الشيخ يعقوب بن محمد بن الشيخ سيدي باب
قدوة العلماء المحققين ... وعمدة الفقهاء المفتين:
(العلامة الشيخ يعقوب بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب رحمه الله):
لَقَدْ ‌كانَ ‌بَحْراً للفَضائِلِ طامياً *** غَزيرَ عُبابٍ ما لَهُ مِن سَواحِلِ
لَقَدْ كانَ ذا فَضْلٍ ونُبْلٍ وسُؤددٍ *** سَمَا عَنْ مُساوٍ أَوْ عَديلٍ مُماثِلِ
لَقَدْ كانَ في الدُّنْيا الدنيَّةِ زَاهِداً *** فلَمْ يُلْهَ مِنْها قَط يَوْماً بطائِلِ
لقَدْ كانَ في الأخْرى العَلِيَّةِ جاهِداً *** فَنَوَّلَهُ مِنْها بأشْرَفِ نائِلِ
لَقَدْ كانَ بالمَعْروفِ للنَّاسِ آمِراً *** وناهِيَهم عن مُنْكَراتٍ وباطِل
هو العلامة الشيخ يعقوب بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب، أمه محجوبة بنت محمد المصطفى (الدِّياه) بن عبد الله بن عالي بن عبدي بن المصطف بن محنض نلل بن امرابط مكه.
 ولد في ضواحي مدينة بوتلميت شهر أغسطس سنة 1919م الموافق 1337هـ. 
من بيت العلم والنبل والتقدم والفضل، تربى في حجر والده جامعاً لطارف مجده وتالده، مرتضعاً من ثديه لبان العلوم، محلياً جيده من دره المنظوم:
بدُورٌ إِذَا الدُّنيا دَحت أَشرقَت بهِم *** وَإِن أجدَبت يومًا فأيديهم قَطرُ
 مع عفة وصيانة وورع وديانة، وتقوى وعفاف وحلم وإنصاف.
 نشأ صالحاً متعبداً، حفظ القرآن العظيم وجوّده، واشتغل بدراسة العلوم الشرعية واللغوية والأدبية وأخذها، وتلقاها على يد جماعة من المشايخ الأجلاء: العلامة محمدن بن عبد الرحمن بن محمدُّ الحجاجي، وبعد ذلك التحق بالعلامة سيد محمد (الراجل) بن الداه بن داداه فأخذ عنه علوم اللغة العربية والمتون الشرعية، ثم لازم العلامة المقرئ محمد سالم بن حامدت مدة، لينتقل بعد ذلك إلى العلامة المقرئ عبد الودود بن عبد الملك بن حميه الذي حفظ عليه القرآن الكريم وعلومه.، واستحق الإجازة، لكن العلامة عبد الودود امتنع عن أن يمنح الشيخ يعقوب الإجازة، لأنه كان لا يجيز إلا القراءة بالضاد، والشيخ يعقوب كان يقرأ بضاد العرب، القريبة من الظاء نطقا.
كما لازم العلامة الشيخ بن أحمد محمود بن سدين مدة ودرس عليه بعض المتون مثل مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي. 
 واصل الشيخ يعقوب مسيرته وكان مكباً على تحصيل العلوم والحقائق، يجتهد في اقتناص شوارد الدقائق، محباً لأرباب الكمال، محبوباً لدى الخاص والعام، وبالجملة فقد كان ‌فريد ‌زمانه ذكاء وسناء وعقلاً وفضلاً وظرفاً ولطفاً وأدباً واعتدال خلق وخلق:
لقد طالت خطاه إلى المعالي *** وسار لنيلها سير الجواد
فما للفخر غير علاه باب *** ولا للمجد غير سناه هادي
محل ما ارتقى أحد إليه *** ولا حظيته همة ذي ارتياد
تم اختياره ليكون مدرسا سنة 1961م نظرا لكفاءته وعلمه، فعمل بجد وإخلاص، وبما أوتي من حكمة وحسن تدبير، فتخرج على يده الكثير من الأطر، وممن كان لهم حضور وإسهامات وتأثير في الشأن العام.  
كان الشيخ يعقوب من أكَابِر الْفُضَلَاء وسَادَة الْعلمَاء والأدب، وموصوفا بجودة الاستنباط، وسرعة الجواب، وحسن الاعتقاد، ووضوح الطريقة، وكان متصرفا في فنون جمة من العلوم، حَافِظًا للمتون الشرعية، قيّماً باللغة والنحو، محققاً لما يَقُوله، عالما ضابطاً صَدُوقًا ورعاً ديّناً وقوراً متواضعا سَاكِنا على قانون السَّلف، مديم الاشتغال بالتدريس والمذاكرة ومطالعة الكتب، فصيح الكلام، وافر العقل، كامل الفضل.
هو البحر بحر العلم والحلم والتقى *** هو السيد المفضال ذو الخير والزهد
محقق أبحاث العلوم بفهمه *** وكشاف ما تخفى العبارة من قصد
ومن صيته قد شاع في كل موطن *** ومن ذكره قد سار بالشكر والحمد
ويعتبر من أحذق الْمُفتين، وأحدهم ذهنا، وأسرعهم فهما، وأجودهم قريحة، حسن الكلام، جيد العبارة، فصيح اللسان، رفيع الصوت مع العبادة الكثيرة، واللطف مع كرم الأخلاق، ولين الجانب، والإحسان إلى القريب والبعيد، والاحتمال، كريم النفس، عالي الهمة، جوادا، تقيا نقيا، مع تواضع للقوي والضعيف، ورفق وحنان على الضعاف والأيتام والأرامل، لا يعرف لهوًا ولا لعبا، حسن المحاضرة، كثير المحفوظات، عارفا بالأخبار والتواريخ والأنساب، من الَّذين فازوا بالقدح الْمُعَلَّى، وحازوا المنصب الأوفر والحظ الأعلى، هذا مع الحرمة الوافرة، والوجاهة التامة، خيّرًا، ذا سمت حسن، وهدي مستحسن، لا تستفزه الدنيا بزهرتها، ولا يكبر في عينه شيء من زخرفها الفاني، مقبلا على شأنه قائما بأعباء مأموريته أحسن قيام، مواظبا على قراءة كتاب الله تعالى في سائر أوقات فراغه:
وَاللَّيْل وَالذكر والمحراب شَاهده *** وَالشَّرْع وَالْحكم والتصنيف والقلم
وَمن يقل إِنَّه يدْرِي مكانته *** فَمَا خَفِي عَنْهُم أَضْعَاف مَا علمُوا
وكان مجلسه مجلس علم وتربية ووعظ وتوجيه، التزم أن يذكر فيه ما سمع فوعى، وما جمع فأوعى، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من فوائده وفرائده إلاّ أظهرها، ولا نكتة بديعة من لطائف معناه إلا أمتع بها جلساءه بلا ملل ولا ضجر، وَلَا يجرِي بَين يَدَيهِ إِلَّا الْجد والحث والحض على التَّحصِيل.، وإفاداته وإنشاءاته لا ساحل لها. 
تولى إمامة الجمعة في مسجد لحواش بابي تلميت زمانا، وكان يمكث مدة بعد صلاة الجمعة ليجتمع بالناس ويتفقد أحوالهم ويسأل عن أخبارهم ويسعى في مصالحهم.
كان واصلا لرحمه، قائما برعاية شؤون أهله وعشيرته وعياله، متحملا مسؤولية الفقراء والضعفاء والمحتاجين.   
يقول أحدهم عن الشيخ يعقوب رحمه الله: ما رأيت قبله ولا بعده بخلقه وجميل قاعدته وحلو معاشرته ثانيا، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلا، وممّا خصّه الله تعالى به حسن العبادة، وطول القنوت، والخشوع التام في الصلاة، والمداومة على ‌قيام ‌الليل، وملازمة الذكر، والمبالغة في الورع الصادق، وكان لا يتنفس إلا بالفوائد، لا تحصى مناقبه، ولا تعد فضائله.
أديب أريب فاضل متفضل *** بليغ ولفظ الدرّ منه فصيح
إمام همام في الفهوم مقدّم *** وفي الأدب الغض الطري فصيح
وبالجملة فقد كان الشيخ يعقوب رحمه الله غرة عصره، وكان يدعى للملمات، ويقصد لتفريج المهمات، ذا رأي صائب، وفهم ثاقب، جسوراً على ردع الظالمين، وزجر المفترين، إذا رأى منكراً ‌أخذته ‌رعدة وعلا صوته من شدة الحدة، وإذا سكن غيظه وبرد قيظه يقطر رقة ولطافة وحلاوة وظرافة، وله الباع الطويل في علم التاريخ وحفظ وقائع الملوك والأمراء والعلماء والأدباء وما وقع في الأزمان السالفة.
وهكذا كلّما كان يسأل عن دقائق المسائل مما بلغ الغاية دقّتها، ومما تعسّر على الأذكياء المتبحّرين انفصامها، يجيب عنها ارتجالا من غير رَوِيَّة وإمعان نظر، كأن قد حلّ جميع هذه المشكلات من زمان مديد، وفرغ عنها مطمئنّ القلب، فقد رزقه الله علما واسعا.
تزوج رحمه الله ابنة عمه المرأة الفاضلة الورعة ميمونة بنت أحمد بن الشيخ سيدي باب وأقام معها بالميمون شمال مدينة بو تلميت، ورزق منها ذرية صالحة من أهل المروءة والفضل.
ألف كتبا قيمة وصنف تصانيف مفيدة منها:
1ـ الطهارة بنوعيها المائي والترابي
2ـ الزكاة وأحكامها
3ـ التركة وأحكامها التي كان للمؤلف اليد الطولى في الإحاطة بمسائلها ودقيق أمورها.
4ـ الحج وشروطه وأحكامه وضوابطه.
5ـ الجمعة وأحكامها 
6ـ العشرة المبشرون بالجنة: (وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم وأرضاهم).
7- تراجم أعلام.
وغير ذلك من النقل والمصنفات في بابها.
توفي الشيخ يعقوب بن آل محمد يوم 23 دجنبر سنة 1995م عند الميمون بأبي تلميت، ودفن بالبعلاتية، ‌افاض ‌الله ‌عَلَيْهِ سِجَال الغفران، وَأَسْكَنَهُ دَار الْكَرَامَة والرضوان:
مَاتَ الَّذِي كَانَت الْأَعْلَام تسأله *** فِي غامض الْعلم للسؤال يَحْتَلِم
مَاتَ الَّذِي كَانَ إِن تسأله غامضة *** خلاك من حليها فِي الْعلم تحتكم.
رثاه الشعراء والعلماء والوجهاء:
يقول العلامة أحمد بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب في رثاء أخيه العلامة يعقوب بن آل محمد:
سلام على يعقوب آل محمد *** وغيث من الرحمى يروح ويغتدي
وصفح جميل عند أول لحظة *** تؤمنه من كل مخـوف مـهــدد
ونزل كريم فيه للضيف فرحة تبوئه أعلى النعيم المخلد
فسر بالمعالي نحو أفضل منزل *** إلى مقعد الصدق الرغيب المؤبد
تحليت بالقرآن والعلم حلية *** تجنبت فيها كل أمر مفند
وقمت الدجى تحيي النوافل فاستوفى *** بها ورد زین العابدين الـمـردد
وما المكرمات الغر إلا مواهب *** وقد حزت منها مبتغى الجد الجد
ومالي لا أبكي عليك وإنني *** ببرك بي أرغمت آناف حســــــــدي
وما نسب الإنسان إلا اعتزامه *** وتصميمه في دفع إد مشدد
فما مت حتى نلت أجمل نكرة *** تقر بها الحساد في كل مشهد
وما مات من أبقى ثناء مخلدا *** ونسلا كريما سالكا نهج ســــــــؤدد
وبارك فيهم ذو الجلال وعمهم *** بنعمته من راكعين وسجد
وأسرة مجد شاع في الناس صيتهم *** معاليهم من كل طرف ومتلد
فيا ملك الأملاك يعقوب لقـه *** حنانا ونعمى في ظلال مـمـــــد
فأنت كريم لا تخيب راجيا *** وأفضل مقدوم عليه ممجد
فقد كان يدعو في دنياه يدعوك راهبا *** ويرجوك في الأخرى بدين محمد
يصدق رسل الله يقفو سبيلهم*** فصل عليهم (رب) في اليوم والغد.
ويقول أخونا إبراهيم بن موسى بن الشيخ سيدي في رثاء العلامة الشيخ يعقوب بن آل محمد:
أيها الناس للمهيمن توبوا *** فجدير بعفوه من يتوب
ليس يغتر بالزمان لبيب *** فاضل بعدما قضى يعقوب
ذلك الشهم المرتضى خلقا والـ ...مقتفي نهج أحمد الموهوب
برضا الله كان منه اهتمام *** ولنعم المهتم والمرغوب
فعليه الإحسان يبكي ويبكي الـ ...علم لما تضمنته الجبوب
هذه المسنة الشريفة لما *** فقدته تبكيه منها الدروب
يا إلهي عليه من بعفو *** ورضا دائم ونزل يطيب
وأعذه من فتنة القبر يا ر ...ب وهول منه الصغير يشيب
وأعذه من المخوف جميعا *** وأعذه مما يخاف الأريــب
و أنزل قبـره أحلـــه إلى رو *** ضات جنات ما بهن كروب
هبه منك الرضا و أرسل إليه *** من نسيم الجنان ما لا يغيب
كن له مؤنسا من الوحشة العظـ... مى قريبا فأنت نعم القريب
وابعثه مع الذين عليهم *** أنت أنعمت ما عليه ذنوب
وعليه الحساب يسر وهون *** يا إلهي فأنـت بــر مجـيـب
ما لمن مات ملجأ غيرك اللـ... هم كلا ولا سواك يجيب
وإذا جاء مستغيث يرجى *** منك عطفا فإنه لا يخيب
آل يعقوب نلتم ما رجوتم *** ووقيتم من كل خطب ينوب
وأقمتم على هناء وعز *** ومسرات ما أقام عسيب .
لستم وحدكم خصصتم بحزن *** فلنا منه يا كرام نـصـيــب
قابلوا ما قضى الإله بصبر *** واحتساب عند الذي سيثـيــب
فاصطبار الكرام زين وفضل *** واحتساب الثواب رأي مصيب.
ويقول العلامة إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي في رثاء العلامة يعقوب بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب أيضا:
على يعقوب ذي الخلق الكريم *** سلام مثل أنفاس النسيم
وجادت روضة وطفاء تهمي *** من الرحمات بالجوف العميم
تقرب يبتغي رضوان رب *** رؤوف بالعباد بهم رحيـــم
يقطع ليله في كل حال *** بئايات من الذكر الحكيم
يصوم نهاره ويصون عرضا *** ويحمي الدين بالعمل القويم
وكان على الورى سلما ورحمى *** وراح بقلب أواه حليم
وقد زان البلاد هدى ونورا *** ودينا قد تأصل في الصميم
وجاهد في طلاب العلم قدما *** وسار على الصراط المستقيم
بقفو المصطفى سمتا وهديا *** وذلك مسلك السلف الكريم 
فسل عنه الهواجر والدياجي *** وسل عنه أقانين العلوم
فأسكنه المليك بدار خلد *** ومتعه بأنواع النعيــــــم
وملأ قبره نورا سنیا *** بما قد أقام في الليل البهيم
وأصلح بيته دنيا وأخــــــــرى *** وآمن منهم من الهول العظيم.
ويقول العلامة الشيخ سيدي بن عبد الرحمن (الحكومة) بن الشيخ سيدي المختار(اباه) بن الشيخ سيدي في رثاء العلامة يعقوب بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب:
ألا إنما الدنيا رحيل مقامها *** وأحلام نوم حين آن انصرامها
تظل المنايا راميات صوائبا *** كرام الورى ما إن تطيش سهامها
فتمضي الأعالي واحدا بعد واحد *** وتبقى حثالات الورى وطغامها
ألم تر أن الندب يعقوب قد مضى *** فأضحى الأراضي ليس فيها هشامها
لقد غاب عنها سيد وابن سادة *** كريم نمته للمعالي كرامها
فعنه سل الجيران والعلم كله *** وسائل ضيوفا طال ثم زحامها
وسائل وفود الناس في كل موطن *** إذا ما التقى مأمورها وإمامها
وسائل جسيمات الأمور إذا دهت *** وأرست أواخيها وهيـب اقتحامهــــا
وسل عن مساعيه العشيرة كلما *** تفاقم مثناها وعزا لثنامها
فلا زال يسقي رمسه كل لحظة *** هواطل عفو ما يغب غمامها
ولا نال إلا الفوز والقرب والرضى *** ودار عـلـيـه في الجنان مدامهـــا
وحاز من الرب الرحيم زيادة *** بها نعمة التقريب يبدو تمامها
وبارك ربي في البنين وإخوة *** وأولاهم نعمى يحق اغتنامها
وأولى جميع البيت منه عناية *** تنال بها العليا ويرسي مقامها
بجاه رسول فاق كل مقرب *** فتم به الراغبين مرامها
عليه من الله السلام وآله *** أتم صلاة قد تسنى سلامها.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي