كتاب أمر الولي ناصرالدين وشيم الزوايا للعلامة الشيخ محمد اليدالي الديماني رحمه الله

هو محمد بن المختار بن محمد سعيد بن المختار بن عمر بن علي بن يحيى بن يدال اليدالي نسبة يدال,  أبو علي رابع الخمسة المشهورين «بتشمشَ»، وإليه تنسب قبيلة اليداليين «إدوداي»، وأمه: امبيكله، واسمها فاطمة بنت سيد الأمين بن بارك الله الديمانية. وهو من قبيلة اليداليين أهل العلم واليمن والبركة، ومما يعرف عند الناس أنه لم يخل حيهم في مختلف الأزمنة من اثني عشر عالما، يقول العلامة محمذ بن أَحمد بن العاقل من قطعة يمدحهم بها:
ذاك المنار وقد لاحت به دمن :: مثل اليواقيت من آل السعيدين
قوم سعيدون لايشقي جليسهم :: مقالة رويت عن ناصر الدين
همُ الجحاجح فى عز وفى كرم :: همُ البزاة همُ روض الرياحين
همُ المجاذيب همْ همُ الهـداة همُ :: همُ المشاييخ من زين الى زين
حلو الشمائل والإحسان ديدنهم :: بيض الوجوه همُ شم العرانين
بهم نفاخر أهل الأرض قاطبة :: وهمْ لعمري حماة العلم والدين. 

ولد الشيخ محمد اليدالي سنة 1096هـ عند (بيرتندگسم) بولاية اترارزة .

نشأ في بيت علم وصلاح واستقامة فوالده كان من أهل الصلاح والاستقامة، وأمه كانت كذلك وهي التي يعنيها العلامة المختار بن جنكي بقوله:

أم محمد اليدالي الأمين *** فاطمة وأبها سيدي الأمين

ويعين محل قبرها ويذكر أنه مزار مشهور، حيث يقول:

وأمه امبيكلة بنت العلم *** سيدي الأمين زر لدى بئر القدم

 طلبه العلم وشيوخه

بدأ الشيخ محمد اليدالي طلبه للعلم في المدرسة العائلية ليتعلم فيها ويحفظ كتاب الله تعالى ومبادئ العلوم اللغوية والفقهية، ثم بدأ يعمق على الشيوخ والأساتذة من أهل زمانه، ولا تسعف المصادر بأخذ اليدالي عن أحد عدا خمسة، هم:

ـ العلامة ألفغ عبد الله بن عمر الأبهمي الديماني، أخذ عنه علوم القرآن، ونقل عنه في تآليفه، فهو يقول في نظمه للحذف في القرآن الكريم:

بل نقتفي ترجيح عبد الله *** العالم العلامة الأواه

ـ ابن عمه العلامة أحمد بن الفقيه المختار باب اليدالي، أخذ عنه الفقه .

ـ العلامة ألفغ ميننحن بن مود مالك، كان محمد اليدالي يعتز به ويلقبه بالشيخ الوالد.

ـ القاضي المختار بن ألفغ موسى اليعقوبي المتوفى سنة 1139هـ، ذكره في كتابه «أمر الولي ناصر الدين».

ـ العلامة محمد الكريم بن الكوري بن سيد الفالي، المتوفى سنة 1144هـ.

ــ الشيخ مختار بن المصطفى اليـدالي، أخذ عنه أوراد الطريقة الشاذلية الناصرية.

ــ محمد بن موسى بن أيجل الزيدي التيشيتي المتوفى سنة 1117هـ، أخذ عنه المشابكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مكانته العلمية والاجتماعية

يعتبر الشيخ محمد اليدالي من أجل علماء البلاد علما وصلاحا وورعا، كما عرف بحب النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة مدحه له صلى الله عليه وسلم، وكانت له صلات ثقافية واجتماعية مع أجل معاصريه من العلماء والأمراء .

قال عنه الشيخ أحمد بن الأمين العلوي في الوسيط: «أحد العلماء الأعلام ،والغطارفة الكرام، وتقدم أنه أحد الأربعة الذين لم يبلغ مبلغهم أحد في العلم في ذلك القطر. كان مشهورا بالفهم والحفظ والصلاح، وله التآليف المشهورة.

وقال أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي في فتح الشكور في ذكر اليدالي: «كان رحمه الله شاعرا ناثرا، ألف تأليفا مفيدا في مجلدين في تفسير كتاب الله العزيز سماه الذهب الإبريز على كتاب الله العزيز وله قصيدة ميمية عجيبة من أحسن القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة وأربعين بيتا خارجة عن بحور الخليل بن أحمد الخمسة عشر وعن المتدارك والخبب مطلعها:

صلاة ربي مع السلام *** على حبيبي خير الأنام

بادي الشفوف داني القطوف *** بر عطوف ليث همام

صلى الله عليه وسلم، تلقاها الناس بالقبول، وكذا غيرها من مؤلفاته الحسان ،وشرحها شرحا عجيبا مفيدا، ولها بركة عظيمة وفضائل.

وسئل العلامة سيدي عبد الله ابن رازكه رحمه الله، وكان صديق اليدالي، وقد حصلت بينهما مشاعرة وممادحة ذكرها ابن الأمين في كتابه الوسيط، سئل رحمه الله عن أشعر زوايا القبلة، فقال: لا أدرى إلا أن القائل:

آيات طه ليست تباهى *** ولا تناهى على الدوام

لا يباهى هو أيضا , ولا قيل مثله في القبلة .

ومن أشهر قصائده قصيدته في مدح القرآن وحبه وخدمته, أثبتها في تفسيره ومطلعها:

إِنَّ هَمِّي كِتَابُكَ الْمُسْتَبِينُ *** يَا إِلَهِي يَا مَنْ بِهِ نَسْتَعِينُ

أَنَا مِنْ خَادِمِيهِ وَالْمُسْتَحِقُّ *** الدَّ هْرَ لِلخِدْمَةِ الْكِتَابُ الْمُبِينُ

حُبُّهُ فِي قَلْبِي وَخِدْمَتُهُ مَا *** عِشْتُ دَأْبِي وَدَيْدَنٌ لِي وَدِينُ

توفي الشيخ محمد اليدالي سنة (1166هـ) بعد أن عاش سبعين سنة، ودفن بـ«انتَوْفّكْتْ»، ومعناها: ذات الشمس. قال الشاعر امحمد بن أحمد يوره رحمه الله عند كلامه عن انتوفكت: وبها المقبرة التي فيها سيدنا وقدوتنا وشيخ أشياخنا سيدي محمد بن سعيد اليدالي مؤلف «الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز.» ويقول أحمد بن اجمد اليدالي رحمه الله مؤرخا لميلاد الشيخ اليدالي ووفاته:

قَدْ وُلِدَ الْيدالِي عَامَ وضْـشِ *** وبَعْدَ سَبْعِينَ ضَجِيع نَعْشِ

مِنْ بَعْدِ مَا أَنْهَى كِتَابَهُ الذَّهَبْ *** بِوَاوِ أَعْوَامٍ إِلَى الله ذَهَبْ.

آثاره ومؤلفاته

يعتبر الشيخ محمد اليدالي غزير التأليف صاحب قلم سيال رغم طابع البداوة والترحال الدائم والأسفار المضنية في طلب الكتب والكاغد وتحصيل الغنية من المال ورعاية العيال ،لم يكن شيء من ذلك ليمنعه من الكتابة والتصنيف حتى بلغت مصنفاته زهاء الخمسين بل ربما تجاوزت الخمسين، فقد قال النابغة: «وقد وقفت على جملة منها تدل على سعة علمه وكثرة نقله وتبحره في سائر العلوم المعقولة والمنقولة " .

 ونذكر من هذه المصنفات ما يلي:

+++ أمر الولي ناصر الدين وشيم الزوايا

ستكون وقفتنا مع هذا الكتاب ؛ لأن كتاب « أمر الولي ناصر الدين وشيم الزوايا » يعطي صورة مكتملة وواضحة عن دراية وإحاطة اليدالي بتاريخ مجتمعه ومحيطه، وعن طريقته في السرد والاستدلال، كما يعطي صورة وافية عن مدى عمق الفكر اليدالي ومدى استيعابه للأحداث التاريخية والاجتماعية، وقدرته على التلخيص والجمع بين الأحداث المختلفة، وسعة اطلاعه ،وجودة سبكه وصياغته وجده ومثابرته.

ويعتبر كتابه هذا مرجعا تاريخيا واجتماعيا مهما, كما يعتبر الأول من نوعه في السرد التاريخي للأحداث والعلوم الاجتماعية في هذه البلاد.



والإمام ناصر الدين هو أوبك " أبوبكر " بن أبهم بن ألفغ ابهنض بن اكدام بن يعقوب بن ألفغ ابهنض بن مهنض أمغر جد أولاد ديمان وأحد الخمسة أجداد "تشمشة "
تربى كما يتربى أقرانه وارتاد المحاظر اعتنى بأموال أهله وسافر فى قوافل التجارة نشأ صالحا تقيا نقيا عفيفا مشاركا فى جميع الفنون فاق بعض شيوخه وبعض من تفقه معه حتى قيل إنه أعز فتى فى قومه وكان صواما قواما ، وكان فاضلا كما يقول عنه كاتب سيرته محمد اليدالي: 
" كان إذا تاجر أو سافر أرسل معه ضعفاء قومه بضاعتهم يملأ لهم أوعيتهم مما معه زيادة على ما أبضعوه ثم يحسن إليهم بعد ذلك كما كان عطوفا على المستضعفين عموما، كان صالحا وكانت له كرامات وكشوفات، ذاع صيته وأقبل عليه الناس و جلس ثلاث سنين يعظهم مواعظ بليغة في مجالس للحديث تعقد بعد صلاة الظهر تحث على التوبة حتى تابوا وخشعوا وأقبلوا على طاعة الله واشتغلوا بالآخرة عن الدنيا حتى سمت العامة تلك السنين سني التوبة وألزم النساء بيوتهن وكان صارما فقد عاقب أحد الشعراء في زمنه ويدعى حبيب بن بلاَّ اليعقوبي على بيتين من الغزل نظمهما في محبوبته:
رب حوراء من بني سعـد أوس ::  حبهــا عالـق بـذات النفـوس
جعلـت بيننـا وبيـن الغواني :: والكرى والجفون حرب البسـوس
تلقب بناصر الدين تأسيا بزعيم المرابطين يوسف ابن تاشفين واستعمل الطبل في تنطيم الجيش تأسيا بالمرابطين وبايع أصحابه تحت شجرة "سمرة" تأسيا ببيعة الرضوان وجمع كلمة الزوايا ووحدهم بعدما كان يسودهم من خلافات وانقسامات. 

وقال اليدالي في أمر ناصر الدين ( ... وقال لي لا يصلي بالتلثم إلا اللمتونيون وقال المرابطون, شكًّا في الراوي , مشيرا له أن عرب النقاب هم لمتونة لأن شعارهم التلثم والنقاب , ونص الفقهاء على أن التلثم في الصلاة مكروه إلا لمن شعاره ذلك , ورهط ناصر الدين قيل إنه من لمتونة.... ويقرب من هذا ما أخبرني به الأديب محمد الكريم بن الفاضل عن شيخه الفقيه العالم المصطفى بن القراء قال كان شيخنا ناصر الدين مع العلماء العاملين المتبعين للسنة , وكان إذا سألته عن شأن الأولياء أعرض عنهم ويقول الأولياء هم المتقون ويقرأ لي : (( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )). حتى توهمت أن إعراضه ذلك غير قبول منه للأولياء , حتى رحلنا ذات يوم فمررنا بدار عسكر الزوايا عند انتفاشيت , فلما عاين دار الأحبة وأطلالهم استخفه الطرب والشوق إليهم , وبانت منه الأريحية جدا , وانشد بلسان حال الشوق :

هذه دارهم وأنت محب *** ما بقاء الدموع في الآماق

فعلمت أن إعراضه عن الأولياء قبل ليس عن باس , إنما هو نصيحة منه لي خوفا علي من الغلو والإفراط في شأنهم ...).

ويقول عن إصلاحات ناصر الدين : (... ومن عظيم بركته أن أهل عصره في أيامه تابوا كلهم وخشعوا وخمدت عيوب نفوسهم وصلحت أعمالهم ... وطهرت سرائرهم من الآفات وأعرضوا عن التفكه في أعراض الناس وزهدوا في الدنيا واشتغلوا بالآخرة وأقبلوا على طاعة الله ...).

ويقول العلامة محمد اليدالي عن شيم الزوايا : ( ... إن شيمهم حقيقة هي “التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعض عليها بالنواجذ، فهذا ما تعاقدوا عليه ... ) , مضيفا : (... أما شيمهم فمنها الصبر بأنواعه، وتجاوزهم عن جفاة الطبع، وكثرة الحلم عن من جار عليهم، وكظم الغيظ، والعزوف عن الدنيا، وعدم المناقشة فيها، وعدم الرغبة في حطامها الفاني، وقلة الطمع في ما في أيدي الناس، وترك الخصومة في الدنيا في ما بينهم وبين غيرهم، فإن ادعى أحد عليهم شيئا أعطوه له، وإن كان لهم الحق على الغير ولم يساعدهم تركوه....).
( ... ومن شيمهم كثرة التزاور والتواصل في ما بينهم، وصفاء المودة بينهم، وعدم الغل والغش بينهم، ومحبة بعضهم لبعض، ونصحه له، وقبولهم النصح، وشكرهم الناصح، وأنهم لا يقومون بحق شكر من نصحهم ولو أحسنوا إليه مدى الدهر...).
(..ومن شيمهم حسم مواد الفتن، وعدم مخالطة الناس، ورؤية محاسنهم، والتعامي عن مساوئهم، وعدم رضاهم عن أنفسهم، وأنهم لا يعادون أحدا لحظ أنفسهم، وإنما الناس هم الذين يعادونهم. ومداراتهم للناس، وتسوية الرفيع والوضيع في الضيافة، وعدم مقابلتهم أحدا بسوء، وقلة الطمع في ما في أيدي الناس، والتقليل من مداخلة غيرهم ما استطاعوا إلا من تحققوا أنه منخرط في سيرتهم، وتعظيمهم حرمة المسلمين، ومحبة الخير لهم، وتوقير أهل الله والعلماء، ومحبة المساكين..).


وما دمنا في ذكر العلامة محمد اليدالي فإننا نقدم لكم مديحيته الشهيرة التي ارتبطت به:


صلاة ربي= مع السلام=على حبيبي =خير الأنام
بادي الشفوف =داني القطوف= بر عطوف= ليث همام
ذاك النبي= الهاشمي= ذاك العلي= الهادي التهامي
ذاك الرفيع= الغوث المنيع= ذاك الشفيع= يوم القيام
عين الكمال= عين الجمال= قطب الجلال= قطب الكرام
نافي الضلال= ضافي الظلال= صافي الزلال= لكل ظام
جم الخصال= جم المعالي= جم النوال= نداهُ هام
زين الخلال= زين الرجال= زين الفعال= زين الأسامِي
عالي المنار= عالي الفخار= عالي النجار =عالي المقام
بدر السعود= وافي الوعود= وافي العهود= وافي الذمام
قطب الوجود= مغني الوفود= مدني الأسود= من الحمام
هادي العباد= هادي الأيادي= جالي الأعادي= جالي الظلام
حام الحقائق= غوث الخلائق= صافي الخلائق= كافي الزُّنام
أسنى الوسائل= أسنى المحافل= مسدي الجلائل= مردي اللئام
طود الجلاله= بادي البساله= نجم الرساله= بدر التمام
سهل السجايا= جم المزايا= بين البرايا= وسط النظام
مبدي العجائب= مهدي الرغائب= له كتائب= أُسد اللّطام
سود الوقائع= خضر المرابع= بيض الشرائع =حمر السهام
وجه جميل= طرف كحيل= ظل ظليل= على الأنام
فخر أصيل= مجد أثيل= خد أسيل= في الفخر سام
عز قديم= هدي قويم= وجه كريم= على السلام
جاه عظيم= مجد صميم= جود عميم= بلا انصرام
خَلق صبيح= خُلق مليح= نطق فصيح= أسنى الكلام
ليث جريء= غيث مريء =غوث بريء= من كل ذام
هادٍ أمين= حصن حصين= حبل متين= بلا انفصام
ناء مداه= هام نداه= مول عداه= حد الحسام
ذو المعجزات الــ=مبينات الــ=محَكمات الــ=غر السوامي
أبدى الإله= سنا حلاه=زارت علاه =ظبي الموامي
والذئب عنا =والجذع حنا=له وأنا =كالمستهام
والبدر شُقّا= لمن ترقى=وبات يلقى= بالإحترام
والصخر سلم =والجو أظلم=له تكلم= موتى الرجام
والبئر فارت= والسرح سارت= دعى فصارت= خصبا أزام
والشاة أبدت= والشمس ردت= له أُعدت =دار السلام
والضرع درَّا =والوحش قرَّا=له أقرا =ضب الأكام
والجذع خارا =والغيث فارا=لمَّا أشارا =إلى الغمام
آياتُ طه =ليست تُباهى=ولا تناهى= على الدوام
قلبي لديه= شوقي إليه=يزكو عليه= أزكى السلام
ماالدهر لاحت= ذكى وفاحت=صبا وناحت= ورق الحمام
على الإمام =أعلى الأنام= أنمى السلام =من السلام
إني لشادي =خير العباد=راجي أياد =منه عظام
يامن حباه= بما حباه= ثم اصطفاه= هب لي مرامِي
رب امحُ عني= ماكان مني= سوءًا فإني =بك اعتصامي
وحط ذنبي =وأحي قلبي= فأنت ربي= محي العظام
كفّر ذنوبي =واستر عيوبي= واكشف كروبي= واغفر أثامي
حقق منانا= فيك امتنانا= واغفر خنانا= بذا الإمام
قنا البلايا= وافتح لنا يا= جم العطايا =سُبل السلام
وارزق لنا يا= باري البرايا=عند المنايا =حسن الختام
.


وكتب : إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي