العلامة القاضي محمد بن أوَّاه


إمام علوم معتلي القدر لم يزل *** رداء المعالي والعوارف يرتدي 

وقاض إذا الأحكام أشكل أمرها *** جلا لي برأي الحقيقة مرشدي

وإنّ جميع الخلق في الحقّ عنده *** سواسية ما بين دان وسيّد

هنيّا لنا بل للقضاء وفضله *** بقاض حليم في القضاء مسدّد

أمات به الرحمن كلّ ضلالة *** وأحيا بما أولاه شرعة أحمد

وما زال قدما للحقيقة حاميا *** وللشّرعة البيضاء يهدى ويهتدي

هو العلامة القاضي محمد محمود المعروف بـ محمد ابن أُوَّاهُ الأبييري، ولد حوالي 1314 هـ في ضواحي بتلميت.

عاش في بيئة علمية مكنته من ارتقاء أرفع مراتب المعرفة، ‌تربى في حجر المروءة والعفاف والصيانة والمكارم والمعالي، وترعرع في محاضنِ القرآن الكريم، ونهل من ينابيعِ السنة النبوية، وأخذ العلم عن أهله، وترقى إلى أن اعترف الكل بفضله، ومناقبه مشهورة غنية عن الإطناب، ومآثره معروفة لا تحتاج إلى الإسهاب.

تتلمذ على من طارت شهرتهم في الآفاق، فكان من نتيجة هذه العوامل مجتمعة أن أصبح - رحمه الله - عَلماً من أعلام الإسلام.

قرأ القرآن على خاله همد فال ابن بَبَكرْ، وأخذ الفقه عن ابن عمه محمُود ولد إبنُ عمر، وجاب المحاظر الموريتانية شرقاً وغرباً طلبا للعلم. 

درس الإضاءة ولامية الأفعال على العلامة يحظيه بن عبد الودود، وتلقى بعض العلوم على يد كل من  امحمدْ ابن احمد يوره وعبد الله بن ذي الخلالي وأُوَّاهْ بن الطالب إبراهيم, كما أجازه في القضاء العلامة سيد محمد بن داداه, و أجازه فيه أيضا محمد محمود ولد عبد الله ولد محمودا قاضي إداب لحسن.

يقول عنه الشيخ هارون بن الشيخ سيدي باب: ومكث دهرا طويلا مع أوَّاه بن الطالب إبراهيم يراجع الفقه ويدْرسه ويُدَرِّسه ويتدارسه مع غيره، ونجح في معرفته، وفي معرفة القضاء وفي معرفة القواعد نجاحا باهرا في أول الأمر وفتح له في صناعة القضاء فتحا عظيما، وتيسر له فصل الخصوم تيسرا خارجا عن المعتاد، وقد أجازه سيد محمد بن الداه بن داداه في القضاء على نحو ما في تبصرة ابن فرحون، لأربع ليال بقين من ذي القعدة عام ستة وأربعين وثلاثمائة وألف 1346هـ.

كان عالما عابدا ورعا متعففا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، اتصف بالبديهة الغريبة النادرة، والنباهة والنبل، أحد القضاة المشهورين والفضلاء المذكورين، يرجع ‌إليه ‌في الفتاوى، ويشاور في الأمور.

شمس الفضائل خير من بلغ السها *** مجداً وسامى في العلى إدريسا

كان فاضلا بارعا، له ‌الباع ‌الطويل في معرفة الفقه، وأحكام النوزل، واليد الباسطة في النظم والنثر، وله مشاعرات ومناظرات مع الفحول والكبار.

قال الأديب الأريب امْحمد ولد أحمد يوره مادحا القاضي محمد ولد أُوَّاهُ:

يا مرحبا بالكامل بن الكامل *** والفاضل ابن الفاضل بن الفاضل

من أصل جذع علم كاد نجاره *** نقل العلوم ناقلا عن ناقل

وكفاك تبيينا لصدق مقالتي *** لن يتركن في العلم قولة قائل

فأجابه القاضي محمد ابن أُوَّاهُ :

ما في الورى شبه لآل العاقل *** والحق يظهر للبيب العـــاقل

نقلوا المكارم صح عن أسلافهم *** نقلوا المكارم ناقلا عن ناقل

ولنا بهم جـــاد الزمان ولم *** يجد يوما كجودته بآل العـــاقل.

 

 كان رحمه الله ذا رأي صائب، وفهم ثاقب، وكرم أخلاق، ورقّة طبع، ولين جانب.

هو من حسنات الزمان، وثمار الأمن والأمان، الذي أطلع الكلام فائقاً، وأوقع النظام متناسقا. 

هو رونق المقال، المطابق لمقتضى الحال، بحر أدب لا يدرك شاطيه، ونهر كمال لا يمكن تواطيه، من لان له الأدب معطفا، ومنحه ما شاء من البلاغة مقطفا.

له نظم أحلى من الضرب، ونثر يريك في اتساقه العجب. 

يقول العلامة القاضي محمد ولد أُوَّاهُ في أبيات إستسقائية زمن الشدة:

يا قاضياً لذوي الأوطَارِ أوطَارا  ***  أمْطر بلادَك ياذا الجود إمطارَا 

غيْثا يعمُ بِقاع الأرْض أجْمعَها ***  يصاحبُ اليُمْن إمْطاَراً فأمْطَارَا

حَتى تكون به الأيَام قاطبةً  ***   على الخلائق أعْيادًا وإفْطَارَا .

وله رحمه الله أبيات استشفائية يقول فيها:  

يا ربَّنا بالذّاتِ والصِّــــــفاتِ *** و ما حوى الكتابُ من آياتِ

والكُتبِ و الأملاكِ ثمَّ الانبـيّا *** و العُلما و الصُّلحا و الاوليَّا 

و كلُّ من لسنَّةِ الهادي اقتفى *** عجّل و بارك للّذي بي الشِّفا

باسمك الشّافي أجب هاذ الدّعا *** يا ربّنا لكلّ من به دعا.

وكان الشيخ سيدي باب يرجع إلى رأيه في الملمات والنوائب، ويستشيره في المهمات والمصالح، فكان له نعم الناصح الوفي، والمحب الصادق المعين الأمين، خير مدافع عنه، ومنافح عن مقامه، أعماله جليلة، ومواقفه محمودة، ومكانته في حضرة الشيخ سيدي باب محفوظة، وكان ‌يرجع ‌إليه ، ويعوّل عليه ‌في المشورة والتدبير، وقد سأله الشيخ سيدي باب عن عدة مسائل  منها:

ماذا تقول عنا الزوايا ؟  فقال له العلامة محمد تقول إنكم أدخلتم النصارى إلى بلاد المسلمين، 

وأنكم تؤخرون الصلاة عن أول وقتها، وتقرأون ب (الظاد بدل الضاد).

فأجابه الشيخ باب بقوله: أما مكاتبتنا للنصارى فإني كنت أسأل الله عز وجل أن يرزق أهل هذه البلاد قوة توقف الظلم فيما بينهم، وتعين على استتباب الأمن، ولكني لم أتذكر أن أحدد طبيعتها.

وأما عن قولهم في تأخيرنا للصلاة فإني أقوم في بداية الوقت بكل ما يلزمها من سواك ووضوء وتهيئ مناسب، ولأنها مناجاة العبد لربه سبحانه وتعالى فحري به أن يعد لها العدة الكاملة. وأما مسألة (الظاد بدل الضاد) فإني قد بحثت فيه دهرا طويلا، وراجعت فيه أهل اللغة، فثبت لدي بالأدلة فصاحته، وعرفت أنه هو الحق، فعملت به.

وقال الشيخ سيدي باب ــ رحمه الله ــ في ذلك:

الضاد حرفٌ عسيرٌ يشبه الظاءَ *** لا الدَّالَ يُشْبُه في لفظ ولا الطاء

لحنٌ فـَـشَا منذ أزمانٍ قد اتّبعَتْ *** أبــناؤُهم فـيه أجْـداداً وآبـاء

من غيرِ مُستَـنَدٍ أصـلا وغايتــُهم *** إلـْــفُ العوائد فيـه خَبْطَ عشواء

والحق أبلـجُ لا يخفى على فـَطِنٍ *** إن استضاء بما في الكُـتْب قد جاء

هذا هو الحقُّ نصًّا لا مَردَّ لــــــهُ *** من شاء بالحق فليومن ومن شاء.

قلت ونحو هذا ما وجدت في تفسير ابن كثير عند تفسيره لسورة الفاتحة, قال رحمه الله : ( [مَسْأَلَةٌ] وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْإِخْلَالُ بِتَحْرِيرِ مَا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِقُرْبِ مخرجيهما، وذلك أن الضاد نخرجها مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَمَخْرَجُ الظَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبَقَةِ فَلِهَذَا كُلِّهِ اغْتُفِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ فلا أصل له والله أعلم ) انتهى من تفسير ابن كثير.

ومؤلفات العلامة محمد بن أواه دالة على علو علمه، وسعة دائرة فضله في العلوم، وهو حسن الفهم، فصيح العبارة، لطيف الإشارة، مع نجابة كاملة، وشرافة تامة، وسعادة شاملة، وحسنِ سمت، ولطفِ دَلّ، وقنوعٍ وعفاف، وكرمٍ، وتقاوة زائدة، ومحاسنِ خصال، ومكارم شِيَم.

وبالجملة: فشخصه الطيب، ورؤيته الثاقبة، وعلمه الغزير، مفاخرُ أهل هذا البيت، علمًا وفهمًا، وجلالة وفخامة وتوددًا، مع دين متين، وورع شحيح، وحبً في القلوب، وخصاله الشريفة كلها محمودة، وأموره جميعها منتَظمة حسنة، وقد زينه الله مع هذه الفضائل بما ‌جُبل ‌عليه ‌من الوقار والإكبابِ على العلم والتقوى، وإيثارِ الحق على الخلق، والإعراضِ عن مغريات الدنيا، والانجماع عن الناس، وتقللٍ من زخارف هذه الدار، لا يبالي بما ظفر منها، وبما فاته منها.

له في العلى والفضل والمجد رتبة *** وفي كل حزب في الكمال له شطر

أديب أريب ذو كمال وسؤدد *** سحاب له في كل معرفة قطر

 

هو ممن ‌يجله الدهر، ويعظمه العصر، ويقدمه الفخر، ويصدره الصدر، صاحب البدائع والفضل الرائي، والأدب الكافي، الذي هو للعلم والفضائل كالأثافي.

يقول أبو عَمْرو بن نجيد رحمه الله: ( إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا رزقه ‌خدمَة الصَّالِحين والأخيار ووفقه لقبُول مَا يشيرون بِهِ عَلَيْهِ وَسَهل عَلَيْهِ سبل الْخَيْر) ، هكذا كانت حياة الشيخ محمد بن اوَّاه, فقد صحب الصالحين والأخيار طوال حياته، ولازمهم، ولم يحد عنهم قيد أنملة. 

شامخ الرتبة، عالي الهضبة، سحاب هاطل، وبحر ليس له ساحل، إن تضوع فهو المنثور، أو عبق فالروض الممطور.

وليس غريباً أن ينال غرائبا *** من المجد فرد في الزمان غريب

نارت به نجوم الفضائل وشموسها، ودانت لمعاليه أرواحها ونفوسها، ترجع إليه الأنام في المهام، وهو في الأدب البحر الخضم اللهام، كريح القطر فاح بكل قطر.

حاوي الفصاحة والبلا *** غة والصفات الألمعية

عمر المعارف ربعا، وسما خلقا وطبعا، كان معاصروه من أهل الشيخ سيديا وغيرهم من فضلاء أولاد ابيير يُجِلُّونه ويُعَظِّمونه، ويحبُّونه ويُقَدمونه، يأخذون برأيه، ويستنيرون برجاحة عقله، وقف معهم في السراء والضراء، وصَحِبَهم في جميع أمورهم العامة والخاصة..

‌وقف ‌مع أهل الشيخ سيديا موقف النصير المخلص، الذي يؤمن بصدق المحبة للعائلة والمساندة الأخوية لها، بل كان من بين أولئك القلائل الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل أن تبقى العلاقات قوية ومتينة، والروابط قائمة ومستمرة.

اختارته الجماعة لوظيفة القضاء، فشَغَلها بنُصْحٍ وإخلاصٍ، وعِفَّةٍ ونزاهةٍ، لم يأت ما يَشِيْنُه ويُدَنِّس فضيلَته، كان وقورًا مَهِيْبًا، قَلِيل الكَلَام فيما لا يَعْنِيْه، وبالجُمْلَة فإنَّه - رحمه الله - من العُلَمَاء العَامِلِيْن الأفذاذ، الَّذِيْن يَجِبُ حفظ تَاريخ حَيَاتهم.

جبلت على العفاف وكل فضل *** وجه الناس خيرهم القليل

ووليت القضاء فخير وال *** على الأحكام ليس له عدول

وسرت كسيرة العُمَرَين حتى *** أنار الحق واتضح السبيل

كريم الذات والخصائل، عزيز الوجود في الأماثل، الذي أشرقت بوجوده المعالي، وأشرفت بإقباله الصنائع، ونشرت المطالب بنجاحه، وحشرت المآرب بسماحه، وحشدت المواهب بنصوصه، وانجلت الغياهب بخصوصه، وابتهجت الأيام ببهجته، وسرت الأنام بلهجته. 

زكت شرفاً أعراقه وفروعه *** وطابت لنا منه الفضائل والفضل

إذا لم يكن فعل الكريم كأصله *** كريما فلا تغني المناسب والأصل.

 

وقد صنف تصانيف كثيرة ومؤلفات عديدة منها:


سراج الاعتذار عن السير في ظلام الاغترار, وهو مصنف جليل اشتمل على الكثير من تاريخ هذه البلاد, أورد فيه المؤلف ما ثبت لديه من السير والأخبار, وتناول ما عاصره من الأحداث التاريخية والقضايا الثقافية والاجتماعية, يُعد بحق مرجعا مهما يؤصل ويوثق لمراحل تاريخية مفصلية من تاريخ البلاد, ويدل على علم جمّ، ومعرفة وإتقان وبراعة تامة في هذا المجال، كما دون الأخبار والأحداث ‌بأسلوب هادئ متزنٍ ممتع، ويستقصي فيما يكتب، حتى إنه لا يدع سؤالًا لسائل, و‌كتابه هذا - فيما أرى- من أنفس الكتب الموضوعة في هذا الفن على الإطلاق, يقول مؤلفه رحمه الله :

(... قال القاضي العلامة محمد ولد أواه في سراج الإعتذار عن السير في ظلام الإغترار بعد أن تكلم المؤلف عن الحالة العامة قبل قدوم الشيخ سيدي من عند الشيخ سيد المختار حوالي عام 1243هــــ وبيعتهم له و مبايعة العرب و الزوايا له كذلك وبعد أن صار الإغياء به في كل أمر يريد فيه المتكلم الغاية القصوى في أقطار الأرض وقال أنه توفي 1284هــــ  بعد مامكث نحو خمسين سنة وزمام أمور أهل هذه البلاد بيده.

وذكر بيعتهم للشيخ سيدي محمد بعده وقال إن وثيقة بيعتهم له موجودة وتوفي رحمه الله تعالى 1286هــــ

قال بعد ذلك ما نصــه واتفقوا أيضا على بيعة ابنه الشيخ سيدي باب مع صغر سنه إذ ذاك، لما رأوا فيه من مخايل الصلاحية لمصالح الدين والدنيا في أقطار موريتانيا من جلب المصالح العامة ودرء المفسدة كذلك، وأهل تلك البيعة أدركنا منهم ما لا يحصى كثرة فتبارك الله أحسن الخالقين، 

يولي للقضاء القضاة ويقيم الحدود إن تعينت المصلحة في ذلك طلوع الدولة الفرنساوية، على ناحية من الغرب ولم يغلط في أمرهم عند قدومهم على البلاد.. التي هو فيها كغلط غيره من القاصرين من أهل بلاده لسعة علمه ووفور عقله ومطالعته لتواريخ البلاد، ولما سألوه عن عياله أخبرهم بأن عياله جميع المسلمين، وولوه لجميع أمورهم وجعلوها دائرة عليه جلبا ودفعا وتعظيما ووجاهة، وأحقن دماء أهل بلاده وأموالهم عن الفوات في الحروب التي لا يأذن فيها الشرع، لضعف أهلها عن مقاومة الدولة الفرنساوية كما وقع لغير أهل بلاده حتى رجعوا جميعا على رأيه، وتبين لهم أن مصلحة الدين والدنيا غير حائدة عنه.

ولم يوجد بيت في هذا المغرب يقارب في عموم جلب المصالح ودرء المفاسد للمسلمين بيت أهل الشيخ سيدي.

وتوفي الشيخ سيدي باب رضي الله عنه 1342 هـ ظهر الخميس ثالث جمادى الأخير... ) انتهـى من كتاب سراج الاعتذار عن السير في ظلام الاغترار.

وله أيضا شرح على نظم شيخه العلامة محمد سالم بن المختار بن ألما المسمى: المجتبى في النهي عن الغيبة والربا

وفتاوي كثيرة في النوازل الفقهية

ورسالة في القضاء

وكتاب في إحياء الموات، وأحكام قضائية كثيرة

وكتاب في الاستلحاق

وأنظام لكثير من المسائل الفقهية

اتفق أهل العلم على توثيق العلامة القاضي محمد بن اوَّاه - رحمه الله - وسأقتصر في هذا المقام على ذكر أقوال بعض أهل العلم والفضل فيه:

قال الشيخ هارون بن الشيخ سيدي باب: " نجح في معرفة القضاء وفي معرفة القواعد نجاحاً باهرا وفتح له في صناعة القضاء فتحا عظيما وتيسر له فصل الخصوم تيسراً خارجاً عن المعتاد " هـ.

وجزم عليه العلامة سيد محمد بن الداه بن داداه، وهو القاضي إذ ذاك أن يقطع النزاع بين من أتاه يتنازع من مطلق الأبييرية ومن تعلق بها، ويتعين على من فعل له ذلك أن يرضى به، ولا يتعقبه ولا يخالفه. وكتب لثمان بقين من شعبان عام 1342هـ.

ووكلته جماعة أولاد ابييري عموما وخصوصا على جميع أمورها في أرض لبراكنة، وكتب لثلاث بقين من ذي الحجة عام 1346هـ. سيد محمد بن الداه بن داداه.

وكتب له الشيخ إسماعيل بن الشيخ سيدي يوم الأحد ثامن رجب عام 1373هـ الموافق 13ــ 04 ــ 1954م: أنه هو أكبر معين في جميع ما يقع بين أولاد ابيير وغيرهم من الخصومات في كلام جزل في وصية به مهمة.

وكتب له عبد الله بن الشيخ سيدي باب: أنه لا يعرف فيه منذ عرفه إلا الإصلاح بين العشيرة والسعي في ما يجمع شملها، ويجلب الإنصاف، وكتب له أنه وكيل ونائب في الأمور المالية في الجهة المتوجه إليها عن عامة من لم يحضر من أولاد ابيير, وكتب سيد محمد بن الداه تحت هذه الكتابة: ثبات هذه الكتابة بهذه الصفة. 

وكتب له إسماعيل بن الشيخ سيدي أنه نائب عنا في كل شيء بيننا وبين من لم يمكنه لقاؤنا من الناس في كلام مفيد غاية. يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب عام 1371هـ.

توفي العلامة القاضي محمد بن اوّاه يوم الأحد 24 شعبان 1403هـ الموافق 06 يونيو 1983م

عن عمر ناهز 89 سنة، ودفن في مقبرة البعلاتية بأبي تلميت.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته 

                           **********

على الْجواد الَّذِي فاضت مكارمه *** للآملين بِمَا أربى على الأمل

مضى شَهِيدا إِلَى دَار البقا ليرى *** مَا قدمت يَده من صَالح الْعَمَل

لقد أعد لَهُ عِنْد النُّزُول بهَا *** رب غَفُور رَحِيم أكْرم النزل

بِالْعلمِ كَانَ وَفعل الْخَيْر مشتغلا *** وَلم يكن عَنْهُمَا باللهو فِي شغل

وَلم يزل بِرِجَال الْعلم محتفلا *** لكنه بسواهم غير محتفل

                           *******

قال الشيخ يحيى محمد الخضر مايابى في رثاء العلامة القاضي محمد ولد أُوَّاهُ

محمّدُ القاضي سليلُ اوّاهُو ... علاّمةٌ فهـَّـــــــامةٌ أوَّاه

مولده أربعةَ اعْشَرَ خلت ْ.... بعد ثلاثمائةٍ لهـــا تلتْ

ألفٌ، بهجرة الرسول البادي ... أفضل كل حاضر وباد

من أسرة أصيلة فى الخير ... من معشر مُكرَّمٍ أبييْري

ذكاؤه ظهر للعيان ... فأدّبوه أدب الفــــــــتيان

تفـــــــقهُّا لله بالقرآن ... والفـــــقه والآداب كل آن

فنال من ذاك الذي يُؤمَّل ... علما له به استقر العمل

فنورتْ علومُه الفضاء ... لما وليَ دهره القضاء

مؤيدا من نبلاء عصره ... أهل النهى من قومه ومصره

وأسلم الروح بيوم الأحد ... للواحد البر الرحيم الأحد

فى أربع من شَعََبان بعدها.. عشرون يوما أورثتهمْ جَهدها

عام ثلاثة تليها أربعه ْ... من المئين بعد ألفٍ مُتبَعَه

عن تسعةٍ معَ ثمانين سنه ْ... لربِّه ســَـلَّمَ فيها رسَنَه ْ

من بعد ما أوصاهمُ وصيه ْ... لحكمٍ ٍبالغة مُحْصيه

على ثباته ووسْع الباع ...دلَّتْ كما دلتْ على اتباع

ودفْنه ُكان بذاك اليوم ... بمدفنِ البَعلات بين القوم

فالله يسقى قبره بالرحمه ْ... على الدوام وجميعَ الأمهْ.

 

وقال محمد سيدين ولد الشيخ حمدي يرثي العلامة القاضي محمد بن أواه

غابت مكارم من بالعلم آواه *** ندب العشيرة نجل الندب آواه

محمد العلم من بعلمه شخصت *** عين الحقيقة ما في العلم سواه

خاض العلوم بما في العلم من حكم *** بين الحديث وبين الآي طواه

قد بثه بعد ما تمت دراسته *** حتى تسلم أقصاه وقصواه

يا رب بالمصطفى والآل والكتب *** وسع عليه وفي الفردوس مثواه

ووسع القبر إن القبر حل به *** ما يملأ الأرض من خيرات جدواه

واجعل سريرته في آله خلفا *** يعزى لها علمه ما كان عزواه

صل الإله صلاة لا نفاد لها *** على الشفيع الذي بالحق قواه.

         وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي