الشيخ بن سيد أحمد بن محمد بن أحمد عيشه


قد عم بالنفع أهل النهى *** وأسدى بتعليمه انضره
فكانت دروسه بين الورى *** بتحرير أفهامه مخبره
فعمّر في خدمة العلم مع *** تقى الله في كل ما عمره


هو السيد الفاضل والحكيم الماجد الشيخ بن المجاهد سيد أحمد بن محمد بن أحمد (عيشه ) بن سيد امحمد بن سيد أحمد بن أعمر بن امحمد بن آكشار بن محمد بوعلبه. من أولاد امحمد من قبيلة لِعلِب، أمه مريم بنت اعل بن ابراهيم (الملقب اشليح)، ولد حوالي سنة 1922م.

نشأ وتربى وتعلم على يد والده الرجل الفاضل البطل المجاهد سيد أحمد الذي شارك في عدة معارك ضد الفرنسيين مثل لكويشيشي ( في الترارزه )وفي العزلات ( لبراكنه)وفي يوم لحماده…)، وكانت الشيخة الناهه بنت عبد الفتاح زوجة الشيخ سيدي باب قد أرضعته بابنها الشيخ عبد الله.

ولما شب عن الطوق التحق بمدرسة أبناء النبلاء ( مدرسة رقم1) بأبي تلميت ودرس بها، حتى أكمل مراحلها. 
بعد تخرجه منها ، تمت إحالته كترجمان في بئر أم اگرين، منعه والده سيد أحمد من ذلك، وبقي معه في آوكار / الغشوات ( البئر التي حفرها) ..فهي ربوعهم وبها موطنهم.
مكث مدة يرعى المصالح العامة، وكان له حضور مميز على مختلف الأصعدة.
درس في مدارس عديدة من المزمزم سنة 1958م إلى بنشاب فبتلميت.  
كان ديّنًا، ‌نزيهاً عن المطامع، عفيفاً، جميل الطريقة، حسن الأخلاق، قوي القلب والحافظة، شجاعاً مقداماً ‌جريئا صداعا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، أنوفا، ماضيَ الْعَزْم، بعيد الهمّة، نافذ العزيمة، قويّ الشكيمة، لبيبا، أبيّا، جوادا، حازما، حكيماً في وضع الأشياء مواضعها، فصيح اللسان، وكان يبدو منه من الذكاء والنّبل والتفطّن ما كان يبهت الحاضرين، شَدِيد المداخلة للنَّاس، لطيف المؤانسة، صادق اللهجة، محبًّا لأهل العلم والخير والصلاح، سليم الباطن والفطرة، مَشْهُور السمعة، ضليعا في التاريخ واللغة الفرنسية والثقافة العامة، وهو ذاكرة تاريخ بتلميت وأبو عذرة أخباره وأنبائه.

وكانت للشيخ بن سيد أحمد بن محمد بن أحمد عيشه رحمه الله المنزلة الرفيعة، والمكانة السامية عند القضاة الذين تعاقبوا على القضاء في أبي تلميت من أمثال الشيخ إسماعيل بن الشيخ سيدي باب، والقاضي محمد يحي ولد محمد الدنبجة، والقاضي أحمد بن مزوك وغيرهم فكانوا يستشيرونه ويطلبون حضوره للإستعانة به في كثير من الأمور التي تعرض عليهم، وذلك بحكم تجربته ومعرفته بأحوال الناس، ونباهته وفطنته. 

هو من أبرز أعيان مدينة أبي تلميت، وأحد رموزها الذين خلدهم التاريخ، سعى في مصالحها، وشارك في كل ما له صلة بشؤونها، يذكر ويؤثر عنه أنه اتصل مرة بالرئيس السابق المختار بن داداه وطلب منه المساعدة في إقامة مشروع زراعي لأهل بتلميت آنذاك.
كان من مستقبلي الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول إبان زيارته لمدينة أبي تلميت سنة 1953م إلى جانب الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب. 
صحب أبناء الشيخ سيدي باب منذ صغره فأخذ بسيرتهم وتربى على محبتهم، وكان قد تنزل منهم منزلة الروح من الجسد، فنفوسهم فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء متشاركة، وَقُلُوبهمْ على الصفاء متعاقدة، ومهجاتهم مصونة مهجة وَاحدة، وكانت صلته بالشيخ سليمان بن الشيخ سيدي باب والشيخ موسى بن آل محمد وثيقة ووطيدة رحمهم الله جميعا:
فحلّ في مجمع الأرواح ‌يصحبهم *** بالجسم والرُّوح لا يلقى بهم سأما.
توفي يوم 15 أغشت 2018م بأبي تلميت، ودفن عند البعلاتية رحمه الله رحمة واسعة:
جازاه ذو الجود العميم بفضله *** وسقاه صوب ‌سحائب ‌الرضوان.
سقى الله ثراه ‌شآبيب رحمته، وأسكنه برحمته فراديس جنته.


تتمة تاريخية للتوضيح:
وأما أولاد امحمد الذين منهم الشيخ بن سيد أحمد بن أحمد عيشه فيعود نسبهم إلى امحمد بن آكشار بن محمد بو علبه بن مسعود بن موسى بن تروز، من لِعلِب، ويطلق على لعلب أيضا الترارزة الحمر، وهو مصطلح أعطاه أهل الساحل للعلب يشبهونهم بالتمر الأحمر الذي هو أفضل وأجود أنواع التمور،  يريدون بذلك أن لعلب هم خيرة الترارزة.
وفسر السعد أيضا سبب هذه التسمية بقوله: ((أما الشمال من الإمارة فقد أسندت مهمة الدفاع عنه إلى لعلب ولا سيما ضد أولاد ادليم الذين كانوا وقتها في نزاع مع الإمارة، ولقبوا بالترارزة الحمر وبالشعالة أحيانا لتعرضهم لأشعة الشمس الحارقة واصطلائهم بنار المجموعات الحسانية الطامعة في الإمارة من جهة، ولشدة بأسهم في الحرب من جهة أخرى.)).
وإذا كان السعد قد أمدنا بتفسير لتسمية لعلب بالترارزة الحمر فإنه أكد لنا كذلك ما ذكره أحمد بن الأمين الشنقيطي من كون: ((... هؤلاء أعني لعلب أصبر على الحرب وروغها من غيرهم)).
وقد كان لهذه المجموعة دور رئيسي في إمارة الترارزة، حيث ضم وفد اعلي شنظورة إلى المغرب من بين أعضائه القلائل سدوم بن امحمد.
كما أبلوا بلاء حسنا في حروب الترارزة والبراكنة معلنين بذلك عن مهارات قتالية رفيعة، كانت السبب في إسناد اعلي شنظورة إليهم مهمة حماية الحدود الشمالية للإمارة.
وكان لعلب يتمسكون بعهدهم تجاه السلطة الأميرية، ويقفون إلى جانب الشرعية ضد المتمردين، ساعين من خلال ذلك إلى تقوية الإمارة التي يعتبرون حماتها وجنودها الذين يعول عليهم عند حلول الشدائد والمحن والأزمات.
وفي إطار وقوف لعلب إلى جانب الشرعية الأميرية، كانوا القاعدة التي ارتكز عليها اعمر بن المختار في حربه ضد امحمد بن اعل الكوري، ورفضوا التنازل عنه رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم في هذه الحرب وخاصة في يوم غسرم سنة 1237هـ 1822م.
لكن الصراع الدموي على السلطة بين أبناء محمد لحبيب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أربك المجموعة التروزية فلم يعودوا يميزون أين تكمن الشرعية فانقسموا على القسمتين المعروفتين، فكان أولاد امحمد وأولاد دمان إلى جانب أسرة أهل سيدي، وكانت اشريببه والكحل وأولاد البوعليه إلى جانب أسرة أهل اعلي.
وقد ظهرت في لعلب ظاهرة التخلي عن حمل السلاح كغيرهم من الترارزة، فتخلت مجموعة (( اتواجين )) عن حمل السلاح، وتخلقت بأخلاق الزوايا، بالإضافة إلى بعض الأسر التي اندمجت في بعض القبائل الزاوية.
وبحكم وجود لعلب على الحدود الشمالية للإمارة فقد كانوا أوسع مجموعات الترارزة مجالا، حيث كانوا يسيطرون على المنطقة الممتدة من نهاية اكيدي شمالا حتى تخوم آدرار في نهاية آوكار من جهة الشمال الشرقي، وآكشار من جهة الشمال الغربي.
كما كانوا عرضة للحروب مع أصحاب غارات السلب والنهب القادمة من الشمال مما أكسبهم احترام زوايا المنطقة عموما، والزوايا الذين يعيشون معهم في نفس المجال خاصة.
وتعتبر المجموعات الترورزية ــ رغم التمايز الواقع بينها في السلوك والموارد ــ من أغنى المجموعات الحسانية في البلاد، كما أنها تشترك في مسلكيات عامة: كالسهر على سمعة الترارزة، والاعتراف المطلق بسلطة الأسرة الأميرية، وتقدير العلماء والاقتداء بأوامرهم، مما جعلها وجهة لمجموعة من الرسائل من قبل الشيخ سيدي الكبير. 


              وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي