فبوتلميت اليوم إن سيل أهله *** فكلهم بالشيخ يوسف يهتف
ويشهد أن الشيخ كان مسالما *** وكان وقورا للسلامة يهدف
وأوقاته لله لا اللهو دأبه *** ولا الترف المذموم ما الشيخ مسرف.
****
يَدَع الجَوابَ فَلَا يُراجَع هَيْبَةً *** | والسَّائِلُون نَواكِس الأذْقَانِ |
أدَبُ الوقَارِ وعزُّ سُلْطَانِ التُّقَى *** | فهو المُطَاع ولَيسَ ذا سُلْطانِ. |
هو الشيخ يوسف بن الشيخ سيدي باب وأمه رملة بنت الحسن بن سيد أحمد.
ولد عند اعكليت أهل عبدي قرب بتلميت سنة 1917م، من بيت صلاح وتقى وجاه وسيادة وعلم، نشأ وتربى في حضن والديه ونهل من معينهما، ثم درس القرآن الكريم أولا على العلامة محمد سالم بن محمد محمود بن اكرامه، ثم انتقل إلى المقرئ محمد سالم بن حامدت , والتحق بعد ذلك بالعلامة المقرئ عبد الودود بن عبد الملك بن حميه الذي حفظ عليه القرآن الكريم كاملا وتضلع من علوم القرآن الكريم على يديه.
تميز بالحلم والنجابة والمسؤولية، وعمق الرؤى، والفطنة، والكياسة.
ولما توفيت والدته رملة رحمها الله تعالى سنة 1933م أدرك جسامة المسؤولية، فتحمل كل أعبائها ودبر الأمور أحسن تدبير، سعى في مصالح العائلة فكان يشرف بنفسه على الشؤون الخاصة والعامة ساعده في ذلك ما كان يتمتع به من قوة الشخصية والصرامة.
كان تقيا متواضعا فاضلا مهذبا عاقلا أديبا لبيبا وقورا حسن السيرة حسن الهيئة معظما عند العامة والخاصة، محبوبا عند العلماء والصلحاء، حسن الخلق والخلق، لا يطوي بشره عن أحد ويتلقى كل من جاءه ببشر وطلاقة وجه وكان مع رفعة قدره، وتشييده لقديمه بحديثه، من أشد الناس تواضعاً وعفة وصلاحاً، وأنقاهم ثوباً، وأشبههم ظاهراً بباطن، وأولاً بآخر، لم يختلف به حال من الفتوة إلى الكهولة، ولم يعثر له قط على حال يدل على ريبة؛ جليس كتاب منذ درج، ونجى نظر منذ فهم، حافظاً لكتاب الله قائماً به في سره وجهره، مداوما على قراءته متقناً لتلاوته، متواضعاً في رفعته، مشاركاً لأهل مجتمعه، يزور مرضاهم ويشهد جنائزهم ، متين الدِّين تام الفَضْل مشهور الخَيْرِ والصّلاح كثير العبادة, لم ير مثله فِي الحِفْظِ وَالمَعْرِفَةِ وَالأَمَانَةِ، وَافر العَقْلِ، مَهِيباً، وَقوراً، جَوَاداً، سَخِيّاً، لَهُ القبولُ التَّامُّ، كثير العِبَادَةِ وَالوَرَعِ وَالمُجَاهِدَةِ , كَرِيماً، وَاسِعَ النَّفْسِ، سَاعِياً فِي مَصَالِحِ العباد والبلاد, مسمتاً جميلاً، وقوراً حليماً متواضعاً, ولا غرته الدنيا.
وكان باطنه كظاهره، سلامة ونزاهة، الزاهد المخبت الورع، الفاضل العالم، أحد من تناهت فيه خلال الصلاح، وعظمت به المنفعة، ظاهرة وباطنة، وسلك سبيل السلف المتقدمين في الزهد في الدنيا، والبعد عن الخلافات، والقناعة باليسير، كثير المحاسن عَالِمًا سَخِيًّا بِمَا يَجِدُ، لا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِلْغَدِ مخفياً لأحواله، مَشْغُولًا بِالْعبَادَة متقنا للسير والآثار والأحاديث والأخبار.
وصاغه الله من فضل ومن أدب … حتى اغتدى فوق أنف المجد كالشمم
****
حلو الشَّمائل في السَّماح مذرَّب … جمُّ الفضائل في الفخار أصيل
حاز الفصاحة والسَّماح فلفظه … جزل وجود ندى يديه جزيل
****
حمال أثقال أقوام إذا قدحوا … حلو الشمائل تحلو عنده نعم
ورعا فاضلا جليل القدر وافر الإحسان، لَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ، مجاب الدعْوَة، ظَاهر الكرامات، ذَا هَيْبَة ووقار، يسارع فِي حوائج النَّاس بجلب الْمصَالح وردء الْمَفَاسِد، يُؤثر الْفُقَرَاء والغرباء والطلبة، لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم، ومآثره وفضائله غزيرة، ومضى على جميل وسداد، ذا عفّة في اللسان، وطهارة في القلب، وسلامة صدر وكان ممن يذكرون الله تعالى قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فلم يكن لسانه يفتر عن ذكر الله تعالى في خلواته وجلواته.
****
وقضى ما كُتبتْ عليه خطيئةٌ … من يوم حلّ بساحه التكليفُ
وأنا إذا أردت أن أُجمل تفاصيل فضله، وأدل الخلق على مبلغ مقداره بمختصر القول وفصله، ومهما كتبت عنه فإنني لن أستطيع أن أوفيه حقه، فأعماله وأقواله ومآثره أكثر من أن تعد وتحصى.
بويع له بخلافة أهل الشيخ سيدي يوم 15 نفمبر سنة 2002م، بعد وفاة أخيه الشيخ يعقوب بن الشيخ سيدي باب، فأحسن السيرة، ودارى الناس، وساس الأمور أحسن سياسة مع سكون ورزانة.
كان منزله قبلة للفقراء والمحتاجين، ومأوى للضعفاء والمساكين والأيتام والأرامل، يغدق عليهم في العطايا ويقضي لهم حوائجهم.
****
ومُطْعِمُ القَوْمِ شَحماً عندَ مَسغبهم *** وفي الجُدوبِ كريمُ الجَدّ ميسارُ
طَلْقُ اليَدينِ لفِعْلِ الخَيرِ ذو فَجَرٍ *** ضَخْمُ الدّسيعَة ِ بالخَيراتِ أمّارُ
كان الشيخ يوسف رحمه الله وافر العقل حسن الأخلاق جميل المعاشرة قانعاً باليسير طارحاً للتكلف كثير الإنصاف والبشر لمن يقصده، أحسن إلى الناس فكان لا يدخر النصح لهم، سعى فِي مصالحهم وبما يرضى به رب العالمين، فاجتمعت الكلمة وتوحدت الصفوف، والتأم الشمل، وأحبه القريب والبعيد.
وقد مدحه الشّعراء، وأثنى عليه البلغاء، وقصده الأدباء، واعترف له بالفضل العلماء والصلحاء.
قال العلامة الشاعر الخنذيذ الدنبجه ولد معاوية مرحبا بالشيخ يوسف بن الشيخ سيدي بابه وحيه، لما نزل منتجعا بأرض نجد البشام، بموضع منها يسمى "واد الله" عام 1388 للهجرة - 1968م:
اليمن أقبل لما جاء يوسف جا *** والشر عن ذي الأراضي فر وانفرجا
ندب أشم، سراج للأنام، كما *** ءاباؤه الشم كانوا للورى سرجا
الجدب خصب إذا ما جاءنا بكم *** والخير إن جاء ءال الشيخ سيدي جا
والشر تنفيه أرض تنزلون بها *** والكرب مستبدل من قربكم فرجا
والأرض طيبة عرضا بمنزلكم *** كأنما تبت أرجاؤها أرجا
يا وادي الله هل تدري الألى نزلوا؟ *** فالله أنزل فيك الفوز والفلجا
جئنا نجدد ما أسلافنا عهدوا *** لا نبتغي حولا عنه ولا عوجا
يا مرحبا بكم ليست لتندغة *** بل عن خوالصها حدث ولا حرجا.
أمَّ الناس في صلاة العيدين مرات على كثيب الأحواش قرب مسكن أخيه الشيخ إسماعيل رحمه الله في بتلميت، وكان بعد الفراغ من الصلاة وعقب الخطبة يوزع على الصغار والكبار رجالا ونساء مبالغ مالية، وبعض الحلوى.
كان رحمه الله فعولا للخير وصولا للرحم , لا ينقطع عن تفقد أحوال ذوي القربى ومتابعة أخبارهم , يبذل الغالي والنفيس في الشأن العام والخاص , كتب الله تعالى له القبول فأحبه كل من رآه .
توفي رحمه الله تعالى يوم 8 سبتمبر 2004م , الموافق 23 رجب 1425هـ في انواكشوط , ودفن بمقبرة البعلاتية بأبي تلميت , رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
****
قيل :
****
قال العلامة الشيخ محمد سالم بن محمد عال بن عبد الودود في رثاء الشيخ يوسف بن الشيخ سيدي باب :
شفني بث حديث *** بعد حزن لي قديم
إنما أشكوا إلى اللــــــــــه عقابيل حزيم
بالكريم بن الكريم بــــــن الكريم بن الكريم
يوسف الصديق عذب النغم في ضاد وجيم
لم نجد ألزم منه *** للصراط المـــــستقيم
ما سمعنا فيه غمزا *** من محق أو أشيم
ما سمعنا منه غمزا *** في ملوم أو مليم
قاد بعد الشيخ يعــــــــقوب على النهج القويم
رب بوئه مع الآبا *** ء جنات النعيم
رب بارك في بنيه *** والأخ الشيخ الكليم
واحفظ البيت الذي أفياؤه مأوى المضيم.
وقال الشيخ إسماعيل بن سيد عبد الله في رثاء الشيخ يوسف :
في ثالث العشرين من شهر رجب *** للشيخ يوسف قضى الله الأرب
وقت صلاة الظهر يوم الاربعا *** رضى مسعاه ونعم ما سعى
عام تُهِشُّك الجنان والنعيم *** ونلت ما ترجو ورحمة الرحيم
قد عشت عابدا وخيرٌ أمركا *** والجارُ في أمن وأمنٌ عمركا
جزاك ربنا جزاء المحسنين *** فطال ما فرجت كرب المسلمين
تعكس فضل باب والشيخين *** والسيد المختار دون مين
يارب أوْله الرجا ولا تخب *** آماله لنفسه والعقب
واجعل بنيه خلفا للسلف *** فالكل سيد, مع الله وفي
واهدهمُ واهد بهم يا هادي *** واجعلهم من خيرة العباد
بجاه خير المرسلين أحمدا *** صلى عليه الله دوما سرمدا.
وقال الإمام رباه رب بن حبيب الله في رثاء الشيخ يوسف :
على موت مثل الشيخ يوسف يؤسف *** وتذرى دموع الحزن والجرح ينزف
سلالة باب المرتضى يوسف الذي *** حــــوى مجد آباء له الكل يـــعرف
فبوتلميت اليوم إن سيل أهله *** فكلهم بالشيخ يوسف يهتف
ويشهد أن الشيخ كان مسالما *** وكان وقورا للسلامة يهدف
وأوقاته لله لا اللهو دأبه *** ولا الترف المذموم ما الشيخ مسرف.
وقال الأديب الشاعرأحمد بن الدنبج في رثاء الشيخ يوسف:
يا يوسف بن الشيخ لا تبعد **** أنت عميد المجد والسؤدد
وهامة العز الطويل الذرى **** بمجده الأقعس والأتلد
من جمع العلم لحسن التقى **** والخلق الأسمى وزين الندى
فعاش طودا للعلى راسخا **** لا ينثني عن شأوها الأبعد
سل عن علومه وآدابه **** ما في كتاب الأدب المفرد
وسل كتاب الله آياته **** من قامها والناس في مرقد
فياله متقيا زانه **** أعماله الحسنى إلى المسعد
بلغه صالح أعماله **** جنة عليين في مشهد
في جنة حفته ولدانها **** بأكؤس والعين من خرد
بما رعى من شيم حلوة **** وما أتى من فعله الأحمد
ورثه العلياء آباؤه **** من شهم ماجد أحيد
من مثل باب المجد في علمه **** أو سيدي محمد السيد
الشيخ سيدي الكبير اعتلى **** فوق ذرى الهقعة والفرقد
فالمجد هذه بيوتاته **** فلم تزل طالعة الأسعد
إن مات منهم سيد ينبري **** آخر مثل الحلق المسرد.
ويقول محمد الأمين بن الطالب اعمر البوصادي في رثاء الشيخ يوسف :
الناس من يوسفٍ في الحزن والأسف *** والدين من بعده قد قال يا أسفي
كأنما الكل به يعقوب به فجعت *** أنباء يوسف بالإخبار بالتلف
يا رب أحلله في الفردوس في غرف *** زهت وراقت وأعلت سائر الغرف
فنعم أسلافه في الخلق من سلف *** ونعم أعقابه في الخلق من خلف
لا زال فيهم لواء المجد مرتفعا *** وبُسرهم مدَّنٍ من كل مقتطف
بجاه طه صلاة الله تشمله *** والتابعين دوام الدهر لم تقف.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي باب