العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن الشيخ سيدي باب

ترجمة سيد الأفاضل... وصدر الأماثل ... المتفنن في علوم الأوائل 


إمام إذا ما رمت نعت صفاته *** فذلك شيء من علا الشمس أبعد

رقى من ثنيات العلوم بواذخاً *** لها في تخوم الفكر أصل مؤطد

إلى كعبة العلم الذي صار صدره *** لها حرماً فهام ذي الفضل تسجد

وطود فخار قد تسامت به العلى *** وبدر علوم للاضاءة يرصد

وبحر نوال ‌لا ‌يضاهى خضمه *** وشمس معال عندها تقصر اليد:

هو العلامة الفاضل الشيخ أحمد بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب رحمهم الله تعالى، أمه السيدة الجليلة آمنة (دود) بنت الراجل بن الداه بن داداه.

 ولد بأبي تلميت سنة 1908م، نشأ وتربى في حجر والديه حيث العلم والمعرفة والتقى والنبل والكرم والشهامة والإباء، فارتضع ثدي أخلاقهما، وتضلع من معارفهما.

لازم الشيخ أحمد جده الشيخ سيدي باب الذي كان هو حفيده الأول واشتغل عليه رغم حداثة سنه، فاغترف من بحره، واقتبس من نوره.

 ولم تمض مدّة يسيرة على هذا الدارس الناشئ النابه حتى التحق بجده لأمه العلامة الفذ الراجل بن الداه بن داداه، فقرأ عليه القرآن الكريم، وأخذ عنه العلوم الشرعية واللغوية.

 واستمرّ حضورُه لدروسه ومجالسه حتى ظهر استعدادُه الذهنّي البارق، وتفوقه العلمي الباهر، في الفهم والفقه، على كثير من تلامذة جده، الذين أمضوا في ملازمته السنين الطوال قبله، فكان على صغر سنّه فيهم يعدّ من أوائلهم وأكابرهم في حسن التحصيل، والتلقّي من الشيخ فقيه عصره، وأمضى معه مدة من الزمن حتى ‌ارتوى من علومه، وتضلّعَ من معارفه وفهومه التى بلغ بها وبالجد السعيد، غاية الأمل البعيد:

شهم تسنم مرقاه السيادة عن *** مجد أثيل بسعد جاوز الحملا

قد اغتذى بلبان المكرمات ومن *** ضرع النجابة بالفضل ‌ارتوى عللا

توفرت للشيخ أحمد وسائلُ الطلب وأدواتُ العلم، وكان بطبعه ومنذ صِغره ذا نَهَم للمعرفة لا يشبع، وصاحبَ طموح إليها لا يقفُ عندَ حدّ من أَجل الوصول فيها إلى أقصى الغايات وأعلى الدرجات، وأعانه على تحقيق أهدافه العلميّة ما كان له من الجِدَة والجاه والشّغَف بالتحصيل، وهكذا أقبَلَ منذ نعومة أظفارِه على ينابيع المعرفة يعُبُّ وينهَلُ، وكان لا يفتَأُ يكتُبُ ويُقيِّد، ويقابلُ ويُعارض ما يقعُ إليه من ذخائر المؤلفات، ونفائس المصنَّفات، حتى استوَتْ له مَلَكةٌ علميّة فذّة، واستقامت عنده مشاركةٌ واسعة في كثير من أصُول العلم وفروعِه، فغدا حُجةً في علوم القرآن الكريم، خبيرًا بالتاريخ وعلوم اللغة والأدب، يُبدي فيها رأيه، ويُصدر حولَها حُكمَه.     وكان ممن يشار إليه بالنباهة والذكاء وقوة الحفظ.  ذا ورع وتقى ورزانة، وفضيلة وصيانة، وما زال قدره رفيعا، وجنابه مكرما منيعا.

‌كان ‌آية ‌فِي الذكاء وَسُرْعَة الْإِدْرَاك والحفظ والمعرفة والتفنن فى العلوم ‌وفي معرفة الكتب والتعامل معها. وله اليد الطولى في الكتابة والشعر، حسن المعرفة باللغة والأدب، أقوم أهل عصره بصنعة الأدب. وكان محترما كبير الشأن جليل القدر، فَاضلا ذكياً رِاوية للْأَخْبَار والأشعار عَالما بالأنساب يُجيد معرفَته وينقُل أَيَّام النَّاس وتراجم النَّاس، ليّن الجانب، مبذول البشر:

شيخ ‌تضلع من بحر العلوم ومن***حسن التأدب فيما قال أو فعلا    

زين الشريعة سنيٌّ مناقبه*** تترى فسبحان من سواه جل وعلا

التحق بمدرسة أبناء النبلاء بأبي تلميت ودرس بها، حتى أكمل مراحلها، فكان يجيد اللغة الفرنسية كتابة ونطقا، عين ملحقا إداريا للشؤون المحلية فترة ما قبل الاستقلال، ثم مدرسا، وكان يرجع إليه في الكثير من المعضلات التي تتعلق ببرامج معهد أبي تلميت للدراسات الإسلامية آنذاك.

كان حسن المعاشرة طلق الوجه، مبادراً لقضاء حوائج الناس، مكارماً لهم، ذا وقار وسمت وصيانة، ونزاهة نفس، وكريم خليقة، وصحة نية، وسلامة باطن، إلى عفاف وحياء ودين مع سكينة وتؤدة، وكان له من ‌قرض ‌الشعر حظ صالح، ضاربًا فيه بسهم مصيب.

ومن شعره في رثاء والده الشيخ محمد بن الشيخ سيدي باب رحمهم الله تعالى:

قضی الذي حوى جميع الفخر *** سابع شوال طلوع الفجر
محمد سليل باب البر *** في البحر عم صيته والبحر
أبيض ربعة جميل الصوره *** له خصال لم تكن محصوره
صرعة يهابه أترابه *** ومن يراه وادعا يهابه
وحاز كل المجد من أطرافه *** مع دينه والصدق في عفافه
يحمل قلبا واعيا في جوفه *** وورعا في دینه من خوفه
بحر خضم في العلوم النافعه *** ومزنة عند العطاء ناقعه
في الخافقين ذكره قد انتشر *** وهديه شرفه عند البشر
ولازم القرآن حتى حصلا *** إجازة عن نافع مستأصــلا
وكان رأسا في لسان العرب *** والافتتان في فنون الأدب
وقرأ النحو على يحظيه *** عن سیبویه دهره يكفيه
وسیدي محمد بن الداه *** أقرأه الفقه بلا اشتباه
ولیس كسبا حسب المعتاد *** تحصيل علمه بالاجتهاد
لكنه فتح من الرحمن *** ومن مواهب العظيم الشان
خلاقه على الرضی حمیده *** على صواب كلها سدیده
قبل انتهاك حرمة لله *** أو في سبيل الله لا الملاهي
فعند ذاك قد تراه ثائرا *** من حدة تحسبه غضنفرا
وقد مضى بنوره مع التقى *** وباتباع المصطفى فيما
صلی علیه الله بالدوام **** وآله وصحبه الکرام
إلى لقاء ربنا الكریم **** فاجعل قراه جنة النعيم.

كما كان مقبلا على نشر العلم وبثه، متواضعا، له دراية باستحضار نوازل الفقه وقضايا التواريخ، ومجلسه كثير الفوائد مليح الحكايات:

سمح الزَّمَان بِمثلِهِ فأعجب لَهُ *** إِن الزَّمَان بِمثلِهِ لشحيح

فَالْأَصْل ذَاك والخلال حميدة *** والذهن صَاف وَاللِّسَان فصيح.

وبعد وفاة الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب رحمه الله بقي العلامة أحمد  يحوز منصب ‌إمامة ‌العيدين والجُمع، ويقوم برعاية الشؤون العامة إلى أن توفي رحمه الله.


تفرد بِالعلم الوَافر مَعَ السيرَةِ الجمِيلة، وَالطرِيقة المَرضِية، صَنَّف تصانيف وجمع مسائل شرعية ولغوية.

كَان رحمه الله أواها تلاء لكتاب الله تعالى، زَاهِداً، وَرِعاً، مُتوَاضعاً، ظرِيفاً، كَرِيماً، جَوَاداً، موفقا، ساعيا في حوائج الناس ومصالح العباد، باذلا لهم المعروف، أحبه كل من رآه:

ففي كل قلب حبه متمكنٌ *** وفي كل نادٍ ذكره فائحُ النشرِ.

توفي رحمه الله فجر الأحد 3 إبريل سنة 2005م ودفن بالبعلاتية:

تغمده الله برحمته الواسعة، ورفع درجته في عليين، وأحسن جزاءه ‌في ‌جنات النعيم

سقى قبره عفواً وغفراً ورحمةً *** ومن كوثر المختار يسقى ويكرم.


يقول محمد ولد أحمد ولد الدنبجة يرثي العلامة الشيخ أحمد بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب:

ساد الظلام بقاع الأرض أن فقدت *** شيخ الشيوخ فمن للعلم والعمـل

أكرم به من فتى ساد الكرام فما *** ضل الطريق طريق الرشد والنبـل

فصبركم يا بني الشيخ الكرام فما *** لمن فقدتم – ورب البيت-من بـدل

فالله يرعاه في الفردوس تكلأه *** حور أماليد بالكاسات في ثمل

والروض والروح مفروشا أرائكها *** تحت الجنان على مطارح ذلـل

وعوض الآل صبرا عن مصائبها *** وبارك الله فيهم قادة السبل

من آل أحمد أبناء جهابذة *** من كل شهم سديد الرأي ممتثل

يسعون للمجد لا يخشون غائلة *** كسعي آبائهم قدما على مهـل

يا بارك الله في تلك الأصول وفي *** تلك الفروع إلى ساداتها الأول

فالله يحميهم من شر حاسدهم *** ويرأب الصدع في مصابنا الجلـل.


ويقول العلامة محمد سالم ولد عدود يرثي العلامة الشيخ أحمد ولد آل محمد ولد الشيخ سيدي باب رحمه الله تعالى:

لقيت أحمد يا ابن آل محمد *** روحا وريحانا بأكرم مقعـد

في جنة الخلد التي وعد الأولـى *** لزموا حياتهم سبيل المهتدى

فكذاك أنت فقد عمرت مسالمـا *** متهجدا إن نام ليل الهجد

وعن السفاسف رابئا وإلى المـعا *** لي رابيا تسمو بطرفك للغد

بالعلم مزدانا لربك راهبـا *** بالخير أمارا جمالا للندى 

متحليا بالحلم مأمون الأذى *** لا طائشا نزق اللسان ولا اليــدي

ولبست من حلل الوقار حلى الحبـا *** وسنوك بعد سنو الشباب الأغيـد

ولنا بآل محمد ومحمد *** هرمي بناء المجد فينا الأتلد

خلف به نسلو شيوخ قادة *** وبنون شم سادة لمسود

أمحمد ابن الأهل سد واشدد لنا *** عضدا لموسى شیخ ءال محمـد 

يا رب ثبتهم وخلد عزهم *** ما أرغمت بالذل أنف حسـد

واحفظ كرامتهم ووحد رأيـهم *** واجمع بهم شمل العلا والسـودد.


ويقول السيد الداه ولد اباته يرثي العلامة الشيخ أحمد ولد آل محمد ولد الشيخ سيدي

رحمه الله تعالى:

راهُ جاك أحمد يالفكَّــاك = وَلْ آلُ ذالماݣط اعصاك

الطَف بيه امنين الِّ جـاك = واغفَرلُ واحسَن مـآلُ

واعطيه امَّلِّ مِن معطـاك =  ݣد الِّ كامل يزْهـال

 واللِّ عدَّل كامل يرجـاك = من حسنات اضَّاعفهـال

و العلم الِّ بث افرِضـاك = واجتناب وامتثال

هو ݣاع اذ مايَخْفاك = حشاك إلَعاد افعــال

زینین اخلاقُ كيـفت ذاك = زين واحلوِّين اقـــــوال

فَحمد فوَّضنَ واحمدنـاك = امثالُ كــــانُ وَلْ آلُ

ݣاع افْݣلَّ وانزادُ هـــاكْ = ݣلَّ زادْ اليُوم امثالُ

بارك فالخَلَّ يالشَّفـاع = هو ماتَوْفَ خِصــــــــــال

واسْوَ فيه الوزَّانَ ݣاع = الِّ ݣالُ والماݣالُ.


                                وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي