تنَلْ فلاحاً وتظفره عند رؤيته *** بكلِّ ما تبتغي من صالح الأمَل
أَغرَّ أبلجَ إنْ حالَ الجوادُ على *** ضنْكِ الزمان عن المعروف لم يَحُل
حاز التكرم قِدْماً والسماح معاً *** والمجدَ والفخر عن آبائه الأول
هو الشيخ أحمد بن الشيخ سيدي المختار( اباه ) بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير، أمه مريم ( بترقيق الميم ) بنت المختار بن إنلْلَ .
ولد عام آمسَّاكه ( ــ بكاف معقودة ــ موضع قرب تيرس ) قبل وقعة أودن بسنتين سنة 1313هـ ـــ 1895م.
تربى فى حجر العفاف والصيانة والسعادة، وتغذى بلبان النباهة والسيادة، نهل من معين أبيه، واجتهد في إحراز الفضائل والمعارف.
انتقل إلى الشيخ امود بن محمد المصطفى فدرس عليه القرآن الكريم حتى حفظه، وأخذ العلوم الأخرى والمتون عن العلامة سيد محمد (الراجل) بن الداه بن داداه، كما قرأ على العلامة الشيخ يحظيه بن عبد الودود، ولازمه حتى حصّل فضيلة وافرة من العلم.
ولما شب واستوى، قدر له أبوه مواهبه، فقربه وأدناه، فكان يكلفه بالمهام الجسام، ويعده ويدخره للنوائب العظام.
سعى في مصالح العباد والبلاد العامة والخاصة، كَانَ كثير الصمت, ما تحدث معه أحد إلا انصرف عنه راضيًا، محبوبًا عند العامة والخاصة، لم يؤذ أحدًا بقول ولا فعل، عاشر الناس بجميل فأحبوه, حريصًا على الإفادة بما عنده، قليل الكلام جدًا، لا يتكلم بهذرٍ, ولا بما يخرج عن مسائل النصح والتوجيه والإرشاد، وإذا تكلم في مجلس سكت لكلامه جميع من فيه، محققًا في كلامه, قليل الخطأ, تجلس معه الوقت الطويل فلا تسمع منه كلمة لغو, سليم الصَّدْر, دينا مهيبا وَقُورًا, لَا يحابي أحدا, حسنَ السَّمْت، صالحا, كثير العمل، كثير الخير, مشتغلا بما يعنيه, لا تكاد تسمع له رأيا أو كلمة إلا فيما يفيد وينفع.
لَا عيب فِيهِ سوى وجازة لَفظه *** مَعَ الاحتواء على الْكَمَال بأسره
حكي لي أحدهم عن والده أنه قال: (صَحِبت الشيخ أحمد حَضَرًا وسَفَرًا مدة طويلة، فما رأيته يترك قيامَ الليل، ويقرأ كل ليلة وردا من القرآن الكريم، وكانت صدقاته دارَّةً سِترًا وعلانيةً)، ذا مروءة وسماحة وقناعة، باذلا للمعروف، مغيثا للملهوف.
محضُ الإباء وسؤددُ الآباءِ *** جَعَلاكَ منفردًا عن الأكفاءِ
ولقد جمعتَ حميةً وتقيةً *** ثَنَتا إليكَ عنانَ كلِّ ثناءِ
كان رحمه الله شديد الاجتهاد في العبادة، كثير الخلوة، مشتغلا بالله تعالى عما سواه، ملازماً للأذكار، حازمًا، حليمًا، رحيمًا، جَوَادًا، عاطفًا على الفقراء والمساكين، اتصف بالورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهادة في الدنيا، ظاهر الخشوع متواضعاً، قليل التصنع، كريم الأخلاق، حسن الأدب، لا يخاف في الله لومة لائم.
عفيف شريف النفس للفضل عارف *** حليمٌ كريمٌ سالم القلب منصف
كثير التلاوة لكتاب الله تعالى، كثير الصيام والقيام، معروفا بالإفضال على كل من يطيف به، بعيدا عن مواطن الرياء، حسن السِّيرَة، جَامعا لصفات الْخَيْر، لَيْسَ فِيهِ شَيْء يشينه فِي دينه ودنياه.
حج واعتمر وزار المدينة المنورة سنة 1374هـ ـــ 1954م
ثمانيةٌ لم تفترِقْ مُذْ جمعتَها *** فلا افترقَتْ ما افترَّ عن ناظرٍ شُفْرُ
ضميرُكَ والتقوى وجودُكَ والغنى *** ولطفُكَ والمغني وعزُّكَ والنَّصرُ
بهي الطلعة، مهاب الشكل، وقورا، محتشما.
كريم السّجايا أريحيّ سميدع *** أغرّ طليق الرّاحتين وهوب.
و كتب عنه الشيخ إسماعيل بن الشيخ سيدي باب نبذة جاء فيها:
( كانت وفاة أخينا السيد أحمد بن عمنا بل والدنا ابَّاهْ يوم الثلاثاء فى الساعة الحادية عشرة ثامن عشر جمادى الأولى عام 1385 موافق 65 ـ8 ـ14 , وأول يوم من شتنبر العجمى عند بتلميت عن سن تناهز 73 سنة تقريبا.
لأنه ولد العام الشهير المسمى ءامسّاكَ قبل وقعة أودنْ بعامين وهذه الوقعة كانت عام 14 هجرية كما هو المتواتر عند الناس فى الثالث والعشرين من ربيع الثاني منها.
فرحمه الله تعالى وإيانا رحمة واسعة آمين وأخلف لأهله بخير وأحسن عزاءنا وعزاءهم آمين.
ودفن فى اليوم نفسه إلى جنب والده، وكثير من أهله فى مقبرتهم الشهيرة البعلاتيّة بعد أن صلى عليه جم غفير من أهله وغيرهم.
وكان رحمه الله من خيار أهل بيته أدبا وظرفا ودينا ومروءة ودماثة أخلاق وكان من المعرضين عن اللغو كثير الصمت إلا فيما يهم من أمر الدين أو الدنيا ومن الذين لايغتابون الناس ومن المواظبين على الطهارة والصلاة فرضا ونفلا وقد حج واعتمر وزار المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام عام أربعة وسبعين وثلاثمائة وألف.
فكان بين وفاته ووفاة عبد الله ابن الشيخ سيديّ عام إلا شهرا واثنتى عشرة ليلة رحمهما الله تعالى آمين.
يقال إن من علامة قبول الحج أن يكون الحاج خيرا بعده منه قبله، فحجه مقبول والله أعلم.
وكان رحمه برا بوالديه متعففا عن المسألة جدا.) انتهـى كلامه.
توفي الشيخ أحمد بن الشيخ سيدي المختار يوم 18 جمادى الأولى عام 1385هـ، الموافق 14 سبتمبر 1965م.
ودفن عند مقبرة البعلاتية بأبي تلميت إلى جنب والده، رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته.
********
فلئن ذهبت بملء قبرك سودداً *** لجميل ما أبقيت ليس بذاهب
********
وغادر وَجه الْفضل والنبل أغبرا *** وطرف الحجى وَالْعقل واللب أرمدا
وَأبقى أساه كل دمع مهلهلا *** وَأبقى بكاه كل خد مخددا
فَعَاد بِهِ شَمل الهموم مجمعا *** وآض بِهِ شَمل السرُور مبددا
فَفِي كل دَار مِنْهُ نوح وَرَنَّة *** وَفِي كل قلب مِنْهُ كلم تجددا
بِأَن الردى أنحى على الْمجد والعلى *** وأودى بحزم الْعلم والحلم والندى
بِمن كَانَ للإحسان وَالْفضل مألفا *** وَمن كَانَ للإنعام والطول معهدا
فويح الردى كَيفَ انبرى دفْعَة لَهُ *** وَكَانَ بِهِ من قبل يستدفع الردى
عساه أَتَاهُ فِي معَارض سَائل *** فراوده عَن روحه باسطا يدا
فَمَا رده لما اجتداه تكرما *** وَكَانَ قَدِيما لَا يرد من اجتدى
سَلام عَلَيْهِ فائض بركاته *** من الله والرضوان مثنى وموحدا
وَلَا زَالَ ريحَان الْجنان وروحها *** يصافحه فِي كل ممسى ومغتدى.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي