الشيخ إسحاق بن الشيخ سيدي باب


‌ فتى لا يجارى في المكارم والعلى *** بنائله يوم الندى يقتل الفقر

أغر ‌فتى ‌الفتيان بدر مآثر *** بغرته الغراء يستمطر الخير

شجاع شديد البأس قرم سميدع *** إذا ذكر الأجواد طاب به الذكر

مليك له عند الأنام مواهب *** تناقلها الركبان والبدو والحضر

 هو الشيخ إسحاق بن الشيخ سيدي باب أمه فاطمة امباركه بنت المختار بن عبد الفتاح بن عبد الله بن ألفغ نلل، ولد في نواحي بتلميت سنة 1902م.

نشأ وتربى ‌في ‌حجر التقى والكرم والعلم والمعارف والْعِزَّة، متفيئا ظلال والده الذي اعتنى بتربيته، مَبْسُوطا عَلَيْهِ مِنْهُ جنَاح الرأفة، رافلا فى حلل فضائله ومكارم أخلاقه، مسديا إليه لطفه وَعطفه.

 درس القرآن الكريم على العلامة المقرئ محمد المصطفى بن ابنو، والعلامة محمد سالم بن حامدت، وعنهما أخذ العلوم الأخرى، كما درس على علماء أجلاء آخرين.

ولما بلغ أشده استقل بنفسه، و‌بنى ‌مجده بمزاياه وكفاياته، لم يفتخرْ بآبائِه، ولم يبتهج بنضارةِ أصْلِه ونمائه، ولما اعْتصَم بعُرْوةِ الفضلِ الوُثْقَى، وصعد إلى رتبة المجد وترَقى، قال أنا عِصامي لا عِظاميِ، وإن كنت لذِمار مآثرِي حامي.

‌نفس ‌عصامٍ سودت عصاما *** وعلمته الكر والإقداما 

                       وصيرته ملكاً هماما.

                                  ******

قد طلبنا فَلم نجد لَك فِي السؤ *** دَد وَالْمجد والمكارم مثلا


كان ملكاً ‌عالي ‌الهمة رفيع القدر مشهور الفضل زكيّ النفس، طاهر الأخلاق، حسن الصورة، نبيها شهما كريما، وافر الْعقل، ظَاهر الْفضل، غَنِي النَّفس، كثير المناقب، عَظِيم الْمَوَاهِب، لَيْسَ فِي زمانه نَظِير، وبحر فضائله غزير، عليه سكينة ووقار، من أهل الفضل والدين والورع والزهد، حافظا لكتاب الله تعالى تلاء له، و‌من ‌الذاكرين الله كثيرا، والآمرين بالحق والقائمين بالقسط.

 مقصودا، جميل العشرة، كثير الْمُرُوءَة، باذلا لجاهه وَمَاله فِي مَنَافِع الْمسلمين، ‌كثير ‌الانفاق، شرِيف الْأَوْصَاف، وصولا للرحم، يحب أقاربه وعشيرته، ويحمل كلَّهم، ‌يواسي ذوي الحاجات ويحب الفقراء والمساكين ويكرمهم، كثير الإنفاق على الضعفاء والغرباء واليتامى والأرامل، ويؤثرهم على نفسه وعياله.

يا باذل المال في عدمٍ وفي سعةٍ *** ومطعم الزاد في صبحٍ وفي غسق

وحاشر الناس أغنتهم فواضله *** إلى مزيدٍ من النعماء مندفق

علما يشار إليه، وصدرا يعول عليه، ‌تشد ‌إليه ‌الرحال، وينتهي إليه أكابر القوم، ويأتم بكلامه كل فاضل ومفضول، رزق الْقبول والمحبة والوجاهة، وكان من لين الْجَانِب ولطف الشَّمَائِل وسلامة الصَّدر وطلاقة الْوَجْه مَا يجل عَن الْوَصْف، انتشر صيته وذاع خبره واشتغل بِهِ النَّاس اشتغالاً عَظِيما. 

 ذا الجاه العريض والفضل المستفيض، زكي الخاطر، مصيب الفكر، حازم الرأي، مرتبته في المعارف مشهورة، نفسه نفس الملوك، وله خير جليل، ومهابة شديدة، وحرمة وافرة، جليل المقدار، مَن يحمي الحمى، ويسدي النعمى.

ملك المحامد كلّها فصفاته ال *** حسنى وحاز شجاعة الشجعان

لو أنّ رفعة قدره تسمو به *** لسما على الجوزاء والسّرطان

والكفّ بحر والمدائح ساحل *** وبنانها من جملة الخلجان

وبنجدة المستصرخين وبغية ال *** عافي وعين إعانة الولهان

ومحاق إملاق ويسرة معسر *** وجزيل إطعام ومدّ خوان

حصل له ما لم يحصل لغيره من الإباء والإقدام والأنفة، خدمته السعادة، وامتطى غارب السيادة، وانقاد لطاعته قلوب الأنام، وامتثل أمره الخاص والعام، ومدحه الشعراء، واعترف بفضله الفضلاء، وأثنى عليه العلماء، ودعا له الصلحاء، كثير البر والمعروف، رفيع القدر، فارس ‌الفرسان، لا يجاريه في مضمار الفروسية والرماية إنسان، ‌مقداماً شجاعاً، أبي النفس جريئا، له مكانة عظيمة وشهرة عالية.

يقول فيه العلامة الشيخ محمد أحمد ولد الرباني التندغي رحمه الله :

يا مرحبا بالفتى الميمون إسحاقا *** من قلّد الناس بالإحسان أطواقا 

وقـــيّـــد النفس بالتـقوى وهذّبها *** وأطلق الكف بالخـــيرات إطلاقا 

ففاق أقرانه في كل محـــــمـدة  ***   تبـــــارك الله لما فــــاق أخلاقا

من معشر قدر الرحمن في أزل  ***   أيديَهم لجـمــيع الخـــلق أرزاقا 

قوم بهم أشرقت شمس الفضائل من *** جو العلى فاستنار الأفق ما حاقا 

هم الوفيون بالميثاق عن كـــــرم  *** فأبـــتــغـــي منهمُ عهدا وميثاقا 

الله يجـــــزيهمُ دنــــــــيا وآخـــرة  *** عــنّــا وكانــوا إلى رحماه سبّاقا

‌استوطن منطقة شمامة، وأقرَّه والده ــ الشيخ سيدي باب ــ على تدبير شؤونها، ثم اعترفت له الحكومة الموريتانية سنة 1969م زمن الرئيس الأسبق المختار بن داداه بولايته ونفوذه على تلك المنطقة.

 صَار بهَا أحد أَفْرَاد الدَّهْر، نافذ الكلمة، والمرجع فِي كل المهمات والملمات، انْتَفَعَ بِهِ وَبِكَرَمِهِ الكثير من الناس.

 استصلح أرضها وشجع على زراعتها وفلاحتها، ومد أهلها بالوسائل المناسبة، حتى أصبحت أرضا خصبة زكية التربة أنبتت الزرع وكثر خيرها، فكان يوزع محاصيلها وغلاتها عند كل موسم حصاد على أهلها، وعلى ذوي القربى، والفقراء، والمحتاجين.


 وكان الشيخ إسحاق ذا عبادة وزهادة، وكرامات عديدة، وببركته عمرت منطقة شمامة، وقصدها الناس من كل ناحية، وكانت ‌حرما ‌آمنا يرد إليه أرباب الخوف والرجاء، ويستريح مَن إليه التجأ، ويأمن عنده كل مستجير عائذ.

 عديم النَّظير، وعليه مِنَ الجلالة ما يليق به، وما لأحدٍ بعدَه إلى درجته وصول، ولسان الحال يقول:

هيهات أن يأتي الزَّمانُ بمثله *** إنَّ الزَّمان بمثله لبخيلُ

ونحوه:

عَقِمَ النِّساء فما يلِدْنَ شبيهَه *** إنَّ النِّساء بمثله عقم 

وفضله أشهر مِنْ أن يُوصَفَ، وقد سارت بفضائله ومكارم أخلاقه الرُّكبان، ورُحِلَ إليه مِنْ كل مكان، ومحاسنُه كثيرة.

فتى لا يجارى في المكارم والعلى *** بنائله يوم الندى يقتل الفقر

أغر ‌فتى ‌الفتيان بدر مآثر *** بغرته الغراء يستمطر الخير

شجاع شديد البأس قرم سميدع *** إذا ذكر الأجواد طاب به الذكر

سليل كرام في المكارم سبق *** لهم أوجه بيض وأردية حمر

مليك له عند الأنام مواهب *** تناقلها الركبان والبدو والحضر

لقد طار في الآفاق ذكر نواله *** وهل تنكر الأنوار إذ بزغ الفجر 

له صيتة في الخافقين جسيمة *** يعطر أردان الزمان لها نشر

وما صافحت بيض القنا مثل كفه *** ولا شاهدت شبهاً له الخيل والسمر 

إذا ما امتطى متن السلاهب غازيا *** يقابله التأييد والعز والنصر.

توفي رحمه الله يوم 07 ذي القعدة سنة 1395هـ، الموافق 11 نوفمبر سنة 1975م، ودفن عند البعلاتية بأبي تلميت.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

                                 ********

لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى *** وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا

وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له *** وإن جهدت في حسن أوصافه مثلا

ومن أتعب الناس اتباع طريقه *** فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى

لقد أثكل الأيام حتى تجهمت *** وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلى

وكم جردت أيدي العدى نصل كيدهم *** فرد إلى أعناقهم ذلك النصلا

وكم جل خطب لا يحل انعقاده *** فأعمل فيه صائب الرأي فانحلا

وكم جاء أمر لا يطاق هجومه *** فلما تولى أمر تدبيره ولى

وكم كف محذوراً وكم فك عانياً *** وكم رد مكروهاً وكم قد جلا جلى.

                            ***********

من للمصالح والمهمات التي *** ما كنت عنها ساعة بالساهي

كم حاجة حصلت تجاهك وانقضت *** وكريهة فرجتها لله

من ذا يقوم مقام فضلك في العلا *** من سائر الأنظار والأشباه

ما زلت عمرك محسناً حتى انتهى *** ولكل عمر في الزمان تناه

لله در معارف قد حزتها *** من ذا يجاري فضلها ويباهي

أنطلقت أفواه الزمان بمدحك ال *** عالي لفضل دام منك وفاهي

فسقت ضريحك رحمة فياضة ***  ترويه بالأنواء والأمواه.

 

                         وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي