ترجمة العالم اللبيب ... الكامل الأريب ...الفاضل الحسيب: الشيخ إسحاق بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب رحمهم الله تعالى:
العالمُ العاملُ الحَبر الإِمام ومَنْ *** حاز النِّهايةَ علمًا في مباديهِ
حامي الكتيبة ميمون النَّقيبة محمـ *** ـود الضَّريبة فرد في معاليهِ
شهاب علمٍ رَقَى أوْجَ العُلا فجَلَا *** غياهِبَ الشَّكِّ وانجابت دياجيهِ
بل كل ما يُسخِطُ الرَّحمنَ يُسخِطُه *** حتمًا، وما كان يرضي اللَّهَ يُرضيهِ
وما تَردَّد فيه قال: إن يَكُ مِنْ *** عند الإله حقيقًا، فهو يُمضيهِ
هو العلامة الأريب الشيخ إسحاق بن محمد بن الشيخ سيدي باب، أمه محجوبة بنت محمد المصطفى (الدِّياه) بن عبد الله بن عالي بن عبدي.
ولد في أبي تلميت يوم الإثنين 10 من ذي الحجة، وهو يوم عيد الأضحى عام 1336هـ، الموافق 16 من سبتمبر عام 1918مـ.
تربى في حضن والديه، بيئة العلم والمعرفة والتقى والكرم والنزاهة، ونشأ في رحابها، ارتضع ثدي العلم والورع، إلى أن ترعرع فيه ويفع.
تلقى معارفه الأولى على يد العلامة محمدن بن عبد الرحمن بن محمدُّ الحجاجي، وبعد ذلك التحق بالعلامة الراجل بن الداه بن داداه فأخذ عنه علوم اللغة العربية والمتون الشرعية، ثم لازم العلامة المقرئ محمد سالم بن حامدت مدة، لينتقل بعد ذلك إلى العلامة المقرئ عبد الودود بن عبد الملك بن حميه الذي حفظ عليه القرآن الكريم وعلومه.
وهو أول من نيطت به عمامة الإجازة في محظرة الشيخ عبد الله بن داداه.
ولقد أبدى ــ رحمه الله ــ من المحاسن وأبدع، وارتوى من حياض النباهة وتضلع، وسلك مسالك المعارف، وملك منها كل تليد وطارف، وأتم على جهابذة العلماء دراسته، وارتوى من مناهلهم العلمية الفيّاضة ما شاء الله أن يرتوي.
تحمل المسؤولية مبكرا، وشارك في الأمور العامة والخاصة، ساعيا فيما يجلب المنفعة ويدفع المضرة:
بصير بأخرى الأمر من قبل بدئه *** خبير بفص الأمر والأمر مبهم
تحلَّى بعزم لا يجاريه صارم *** وبالجزم طرّاً لا يباريه لهذم
كان حافظاً لكتاب الله تعالى عاملا به، عالماً، راوية، وجيهاً في قضاء الحوائج، طليق المحيا لجميع الناس.
شيخاً جَلِيلا نَبِيلا حليماً، وقوراً ركيناً، مطلق البشر، مَشهور الخَير والعَدالة، جامعاً لخلال قل ما اجتمعت في غيره من الأخلاق البارعة، والخصال الحميدة، والعلم باللغة والفقه والأثر والحديث، ومعرفة السنة والذب عنها:
فريدٌ رقى في المجدِ أشرفَ رُتبةٍ *** وليس له غيرُ الفضائل مِنْ تِرْبِ
إمامٌ له أهلُ الحقيقةِ كلُّهم *** يُقِرُّون بالعلم الَّلدُنِّي والكَسْبي
ونجمُ هُدىً في حندس الخطب مشرقٌ *** وإشراقه كَمْ أنقذَ الرَّكب مِنْ كَرْبِ
سمحاً بماله، كريماً في معاشرته، نفاعاً للناس، مطاعاً، جواداً بمعروفه وجاهه، زاهدا ورعا، متقشفا ذا مروءة وظرف وفصاحة:
ربّ السماحة والرجا *** حة والفصاحة واللسن.
لديه فضائل جمّة لا ينكرها من صحبه، ويقصده من يرد من الغرباء من أهل العلم والخير، وذوي الحاجات، فيتعصب لهم ويجتهد في قضاء مآربهم، وحصول أغراضهم، وبلوغ أوطارهم، حَسَن السِّيَاسَة والتَّدْبِير.
مكث معهد أبي تلميت للدراسات الإسلامية ردحا من الزمن يؤدي رسالته على أفضل وجه بحنكة وخبرة خيرة رجال العلم والمعرفة، تم اختيارهم للتدريس في هذا الصرح المعرفي، بِهم وبجهودهم تواصل عطاؤه، وتحقق المبتغى منه، وعلا شأنه وارتفع ذكره، وعم نفعه.
أدرك الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب رحمه الله أن المهمة كبيرة، والمسؤولية جسيمة، لا يصلح لتقلدها إلا من تتوفر فيه شروط القيادة والريادة، فاختار الشيخ إسحاق بن آل محمد سنة 1953م وانتدبه ليكون المسؤول الأول في إدارة شؤون المعهد، وتلك حسنة من حسناته، ورأي صائب دل على حكمته.
فتحمل الشيخ إسحاق عبء المعهد وإرثه وسياسته وإدارته، وسخر جهده ووقته لصالحه، فكان للمعهد مراقبا، ولشؤونه مسيرا، ولإدارته راعيا، ولبرامجه منظما، فكانت بصماته واضحة، وآثاره معروفة، وإنجازاته متداولة لا تخفى على أحد.
ولما تم إلغاء دور المعهد سنة 1975م، وتحول إلى ثانوية واصل الشيخ إسحاق عطاءه ومسيرته التعليمية بصفته أستاذا لمادة التربية الإسلامية.
كان كريم النفس، نزيه الهمة، حصيف الرأي، شريف الطباع، ومحاسنه كثيرة، وفضائله جمة.
شديد التحريض على طلب العلم والترغيب فيه، تصدر للإقراء بمنزله، وتدريس الناس القرآن الكريم والنحو والأدب، وكان جيد التعليم في كل ما كان يؤخذ عنه.
كما أسس مدرسة ابن عامر بأبي تلميت وباشر بنفسه الإشراف عليها، والتعليم فيها، كما انتخب مرات عديدة رئيسا للجنة الهلال الأحمر في بتلميت.
ولما أنشئ مسجد الاحواش سنة 1982م تقلد الشيخ إسحاق إمامته إلى أن أقعده المرض.
صنف مصنفات عديدة، وحقق مخطوطات كثيرة، وجمع نقلا مفيدة.
كان رحمه الله ديّناً خيّراً مهيباً، صيّناً وقوراً أريباً، كامل المروءة، طيب العشرة، حسن الخلق والخلق، جميل الصحبة، ممتع المجالسة عذب المنطق، كثير الاشتغال بمطالعة الكتب وتلاوة القرآن العظيم، سليم القلب، موطأ الأكناف، عابدا، قلًّ أَن ترى الْعُيُون مثله، من أولي الحزم والجرأة والجزالة وثبات الجأش والشهامة ويمن النقيبة:
إمامِ وقته بليغِ الخُطَبا *** نسيجِ وحده أديب الأدبَا
إلى كرام الأصل والأحسابِ *** بيتِ العفافِ الطَّاهرِ الأنسابِ
بيت فخارٍ وعُلَا وعلمِ *** وسُؤددٍ وقوَّة وحلمِ.
توفي رحمه الله يوم 7 يوليو سنة 2003م، الموافق 7 جمادى الأولى سنة 1423هـ، ودفن عند البعلاتية بأبي تلميت:
هطلت عليه سحائب الرحمة والرضوان، وأسكنه الله فسيح الجنان
والله يسكنه فسيح جنانه *** في جيرة الأرسال والأنصار
وينيله أعلى الفرادس لابسا *** من سندس خضر أعزّ دثار
لا زال قبره في رياض ناعم *** تهمى عليه سحائب الأسرار
يغدو به مترفعا متقدسا *** ويصير من علياه خير مزار.
*******
يارب دعوة مؤمن متضرع *** أغدق عليه سحائب الرضوان
*******
يقول الشيخ محمد سالم بن عدّود في رثاء الشيخ إسحاق بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب رحمهم الله:
ولّى لسبعٍ من جمادى الأوَلــــى *** إسحاقُ مُولِى السائل المســــؤولا
نجلُ الإمام محمد من لم يكـــــن *** في قُطرنا غُمرا ولا مجـــهــــــــــولا
في يوم الإثنين المبارك يالـــــــه *** حدثًا به غدت الهـــموم شكـــــــــولا
كدنا بغبطة أربعين أقامــــــــهــا *** من بعد عبــــد الله نســــــــلو الأولى
يا ناعيَ ابن محمد إسحاق قــــد*** غُلت العقول فما تركـــت عقــــــــولا
تنعَى الهدى تنعى التقى تنعى الندى *** والبشر تنعى الطّوْلَ تنعى الطّولا
تنعى الكرامة والقناعة والرّضا *** تنعــــى حُسام الســـــــنة المســـلولا
تنعى جمال الخط تنعى جودة التــــرتيل تنعى روضـــــــــــة المطـــــلولا
تنعى أليةً المجيب مُبرُّها *** ألا يكون الأمـــــــــــــرُ نكـــــرهه، لا
يا شيخ آل محمد صبرا نكن *** بك صابــــرين فحـــــقّــــــق المأمــــــــولا
أكليمُ صبرا قد عهدتك ثابتا *** ما كان حلمك في الخطـــــــوب مَهــــــــولا
إنا على العهد الذي قد كان عبــــــدُاللـــــــه أبــــرم بيـــــنـــنا مجـــدولا
يعقوبُ صيرا مات قبلُ محمّد *** وأبوك بعدُ فتـــــــــى فســــــــاد كُهولا
صبرا بنى الشيخ الكرام فلا يكن *** في الهول عقدَ عزائــــــــكم محلولا
صبرا بني عالي بن عبْدِ فإننا *** نعتاد منكم بيتـــــــــــنا المأهـــــــــولا
ربّ اعــــف عنه وعـافه وأحلّه *** مثوًى يحقق وعـــــدك المفــــعــــولا
وأدم لآل الشيخ طول بقائهم *** عزّا يردّ الشـــــامــــــتين فُــــلُــــولاَ.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي