الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي المختار اباه بن الشيخ سيدي


ورث المعالي عن أبيه وجده *** فجرى طريفا في الأنام بمتلد

قوم تردّوا بالمكارم واكتسوا *** حلل الرئاسة بالأغر الأمجد

أموالهم مبذولة لعفاتهم *** وديارهم لو فودهم كالمسجد

حرم تحرمت الوفود بربعهم *** فسما إليه بمقسم ومؤكد

الواهبون تكرما أموالهم *** والمجزلون حبا الوفود الوفّد

والمطعمون إذا المرابع أمحلت *** والواهبون لكل ما لم يوجد

والقائمون بكل جد واجب *** والصّافحون عن المسيء الأعتد

وإلى جدودك ينتمي كرم الورى *** وإليك مقصد كل سفر منجد

ولديك مغنم كل طالب حاجة *** ويزين ذكرك في القريض المنشد

حزت المكارم والمناقب والحجى *** يا ذا المعالي والنهى والسؤدد

ورقيت في العلياء أعلى رتبة *** شرفت على شرف السها والفرقد

يا وارث الماضين محض علومهم *** يا كامل العلم الشريف المقعد

هو الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي المختار بن الشيخ سيدي، والدته فاطمة بنت محمود ولد عبدي ولد الرباني المحمدية الأبييرية, ولد سنة 1929م، على كثيب بتلميت الجنوب الشرقي.

 وهو أول مولود ذكر للشيخ سيدي المختار (اباه) بعد ثلاثين سنة من مولد أخيه الشيخ سيدي محمد (بده)، حيث عمت البشرى بمولده.

 نشأ وتربى في حجر العز والتقى والعلم والصلاح ورياض الفضائل والقيم الأخلاقية النبيلة، فنهل من معين والده وتشبع بأخلاقه وآدابه، و‌ارتضع من لبان المجد والحسب، فكان شيخه الأول الذي سمع منه، وأول ما بصرت عينه من شيوخ الدرس والتعليم، وتوسم الوالد في ولده حبّ العلم ورغبته فيه، فاختار له أفضل المؤدبين من المقرئين والعلماء.

 تلقى تعليمه القرآني على يد المقرئ المصطفى بن الدولة الملقب ( طه ), كما تعلم على المقرئ إبراهيم بن محمد المصطفى بن ابنُ الأبييري, درس أيضا على العلامة الشيخ عبد الله بن داداه, وكان لازمه ‌مدة، وقرأ عليه القرآن الكريم والمتون الشرعية  

فهو من دوحة العلا فرع عز *** ليس يحتاج مجتنيه لهز

تمتع الشيخ عبد الله - رحمه الله - بنزاهة علمية وأخلاقية رفيعة، وترعرع على الصدق والعبادة والأمانة. فقد احتمل ‌منذ ‌نعومة أظافره مسؤولية رعاية حاضرة والده بعد ضعفه, والقيام بشؤون عائلته وتأمين متطلباتها الحياتية، بصبر وعزم وإيمان، مبتغياً وجه الله تعالى، متمسكاً بما يمليه عليه دينه الحنيف من استقامة لا عوج فيها ولا انحراف.

‌تحمَّل ‌أعْباءَ الخُطوب وإنَّها *** تمِيدُ لها صُمُّ الشِّدادِ الشَّواهِقِ

وإن احْتمالَ الخَطْب في كلِّ حادثٍ *** طرائقُ آبائي وبعضُ طَرائقِي

‌كان رحمه الله لَيِّن ‌الْجَانِبِ، لطيف الذات كَرِيم الْأَخْلَاقِ، حسن الخُلُق حَييّ الطّرف، وَيَفْعَل الْخَيْرَ، وَيُسَارِع إِلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمَثُوبَاتِ، مَشْكُور الْمَسَاعِي لَا يَرُدّ مُكْرُمَةً تُطْلَبُ مِنْهُ. 

قد طبعه الله من كرم الأخلاق، وطهارة الأعراق، وحسن البشر، وحرمة الطبع، وحياء الوجه، وحبّ الغرباء ما لا يرى متفرقًا مع خلق كثير.

سارتْ بأوصافِهِ الركبانُ فاتفقتْ *** على معاليه أسماعٌ وأبصارُ

كثير الانبساط مع الناس، وَطِيء الأكناف، سليم الباطن، مقبلا على الصغير والكبير، كثير الصدقة والبر والمواساة، حريصاً على قضاء حوائج الناس، وإدخال السرور عليهم، كريم الشمائل، كثير التواضع، قنوعاً من الدنيا بقدر الكفاية، معرضاً عن التكثر مع تمكنه من ذلك وقدرته عليه، كثير الأدب والسكون والحشمة بشوشَ الوَجْهِ:

ترى الْبشر يَبْدُو من أسارير وَجهه *** فَلَو جِئْته لَيْلًا لأهداك أنوارا

 رحيمَ القَلْبِ مُحِبًّا للَّه تَعَالَى، راجيا عفوه وكرمه، صاحبَ ليلٍ.

 كَانَ رَجُلًا جَيِّدًا مُبَارَكًا صَالِحًا من أهل التهجُّد، تغلبه الرقة والرحمة، وتستولي عليه الشفقة.

 حسن الهدى، نزيه النفس، كان ممّن فضّله الله بحسن الخلق والحياء على كثير من الفضلاء، حسن الوجه، ‌جميل ‌الطلعة، وافر الحُرْمة، كثير المروءة، ما قصده أحد في شيء وخيبه، كان منقطع القرين فى الدّين والصلاح، والجري على سنن السلف الصالح. 

كَانَ مَجْلِسه لَا يذكر فِيهِ إِلَّا الْعلم وَالدّين وأحوال الصَّالِحين والنصح والتوجيه, ‌بَعيدا ‌عَن ‌الْغيبَة, ولَا يذكر أحدا إِلَّا بِخَير, ولا يقبل من الحاضرين الخوض في أعراض الناس.

 بالحق مشتغل في الخلق مكتمل *** بالبر معتصم بالبر ملتزم

إذا وقع بصرك عليه ذكّرك بالله تعالى، وبأوليائه، رقيق القلب، سريع الدّمعة، شديد الخشية، واسع الصدقة، صحيح العقيدة، لا يقدر للدنيا قدرا، ولا يستقر بيده شيء منها مع وفور المتطلبات:

مروءاته أفنت خزائن جمعه *** فهل أنت في فعل المكارم لائمه

لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ تَلَوُّنٌ، وَانْحِلَالُ عَزْمٍ.

سافر عدة مرات، وكان كلما وسع الله عليه يؤثر ذوي القربى والمحتاجين. 

ويعطي جزيل المال محتقرًا له *** سماحًا ويعفو عن كثير الجرائم

مناقب جوده قد حواها جبلة *** فحاز الثنا من عربها والأعاجم

توفي رحمه الله سنة 1997م، ودفن عند البعلاتية بأبي تلميت.

رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته

                            *******

ما مرَّ يومٌ من حياتِكَ عاطلًا *** بل كان بالتَّقوى مُحلًّى مُخْمَلا

واللّيلُ يَعرِفُ منكَ نِضوًا خاشعًا *** لله يَسكُبُ فيه دمعًا مُسْبَلا

ما ذاق طَعْمَ النومِ إلّا خِلسةً *** بَخِلتْ على أجفانِه أن يُكحلا

فطَواهُ بينَ ركوعِهِ وسجودِهِ *** بدموعِ تقواهُ مندًّى مخضلا

أحشاؤُهُ موقوذهٌ ولسانُهُ *** يُهدي إلى الله الكتابَ مُرَتّلا

وتعهَّدتْكَ من المُهيمِنِ رحمةٌ *** فتحتْ إلى الفِردَوْسِ بابًا مُقفَلا

                              ******

تغمده المولى الكريم برحمةٍ *** وأسكنه الفردوس مع كل ناعم

فلا جزع مما قضى الله فاصطبر *** وإلا ستسلو مثل سلو البهائم.

           وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي