الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب



تاج الزمان وحيده وفريده *** والمرتجى لحوادث الأيام

                              ***

حدث عن البحر ولا حرج , هو تاج الندى وعين الجود

فمنك الجود والإفضال حقا *** وفيض يديك كالبحر الغزير 

  هوالعالم العلامة, بدر زمانه علما وورعا وتقى وكرما وسخاء ومروءة ,كان رحمه الله  صواما قواما ربانيا زاهدا عابدا , تاليا لكتاب الله آناء الليل وأطراف النهار, ساهرا على مصالح العباد واليلاد , بعيد النظر , واسع الأفق , آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب , ورزقه المهابة والجاه والسيادة , له اليد الطولى في الإنفاق وكان ينفق إنفاق من لا يخشى فاقة, وله في صنائع المعروف حكايات شهيرة وآثار معروفة , أحيا الأراضي الموات بحفر الآبار وإجراء المياه وتأمين السبل,  كافل الأيتام, حامل الكل مغني المعدم غوث اللهفان، باذل نفسه ونفيسه في طاعة الرحمن :

 الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير.

 ولد  بأبي تلميت سنة 1308هـ ، من أسرة مشهورة بالعلم والإنفاق, وصنائع المعروف ,ورد المظالم , والسعي في مصالح المسلمين , وغير ذلك من الخصال الحميدة , كما قال الشاعر الموريتاني في الشيخ سيدي الأول:

يداه غمامتانِ على البرايا *** على التدءاب دائمتا انهِمَال
فذي عمَّتْ بصَيّبِهَا وهَذي *** تخصُّ به ذوي الهمم العوالي 

إلى أن قال:

حوتْ ما دون مرتبة التنبّي *** يداكَ من المكارمِ والمعالي 

في هذا الجو المفعم  بالعلم والمعرفة والسخاء والكرم والشهامة والنبل والمعروف تربى الشيخ عبد الله وتكونت شخصيته , وعلا قدره , وسمت نفسه , وهيأه والده للقيام بالمهام الصعاب , فكان عند حسن ظن والده به خيرا وصبرا وحكمة وحسن تدبير. 

ويعجز القلم هنا عن الإحاطة بسيرته وأخباره وإنجازاته فيقف حائرا كيف يبدأ أبحفظه أبعلمه أبقيامه أبإنفاقه أبرده المظالم أبشخصيته أبعطفه على الضعفاء أبسياسته الدنيوية والأخروية ,  أبورعه أبخوفه من ربه أبحسن سيرته؟

تکاثرت الظباء علی خداش *** فما يدری خداش ما يصيد

لكن نحاول حسب الجهد فنقول : كان والده يقربه ويدنيه منه ويعده للمهام الجسام, فعلمه العلم ومکارم الأخلاق وأمطره بمعارفه الواسعة, وأخلاقه الفاضلة, فكان أرضا صالحة أنبتت لا أقول الكلأ والعشب بل العلم والجاه والسيادة والكرم.

فتوفي والده رحمه الله سنة 1924م وتركه هو وأخويه الكبیرین محمد وأحمد وجميع أسرته المباركين رحمهم الله. فقام محمد بالأمر بعد والده أجمل قيام فکان صاحبنا له ولدا وكان هو له والدا ومعلما.

وكان محمد غزير العلم صدوقا لا تأخذه في الله لومة لائم وكان يتسير بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فولى صاحبنا الأمور السياسية فجمع الكلمة ووحد الصف وربأ الصدع إلى أن توفي محمد رحمه الله.

ثم قام بالأمر بعد محمد أخوه العلامة التقي الورع الحكيم أحمد ولم يزل هو وأخوه الشيخ عبد الله على ما كان عليه هو ومحمد قبله إلا أن أحمد انتهج منهج ابن عمر رضي الله عنه في الميل إلى العزلة والتفرغ لعبادة الله تعالی حتى توفي رحمه الله .

فقام صاحبنا بالأمر واتفقت الأمة على بيعته بعد أخويه .

 فحاز صيت والديه وإخوته وبنی قواعد نهجه على نهجهم , فساس الأمور أحسن سياسة , وبذل الغالي والنفيس في مصالح العباد والبلاد , وأعطاه الله من القبول ما ندر مثله , فذاع صيته وانتشر خبره في الآفاق, فسخر الله له المستعمر وجعله يأتمر بأمره وذلك لحكمته وذكائه، فاستعمله في صالح المسلمين دانيهم وقاصيهم .

 وكان في مجلسه لا يفتر عن تلاوة القرآن يتلوه دائما آناء الليل وأطراف النهار تلك عادته وطبعه.

فلا يسمع بسجين أو أسير إلا سعى في خلاصه وفك أسره ، وكان رحمه الله يتحمل الغرامات والحمالات عن الضعفاء والمغلوبين ويدفعها عنهم ، وسترى مصداق ذلك من خلال الشعر الذي مدح به  وفي مراثیه ، وإليك قل من ضادية محمد فال بن عينين الحسني التي مدحه بها واستعطفه عندما اعتدى عليه المستعمر وأخذ أمواله في قوله بالحرف:

إضاضنا في ملمات الخطوب إذا ***  دهمن وابن الأولى كانوا لنا أضضا

هو الملاذ ومشكينا وملجؤنا *** فكل ذي غرض يقضي له الغرضا

فانظرها إن شئت بتمامها، فخلصه وجميع من معه ورد إليهم أموالهم .

وأعماله في هذا وغيره معلومة منتشرة على مستوى الأدب الشعبي والعربي .

ويحدث عنه العلامة يعقوب بن محمد رحمه الله فيقول : ومن أعمال الشيخ عبد الله  الخيرية ما شاهدته أنا بدوري فقد سافرت معه في الدول المجاورة فكان غيثا وسميا يجبي الأموال الكثيرة بصفة شرعية ويجعلها لباسا للذين لا يستطيعون حیلة ولا يهتدون سبيلا وقضاء لديون المعسرين من أقاربه وغيرهم فصار كلهم يرى له دينا عليه كما قال الشاعر الموريتاني في أبیه:

يری للمعتفی حقا عليه *** كأن عليه للعافی دیونـــــا .

حياته العلمية وإنجازاته :

وكان الشيخ عبد الله طموحا قوي العزيمة همته عالية بلغت الثريا وطاولت الجوزاء كقول أبي زرعة:

أهلُ مجدٍ لا يحفِلون إذا نا *** لوا جسيما أن تُنهكَ الأجسامُ .

وكقول المتنبي : 

وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً * تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ

وكقول والده رحمه الله :

وما عیبه إلا عبادة ربه * ونفع الوری في صبحه ومسائه

كان عالما بعلوم القرآن من حفظ وقراءات وأسبـاب نزول وتفسير وناسخ ومنسوخ له اليد الطولى في جميع ما يتعلق بالقرآن.

 تعلم حفظه وقراءته وتجويده من عدة مشايخ من بينهم على الخصوص محمد سالم بن حامدت الأبييري ومحمد محمود بن معاويه التندغي أجازه شفهيا.

وبقية القرآن تعلمها من والده الذي كان الغاية في بلده في ذلك.

وكان نحويا لغويا قرأ ألفية ابن مالك وأشعار العرب والتصريف وأمثال العرب ، وكان ذا خبرة بالبيان والبديع ، تعلم الجميع من عدة علماء راسخين من

مدرسة والده ومن بين من تعلم منهم علوم العربية على سبيل الخصوص لا الحصر الشیخ يحظيه بن عبد الودود وسیدی محمد بن الداه ومحمد يحيى بن أبوه.

وكان صاحبنا محدثا عالما بروایات الحديث من سند ومسند وصحيح وحسن وغريب وناسخ ومنسوخ,  فنه الحقيقي القرآن والحديث.

وكان إماما في الفقه وأصوله أخذه عن مدرسي مدرسة والده وكان مشارگا في جميع العلوم.

وبسبب هذه الخبرة الواسعة والطموح والرؤية الثاقبة والانفتاح على العالم الإسلامي وإنجازاته، تاقت نفسه إلى إنشاء معهد علمي في قلب الصحراء يتمتع بما تتمتع به الجامعات

القديمة مثل : جامع الزيتونة , والجامع الأزهر , وجامع القرويين ... , فكان البعض يرى ذلك مستحيلا , لندرة الوسائل وانعدام الآلات والتجهيزات  في ذلك الوقت ,لكن عزيمة العظماء لا تعرف الوهن , فشيد المعهد بأبي تلميت سنة 1956م , وتميز منهاجه بالجمع بين الدراسات المحظرية (التقليدية) والدراسات الحديثة , وكان المعهد  صرحا معرفيا ومنارة علمية كبيرة ، قصده طلاب العلم من كل حدب وصوب ، داخل البلاد وخارجها، وسجل نجاحا باهرا منقطع النظير ، لم يسبق له مثيل،  لشمولية مناهجه وتميز نظامه ,مما مكنه ذلك من أداء رسالته على الوجه الأمثل في نشر العلم والمعرفة و الثقافة الإسلامية والتربية وبث الوعي المدني في ربوع الوطن على يد أساتذته وعلمائه الذين حرصوا كل الحرص على تقديم الأفضل والأجود. 

 وتنافس في دخوله الشباب الموریتاني، وكذا شباب الدول المجاورة، فكان الجميع سواسية فيه لا تمييز ، وفتحت أبوابه أمام الطلاب للتعلم والدراسة .



وكان تمويل بناء المعهد من خالص ماله وحمالته التي يتحملها هو بالأخص. فأتت أكلها وتخرج منه كثير من أهل الشهادات حتى إنك لاتكاد تری معلما ولا أستاذا في موريتانيا ذا أهمية إلا من خریجي هذا المعهد. مع أن دوره وعطاءه كان أشمل وأعم , حيث لعب المعهد دورا كبيرا في تحديث المناهج التعليمية ، وكان له الفضل والسبق في  وضع أسس وبرامج ومناهج أدت إلى قفزة كبيرة ونهضة شاملة في مجال التعليم على عموم التراب الموريتاني بل والمناطق المجاورة .

وكان لخريجيه الفضل فيما وصلت اللغة العربية من نهضة وتطور . ولا يزال هذا المعهد قائما إلا أنه اصبح نظاميا وتحول إلى ثانوية فيما بعد.

واتسمت سياسة الشيخ عبد الله بالمرونة والانفتاح على العالم فيما يعود بالفائدة على البلاد , وساعده في ذلك بُعد رؤاه وحنكته وخبرته, فساس الأمور على ما يرام , فاجتمعت الكلمة , وتوحدت الصفوف وازدهرت الحياة وانتشر الوعي وعم الأمن .

عام الشدة :

وفي سنة 1943م وقعت في بعض مناطق موريتانيا شدة وغلاء وجفاف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ولم يجد الناس ما يلبسون فسمى الناس ذلك العام عام الشدة أو عام الهوفة , وقد جمعت المقادير على الناس في موريتانيا جفافٌ جارف وموتان في الأنعام وتوقف التجارة فزاغت أبصار السكان وبلغت قلوبهم الحناجر. وقد أدركت بعض كبار السن ممن عرف تلك السنة وأصابته تلك البلوى يتحدث عن أحوال رهيبة تنحبس بها الأنفاس وتشيب لها الولدان، وهي أحوال ما بين جوع ممض وفقر مدقع، فقد عبث الدهر بحياة الناس وجر عليهم كلكله، وكان أكثرهم حظا من يجد جلدا يلبسه إذ شاع العري بينهم حتى صار الشخص لا يسافر إلا ليلا ويظل طيلة يومه متخفيا عن الأعين. 

وقد قال المؤرخ العالم المختار ولد المحبوبِ اليدالي في نظمه التاريخي متحدثا عن عام الشدة أو عام الهوفه وما يتعلق باللباس وندرته ذلك العام:

وأخِذَ الأنامُ بالسنينَا *** فى عام "واحد مع الستينا"

وكل مسلم به مجهود *** ولُبْسُهُ الخِرَقُ والجُلود

لكن الشيخ عبد الله أعد العدة وأخذ للأمر أُهْبته , فانتهج سياسة اقتصادية حكيمة, وأدار الأمور إدارة مدروسة , فكان يشرف بنفسه على توزيع الأقمشة والمواد الغذائية واللحوم ... على الناس, وانتدب لهذه الأزمة فرقا خاصة من الرجال والنساء, يقومون بحمل هذه المواد إلى من يستحقها , داخل قريته عين السلامة والقرى المجاورة, وكانت المؤن والمساعدات تصل إلى بتلميت يوميا , وحدثني بعضهم أنهم أُعدوا لحمل الخبز من عين السلامة إلى بتلميت كل صباح , والبعض الآخر كانت مهمته توصيل العيش ليلا إلى المحتاجين والمساكين , ولم يزل هذا دأبه وعمله إلى أن لقي الله عز وجل , كما كان مسكنه بعين السلامة مهوى أفئدة المحتاجين والفقراء والمساكين يجود عليهم  ويوسع عليهم ويقضي حوائجهم على اختلاف أجناسهم ومشاربهم حتى مرت الأزمة والشدة بسلام على المناطق التي كانت تصلها إمداداته, ولم يسجل إلا حالات يسيرة من تبعات الأزمة, وامتد عطاؤه واتسع نطاق معروفه فلم ينقطع شيء مما كان يقوم به من ذلك ولم يتوقف حتى توفي رحمه الله تعالى , وله في ذلك وغيره آثار مشهورة وكثيرة, معلومة لدى العامة والخاصة, يضيق المجال عن حصرها .

وقام الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول بزيارته إلى أبي تلميت سنة 1953م فاستقبله الشيخ عبد الله استقبالا حارا , وكانت الزيارة مناسبة كبيرة ومادة خصبة للشعراء تحدثوا عنها وأشادوا بها :


وكان الشيخ عبد الله يحب العلماء ويجلهم ويجالسهم، وكذلك يحب الفقراء ويجالسهم ويواسيهم، لا يخلو مجلسه من جماعة من أهل العلم والعبادة والفقراء يذاكرهم

ويباسطهم ويوسع عليهم.

و بنى رحمه الله مسجدا للجمعة في قرية أبی تلميت في محل مقره تصلى فيه الخمس وتقام فيه الجمعة، إلا أن الشيخ إبراهیم بن إسماعيل بن محمد جدد بناءه بمعونة محسنين ، والمسجد قائم الآن في المحل الذي أراده الشيخ عبد الله.

ويقول العلامة يعقوب بن محمد رحمه الله حدثني الشيخ عبد الله غير ما مرة أنه أخذ على عاتقه عهدا من الله أنه لا يضر مسلما ظاهرا ولا باطنا سواء في ذلك عدوه وصديقه وانه يحترم بني أبيه ولا يغضب منهم أحدا لأنه يرى ذلك برا بوالده وصلة للرحم.

 بعض المدائح والمراثي التي قیلت في المرحوم الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي

قال محمد محمود بن أحمذي الحسني يمدح عبد الله بن الشيخ سيدي:

تبدت له بالرس من آیات منزل *** فهاجت عليه لوعة هي ما هيا

  عشية لا بالرس يلقى ولا النقا  *** من الحي إلا منزلات بوالیا

محاها الحيا إلا أواري خشعا *** فلأيا بلأي ما عرفت الأواريـا

وإلا رمادا في معرس مرجل *** تری حوله سفعا ثلاثا أثافيا

بدا ليَ منها مختل كنت أدری *** غریرا به الوحش السنين الخواليا

ومجلس غيد بين صيد أماجد *** ومسمعة غنت تجيب المثانيا

 فغلت بنات الشوق يحنن نزعا *** ولم يعد دمع العين أن سح هاميا

وما زلت حتى ظن صحبي أنني *** ولم يعلموا ما بي يقينا لما بيا

تكلفت حلما وارعواء إخالُه *** على خطر أن تبد هند أماميا

 تصنع لا سال تسلى فلم يجـد *** من الوجدحتى راعه الشيب وافيا

ألا تسألان الشيب مالي وما له *** لدن حل مني مفرق الرأس راسيا

وهل كتم أبغی به اليوم كتمه *** فإني رأيت البيض إذ شبت لاهيا

أما لي مشيب والشبيبة أدبرت *** أراها ورائي لا تريد التلاقيا

ولیت ورائی ما ورائي رأيته *** ولیت ورائي ما أراه أماميـا

ولیت اللواتي شردتهن شیبتي *** ففتن اقتناصى لم يفتن اقتناصيا

وليت خليا ينكر الحب والهوى *** وما بات إلا ناعم البال خاليا

رأى بين أتراب کواعب أربع *** خلال الربى هندا تهادي تهاديًـا

وليت ليالى الرس عادت لذاكر *** على الرس من هند فصار لياليا

وليت لنفس الصب نفسا سوا ءها *** إذا لم تجد من لوعة الوجد شافيا

ولیت مهيضا هاضه الدهر فاشتکی *** ولم ير من يشكي من الدهر شاكيا

تیمم عبد الله أحدى ميمم *** لمن ساور الأزم العظام الدواهيا

وللمزعج المرتاع حفت به العدا *** فأمسی طريدا يحذر الشر جافيا

إلى المعقل الآوي له كل مزعج *** طرید جنایات ليسلم ناجيــــا

ويلبس رغف الأمن فضاء نشره *** دلأصا ترد المرهفات المواضيا

وينقع سجل مفرغ من مسرة *** عليه غليلا كان في القلب غالیًا

وذي عيلة قد فرق الدهر ماله *** وفرق عنه الأقربين المواليا

تلقى يدا منه وعونا ونصرة *** فما زال جحجاحا بذلك ساميا

ألا أيها المحروب ما لك معرضا *** عن الصمد الفياض ظمآن طاويًا

وإن كنت لا تحجوه في الخوف معقلأ *** ولم تحجه في الأزل سمحا مواسیا

فمن لك عند الخوف إن بت خائفا *** ومن لك عند الأزل إن رحت عافيا

حرمت ملاذا معقلا بيد أنه *** أتى ندىً يغني وإن جف آتيَـا

قفا والدا برا قفا في العلا أبا *** قفا والدا فاق البرايا معاليا

سعى سعيّهم مجدا وجودا وسؤددا *** فإن يُحمدوا في الناس يَحمد مساعيًا

 وقد أفرغوا في حدره حفو سرهم *** فكان لهم ندا ومثلا مضاهيـــا

أولئك آل الشيخ لا نال مرتق *** لمنصبهم أخرى الليالي مراقيـا

محط رحال الشعث مُلقى عصيهم *** يحلون ما احتل الوهاد الرابيَـــا

مراتبهم فاتت أمان... غيره *** .. قال فيها قائل ليتها ليـا

إذا سالموا كانوا بحورا خضارما *** وإن حارپوا كانوا ليوثا ضواريا

 إذا ما اعتدوا ردوا وإن قدروا أعفوا *** وإن بذلوا أغنوا هبات ضوافيـا

وإن وهبوا الجزل استقلوا هباتهم *** مذاكي جردا أو عتاقا متاليا

تيمن بهم في كل أمر ووالهم *** ووالي الألی والأهم والمواليا

وأحبب محبيهم وقرب وصادقن *** مصادقهم واهجر وناو المناويا

وقرب بهم واستجلب الخير نازحا *** وزحزح بهم واستبعد الشر دانيا

وصير هشيم النبت روضا بذكرهم *** وفجر به فی كل أرض مساقيـَـــا

ولا تجزعن إن فات من فات منهمبو *** فقد خلفوا يمنا على الدهرباقيا

وهذي مقاليد الخلافة ألقيت *** لطلعة مثل البدر يجلو الدياجيا

تصدى لأعباء الخلافة قائما *** بكل يهد الشامخات الرواسيا

فعم الورى بذلا وعدلا ورأفة *** وحاطهم بالحفظ يقظان راعيا

رعى البقرُ الأهلي مذ مد عدله *** مع الأسد لا يخشى الأسود العوالیا

وقاءت له السم الأفاعي فلم یکـــن *** ليحذر في الليل البهيم الأفاعيَـــا

 فأضحی له متبوعنا اليوم تابعا *** وأمسى له متلونا الدهر تاليا

لحى الله من ناووه یا بؤس للجفا *** يناوون مهديا إلى الرشد هاديـــــا

أبت نخوة ضلوا بها الرشد رشدهـــم *** ضلالا فآلوا لا يوالون واليا

سروا دون هاد في مسالك وعرة *** إذا ادرعوا الليل البهيم الخداريا

 متى تأته تلمم بأهلي حوائج *** تمنوا عليه مسرفين الأمانيــا

ترى ذاك جذلانا بما حاز رائما *** وذلك مسرورا بما نال غاديا

فلا ناقص من بشره حظ ذاك ذا *** ولا مانع هاذاك ذاك الأياديا

خليفتنا أسمع ثنائي قصائدا *** مطابقة ألفاظهن المعانيـا

طربت إلى الإنشاء في بعض مدحکم *** فقمت له جذلانَ أدعوا القوافيـــا

فصادفت منهن القواصي دوانيا *** وألفیت منهن العواصی عوانيا

سأبعثها غراعتاقا مثالثا *** وأبعثها غرا عتاقا مثانيا

 وأطلقها في أنف نكباء زعزع *** يبلغها بالمشرقين الأقاصيا

عوامد بالأمصار والبدو لا تني *** سوائر في الآفاق دأبا سواريا

تقلب من أرض لأرض تغلبا *** ويبلغها الأدنون من كان نائيا

تجاري فتجري الشد سیار صيتكم *** فيسبقها جريا يبذ المجاريا

 فتقصر عن ميدانكم ذلك الذي *** ركبتم له الهمات جردا مذاكيا

  ولكنها تأبی افتخارا بذكركــم *** وتسمو به قدرا على الشعر باقيا

سلام عليكم ما تناهت لديکـم *** طوامح آمال البرايا تناهيا


حج الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي سنة 1944م , وبعد عودته عمت البشرى العامة والخاصة فرحا بمقدمه , فهنأه الشعراء 

قال محمد بن المعلى مهنئا الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي بعد عودته من الحج:

زار الخيال محبب الإلمام *** متدارك الذكرات والتهتام

أهلا به لولا عواد أعرضت *** من دونه يقضين بالإحجام 

 أنباء عبد الله أقبل قادما *** من صوب طيبة ربة الآطام

والكعبة البيت الحرام فعاقني *** عن خلة الوصال والصرام

 بشرى لنا ولبيضة الإسلام *** بقدوم عين السادة الأعلام 

إنسان عين الدهر وسطى عقده *** ومحك عين النقض والإبرام

تاج الزمان وحيده وفريده *** والمرتجى لحوادث الأيام

ونوائب تنبو النهى عن صلدها *** ومن الخطوب مداحض الإقدام

لله منه ماجد طارت به *** هماته لشاهد الإکرام

ومعاهد الإجلال غیر مدافع *** عن حظه ومواقف الإحرام

إلى أن يقول :

وأتى الله به حميدا بعد ما *** طمحت إليه نواظر الأقوام

من كل ما يرضى الإله من التقى *** والبر والإفضال والإنعام 

وتقطعت أعناقهم شوقا له *** وصبابة موصولة لأرحام

فسواكب العبرات من آماقها *** وغليل وجد دائم الإضرام 

أهلا به من قادم من حجه *** ببشارة الضعفاء والأيتام

إلى أن يقول :

عبد الإله الخالص المحض الذي *** أربی على الحكماء والحكام

من أمر السن الصحيحة رافعا *** عنها عداء الكشف والإلهام

والسمحة الحنفية المثلی نفی *** عنها قذى الألباس والأوهام

وقفا الكتاب المستبين مجانبا *** للرجس والأنصاب والأزلام

 فتشبثوا بذيوله وتمسکوا *** منه بحبل محصد الإحکام

لا عذر أن لا تطربوا لقدومه *** ويخف منكم راجح الأحـــــلام

فليهن عبد الله مقدم سالم *** عرضاودینا منفق غنام

تتضاءل العظماء تحت جلاله *** في مهنة الوزراء والخدام

فإذا استهل هلال عبد الله في *** أفق السعادة والهناء السام

لم يبق من نصب ولا وصب ولا *** هم ولا حزن وقرح دام 

وإذا أتى عبد الإله استيقظت *** وجفت كراها أعين النوام 

وأفاقت الأغمار من سکراتها ***  وأرم كل منافق نمام

وتجلل المستكبرون سناسنا *** من سوء ما اقترفوه كالأجلام.

مدح الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب1.ogg

مدح الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب2.mpeg

وقال العلامة الشيخ الدنبجة ولد معاوية يرحب بالشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي وبمقدمه من الحج :

رماني البين من سلمى فصابا *** حشاي ولم يكن شك الإهابا

واهمى مقلتي وأهام قلبي *** وأذكى الهم فالتهب التهابا

وما أنسى غداة البين سلمى *** تحيت العرف لاوية عصابا

وفاحمها الغرابي اسودادا *** ورندا رندها المسكي طابا

ووضاحا شتيت النبت عذبا *** تخال رضابه سحرا رضابا

واعطافا لطيفات التثني *** تقص بها من اللين الذبابا

أرى الحناء مختضب الغواني *** وسلمى من دمي جعلت خظابا

مهاة تقتل العشاق ظلما *** وذاك الظلم تحسبه صوابا

وما ردت جوابا قط إلا *** مرخمة لسائلها الجوابا..هحح

إلى أن يقول::

ترى حزق النعام بها حيارى *** مميلات من العطش الرقابا

وأسراب القطا يحسبن ماء *** إذا اشتد النهار به السراب

أقول بها لركب قد شكوا لي *** غليلا ما وجدت له شرابا

ألا فردوا أبا تلميت تسقوا *** فإن به فتى غدقا عبابا

كريم الأصل أروع أريحيا *** كريما ماجدا لبقا لبابا..

به عبد الإله وإن أرضا *** بها لا بد من أن تستطابا

إذا ما غبت تغبر الأراضي *** وتخبأ نور كمأتها اكتئابا

وإن حست بقدمك استنارت *** وبشر عامر منها الخرابا

إلى أن يقول :

وإنك لو غضبت على الثريا *** لما في البرج عاودت الذهابا

ومن ترضى عليه فما يبالي *** بأهل الأرض إن كانوا غضابا

ولو قبل النبي نشأت طه *** لجئت مبشرا تتلو كتابا

وأنزل فيك رب العرش آيا *** تنبئ عنك أنباء عجابا

أتيت مسلما من عند أهلي *** فلا سلمى أريد ولا الربابا

صلاة الله يتبعها سلام *** على من زرت روضته احتسابا

تحكي الروايات أن الشيخ الدنبجه لما ألقى هذه المعلقة التفت أحد الحاضرين إلى الشيخ عبد الله وقال "هو ذ فكراش تندغه مايدور ادني ولا الاخره".


وقال محمد بن أبنو بن احمیدن الشقروي في مدح عبد الله بن الشيخ سيدي:

لا تحسبونيَ أهوی غیر مجلسکم *** إنی محب لأهل الدين والجاه 

وأنتم اليوم آل الشيخ سيدنَا *** محيو شريعة الله الآمر الناهي

فالعلم فيكم وفيكم كل محمدة *** كل امرئ عن مداكم واهـن واه

لم يسه عما تبدی من مفاخرکم *** في الأصل والفرع إلا الساهم الساهي

إن المکارم لولاكم لما عرفت *** ولا انثنت للمعالی نفس أواه

أحبكم واعتقادي أن حبكم *** مما يقربني زلفى إلى الله

أعددت نصركم في كل مجتمع *** وكل ناد لدفع الداهم الداهـي

جربتكم فبدا لي من خلاتقكم *** أحلى من العسل الممزوج بالماء

وكيف أمسك نفسي عن زیارتکم *** ألِي ارتياح بأرض الله إلا هي

وفي فكاهتكم أشهی مفاكهة *** وشاهکم حسن أشهى من الشـــاه

والله ما إن عراني منكم سأم *** ولا أطباني سواكم لا وتالله


وقال محمد بن البشير بن سيدي أحمد يمدح عبد الله بن الشيخ سيدي :

یا مفردا وهو جمع في مناقبه *** من عصبة في ذرى الجوزاء قد جلسوا

صعب القياد على عدوه شرس *** سهل القیاد على صديقه سلـس

يمینه وابل و وجهه قبس *** ونحن من وجهه الوضاح نقتبس

جئنا لتجدید ما أسلافنا غرسوا *** فإن أسلافنا للعهد قد غرسوا

جئنا نجدده عهدا غيرمندرس *** لعله في الذي يجيء يندرس

فالناس عندكم للبذل تلتمس *** ونحن عندكم للنصر نلتمس 

وكلهم فی جنابكم لمحتبس *** ونحن في ذاك الجناب نحتبس

إن كان في الناس للحاجات ملتمس ***  فأنت ، إلا فما للحاج ملتمس.

توفي الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب بقرية عين السلامة التي أسسها سنة 1384هـ,  الموافق 1964م ,عن عمر ناهز 76 سنة .

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .




وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي