كتاب العزلة  للخطابي (المتوفى: 388 هـ)

 : من هو المؤلف؟ 

هو حمد ( بدون همز ) بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي ,البُسْتي، يكنى بأبي سليمان.

 

ولادته ونشأته وطلبه للعلم:

ولد بمدينة بُسْت، سنة بضع عشرة وثلاثمائة، وقيل: ولد في رجب سنة تسع عشرة وثلاثمائة.

قال الذهبي: "وعُنِي بهذا الشأن متنًا وإسنادًا"، ورحل في طلب العلم، وسمع من: أبي سعيد بن الأعرابي بمكة، ومن إسماعيل بن محمد الصفار وطبقته ببغداد، ومن أبي بكر بن داسة وغيره بالبصرة، ومن أبي العباس الأصم، وعدة بنيسابور.

 

آثاره العلمية وثناء العلماء عليه:

لم يكن الإمام الخطابي من المكثرين في التصنيف، ولكنه من المجيدين فيه، ومن أهم مصنفاته:

• "معالم السُّنَن"، مطبوع .

• أعلام الحديث، مطبوع بتحقيق: محمد بن سعد آل سعود، وطبعه مركز إحياء التراث بجامعة أم القرى.

• غريب الحديث، مطبوع بتحقيق: عبدالكريم إبراهيم العزباوي، طبعه مركز إحياء التراث بجامعة أم القرى، عام 1402هـ.

العُزلة، مطبوع بتحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير دمشق سنة 1407هـ.

وقد بلغت مؤلفاته ثلاث عشرة مؤلفًا، أغلبها مطبوع ومتداول بين طلبة العلم.

 

ولهذه الآثار العلمية ولغيرها من فضائل الإمام الخطابي فقد أثنى عليه جمعٌ من أهل العلم، ومن ذلك قال أبو طاهر السلفي: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته، تحقق إمامته وديانته فيما يورده، وأمانته، وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم، وطوف، ثم ألف في فنون من العلم، وصنف , قال الذهبي وكان ثقة متثبتًا، من أوعية العلم، وقال السمعاني: "إمام فاضل كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة".

                  وفاته:توفي رحمه الله سنة 388هـ

عن محتوى الكتاب

قال عزت العطار - محقق كتاب العزلة -:
 ‫( هذا الكتاب القيم الذي هو أول ما كتب في بابه على ما نظن، إذ لا نعلم أحدًا كتب في العزلة وأفرده بالبحث في كتاب خاص قبل أبي سليمان الخطابي ).

 قال الخطابي مبينًا العزلة التي يريدها في كتابه: 
.( إِنَّمَا نُرِيدُ بِالْعُزْلَةِ تَرْكَ فُضُولِ الصُّحْبَةِ وَنَبْذَ الزِّيَادَةِ مِنْهَا وَحَطَّ الْعِلَاوَةِ الَّتِي لَا حَاجَةَ بِكَ إِلَيْهَا )

 :وجاء في الكتاب ما نصه 

قال شعيب بن حرب : 

( دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَهُوَ فِي دَارِهِ بِالْكُوفَةِ جَالِسٌ وَحْدَهُ فَقُلْتُ: أَمَا تَسْتَوْحِشُ فِي هَذِهِ الدَّارِ؟ 

فَقَالَ:

( مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَحَدًا يَسْتَوْحِشُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )

[ العُزْلَةُ صـ٢٢] للخطابي 

 

قال أبو سليمان الخطابي :

 ما أشرف هذه المنزلة وأعلى هذه الدرجة وأعظم هذه الموهبة إنما لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه، وأنس بذكره، وألف مناجاته بسره وشغل به عن غيره، فهو مستأنس بالوحدة مغتبط بالخلوة

 [ العُزْلَةُ صـ٢٢] للخطابي 

 

قال أبو سليمان الخطابي :

 ( قال بعضهم : الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس )

 [ العُزْلَةُ صـ٢٣] للخطابي 

 

قال أبو سليمان الخطابي:

 ( أما ما شجر بين الصحابة من الأمور وحدث في زمانهم من اختلاف الآراء فإنه باب كلما قل التسرع فيه والبحث عنه كان أولى بنا وأسلم لنا، 

 ومما يجب علينا أن نعتقد في أمرهم أنهم كانوا أئمة علماء قد اجتهدوا في طلب الحق وتحروا وجهته وتوخوا قصده فالمصيب منهم مأجور والمخطئ معذور وقد تعلق كل منهم بحجة وفزع إلى عذر والمقايسة عليهم والمباحثة عنهم اقتحام فيما لا يعنينا ) 

[ العُزْلَةُ صـ٢٨] للخطابي 

 

قال الخطابي عن الخلاف مع من دون الصحابة: 

 ( فأما من بعد الصحابة من التابعين ومن وراءهم من طبقات المتأخرين فلنا مناظرتهم في مذاهبهم وموافقتهم عليها والكشف عن حججهم والقول بترجيح بعضها على البعض وإظهار الحق من أقاويلهم ليقتدى بهم والتنبيه على الخطأ منهم لينتهي عنه )

[ العُزْلَةُ صـ٢٨] للخطابي 

 

( لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّكَ لَا تَجِدُ أَعْوَانًا عَلَى الْغِيبَةِ لَكَفَى )

 [ العُزْلَةُ صـ٣١] للخطابي 

 

قال الفضيل بن عياض : 

( من خالط الناس لم يسلم من أحد اثنين: إما أن يخوض معهم إذا خاضوا في الباطل أو يسكت إن رأى منكرا فيأثم. وقد جمع رسول الله ﷺ  في الوعيد وسوى في العقوبة بين من أتى المنكر وبين من رآه فلا يغيره ولا يأباه ) 

[ العُزْلَةُ صـ٣٢] للخطابي 

 

قال عون بن عبد الله:  

( كنتُ أجالسُ الأغنياء فلا أزال مغموما كنت أرى ثوبا أحسن من ثوبي ودابة أفره من دابتي فجالست الفقراء فاسترحت )

 [ العُزْلَةُ صـ٣٢] للخطابي 

 

( قال بعض الحكماء : من قابل الكثير من الفساد باليسير من الصلاح فقد غر نفسه )

 [ العُزْلَةُ صـ٣٦] للخطابي 

 

( قال بعضهم : معاشرة الأشرار تورث سوء الظنِ بالأبرار )


قال أبو سليمان الخطابي: 

( قال بعض الحكماء: من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، ومن لم يستغن بما يكفيه فليس في الدنيا شيء يغنيه ) 

[ العُزْلَةُ صـ٤٧] للخطابي 

 

( إِنَّ الْخَلَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَخَلُّلِ الْمَوَدَّةِ الْقَلْبَ وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُ: وَهِيَ أَعْلَى دَرَجِ الْإِخَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْأَصْلِ أَجَانِبُ فَإِذَا تَعَارَفُوا ائْتَلَفُوا فَهُمْ أَوِدَّاءُ وَإِذَا تَشَاكَلُوا فَهُمْ أَحِبَّاءُ فَإِذَا تَأَكَّدَتِ الْمَحَبَّةُ صَارَتْ خَلَّةً ) 

[ العُزْلَةُ صـ٥١] للخطابي 

 

قال الخطاب بن المعلى المخزومي: 

( الإخوان اثنان فمحافظ عليك عند البلاء وصديق لك في الرخاء فاحفظ صديق البلية وتجنب صديق العافية فإنهم أعدى الأعداء ) 

[ العُزْلَةُ صـ٥٤] للخطابي

 

( وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ وَدَّكَ لِأَمْرٍ وَلَّى مَعَ انْقِضَائِهِ ) 

[ العُزْلَةُ صـ٥٦] للخطابي

 

أسند الخطابي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : 

( احترسوا من الناسِ بسوء الظن ) 

[ العُزْلَةُ صـ٦٤] للخطابي 

 

( قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي:  أي خصال الرجل أَوْضَعُ له؟ 

قال: كثرة كلامه وإفشاؤه سره والثقة بكل أحد )  

[ العُزْلَةُ صـ٦٤ ] للخطابي 


خاتمة الكتاب

قَالَ وَفِي الْعُزْلَةِ أَنَّهَا تَسْتُرُ الْقِلَّةَ وَتَكْشِفُ جِلْبَابَ التَّجَمُّلِ فَلَا يَظْهَرُ عَلَى عَوْرَةٍ إِنْ كَانَتْ وَرَاءَهُ تَسُوءُ صَدِيقًا أَوْ تُشْمِتُ عَدُوًّا فَإِنَّ التَّجَمُّلَ مِنْ شِيَمِ الْأَحْرَارِ وَشَمَائِلِ ذَوِي الْهِمَمِ وَالْأَخْطَارِ وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَبْرَارَ مِنْ عِبَادِهِ فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]

قَالَ أَنْشَدَنِي الْكَرَّانِيُّ قَالَ: أَنْشَدَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ الْعَتَّابِيُّ:

[البحر البسيط]

إِنَّ الْكَرِيمَ لَيُخْفِي عَنْكَ خَلْقَتَهُ ... حَتَّى تَرَاهُ غَنِيًّا وَهُوَ مَجْهُودُ

وَفِي مَعْنَاهُ لِعَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ:

[البحر الطويل]

وَلَا عَارٌ إِنْ زَالَتْ عَنِ الْحُرِّ نِعْمَةٌ ... وَلَكِنَّ عَارًا أَنْ يَزُولَ التَّجَمُّلُ


قَالَ وَفِي الْعُزْلَةِ أَنَّهَا مُعِينَةٌ لِمَنْ أَرَادَ نَظَرًا فِي عِلْمٍ أَوْ إِثَارَةٍ لِدَفِينِ رَأْيٍ وَاسْتِنْبَاطًا لِحِكْمَةٍ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَجِيءُ إِلَّا مَعَ خَلَاءِ الذَّرْعِ وَفَرَاغِ الْقَلْبِ وَمُخَالَطَةُ النَّاسِ مَلْهَاةٌ وَمَشْغَلَةٌ

أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَخَذَ فِي تَصْنِيفِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ خَلَا فِي سِرْدَابٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُرَاعُوا وَقْتَ غَدَائِهِ وَوُضُوئِهِ فَيُقَدِّمُوا إِلَيْهِ حَاجَتَهُ مِنْهُمَا وَأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَعْرِهِ إِذَا طَالَ وَأَنْ يُنَظَّفَ ثَوْبُهُ إِذَا اتَّسَخَ وَأَنْ لَا يُورِدُوا عَلَيْهِ شَيْئًا يَشْتَغِلُ بِهِ خَاطِرُهُ وَأَقَامَ عَلَى مَالِهِ وَكِيلًا وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى تَصْنِيفِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَشْعُرْ إِلَا بِرَجُلٍ يَنْزِلُ إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا صَاحِبُ الدَّارِ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ قَالَ: لِأَنِّي قَدِ ابْتَعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، يَعْنِي وَكِيلَهُ، وَكَانَ وَكَّلَهُ إِيَّاهُ عَنْ تَفْوِيضٍ، فَاحْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَالِ" قَالَ: وَلِمَجْنُونٍ الْعَامِرِيِّ فِي هَذَا:

[البحر الطويل]

وَإِنِّي لَأَسْتَغْشِي وَمَا بِيَ نَعْسَةٌ ... لَعَلَّ خَيَالًا مِنْكِ يَلْقَى خَيَالِيَا

وَأَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْجُلُوسِ لَعَلَّنِي ... أُحَدِّثُ عَنْكِ النَّفْسَ بِالسِّرِّ خَالِيَا

أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْقَطَوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «الْمَرْءُ حَقِيقٌ أَنْ تَكُونَ لَهُ مَجَالِسُ يَخْلُو فِيهَا فَيَذْكُرَ ذُنُوبَهُ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْهَا»

قَالَ وَفِي الْعُزْلَةِ السَّلَامَةُ مِنْ صُحْبَةِ الثَّقِيلِ وَمَؤُونَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَمَى الْأَصْغَرُ

حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنِ الْغَلَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: " مِمَّ عَمَشَتْ عَيْنَاكَ؟ قَالَ: مِنَ النَّظَرِ إِلَى الثُّقَلَاءِ.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ: قَالَ جَالِينُوسُ: لِكُلِّ شَيْءٍ حُمَّى وَحُمَّى الرُّوحِ النَّظَرُ إِلَى الثَّقِيلِ 

أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، يَقُولُ: «نَظَرْتُ إِلَى ثَقِيلٍ مَرَّةً فَغُشِيَ عَلَيَّ قَالَ وَفِي الْعُزْلَةِ الْأَمَانُ، بِبَلَدِ بِسْتَ خَاصَّةً، مِنْ دَوَاعِي الْكُنُفِ الشَّارِعَةِ وَالْمَثَاعِبِ السَّائِلَةِ فَإِنَّ جِنَايَتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا جُبَارٌ لَا أَرْشَ لَهَا وَدِمَاءُ قَتْلَاهَا مَطْلُولَةٌ لَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ فِيهَا فَكُلَّمَا قَلَّ بُرُوزُ الْإِنْسَانِ إِلَيْهَا وَعُبُورُهُ عَلَيْهَا كَانَ أَوْفَرَ لِمُرُوءَتِهِ وَأَبْقَى لِنَظَافَتِهِ وَأَبْعَدَ لَهُ مِنْ أَذَاهَا وَغَائِلَتِهَا وَأَسْلَمَ لَهُ مِنْ دَائِهَا وَعَادِيَتِهَا».

[ العزلة : 85 ] الخطابي.