ربُّ الجدى معدن الجود الَّذي عظمت *** عن أن تحدَّ وأن تحصى مآثره
قد كمَّل الحسن والإحسان خالقه *** به فباطنه خير وظاهره
أكرم به سيِّدًا طالت مناقبه *** في المكرمات كما طابت عناصره
هو الشيخ العالم الفاضل الوجيه التقي المحرر باب بن أحمد بن الشيخ سيدي باب، أمه لالّه بنت سيد أحمد (سناد) بن المختار بن عبد الفتاح بن عبد الله بن اشفغ نلل بن عبد الله بن أحمد بن الفالل بن امرابط مكة بن ابيير،
ولد بِضواحي أبي تلميت سنة 1924م، وتربى في حجر وَالِده وَصَحبه ونهل من معينه - معين الْعلم وَالْعِبَادَة والكرم والْمجد والإفضال والْعِزّ والإقبال- فما زال يغترف من حياضه، ويقتطف من رياضه، إلى أن ترعرع ويفع، فدرَّسه أبوه على علماء أجلاء، ومقرئين كبار أمثال محمد سالم بن حامدت، ومحمد محمود ولد اكرامه ونجله محمد سالم، فحفظ القرآن الكريم، وتضلع من العلوم الشرعية والأدبية.
ولما شب الشيخ باب عن الطوق انكب على مطالعة كتب العلم واجتهد، حتى تميز بين العلماء والوجهاء وانفرد، وكان معمور الأوقات بالعلم والعبادة والتحصيل، صواماً قواماً، لا يتردد إلى المكاتب والأكابر، ناسكًا تقيًا فاضلًا، محققا مدققا محررا، ورعًا زاهدًا ضابطا، ثقة، خيّرا، صالحا، ديّنا، جم المناقب، أعلى أهلِ عصرِه همّةَ في اقتناءِ الكتُب، وأشدّهم اعتناءً بها، جمَعَ منها في كلِّ فنٍّ الكثيرَ النّفيس، وكتَبَ بخطِّه النبيل غيرَ شيء.
وكان بصيرًا بعَقْدِ الشّروط، نزهَ النفْس، ظاهرَ السَّراوة في أحوالِه كلِّها، حسَنَ الوَساطةِ للناس فيما يَرجِعونَ إليه به من أمورِهم، ذَا حَظّ وافر من المعارف والمفاخر.
درَّس في مدينة أطار 1968م، ثم تحول إلى أبي تلميت فدرس بها سنة 1972م.
كان حافظًا للمسائل، بصيرًا بالفَتوى في النّوازل، متقدِّمًا في معرِفة الأحكام والشّروط، له تقييدات حسنة، وتحريرات مهمة، وحواشي وتعقيبات وتعليقات وتصويبات واستدراكات على هوامش الكتب التي كان يطالعها تدل على عمق فهمه، وسعة نباهته.
تمكَّن في علمٍ وفهمٍ وفِطْنَةٍ *** وعزمٍ وحزمٍ واعتبارٍ ملازمِ
له خيرُ منهاج يُعدُّ محرَّرًا *** ومفهومه تنبيه مُدعَى بنائِمِ
ونال مِنَ الخلَّاق خيرَ فِراسةٍ *** تميَّز بها في حصيد وقائمِ
وَكَانَ ثبتا فِيمَا يَنْقُلهُ، محررا لما يسمعهُ، متقنا لما يعرفهُ، حسن المذاكرة، سمحا جوادا، زكي النفس، نزر الكلام، حسن الأخلاق، كثير التّواضع والتّودّد، قائما بحقوقه وحقوق الآخرين، ذا مروءة وافرة، وأوصاف شيمها باهرة، وهمّة عالية:
فرد المعارف والمكارم من له *** أصل بفعل المكرمات عريق
رزقه الله القبول والتوفيق فكان أعمامه لا يقطعون أمرا إلا به، ولا يعقدون اجتماعا إلا بحضوره.
كان كبير المروءة والحلم، كثير المكارم والمعروف وعمل الخير، يبذل وقته وجاهه وماله في مصالح الناس، والسعي لتحقيق غاياتهم، مما جعله موضع حب وتقدير واحترام لدى العامة والخاصة.
صاحب أحوال فاخرة، وكرامات ظاهرة، تروى عنه حكايات تدل على صلاحه وورعه، وقوة صلته بالله عز وجل.
من ذلك ما حدثني به أحدهم قال سافر الشيخ باب بن أحمد رفقة جماعة إلى بادية، ولما حلوا ضيوفا على أحدهم أكرمهم، وأخذ معزاة فذبحها وشوي لهم لحمها، وقدم لهم المائدة فتناولوها، إلا أن الشيخ باب لما وضع قطعة لحم في فيه مجَّها، ونادى المضيف على انفراد وسأله عن حقيقة المعزاة فأخبره بأنها ليست ملكا له، وإنما عثر عليها ضالة فضمها إلى قطيعه. وهذا يدل على صلاحه، وما أوتي من كشف وكرامات.
وحصلت له ألفة قوية، ومودة أكيدة مع أخته الشقيقة فاطمة بنت أحمد بن الشيخ سيدي باب رحمها الله، حتى إنها كانت تناديه وهو مسافر في غاية البعد عنها، فيسمع صوتها، ويلبي نداءها، وهذا قبل ظهور ووجود الهواتف.
توفي الشيخ باب بن أحمد بن الشيخ سيدي باب يوم: 26 إبريل سنة 2011م، ودفن في البعلاتية بأبي تلميت، رحمه الله رحمة واسعةوأسكنه الفردوس الأعلى من جناته وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأشمله بمغفرته ورضوانه، وأحله دار المقامة من فضله:
عاش لله، إنّ ذلك يكفي *** ثم أعطى ما ينفعُ الأحياءَ
زارعًا في الحياةِ نَبْتًا زكيًّا *** ربما كان للحياة دواءَ
ومضى راحلًا إلى اللَّهِ حُبًّا *** مثلما يشتهي المحبُّ النداءَ
فلتطِبْ نفسُه بجنةِ خُلدٍ *** ضمّتِ المتقين والأنبياءَ
لا غُلُوًّا، بل حُسْنَ ظنٍّ بعبدٍ *** مؤمنٍ، ربُّه يُحِبُّ العطاءَ.