الشيخ محمد بن الشيخ سيدي المختار بن الشيخ سيدي

 


وما ابتدر الأملاك غاية سؤدد … ومكرمةٍ إلا وجدناك سابقا

فمن كان منهم مانعا كنت باذلا … ومن كان منهم حارما كنت رازقا

إذا ما تعاطى الجود بعدك مدعٍ … له أو تحلى باسمه كان سارقا

هو الشيخ محمد بن الشيخ سيدي المختار (اباه) بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير، أمه مريم ( بترقيق الميم ) بنت المختار بن إنَلْلَ. 

ولد في بتلميت سنة 1889م، نشأ نشأة حسنة، وتربى في بيت علم وعمل وصلاح وتقى وكرم. 

درس القرآن الكريم على الشيخ امود بن محمد المصطفى وحفظه، لازم العلامة سيد محمد (الراجل) بن الداه بن داداه مدة أخذ عنه خلالها علوم القرآن والفقه، وقرأ المتون على العلامة الشيخ يحظيه بن عبد الودود.

 اجتهد وجدّ حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم، فأحظاه ذَلِك بِأَن كَانَ من أيمة عصره الْمشَار إِلَيْهِم، أشمله والده الشيخ سيدي المختار (اباه) ـــ الذي تغني شهرته عن الإطناب في وصفه ـــ برعايته وأحاطه بعنايته، حتى إذا شب واستوى، ولاحت عليه مخائل النجابة والذكاء، والحزم وسداد الرأي، ولاه واسترعاه على المصالح العامة والخاصة، فحمل عنه أعباء ما حمّله، فلم يتوان عن البذل والعطاء، والكرم والسخاء، ولم يتأخر قط عن إسعاف المظلوم، وإغاثة الملهوف، والسعي في مصالح العباد والبلاد.

 كان رجلًا صالحًا مصلحًا، متحمسًا للإصلاح مهما كلفه ذلك من ثمن.

انتدبه والداه الشيخ سيدي باب والشيخ سيدي المختار للقيام بأمر النخيل في أطار، فقام بالأمر أحسن قيام، ودبر الأمور أحسن تدبير، أنفق الكثير وشمل معروفه القاصي والداني، وفي ذلك يقول الأديب أبوكُ ولد محمد خويَ في مدحه، وكان قد طلب الحصول على كمية من الشاي، فأعطاه الشيخ محمد بن الشيخ سيدي المختار جملا مع حمله من الشاي والسكر والملابس وأعطاه كذلك مبلغا من المال، ويُعد هذا من كرمه ونبل أخلاقه:

عنك گول لسيدالمختار   وخيرت بمحمد فأطار

جات امعاه الناس الخطار  أولاد الناس المعلومة   وامش زاد امعاه فانهار مفهوم وهي مفهومه

وحُكي لي ‌مَنْ ‌كَرَمِهِ وَهِبَاتِهِ مَا يُسْتَعْظَم، وله في البذل والإنفاق أَخْبَار يطول شرحها، مَا خيب أمل من أمله، ولا رد سائلا قصده، ولاعلم بملهوف إلا شمله بمعروفه.

قال الأديب الشاعر المختار بن حامد في مدح الشيخ محمد بن الشيخ سيدي المختار :

المجد والتقوى وخوف العار *** ومحمـد بـن السيد المختار

هؤلاء أربعة لدات أرضعوا ***  من در ثدي للندى مدرار

هو الكريم ابن الكريم بن الكريم **** بن الكريم إلى أبي الأخيار

والسيد المختار نجل السيـد ***  المختار نجل السيد المختار

هو من أهل الفضل والعبادة، والنسك والإرادة، اتصف بالجُود والنَّوال، والإِحسان والإِفضال، وله الريادة في السخاء والكرم. 

له المحبة التامة للعلم وذويه والشغف الوافي بالفضل وحامليه، ولا سيما ما كان عليه السلف الصالح من الطريق المستقيم الواضح، فقد طوى قلبه على محبتهم وسلوك منهجهم وطريقتهم.

كان يحفظ القرآن الكريم حفظا يدورعلى طرف لسانه، وله اشتغال بالعلوم الأخرى، كثير الصوم والصلاة والذكر، مجتهدًا فى العبادة، أوَّاها ‌تلاء ‌للقرآن الكريم، حليما نبيلا دمث الأخلاق، مشهورا بالخير وفعل الخير، سخي الكف، ‌كثير ‌الصدقة والمعروف، وإطعام الطَّعَام، وإكرام الضَّيْف، لم يكن للدنيا عنده قدر.

قال الملك همام افال ولد محمد ولد المختار في مدح الشيخ محمد بن الشيخ سيدي الختار ولد الشيخ سيديا في دكار:

وطيات فالمعروف أگوف    محمد دوني حلاتُ… مايفعل حد اتل معروف  ماعاد امبيظ وطياتُ

                            ***********                   

  كريم سمت أَوْصَافه لعفاته *** قَرَائِن كل اثْنَيْنِ بَينهمَا عقد                                        

  محياه والبشرى ويمناه والندى *** ونجواه وَالدُّنْيَا وتقواه والزهد

  فَفِي قربه الزلفى وَفِي وعده الْغنى *** وَفِي نيله الْحسنى وَفِي رَأْيه الرشد

كان مسارعا إلى قضاء حوائج الناس، رفيعا عندهم، معظما فيهم كَبِير النَّفْسِ، عَظِيم الْهِمَّةِ، مَحْبُوبًا إِلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، مُثابِرًا على أعمالِ البِرِّ، زاهدًا في الجاه، وأحواله جارية على المنهج القديم، والصراط المستقيم، ولم تزل حرمته وافرة، وكلمته نافذة، ومكانته عالية إلى حين وفاته.

 كَانَ ذَا رَأْي وَكفَايَة، وَ‌شَهَامَةٍ وَهَيْبَة، أبي النفس، دسيع العطية، ميمون النقيبة، ذا بصيرة وجدّ.

من كان يقفو من الأخيار أثرهم *** من كان في الدين يروي غير متهم 

من كان ذا ورع، من كان ذا أدب *** من كان ذا فطن، من كان ذا فهم

 جَوَادًا ما قصده قاصد وخيَّبه، وكان يرجع إلى فضل وافر، وعقل كامل، محمود السيرة، عفيف الطبيعة، كريم الشِّيمة، مبارك الرأي، مؤدِّيًا حقَّ الله تعالى، مقرًّا له بالشكر على نِعمه، لا يأمر إلَّا بالخير والعدل، ولا ينطِق إلَّا بالفضل، عاملًا بكتاب الله تعالى، مراعيًا لدينه وأَمانته، كافًّا للسانه ويدِه عن كل ما يسوء.

توفي ـــ رحمه الله تعالى ــ سنة 1969م بعد عمر طويل حافل بالفضائل والطاعات، ومليء بالمسرات والإنجازات، ودفن بتندوجه، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. 

يقول العلامة محمد بن أبى مدين في رثاء الشيخ محمد بن الشيخ سيدي المختار رحمهما الله:

محمد المصاب به مصاب *** له الجبال تهدم والهضاب

تنهار الرمال له ويضحى *** غزير الماء يخلفه السراب

                             ****

ألا فابك للإسلام إن كنت باكيا *** لحبل من الإسلام أصبح واهيا

تثلم حصن الدين وانهدّ ركنه *** عشية أمسى في المقابر ثاويا

إمام حباه الله فضلا وحكمة *** وفقّهه في الدين كهلا وناشيا

وزوّده التقوى وبصّره الهدى *** فكان بلا شك إلى النور هاديا

ألا أيها الناعي الذي جلب الأسى *** وأورثنا الأحزان، لا كنت ناعيا

نعيت إمام العالمين محمدا *** وقلت: مضى من كان للدين راعيا

ومن كان مصباحا دليلا على الهدى *** وللصالحين العالمين مواليا

ومن كان حبرا عالما ذا فضيلة *** تقيا رضيا طاهر القلب زاكيا.


            وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي