وموسى كان للعلياء صنوا *** تحلاها ليجعلها لبوسا
فسل عنه الأرامل واليتامى *** وسل عنه المحابر والطروسا
وسل عنه كتاب الله يتلى *** ولا تسل المزامر والكؤوسا
فقد طلب العلى من حيث تؤتى *** وما طلب الدراهم والفلوسا
هو الشيخ موسى بن محمد بن الشيخ سيدي باب، أمه محجوبة بنت محمد المصطفى ( الدِّياه ) بن عبد الله بن عالي بن عبدي، ولد في بتلميت سنة 1923م.
تربى في حضن والديه، وتحت رعايتهما، توفي والده وهو صغير، فأحسنت أمه تربيته وتنشئته، واعتنت بتعليمه وتدريسه.
قرأ القرآن الكريم على العلامة محمدن بن عبد الرحمن بن محمدُّ الحجاجي، كما درس على العلامة سيدي محمد الملقب :( الراجل ) بن الداه بن داداه .
ثم التحق بالمدرسة رقم 1 في بتلميت رفقة عمه وخليله ورفيق دربه الشيخ سليمان بن الشيخ سيدي باب.
ولما ظهرت عليه مخايل النجابة والذكاء وحسن السلوك انتدبه عمه الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب سنة 1951م ليكون القائم بشؤون العائلة في بتلميت، وأناط به مهمة العلاقات مع القبائل.
فكان يترأس الوفود للوساطة والمصالحة إلى كافة أطراف البلاد، كما شارك في صناعة الكثير من الأحداث الوطنية الهامة.
التقي، الورع، الموطأ الأكناف، المقلل من الدنيا، المتواضع لله تعالى، له القبول التام من الخاصة والعامة.
كان مثابرا على قضاء حوائج الناس، وافر الْعقل، سديد الرأْي، محبا للخير، كثير السكينَة وَالْوَقار، لم يكن في عَصْره أحدٌ مثله في النزاهة والأمانة، والعفة والديانة.
متواضعًا، مهيبًا، وقورًا جَوَادًا سخيا، مع العِبادة والورع والمُجَاهدة، متودِّداً، سَمْحاً، نبيلا، متدينا، زاهدا، عَابِدا، عفيفا، أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر، طيب الْأَخْلَاق، حسن الْعشْرَة.
ذكيا، جم الْفَضَائِل، ظريفا، لطيف الذَّات، ذَا سياسة وتودد وتواضع، كثير الْأَدَب والمحاسن.
وكان حميد الظنّ جدّا بربّه *** ويحسن في أهل التّقى القول والفعلا
كَانَ منزله مألف الأضياف، ومأوى الملهوفين، وملجأ الضعفاء والمحتاجين، ومقصد الْوفود.
آلفًا مألوفًا كثيرَ المواساة، نَفّاعًا بجاهِه وذاتِ يدِه، محبا للغرباء، كريم النَّفس، جوادا بِمَا فِي يَدَيْهِ، لذيذ الصُّحْبَة، لا يخلو مجلسه من العامة والخاصة لحسن إِيرَاده، ولطف شمائله، وحُلو مجالسته.
كيسا ظريفا، لطيفا، مليح النادرة، ذا مزح ودعابة.
كم زيَّن الأسماع شِنْفُ كلامِهِ *** بِجَنِيِّ دُرٍّ في الملاحة يُنضَدُ
له مروءة وسخاوة، وأوقع الله له القبول التام والمحبة من الخلق، والانقياد من الخاص والعام، وكان بهياً وسيماً ظاهر الوضاءة، كثير البشاشة واللطافة والتواضع.
تولّى حميدا ما أساء إلى امرئ *** فأغضبه قولا وكم سرّه فعلا
ولا شان مرزوقا، ولا سبّ مسلما *** ولا تاه كبرا منذ كان، ولا استعلى
كريماً وصدرًا معظمًا، ذا حرمة وحشمة وسؤدد، ووجاهة وجلالة وهيبة.
كان إِمَامًا ملازماً لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس بمسجد الاحواش، الذي ولي الإمامة به سنة 1981م وبقي على ذلك إلى سنة 2002م، حيث تنازل عنها، واستمر في المواظبة على حضور صلاة الجماعة، لم يتخلف عنها مهما كانت الظروف إلا لعذر شرعي من مرض أو سفر.
عاد المرضى، وصلى على الجنائز، وعزى المصابين واليتامى، وواسى الثكالى، وتفقد الأرامل، وتحمل في سبيل كل ذلك الأعباء المادية والمعنوية، ودفع الديات، وتحمل الغرامات المالية عن المعسرين.
من أهل الفضل والاتقان، والورع في السر والإعلان
عدل تقي كأن الله صوره *** دون البرية شخصاً من تقى وهدى
بويع له بخلافة أهل الشيخ سيدي يوم الإثنين 19 دجنبر سنة 2011م، بعد وفاة سلفه الشيخ عبد الرحمن ( الحكومة ) بن محمد بن الشيخ سيدي.
قام بالأمر خير قيام، وطد العلاقات الخارجية، واستطاع بحنكته السياسية، وحصافة رأيه، ومهارته، وخبرته بالشؤون الاجتماعية توحيد وجهات النظر بين الكثير من الأطراف السياسية، ورأب الصدع بين القبائل المتنازعة، فأحسن التدبير، ووُفق في التسيير، فكان منزله محط أنظار مختلف فئات المجتمع، ومقصدا للفرقاء السياسيين والاجتماعيين بغية إيجاد الحلول والنصائح.
جمع الْقُلُوب عَلَيْك جَامع أمرها *** وحوى ودادك كل أَمر جامع
كان على الطريقة المرضية والخلال الرضية، والتنزه عما يقدح في الأفعال والأقوال.
وكان رحمه الله يعجبه قول الشاعر:
أَلا إِنَّمَا التَّقْوَى هُوَ الْعِزّ وَالْكَرم *** وحبك للدنيا هُوَ الذل والعدم
وَلَيْسَ على عبد تقي نقيصة *** إِذا صحّح التَّقْوَى وَإِن حاك أَو حجم
هشاً بشاً بمن يراه، مكرماً لمن أمه أو قصد ذراه، نفسه متسعة للجود، قائمةٌ بما يجب من صنائع المعروف، لا يتكلم إلا وهو يبتسم.
ذا همة علية، ومروءة سنية، ممن يُرجع إليه في الرأي، شيمته العبادة والصلاح، وطريقته التوجه إلى الله بالغدو والرواح.
خَيِّراً فاضِلاً، حليماً، أديباً، طاهِراً، كَثير الخَير، كَثير المعْروف، طَويل الصّلاة، مَشهور الكرم والعَدالة.
يروح إِلَى كسب الثَّنَاء وَيَغْتَدِي *** إِذا كَانَ هم النَّاس كسب الدَّرَاهِم
وَإِن جلس الأقوام عَن وَاجِب الندى *** وَحقّ العطايا كَانَ أول قَائِم
يزِيد ابتهاجا كلما جَاءَ قَاصد *** كَأَن بِهِ شوقا إِلَى كل قادم
حليما في غضبه، ذا عفو في قدرته، راضيا بمنزلته، غير مفتون بما ليس له، قد استغنى بأمر آخرته عن دنياه، كريما أبيا، مَيْمُون النقيبة، كَثِير المناقب، نزيهاً عن المطامع.
توفي الشيخ موسى بن محمد بن الشيخ سيدي باب فجر الأحد 21 فبراير 2016 بانواكشوط، ودفن عند البعلاتية في بتلميت.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته
فبورك قبر أنت فيه مغيب *** ولا زلت في الجنات جذلان راتعا
*********
فَمَا أحد بأغبط من تَقِيّ *** تمدد فِي الضريح على يَقِين
نجا من بَاطِل الدّنيَا سليما *** وفاز برحمة الْحق الْمُبين
********
قال السيد لمرابط ولد دياه يرثي الشيخ موسى بن محمد بن الشيخ سيدي باب
يحق لنا الأسى إذ غاب موسى *** فمثل الشيخ موسى فيه يوسى
لقد كانت طوالعنا سعودا *** به فغدت لغيبته نحوسا
ولو كانت حياة الشيخ تفدى *** لقدمنا النفائس والنفوسا
لأن حياته فيها دروس *** فموسى كان يعطينا الدروسا
وموسى كان للعلياء صنوا *** تحلاها ليجعلها لبوسا
فسل عنه الأرامل واليتامى *** وسل عنه المحابر والطروسا
وسل عنه كتاب الله يتلى *** ولا تسل المزامر والكؤوسا
فقد طلب العلى من حيث تؤتى *** وما طلب الدراهم والفلوسا
وما كانت له حراس باب *** ولا اتخذ البرامج والطقوسا
نعزي فيه آل الشيخ طرا *** وأبناء الفقيد الشيخ موسى
فموسى كان في ما كان رأسا *** وإن كانوا جميعهم رؤوسا
فلا زلنا نرى منهمْ إماما *** يؤمهمّ قياما أو جلوسا
يغيب البدر منهمْ كي نرى من *** خلائفه بدورا أوسموسا .
******
وقال الشاعر الدنبجة بن أحمد محمود بن الدنبجة في رثاء الشيخ موسى بن محمد:
أذاعوا من بعيد جازعينا *** رحيل الشيخ وابن الأكرمينا
فألقت كل مرضعة رضيعا *** وأوضعت الحبالي المرضعينا
وزلزلت الأراضي بعد نوح *** وأغمدة السيوف المصلتينا
وأعلنت البلاد به حدادا *** من الأيام حد الأربعينا
فوا الرحمن لولا الله ربي *** لثرنا بالقضاء وما رضينا
ولكن حكم ربي كان ماض *** وسار بيننا يمضي وفينا
تموت الناس جيلا بعد جيل *** ويبقى وجه رب العالمينا
فكم من جازعين بكوا فقيدا *** فكانوا بعد ذاك الميتينا
سقي ربي ربوع الشيخ موسى *** سحاباة ثقالا يرتمينا
وأسكنه فسيح جنان عدن *** وبالفردوس يلقى الصالحينا
ويلقى الحور والولدان تغدوا *** رواحا بالأوان مرصعينا
فصبرا آل موسى بعد صبر *** فأنتم للخلائق لمثلينا
وبارك فيكم الرحمن جمعا *** كريما راكعين وساجدينا
ولا زلتم لشنقيط هداة *** فأنتم للعلوم السابقينا
صلاة الله يتبعها سلام *** على هادى الخلائق أجمعينا.
وقيل في رثاء الشيخ موسى بن محمد:
ذَ لِّ متْلاحگْ منْ مَقْصَدْ ... كانْ افْ ولْ آلُ محمّدْ
ما نگْدرْ لُ گاعْ اعْلَ عَدْ ... فتباركَ اللهْ اعليهْ
منْ لشْياخْ أَسَشْيَخْ، واعْبَدْ ... واعْلمْ، واطْيَبْ، واطْهَرْ دخْليهْ
اُلِلضعيفْ أكْثَرْ زادْ اسنَدْ ... اُلِلْفقيرْ أكْثَرْ مَدْ أيْديهْ
وابْفَضْلك طيهْ الِّ يَرْجاهْ ... اُفالجَّنَّه مَقامُ عَلّيهْ
يااللهْ.. اُباركْ زادْ اُراهْ ... فلِّ خَلَّ عاگبْ مَشيهْ
وقال أحدهم في رثاء الشيخ موسى بن محمد :
جرد رويا شموسا *** وارث الخليفة موسى
و واس الأشياخ فيه *** بدورهم والشموسا
و اغش المجالس منهم *** توق شرا و بوسا
لهم مقاعد صدق *** داموا عليها جلوسا
للشيخ سيدي سر *** منه أداروا كؤوسا
و ظاهر السر فيهم *** ما إن يخاف طموسا
فكم قلوب قد أحيوا *** و كم أماتوا نفوسا
مذ أعلنوها عليها *** حربا سجالا ضروسا
تفوق حرب بعاث *** و داحسا و البسوسا
و الروح منا كسوها *** من الصفاء لبوسا
أشياخنا الشم دمتم *** لنا هداة رؤوسا
فكم بكم قد أزلنا *** مظالما و مكوسا
إني حلفت يمينا *** ليست يمينا غموسا
ما إن أفي الحق منكم *** و لو ملأت الطروسا
على النبي صلاة *** تنسي الزمان العبوسا.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي