سما في سما العليا كمالاً وبهجة *** ولطفاً وظرفاً فوق عرش البها ارتقى
طويل نجاد وافر الفضل كامل *** بسيط الندى قد فاق فهماً ومنطقا
وما هو إلا سيد وابن سيد *** له المحتد العالي من الدر منتقى
حوى البأس والمعروف والمجد والذكا *** وحاز المعالي والمكارم والتقى هو اللبيب الأبي الشهم الألمعي الشيخ يوسف بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب، وأمه المرأة الفاضلة محجوبة بنت محمد المصطفى (الدِّياه) بن عبد الله بن عالي بن عبدي بن المصطف بن محنض نلل بن امرابط مكه، ولد سنة 1920م في ضواحي بتلميت.
تربى في حجر والديه في مروءة وتقى وعفاف وصيانة وعدالة وأمانة، فتأدب وتهذب، وقرأ القرآن المجيد وحفظه.
وأكب على تلقى العلوم ومطالعتها بجد واجتهاد حتى نبغ وبرع وفاق.
نشأ نشأة حسنة في غاية من اللّطافة والحشمة، وحسن الخلق والخلق، كثير الإشغال والاشتغال من أوّل عمره إلى آخره.
ولما شب وظهرت منه مخايل النجابة والفلاح كلفته الحكومة الموريتانية بمهمة في الصحراء الغربية سنة 1967م، وبعد ذلك تم تعيينه رسميا كمصلح اجتماعي.
وفي سنة 1974م عين كاتبا للضبط.
وفي سنة 1972م حج الشيخ يوسف بن آل محمد إلى بيت الله الحرام رفقة عمه الشيخ إسحاق بن الشيخ سيدي باب، وابن عمته الشيخ إسماعيل بن أبي مدين رحمهم الله.
سافر إلى البلدان المجاورة السنغال وغامبيا وكازاماص، وكانت له صلة وثيقة بالشيخ محمد فاضل بن الشيخ أحمدو بنب الخليفة العام للطريقة في طوبى بالسنغال في تلك الفترة.
عرف بكثرة الإنفاق، قصد أرض شمامة مرات، وكان عند عودته يوزع على الناس ما أمكنه من غلاتها.
شديد الشكيمة ماضي العزيمة، صلباً في الحق، مؤيداً لا هوادة عنده لأحد، ولا مداهنة لديه لأحد، لا يؤثر غير الحق في أقواله وأفعاله، جيّد الفطنة، حسن الانبساط، صادق الحسّ، قوي الإدراك.
مِقْدَامًا في الأُمُور، له الرأي الرزين، والعقل الوافر، نبيهاً نبيلاً، حسن الملاطفة والعشرة، متحرياً للصواب، محبوباً عند الناس، لين الجانب، متواضعاً، له شهرة حسنة، وآثار مستحسنة، وجاه عال رفيع، وقدر سام بديع، وجلالة في القلوب، وهيبة فوق المطلوب والمرغوب، وهيئة تشهد له بفضله وعلاه، وهمة سامية.
جسورًا على ردع الظالمين، وزجر الباغين، فاضلا تقيا قواما متبتلا، لا يفتر لسانه من ذكر الله.
ويمضي عليك الدهر، فعلك للعلا *** وقولك للتقوى وكفك للرفد
كان رحمه الله شهما شجاعا، جريئا، بعيد الهمّة، نافذ العزيمة، لبيبا، أبيّا، جوادا، حازما، ظاهر المنعة، ميمون النّقيبة، فذّا في الكفاية والإدراك، مشارا إليه في وفور العقل، وبعد الغور، باسلا مقداما، مجرّبا، محتنكا، رابط الجأش.
وصدرت عَنهُ جملَة أَقْوَال وأفعال لَا تصدر إِلَّا من حزماء الرِّجَال، ولم تزل مكانته تعلو، إلى أن تثبت في القلوب قدره، واعتدل بين الأهالي أمره، ورأى الناس من أنفته وشهامته وشجاعته ومروءته ما لم يروه من المعاصرين له، مع النصح للجميع، وعدم الطمع فيما في أيدي الناس، والعفة والصيانة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحث على التقوى والديانة، لا يرى في وقت غير مشتغل بالذكر والمساعي الحميدة والمطالعة والعلوم.
وكان على قدم السلف في الاشتغال بما يعني، والقناعة وشرف النفس، وعدم التصنع مع التقوى، لا تأخذه في الله لومة لائم.
أنشأ مكتبة ضمت في رفوفها كتبا قيمة في فنون مختلفة، وقد رُزق حظا كبيراً من جمال الخط:
أديب أريب فائق ذو نباهة *** حسيب نسيب ما له الوقت من ند
عليم حكيم رائق متفق *** كريم السجايا الغر من ضئضئى المجد.
كان رحمه الله شديد المراس، ذا دين متين، وسنن مستقيم، عظيم النزاهة، متباعدًا عن المداهنة والنفاق، بعيدا عن التكلّف، محبّا للبساطة، سخيا سَمحا.
مَهِيبًا وَقُورًا، قويًّا في دين الله، صدَّاعًا بالحق، متوددًا إلى الناس كافةً على اختلافِ طبقاتِهِم، لا يَغضَبُ إلا لله، ولا ينتَصِرُ لنفسِهِ.
وكان بيتُه مأوى الأضياف لا يخلُو من غُرباء وضعفاء ومحتاجين يَفدون إليه، فيُطعِمُهم ويتفقَّدُ أحوالَهُم، ويقومُ بمصالِحِهِم بنفسهِ.
وقد نشأ على يديه وتربى تلامذة من البلاد التي كان يسافر إليها، وكان كلما آتاه الله من الخير والرزق يوسع به على العامة والخاصة، وانتفع به خلق كثير.
يعتبر من الذين يعملون من أجل المصلحة العامة حقاً، بكفاية وإخلاص، منكرين أنفسهم، ناسين مصالحهم الشخصية وما أقلَّهم!
ولم يزل منهلا عذبا، مواصلا نشاطه الإصلاحي، يستقي منه المستفيدون، ويستفتيه السائلون والمراجعون، ويقصَد في حلّ معضِلات المسائل الاجتماعية والعلمية، من الجهات البعيدة والقريبة، حتى وافاه الأجل في مدينة دكار في أغشت ــ رمضان سنة 1979م، ونقل إلى بتلميت حيث دفن في البعلاتية.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسبغ عليه المغفرة والرضوان:
سيد ما جد له الحلم والعلم *** وفيه السداد والتدبير
دين خيرّ تقي نقي ذو *** عفاف برّ صبور شكور
كاظم راحم شريف عطوف *** بين عينيه للديانة نور
كل شيء يستكثر الناس في الد *** نيا قليل في ناظريه يسير
صائم قائم إذا جنّ ليل *** ذاكر ربه حيي وقور.