التنـــادي


وذكرها في أبيات رقيقة له أيضا وهو إذ ذاك في آدرار فقال :

أيها المغتدي مع الإشراق *** زاجرا فوق قاتم الأعـمــــــاق

إلى أن يقول :

جعلت همها أبا تلميت *** وسهيلا إليه نصب المـــــــــــــــآق

بلغنه بلغت ما أنت ترجو *** أن قلبي إليه بالأشـــــــــــــواق.

وجاء في ديوان أحكام قاضي بتلميت في صفحة 63 ما لفظه :

أهل الشيخ سيدي مالكون أباتلميت زمنا أكثر من مائة سنة وقالوا إنهم غير آذنين لأحد يبني في أرضه إلا بإذنهم .

 وإذا أراد أن ينتقل من هذه البلاد فإنهم غير آذنين له في البيع لأنه ليس له من ذلك البناء إلا عمل يده,  وأنهم وكلوا حِمدُ بن اكليل العار على أمر ذلك البناء .

وكتب لليال بقين من جمادى الأولى عام سبعة وأربعين وثلاثمائة والف للهجرة .

سيد محمد بن الداه بن داداه غفر لهم وللمسلمين .


وصدق حاكم دائرة الترارزة في صفحة 102 على ما قبل ذلك من الأحكام من صفحة 58 إلى صفحة 102 في 9 يناير 1929م , قائلا إن الجماعة التي فتشت الأحكام لم تر فيها مقالا لقائل , وصادق على ذلك المفتش العام للشؤون الإدارية في 13ــ 2 ــ 1929م , وبناء على اعتراف الفرنسيين لنا بهذا الملك فقد اهتموا بتحديده وتسجيله في السجلات العقارية عام 1947م : من عند المطار القديم الذي كان في سبخة انتورجات ويذهب مسامتا في الجهة الشرقية إلى كود النطفيَّه , ويسامت شمالا حتى يجاوز من وراء مدفن البعلاتية , ويذهب في الشمال الغربي حتى يأتي من وراء زيرت بَكَّل ويصل إلى كود انتورجات من حيث بدأ .

ولم يزل بتلميت هو محل حاكم الدائرة الرسمي وإن كان سكن في روصو لأسباب إدارية في زمن حربه 1939ــ 1945 إلى التصريح بالولاية السادسة في يناير 1969م .

وجاء في آخر رسالة من رسائل الشيخ سيدي باب كتب بها إلى نائب الدولة الفرنسية فيما يخص بئر بتلميت ما لفظه : ثم هذا البئر يذكر أنها لم تصلح كما ينبغي فليعجل عليها الماهر بإصلاحها جدا والآلة التي تجذب الماء وإلا فالماهر بتكثير مائها فقط وتجعل عليها آلات البيضانيين فقد كاد الشرب يقصر عليها لانهيار ما كان هنا من الآبار سواها ولزهدنا في الحفر من أجلها . 

والسلام 27 شهر رمضان عام 1324هـ.

ولم تظهر آلة جذب الماء المذكورة إلا في أوائل سنة 1957م فقد جعلت على عين السلامة بئر الشيخ الأخ المرحوم عبد الله بن الشيخ سيدي باب .

ولفظ التصديق الذي في ديوان الأحكام القضائية الذي تقدم ذكره هو : 

Les jugements du n°58 au n°102

Ont été vus par la commission de contrôles et n’ont donné lieu à aucune    observation.

Boutilimit le 9 janvier 1929 

Le capitaine Pampiani

Le de Cercle du Trarza

عليها طابع الدائرة مدور وفي تدويره :

Boutilimit Cercle du Trarza 

وفي داخل التدوير : Le Commandant de Cercle 

 وفوقه الإمضاء اليدوي , ويلي ما تقدم بقربه :

Boutilimit le 13/2 /1929

L’inspecteur des affaires administratives 

ويليها طابعه مدور في تدويره وفي داخله : Colonie de la Maurutanie 

Inspection des affaires administratives                                      

وعليها إمضاؤه اليدوي .

فقد سبق الحكم المذكور رقم 63 من الأحكام المصدق عليها خمسة , وتأخر عنه ما بعد ذلك 39 حكما , ودخل الحكم نفسه في جملة المصدق عليه , منها جملة وقد تأيد كل ذلك بالقانون العقاري الموريتاني 

Loi N° 60 – 139

الصادر في الثاني من أغشت عام 1960 في نظام الاستقلال الداخلي , حيث جاء في الفصل الأول منه ما مؤداه : إن الأراضي الشاغرة والتي لا مالك لها للدولة ومثلها أراضٍ غير محدودة وغير معطاة بوثيقة إعطاء شرعية .. وغير مسكونة لمدة تزيد على عشر سنوات .

وجاء في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة ما مؤداه :

ويكفي من الدليل على الشغور عدم وجود بناء أو حراثة أو غرس أو آبار فيها .

وجاء في المنشور رقم : 279 / MINT /AG 

بتاريخ 5 مارس 1963 الموجه من وزير الداخلية إلى عامة حكام الدوائر وحكام المقاطعات يلفت أنظار الجميع إلى المقصود من عدم إرجاع ما قد مضى فيه حكم تحت القوة الاستعمارية إلى النزاع .

وأن كل خلاف وقع بين جماعات أو أفراد ووجد له حل سواء كان حكما أو صلحا أو موافقة لما يطابق مقتضى المرسوم المؤرخ في ثاني ميه 1906 يترك ولا يرجع إليه إن لم يكن مخلا بالنظام العام , وأن ما يدعيه الأشخاص في الحال من كون الحكومة في ذلك الوقت غير شرعية لا يلتفت إليه لأنها هي التي لها السلطة في وقتها وأن قبول إثارة مثل هذه الدعوى قد تعرض الحكومة لكثير من الخطر يمكن أن تنشأ عته الفتن الدامية التي هي أسباب الخلافات السابقة .

وقد طلب وزير الداخلية ممن وجه إليهم هذا المنشور أن يخبروه بكل ما تسبب عنه .

وجاء في منشور وزير العدل والتشريع رقم :

N°264/MJL/CAB/EL du 30 Avril 1963                           

الموجه إلى عامة الحكام العدليين والقضاة في مختلف المحاكم تأكيد لمضمون المنشور السابق , ويزيد على ذلك أن كل حكم أو صلح أو موافقة وقع كل منها في زمن الاستعمار كما كان لا رجوع عنه اعتمادا على الشرع  وعلى  النظر السديد مهما كان نوع المحكمة التي أصدرت الحكم أو الصلح أو الموافقة , ومثل ذلك الأحكام الصادرة من عام 1959 إلى عام 1961 لا نظر للمحاكم التي أنشئت بالقانون رقم :

Loi N° 61-123  du 27/6/1961  

فيها , وكذلك الأحكام العرفية البلدية الموروثة عن الاستعمار تجري مجرى ما تقدم من عدم الرجوع عنها .

ولا يمكن تغيير هذا إلا أن تكون تلك الأحكام الماضية قد رفعت إلى محكمة أعلى من التي أصدرتها طلبا لاستئنافها أو طلبا لنقضها , أو يكون قد صدر حكم برفضها من المحكمة العليا لمصلحة القانون , ويشترط في جميع ما ذكر أن يجري في وقت مناسب , وقد أمر وزير العدل الموجه إليهم هذا المنشور بتطبيقه .

وجاء في المنشور السري المتعلق بالخلافات العقارية رقم :

0001 lois /MJ-INT/CAB                                        

الموجه من عند وزير العدل والداخلية إلى حكام الدوائر والمقاطعات في 6 يناير عام 1968 الذي ذكر فيه أمر بالزراويل  وابّير اللبن وتكور وانتيزيت وغيرها 

الأمر بالرجوع إلى معنى ما في الفصل الأول من القانون العقاري الذي تقدم ذكره والحث على تطبيقه لمريدي حفر الآبار أو تملك الأراضي .

 وتوطن آل الشيخ سيدي بتلميت كما كان وطنا معنويا لجدهم الشيخ سيدي الكبير , ولما قدم الفرنسيون عليها ساكنوهم عندها مدة استيلائهم إلى أن استقلت البلاد , وسار عنها آخر حاكم فرنسي عام 1960 في شهر اغشت.

ومن الغرائب التاريخية أن الشهر الذي سار فيه الحاكم المذكور صليت فيه أول جمعة في بتلميت بأمر الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب وأمها محمد بن أبي مدين , واستمرت من ذلك التاريخ إلى الآن أول يوم من مارس عام 1969.


وحفر آل الشيخ سيدي في نواحي بتلميت عدة آبار وكان على الدوام يعرف بهم ويعرفون به في بعض الأوقات ويضيفونه لأنفسهم ويضيفه الناس إليهم ولا يعرف أحد غير ذلك .


وقد وقع منهم تساهل في الكلام بذلك في تاريخ غير بعيد حمل عليه بعض المحامل السياسية الوقتية أدى إلى أخذ كثير من الناس للرخص في الأماكن المؤقتة  في أبنية الحشيش ثم الطين ثم لَصُ في الأوقات القريبة , وليس معنى ذلك أنهم تاركون لحقهم في تملك البقعة بحدودها الشرعية المسلم بها من السلطات الإدارية في وقتها ولا قريبا من ذلك .

وقد ازدهرت بتلميت وتنورت وطار ذكرها في البلاد مدة حياة الشيخ سيدي الكبير بعد قدومه من أزواد من عند أهل الشيخ سيدي المختار , وفي القدر الذي عاشه ابنه وخليفته من بعده الشيخ سيدي محمد وفي مدة ابنه الشيخ سيدي باب إلى أن توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس ثالث جمادى الأخيرة عام 1342هـ ودفن عند البعلاتيه , وقد وافق ذلك 10 يناير عام 1924م .

وكان هذا الازدهار والتنور وطيران الذكر بتعلم العلم والعمل به لوجه الله تعالى وتقوى الله تعالى وعبادته والانفاق في سبيله والإصلاح بين الناس عامة لوجه الله تعالى وإنصاف المظلوم من الظالم ونصرة الحق واتباع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل به واقتفاء آثاره والاتساء  به وتعميم المنافع على خلق الله تعالى وكف الضرر عنهم كل هذا ابتغاء وجه الله تعالى .

فرحم الله السلف الذي سن هذه المكرمات ونهج طريق هذه المعلوات , ولا زال في أعقابه من يقفوه ويجدد أثره , إنه تعالى على ما يشاء قدير , وهو حسبنا ومولانا وناصرنا ونعم النصير.

كتبه هارون بن الشيخ سيدي باب وفرغ منه أول يوم من مارس عام 1969م 

وكان ذلك يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة الحرام عام 1388هـ عند بتلميت حرسها الله تعالى آمين.

جمعها ورتبها مع تصرف فيها : إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي 

جميع الحقوق محفوظة لموقع بتلميت واسطة البلاد: www.boutilimit.net