الشيخ سيدي المختار بن الشيخ سيدي محمد


لكـلّ زمـان أيّهـا الشَّيـخُ حاتِمُ *** وإنَّك فينا اليومَ لا شكَّ حاتِمُ
هو حاتم زمانه ، حكيم عصره ، بحر المكارم ، باب الفضائل : الشيخ سيدي المختار بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير

مولده:
ولد يوم عاشوراء 1279هـ عند تامرزكت (ميمونة السعدي) ، التي يقول فيها الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي: (طويل)
لعمرك ما ترتاب ميمونة السعدي *** بأنا تركنا السعي في أمرها عمدا
وسماه الشيخ سيدي على شيخه الشيخ سيدي المختار.

حياته العلمية:
وأدرك الشيخ سيدي المختار حضرة الشيخ سيدي وهي ما تزال قائمة عامرة، فنهل من معين كبار طلبة الشيخ سيدي وروى عنهم جميعا ، ودرس على من شاء منهم ، فكان ممن درس عليه منهم: أمود بن محمد المصطفی، درس عليه أكثر القرآن وكان آية في الحفظ والاستظهار، فيسر الله له حفظ المتون في أوجز وقت. 

وأخذ أيضا عن الشيخ أحمدو بن اسليمان وعن الشيخ أحمد بن المختار بن أزوین وعن الدو بن عيمور وغيرهم.
وهو معروف بالضبط والإتقان وكانت له مكتبة عظيمة.. جمع الشيخ سيدي المختار كل خصال الخير، فكان العالم الذي يطارح العلماء.. والأديب الذي ينتهي إليه أدب الأدباء. وكان المرشد والمربي والزعيم وكان رجلا فاضلا كريما جوادا، أجود بالخير من الخيل المرسلة، ممدحا من طرف الشعراء والأدباء.. مدحه شعراء الآفاق وفطاحلتهم من الحسنيين والتدغيين، ورثاه الأدباء والعلماء.
ومما زاد في تكوين الشيخ سيدي المختار العلمي خزانة الكتب التي وجدها مهيأة أمامه والتي أعدها واستجلبها من كل أرض واستنسخها من كل أصل والدهم الشيخ سيدي الكبير الذي يقول فيه العلامة بابولد أحمد بيبه: (كامل)
وجئت بكثب يعجز العيس حملها *** وعندك علم لا تحيط به الكتب
وكان للشيخ سيدي المختار اهتمام بالكتب وتنظيمها ومطالعتها واقتناء كل ما جد منها ، فكانت مكتبته من أغنى المكتبات، يطالعها ويطالع فيها الناس ويستعيرون منها الكتب.. وربما وهب النسخ الزائدة لينتفع بها الناس وتتداول في المحيط المعرفي.
ويكفي ابني الشيخ سيدي محمد فضلا أنهما على حداثة سنهما إبان وفاة والدهما لم يتنازلا عن قيد أنملة مما كان عليه سلفهما فشكلا حلقة ربط لا انفصام فيها مع السلف.
وهو أمر بالغ الصعوبة والأهمية معا حتى أن الناس لم تشعر بفقد أي شيء مما كان عليه العملاقان: الشيخ سيدي الكبير والشيخ سيدي محمد
والحديث عن شخصية الشيخ سيدي المختار (أباه) يتطلب الكثير من المجهود والوقت لتعدد جوانبها.
فهو شخصية دينية فائقة، وشخصية علمية متفوقة، وسياسي محنك ومصلح موفق ومنفق متفان وحليم مغض وجواد متلف وكعبة حاجات يؤمها القاصي والداني وثري مبجل إلى غير ذلك من الخصال التي لا يتأتى حصرها.

 ـ ـ ـ الشيخ سيدي المختار.. شخصية دينية وعلمية:
كما أسلفنا فقد درس الشيخ سيدي المختار في محضرتهم جميع العلوم والفنون التي كانت تدرس آنذاك وأتقنها إتقانا فائقا مع فادح التأهيل لذلك، كما أخذ طريقة القادرية التي كانت عند أسلافه، فكان بذلك شيخ تربية من كبار أرباب السلوك، وعالما ربانيا ومعلما تستنير الناس بعلومه وآرائه وسلوكه وآدابه وقد نفع الله بذلك خلقا كثيرا.
وكانت في حضرته محضرة علمية يقيم فيها الكثير من العلماء والأدباء والقراء والفضلاء يلتفون حوله كمجلس علم وفتوى وتعليم وإرشاد، مثل العلامة الشيخ عبدالله بن داداه ومحمد محفوظ بن ألفق المصطفى ، والمصطفی ولد الدوله ومحمد المصطفى ولد أبنو ومحمد المصطفى ولد الطالب وأحمد ولد المختار فال وسيدي ولد عبدالله وغيرهم. وكان يوفر للوافدين من خارج الحضرة الظروف الملائمة للتعلم وينفق عليهم من خالص ماله، كما يوفر المراجع المطلوبة في كل فن, وله آثار علمية نذكر منها على سبيل المثال: تفسيرا رائعا لسورة الفاتحة ورسائل هامة وتقييدات تشمل كثيرا من الفوائد. 

وكان أغلب من تصدر على يده في الطريقة من الزنوج الأفارقة المقيمين خارج البلاد، وذلك نظرا لعدم قبوله للمريدين المحليين الذين كان يوجههم إلى أخيه الأكبر الشيخ سيدي باب، فكوَّن الشيخ سيدي المختار جيلا من العلماء والمربين.

--- إنفاقه وكرمه وحلمه:
لقد اجتمع في الشيخ سيدي المختار من هذه الخصال ما لفت انتباه محللي شخصيته عن الجوانب الأخرى حتى كادت تطغى على كل من تعرض له أو مدحه أو رثاه:
شيخ كساه حلمه ونواله *** حلل القبول وخشية الجبار
الشيخ عبد الله ولد داداه (کامل)

حلومهم تحكي الجبال رزانة *** وأخلاقهم تحكي الرحيق المشعشعا
ولد الطالب (طويل) ... إلخ
فكان يقول إنه يخشى أن لا يثاب على الصبر لأنه لا يكلفه ولم يستفزه أي أمر من أمور الدنيا وكان ذوو الحاجات يوردون فيه: (طويل)
تراه إذا ما جئته متهللا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
زهیر في هرم بن سنان
لقد وفر الشيخ سيدي المختار لأهل لحواش" النفقة والكسوة عشرات السنين. وكان القاضي العلامة الشيخ إسماعيل يقول إن أباه اقتدى في ذلك بالشيخ سيدي فاقتدى الشيخ عبدالله ب "أباه" واقتدى الشيخ سليمان بالشيخ عبد الله فلكل منهم أجر خلفه.. 

وكان يوزع على الناس مئات الأضاحي ومئات الحلائب، كما كان يتولى تكاليف المناسبات الاجتماعية التي تقع في حيه كلا أوجلا ، كما كانت جماله توزع يوم الرحيل على الناس للركوب وحمل الأثقال, وقد ناهزت مرة مائتي جمل.

قال العلامة محمد فال ولد عينين الحسني مادحا الشيخ سيدي المختار:

تبذر الصخر بالصم الخفاف كما *** يبذر السيد المختار دیناره
فإنه السيد المختار خيرتنا *** من خاره الله قدما وابن من خاره
هو التقي الذي مازال مبتهلا *** لله مستغرقا في الدين أوطاره
هو الظريف فلا يشقى الجليس به *** كم نال من جالس العطار أعطاره
هو الذي تخلف الأمطارَ را حتُه *** إن أمسك المزنُ في اللأواء أمطاره
إني سأذكر من أخباره جُمَلا *** إن الكريم تحب الناسُ أخبارَه


ويقول الأديب محمد المصطفى ولد الطالب في مدح الشيخ سيدي المختار :
فبالسيد المختار حسبي فإنه *** لأغنى وأقنى من عدي وحاتم
إمام يرى الحق الذي ليس لازما *** أحق لديه من حقوق لوازم
هو الذائد الحامي الذمار عن الورى *** هوالقائد الكافي هجوم العظائم
هوالسلسل العذب المذاق لدى الرضا *** وأهيب من ليث عبن ضبارم
وما جامد الكف الضنين بماله *** كمن عود السؤال نثر الدراهم
بقيتَ قريرَ المجد قرنا مؤملا *** ہجُلَّى وإن جلَّت وردِّ المظالم
ولازلت في أمنٍ ويمن ونعمة *** تُحَيَّى بقول الزائرين: ألا عِم

-- وفاته:
توفي الشيخ سيد المختار رحمه الله عن حياة حافلة بتقوى الله والمزايا العامة ومكارم الأخلاق والإنفاق في السراء والضراء وعن عمر
يناهز 92 سنة وذلك فجر الاثنين 23 رجب سنة 1370ه، 30 / ابريل/1951م
كما أرخ ذلك العلامة الشيخ عبد الله بن داداه بقوله: (رجز)
سيدنا المختار للحسنى ذهب *** في ثالث العشرين من شهر رجب
طلوع فجر أهون عام شسع *** عنه المخوف والعناء والفزع
أمنه مما اختشى الرحمن *** فللأنام عمره أمان

كما أرخ وفاته العلامة محنض الفق بقوله: (خفيف)
لثمان بقين من رجب الفر *** د دنا للجنان بحر العطاء
رحم الله خير مُروٍ فأرخ *** بدعائي لعام فقد السخاء

وقال الشيخ عبد الله ولد داداه في رثاء الشيخ سيدي المختار رحمهما الله تعالى:
جادت هواطل ديمة مدرار *** من مزن عفو إلهنا الغفار
يدنو بها ما قد يسر وينزوي *** ما يُختشى من سائر الأخطار
وتُنيل أمنا لا مخافة بعده *** وإقامةً بمنازل الأبرار
جدث الإمام أخي المعالي المرتضى *** شيخ الشيوخ السيد المختار
شيخ كساه حلمه ونواله *** حلل القبول وخشية الجبار
عين الأنام وعرضه فبه قضى *** ما يرتجى من جملة الأوطار
ورث المكارم من أبيه وجده *** وقفا سبيل السادة الأخيار
فأتى يجاري الأكرمين ولم يكن *** عند السباق مثبط الإحضار
كم قد أتى يوم الرهان مجليا *** يشتو فوارس حلبة المضمار
ساد الأنام سيادة مصحوبة *** بتأدب و سكينة ووقار
فيزيده جهل الجهول تواضعا *** لكنه ما شيب باستكبار
ومرارة الصبر الكريه مذاقها *** تحكي لديه شهدة المشتار
صبح الهداية مسفر في وجهه *** تجلى به الغمَّا عن الأبصار
وكسته أنوار المعارف حلية *** تزري بحلية لؤلؤ ونضار
قد كان أمن الخائفين وملجأً *** للمشتكي ويسارَ ذي الإعسار
تشقى بصارم جوده أنعامه *** لسعادة الأضياف أو للجار
إن الزمان إذا يضن عن الوری *** بشبيهه ما إن يعاب بعار
فلتبكه أهل الحوائج كلهم *** من مجتد أو جائع أو عار
حفظ الإله السيد المختار من *** كل المكاره غابر الأدهار
وأحله دار السلام مجاورا *** لمحمد صلى عليه الباري
وأقر عيني كل من ينمى له *** في هذه الأولى وتلك الدار
وجزاهم عن صبرهم ومصابهم *** وحماهمُ من سيئ المقدار
وحباهم ما أملوا وكفاهمُ *** حلف العداوة باسمه القهار
صلواته وسلامه لنبيه *** والآل والأتباع والأنصار

ويقول العلامة الشيخ عبد الفتاح ولد محمد ولد عبد الفتاح في رثاء الشيخ سيدي المختار:

 أجدك لم تجزع لفقدان سيد *** صَفوح عن الجاني وهوب لِمجتد

 أَلمُ يَشْمل الأمصار والبدو رزءه *** إلى كل معمـورٍ إلى كل فَـدفَد

يبيت إذا المبطان نام مـسهدا *** لإكرام جارات وخدمةِ سيد

تعرف بالحسنى إلى اللـه محسنا *** فكان بإرضاء أحق مسهد

يرى زهرة الدنيا زَهادة جُندب *** وليلته الدرعا عبادة أحمد 

مبدد أموال وجامع سؤدد *** فأكـرِم به من جامع ومبدد

ثمالُ اليتامَى موثر حق ذي العلا *** وكان إليه القصد في كل مقصدِ

فيا ليته يُفْـدَى بكــل ذخيرة *** على أن باقي الصيت مثل مخلد

شهادة ذي التبريز مجمعة على *** عدالته والعَدل نافذ موعد

سلونا إذا يـابَى التسلي غيرنا *** بِغُر بَنيهِ أحمد ومحمد

وغيرهما مِنْ كل حـامل كلهِ *** مُفَـدًّی طويلِ الباع مأوى المطرد

كأن وجوه الرهط ذي الجاه رهطهِ *** مشوف دنانير المُجِد المُجَدِّد

فَخَرنا به الأحياء ما كان بيننا *** وتَـزكو به أهـلُ القبور إلى الغد

تبوأ في الفردوس أسنى محلة *** محيا المحَيا بالأمان المؤبد

يُسَر بجعل الأهل في أكمل المنى *** وأيمنِ عيش في البلاد وأرغد

على صاحب المعراج أنمى تحية *** من المكرم الهادي به كل مهتد

ويقول المختار بن حامد في رثاء الشيخ سيدي المختار رحمهما الله:

 إبْكُوا على المجد إنَّ المجْدَ قـد رَحَلاَ ***  واستفرغوا الدَّمعَ حتى تَـنزفـوا المُقَـلاَ

وليحزَنِ القلبُ لكن لاَّ يَـقُـلْ أبدًا *** ما يُغضبُ الربَّ مَــــــــــــــرْضِيٌّ قَضًا نَزلاَ

كان الندى أمس يمشي بين أظهُرنـا *** والفضلُ والخيرُ كُلاًّ مِشْـيةَ الخُيَلاَ

إذْ حِلْيةُ السيِّـدِ المُختارِ جوْهرُه *** مظاهرًا كِسْوَتَيْهِ العلمَ والعَمَلاَ

مُزَّمِّلاً بتُقًى مُدَّثِّــرًا بِنَقًا *** للنَّهْيِ مُجْتَنِبًا للأمــــــــــــــــر مُمْتثِلاَ

وعارِجًا في سماء المجد مُرْتَقيًـا *** مُستسْهلَ الصَّعْـب حتى أدرَكَ الأمَلاَ

قامتْ على أرْبعٍ للفضل دَوْلتُه ***  إذْ ذَّاكَ فـيـنا فَكُـنَّا كلُّـنا فُضَـلاَ

إذ نَقْتدي بـهُدَى شيخٍ خَـلائِـقُـهُ *** أعْدَتْ بَـهـيمَـتـَـنا فضلاً عن العُقَلاَ

فَماَ ترَى فَرَسًا فيـنا ولا جَمَلاً *** إلاَّ كـريمًــا ولا جَــدْيًـا ولاَ حَمَلاَ

وفارقَ الناسَ داءُ اللُّؤْمِ وانـبعثوا *** إلى المكارم عاليهُمْ ومَن سَفُلاَ

وشَــعَّ في الأفْـق ضوءُ المجد مُنتشرًا *** وأَلَّ لَمْــعًا وعَمَّ السَّهْلَ والجَبَلاَ

حتى تُخُيِّلَ أنَّ الأرضَ تُنْبِتهُ *** وأنَّ كُــلَّ حصادٍ في الـزروع عُـلَى

وأصبح الْـيَـنْعُ والمِـسْمارُ قَـد دَّخَـلا *** منه الغصونَ وأَزْهَى مُـثمِـرًا وحَــلاَ

وأنـبَتَ الحبُّ منه كل واحدة *** سَبْعًا سنابـلَ سَّدَّ الـسُّنْـبُـلُ السُّـبُلاَ

بـيضًا وحُمْرًا فلما اعْـتَـمَّ كوكُبه *** وانهَـلَّ قَطْرُ النَّدى في روضه خَـضِـلا

ولَّى فودَّعَ منه لم يَـمَـلَّ ثوًى *** إذ وَدَّعَ السيدُ المختار مرتحلا

لوْ أنهمْ ظَـهَـروا الْمِرِّيخَ أوْ زُحَلاَ *** لَمْ يُــدْرِكُوا رَجُلاً بالأَمْسِ قَدْ رَحَلاَ

لا حُسْنَ دينٍ ولاَ سَمْتًا ولا أَدَبًـا *** ولاَ وَقَــارًا ولاَ طَـبْعًا حَلاَ وحُـلَى

وَلاَ صَفًا وَوَفًا وَلاَ تُقًى وَنَقًـا *** وَلاَ نَــدًى وَجَدًى وَلاَ عُلاً وَإلَى

ولا جميعَ خِـــصالِ الخـير ما رجُـلٌ *** فينا يُكافئُ يومًا ذلك الرَّجُلاَ

إلاَّ ابنُه ابنُ جَــلاَ وابنُ ابنٍه ابنُ جلاَ *** يا حبَّــذا ناجلٌ منهم ومن نُجِلاَ

ضَرْبٌ لِـوَاحِـدِهِمْ ضَرْبٌ لِسَائِــرِهِمْ *** فكلُّهم في النَّدى والسُّودَدِ ابنُ جَلاَ

بيتُ القصيدِ وَوُسْطَى العِقْدِ بَيْتُهُمُ *** بَـيْـنَ الأماجدِ نَصًّا ليس مُحْـتَمَلاَ

عَزَّ السُّلُـوُّ ولكن مَـن سَــلاَ بـهُمُ *** عنْ ذلك الشيخِ فَلْـيُتْرَكْ وما عَمِلاَ

ففي النجومِ الدَّرارِي سَـلْوَةٌ وهُدًى *** للمُدْلِـجينَ إذا ما بَدْرُهُمْ أَفِلاَ

وحيث عُـمِّـرَ في الطَّاعاتِ سَـيدُنا *** حـينًا وحانَ لقاءُ الله جلَّ علاَ

فالخيرُ للشيخِ ما اختارَ الحكيم لـهُ *** جـاءَ الربيعُ فحلَّـتْ شـمْسُـنا الحمَلا

اللـــهُ يُكْرِمُ مَـثـــواهُ بمنزلِـهِ *** ويجعلُ الجنةَّ العُلْيا له نُــــــــــــــــــزُلاَ. 



كتب الترجمة | إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي