الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد

 الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير، سيد وقته، وإمام عصره، وورع زمانه، وأعجوبة دهره، وفاروق أوانه، ذو الأخلاق المرضية، والأحوال الصالحة السنية، والأعمال الفاضلة الزكية، حامل ‌لواء ‌السنة، وداحض شبه البدعة، سيف الله المسلول على أهل البدع والأهواء الذائعة، كان أشدّ الناس في دين الله، وأحفظهم للسنّة، يغضب لها ويندب إليها، ويشنع ‌على ‌البدع وأهلها، واشتد نكيره ‌على ‌المفاسد والخرافات ومن يروجون لها، أقام صرح الدين الصحيح والسنة المطهرة وأرشد الناس إلى أن يتمسكوا بالوحيين.

  اشتهر بلقبه ( باب )، ويقال له الشيخ سيدي باب جمعا بين الاسم واللقب، وتمييزا له عن جده الشيخ سيدي الكبير، وكنيته أبو محمد
ولد الشيخ سيدي (باب) عام ۱۲۷۷ هـ ، ونشأ في بيئة علمية متدينة، فهو من عائلة ذات شهرة دينية، وعلمية كبيرة، لها مكانة في المجتمع الموريتاني، لا تستطيع 
أن تظفر بمثلها عائلة أخرى في البلاد.
يقول محمد يوسف مقلد: أنت إذا طفت موريتانيا، أو زرت بعض نواحيها فقط فإنك ستسمع أسماء عائلات معروفة مشهورة كأنها أسماء العواصم، أو اسماء الشعوب، ولكن عائلة آل الشيخ سيدي عائلة لا تضاهيها عائلة أخرى في العلمية، والشهرة، لا في القديم، ولا في الحديث.

كان -رحمه الله- آية الله في تحقيق العلوم، والاطلاع المفرط على النقول، والقيام الأكمل على الفنون بأسرها.أما الفقه فهو فيه مالك، ولأزمة فروعه حائز ومالك، إلى ما انضم لذلك من معرفة التفسير ودرره، والاطلاع بحقائق التأويل وغرره، إلى الإحاطة بالحديث وفنونه، وحفظ رواياته ومعرفة متونه، ونظم أنواعه، ووصف فنونه. وأما زهده وصلاحه فقد سارت به الركبان، واتفق على تفضيله وخيرته الثقلان، هو فاروق وقته في القيام بالحق، ومدفعة أهل البدع بالصدق، وبالجملة فالوصف يتقاصر عن مزاياه، ويعجز عن وصفه ويتحاماه، فهو شيخ العلماء في أوانه، وقطب الأئمة والمصلحين في زمانه.

سألت أحدهم ــ ذات مرة ــ عن الشيخ سيدي باب ممن كان قد رآه, فقال لي واصفا إياه ما معناه: شيخنا الإمام العالم العلم, جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حفظًا وفهمًا وتحقيقًا راسخ القدم, رافع لواء الإمامة بين الأمم, ناصر الدين بلسانه وبيانه وبالعلم, محيي السنة بفعاله ومقاله وبالشيم, قطب الوقت في الحال والمقام والنهج الواضح والسبيل الأقوم, مستمر الإرشاد والهداية, والتبليغ والإفادة، ذو الرواية والدراية والعناية، ملازم للكتاب والسنة على نهج الأئمة المحفوظين من البدع في زمن لا عاصم فيه لأمر اللَّه إلا من رحم، ذو همة علية, ورتبة سنية, وخلق رضية, وفضل وكرم، إمام الأئمة, وعالم الأمة, الناظر للحكمة, سليل الصالحين, وخلاصة مجد التقى والدين. 

 في هذه البيئة العلمية نشأ الشيخ سيدي باب, فكان لها أثرها على شخصيته العلمية, ولا غرو في ذلك فقد كانت مدينة بتلميت التي هي مقر عائلته، مورد طلاب العلم.

 شهرة الشيخ سيدي الجد علما وعملا وصلاحا وزعامة دينية حكيمة شاملة لجميع نواحي البلاد بحيث يعتبر أكبر مصلح بما لكلمة “الإصلاح” من معنى: إصلاح ذات البين بين الأمراء فيما بينهم إن تشاجروا وقامت الحرب بينهم على ساق، والإصلاح بين القبائل المتناحرة، والإصلاح بين الأفراد المتنافرة، وإصلاح النفوس ورياضتها لتنقاد لأمر ربها امتثالا واجتنابا، إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف البديعة والنصائح القيمة، إلى دماثة خلق وتحمل مشقة غرف بهما في رحلته الطويلة في طلب العلم، إلى نصرة المظلوم, وإعانة المنكوب, والصبر على جفاء الجافي, ودفعه بالتي هي أحسن، بحيث صار حرما آمنا يلجأ إليه الخائف ويفر إليه الجاني، متعززا بتقوى الله تعالى, مكتفيا به عما سواه.
ويقال من خاف الله خافه كل شيء, حتى صارت سمته على المواشي أمانا لها من اللصوص الناهبين, فصار بعض الناس يضعها على مواشيه خوفا عليها, وفي هذا يقول العالم الشاعر أبد بن محمود العلوي يخاطب باب بن الشيخ سيدي محمد:
أنسى الورى بلدانهم وغدت لهم *** بلدانه سلمى البلاد ومنعجا
من لم يخُطَّ البا بلوح خَطه *** يُمنَى التليل تحصنا مما فجَا

 
زيادة على علمه الواسع الغزير, وزعامته للقبائل المحيطة به, واهتمامه بهذا القطر أجمع, وبعد غور عقله, وجودة رأيه, وتبصره في الأمور, وحزمه وشدة شكيمته في الحق, وسياسته المعتدلة، لا تهور ولا تأخر، إلى أدب لطيف, وورع حاجز, ونسك عربي, وتحكيم للسنة, واتباع لها, وعرض المعلومات المأخوذات عن الشيوخ الأجلاء على أدلة الكتاب والسنة  ..... والقواعد الشرعية قبولا وردا، وشجاعة على الخروج عن المألوف أو الرأي الموروث إن ظهر له فيه تحرف أو تحيز، مع أدب مع الجميع وإنصاف.
كل هذه العوامل تجسدت في شخصية الشيخ سيدي باب وانسجمت في سلوكه وتصرفاته بلا تناقض ولا تنافر فكأنها خصلة واحدة مركبة من خصال يخدم بعضها بعضا, فكان دعاء أبيه مخاطبا أباه من قصيدته المشهورة: (رجز)
وأن يبارك لكم في العقب ***منكم فيحظى بثبات العقب
وحيث إن كل جانب من هذه الجوانب المتعددة لو أرسل الكاتب فيه عنان قلمه كان مجلدا.

حفظ القرآن الكريم وهو دون عشر سنين ثم أكب على طلب العلم وأخذه من علماء تلامذة أبوية مع ذكاء خارق وجد لا يعرف الراحة: (خفيف) 

وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام 

اشتغل بتحصيل العلم على كبار علماء بلاده، ومن أشهر العلماء الذين أخذ عنهم الشيخ محمد بن السالم البوحسني، والشيخ محمد بن حنبل بن الفال البوحسني، والشيخ أحمد بن سليمان الديماني جد العالم الجليل المحدث محمد بن أبي مدين، والشريف .الشيخ أحمد بن ازوین، من قبيلة أهل [ بابية].
ويقول طلاب الشيخ سيدي الكبير: إن الشيخ أحمد ابن ازوين هذا هو الذي ملأ الفراغ العلمي بعد الشيخ سيدي الكبير.
عكف على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واستجلب الكتب من الآفاق النائية، بالأثمان الغالية، واستنسخ منها ما لم يكن مطبوعا، حتى اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من أهل بلاده .. وأقبل عليها، قراءة وتدریسا ، وتصنيفا، بجد، وحرص بالغ 
في التحصيل العلمي، مع ما يتمتع به به من الذكاء المفرط والحفظ النادر.
وكان إذا استفاد كتابا من الكتب التي كانت عنده ولو كانت أجزاؤه كثيرة، كتفسير الطبري، وفتح الباري مثلا، لا يضعه حتى يتصفحه ورقة ورقة، ويعلق على ما فيه 
من غوامض وأخطاء، ويستقصيه استقصاء كاملا.
ولما درس السنة، جعلها نصب عينيه، وعمل بها وأصبحت تدور عليها سائر أموره، عقيدة، وشريعة، وسلوكا، بل في حركاته، وسكناته , وكان لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يبالي بما يصيبه في سبيله، وقد أقبل الناس عليه، والتفوا حوله
.

أحال العلامة محمد فال (ببها) بن محمذن بن أحمد بن العاقل بعض من جاءه طالباَ العلم إلى الشيخ سيدي باب، فاستصغر طالب العلم الشيخ سيدي باب وعاد إلى العلامة ببها، فرده إليه قائلا: 

لازم الشيخَ بابَ والأم لالاَ *** تُكْسَ نورًا و هيبةً و جلالا

لازم الغرزَ منهُ ما دمت حيًّا  ***  ســتراهُ في أفقه يتلالاَ

لا يغُرنْك أن تراهُ هِـــــلالاً  ***  كلُ بدرٍ قدْ كان قبلُ هلالا

ولما كثرت كتب الشيخ سيدي باب  بنى لها دارا لصيانتها، والناس إذ ذاك في هذه البلاد بدو لا يضعون لبنة على لبنة
وقيل في رثائه مشيرا لهذه الدار(طويل):
وحق لكثب الطبع فيضُ دموعها *** وتبكي طروس سطرت وقلام
فقد شاد حول البيت صرحا ممردا *** لها إذ غدت عنها تضيق خيام
ويقول باب نفسه في ذلك: (بسيط)
بوركت يا دار كتب العلم من دار *** وجاد أرضك غادي المزن والساري
ودام مجدك محفوظا سرادقه ***طول الزمان من المولى بأسوار
ولاتزل نعم الرحمان مقبلة *** إليك غير مشوبات بأكدار
ونلت فتحا مبينا غير منقطع *** في العلم زِين من التقوى بإثمار
وكان أهلك دأبا كل متبع ***نهج الرسول بإيراد وإصدار
لا يصرف العمر في لهو ولا لعب *** بل في علوم وآداب وأذكار
طورا إلى أحرف القرآن وجهته *** وما تضمن من معنى وأسرار
وتارة ينتحي ما جاء من سنن *** عن النبي وأخبار وآثار
إلى أصول إلى فقه إلى سنن ***من التصوف لم يوصف بإنكار
إلى فنون من الآلات مظهرة *** من المقاصد مستورا بأستار
ألفى بمغناه ما يبغيه من أرب *** فقر عينا بفضل الخالق الباري
فالحمد لله في بدء ومختتم *** والحمد لله في جهر وإسرار.

وكان له مجلس علمي يضم جماعة من كبار علماء وقته، يتطارحون فيه المسائل ويبحثون في القضايا النازلة، وربما في أحكام بعض القضاة إذا احتيج للنظر فيها. 

وكانت أوقاته مقسومة بين إقامة فرائضه التي يبالغ في الاحتياط فيما تبرأ به الذمة ويخرج به من العهدة، ويحصل به الكمال في الصلاة ، فرائض وسننا وآدابا ، يطيل في المواضع التي يسن فيها التطويل، لأنه يرى أن التخفيف الذي تؤمر به الأئمة نسبي لا يمكن ضبطه إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, كما هو مذهب المحققين لا كما يقول المتأخرون من الفقهاء المقلدة.
هذا مع إدامة النوافل والسعي في مصالح المسلمين والشفاعة الحسنة فيهم عند الحكام واستقبال الوفود القادمة وتفقد أحوال المتعلقين به في دنياهم ودينهم والقيام بحقوقهم، كل بنسبة ما يحاول، وإدمان المطالعة من غير ملل ولا فتور ليلا ونهارا, قليل النوم ليلا, 
وقيل إنه لم ير مضطجعا نهارا وأعطي في كل هذا قوة لا تتأتى لغيره. 

وتثمر هذه المطالعة إفادات وزيادات وتحقيقات تُتحف بها جلساؤه فلا يفترقون إلا عن ذواق ربما تكون أنفع لطالب العلم وأسرع في التحصيل وأجمع للشوارد النادرة التي لا تتاح إلا للراسخين في العلم المستنبطين للعلم من منبعه الأصلي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 

أقول: ربما تكون أنفع من الاشتغال بالمتون المختصرة حفظا وفهما وأقرب إلى منهجية أخذ العلم زمان النبوءة، وإن كان الاشتغال بالمتون أيضا مهما نافعا لا يستغنى عنه. 

وقد حرر الشيخ باب مسائل مهمة جدا مما يتعلق بالعقيدة والقراءة والفروع، كانت مثار جدل في القديم والحديث, ونظم في بعضها أنظاما كتب عليها أنقالا محررة متنزلة على محل النزاع، حازة في المفصل، معزوة لمصادرها من الكتب المعتمدة عند الجميع، فكانت تلك الأنقال كالشروح لها تبيينا وتوثيقا.

وكان رحمه الله شجًى في حلوق أهل الأهواء المبتدعين، وإمامًا قائمًا ببيان الحق ونُصْرة الدين، وبحرًا لا تكدِّره الدِّلاء، وحِبْرًا يقتدي به الأخيار الأَلبَّاء، طنَّت بذكره الأمصار، وضَنَّت بمثله الأعصار, حتى قال أحدهم: ما رأيتُ مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا أتْبَعَ لهما منه.   

موقفه من المتشابه:
منها مسألة التفويض والتأويل في المتشابه من آيات الصفات وأحاديثها, ولا يخفى أن الكل متفقون أن الله جل وعلا منزه عن سمات الحدوث، وأنه ليس كمثله شيء,
 وقد وردت آيات وأحاديث توهم التشبيه مما عُلم مدلوله لغة وجُهل كيفية اتصافه به جل وعلا، فقد اشتهر فيه مذهبان:
مذهب السلف : وهو إمراره كما ورد، والتفويض فيه إلى الله أي بأن نؤمن به على مراد الله تعالى مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة المخلوقات, وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم من القرون الفاضلة ، وعلى ذلك المحققون من الخلف, إذ لم يكلفنا الله تعالى بمعرفة مراده منه، ولو كان واجبا لبينه
 النبي صلى الله عليه وسلم كما بين غيره, ولسأله عنه الصحابة كما سألوه عن غيره.
ومذهب الخلف: أي بعضهم، تأويله بلائق به جل وعلا، ويقولون إن السكوت عنه موهم للعوام وتنبيه للجهلة مع عدم إنكارهم للتفويض واعترافهم أنه أسلم.
والتأويل هو مذهب أبي الحسن الأشعري الوسط بعد خروجه عن مذهب الاعتزال, والأول هو مذهبه الأخير الذي رجع إليه في آخر عمره ورجع إليه الباقلاني و إمام الحرمين , 
وحكى الإجماع على منع التأويل الغزالي والفخر الرازي وغيرهم كثير.
وقد نظم باب في هذا نظما مبينا أن الراجح من المذهبين هو التفويض بل هو المتعين الذي لا يجوز غيره, لأن المؤول ليس على يقين من مطابقة ما أول به لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد يكون معطلا بنفي صفة أثبتها الله تعالى لنفسه، لا سيما والمصيب في العقيدة واحد بين المخطئة والمصوبة، والمخطئ فيها غير معذور، لا يخالف ذلك إلا من لا يعتد بخلافه. 
فقال: (رجز)

 ما أوهم التشبيه في آيات ***وفي أحاديث عن الثقات
فهو صفات وُصف الرحمن ***بها وواجب بها الإيمان
ثم على ظاهرها نبقيها ***ونحذر التأويل والتشبيها
قال بذا الثلاثة القرون *** والخير باتباعهم مقرون
وهو الذي ينصره القرآن *** والسنن الصحاح والحسان
وكم رآه من إمام مرتضى *** من الخلائف بناظر الرضا
ومن أجاز منهمُ التأويلا *** لم ينكروا ذا المذهب الأصيلا
والحق أن من أصاب واحد ***لاسيما إن كان في العقائد
ووافق النص وإجماع السلف ***فكيف لا يتبع هذا من عرف
ومن تأول فقد تكلفا *** وغير ما له به علم قفا
وفي الذي هرب منه قد وقع *** وبعضهم عن قوله به رجع
حتى حكى في منعه الإجماعا *** وجعل اجتنابه اتباعا
وقد نماه بعض أهل العلم *** من الأكابر لحزب جهم
فاشدد يديك أيها المحق *** على الذي سمعت فهو الحق

تحريره لمسألة الضاد:
 ومما حرر الشيخ سيدي باب مسألة الضاد, وذلك أن من المعلوم عند من له نظر في كتب التجويد ومخارج الحروف وصفاتها، ما فيها من أن الضاد مما تختص العرب بالنطق به سليقة، وصاروا يقولون لغة الضاد يعنون لغة العرب. وقال أبو الطيب المتنبي: 

وبهم فخر كل من نطق الضا *** د وغوثُ الجاني وغيثُ الطريد.

 وأنها أصعب الحروف، بحيث يتعذر النطق بها إلا بالرياضة التامة, وأنها تشبه الظاء ولا تمتاز عنها إلا بالاستطالة والمخرج, ولهذا عسر التمييز بينهما وأن بينهما ما يسمى عند علماء البديع بالجناس اللفظي، قال السيوطي في عقود الجمان: (رجز): 

قلت وإن تشابها في اللفظ *** كالضاد والظاء فذاك اللفظي 

مثلهما في ذلك النون والتنوين وهاء التأنيث وتاؤه. وقال الفخر الرازي في تفسيره: .” إن التكليف بالفرق بينهما من تكليف ما لا يطاق.
وللحافظ ابن كثير في أوائل تفسيره شيء من هذا, وأن الضاد حرف رخو يجري فيه الصوت جريائه في بقية الحروف الرخوة، بل قيل إنه متفش، والتفشي أخص من الرخاوة، وأنه مستطيل في مخرجه، ولا كذلك غيره من الحروف.

 ولما كان هذا مفقودا في ضاد العامة كثر القيل والقال فيها بين المتمسكين بالضاد المألوفة من أنها هي التي بها الرواية، وقد يبحثون فيما فقد فيها من صفات ضاد العرب وأنها هي التي ينطق بها الأكثر ممن فيهم أعلام العلماء في الأقطار، ويجيبهم الآخرون بأن من شروط الرواية موافقتها لما في كتب التجويد، وأنها إنما ألفت لحفظ الرواية, فنظم الشيخ سيدي باب في هذه المسألة نظما جامعا وألف فيها رسالة مستقلة أكثر فيها النقل عن أئمة القراءة والعربية، وأطال، لأن المقام يقتضي الإطالة، مبينا أن الضاد الرخوة التي ينطق بها هو ومن وافقه هي ضاد العرب صفة، ومخرجا، رواية ودراية
وقال: (رجز)
ليمعن القارئ في الضاد النظر ***عند احتجاجه بنص المختصر
هل ثم تمييز عسير جدا *** أو ثم حرف يتعب العبدا
وهل تطيق لفظه الصبيان *** والقبط والبربر والسودان
فالضاد أصـعب حـروفهم بـلا *** تنـازع بيـن جميع الفـُـضــــــلا
والـمَيزُ بينـها وبين الظـــــــاء *** صعبٌ لدى جمــاعة القُـــــرَّاء
واخـتصت الـعرب بالتكلـــــمِ *** بها عَنَ اصحابِ اللسانِ العجمي
بـل ذلك المَخرج بين الضــــاد *** والظاء في المُخرج عند النــــادي
يَـبـيـن ذاك للبيب النـاظـــــــــرِ*** عبارةُ المـــــــصباح والنـــــوادرِ
وليهده إلى ســواء المنهــــــجِ *** والضادَ باستطالة ومــخــــرج”
ونصَّ ذاك النشرُ والتــمهيــــدُ *** له والاتــقــانُ بـــــــــه شَهــــــيدُ
وأن ضادَ العرب الـعربــــــــاءِ *** مُشْبِهَةٌ في السمع صوتَ الظــاء
ونــصَّ ذاك في النهاية انـــظــرِ*** والفجرَ فانْـظـُــرهُ له والجعـبري
وليس في تحقيقه من بـــــاسِ*** في مبحـث اللفظي في الجناس
وذاك في ألْـــــفــيــــــــة البيــــان *** وشـرحِها قـد جـاء والإتــقــــانِ
وقد قفا الجلالَ من تأخـَّـــــــرا *** فيه ولم يجعـلـْــهُ شيــئًا نُكُـرا
وكم شواهدَ لهذا المـطْــــلــبِ *** لعلماءِ أهـلِ كُـــلِّ مَذهَــــــــــب
فالفخر في تفسيره قد نبــــهـا *** وشرحُ الاقنـاع وشرحُ المنتـــهى
ومن قضاءِ الحاجِ للمحتــــاج *** نظــرُه لشَــرْحَـي المـــنهـــــــــاج
والحصرُ للظاءات في المُقدمه *** وغيرها بالعـد يا صــاحِ لِـــــمَـهْ؟
وانظـر إلى قولهـمُ مُشالَــــــهْ *** وقولـَــهُـــمْ قاصــرةٌ فَــيَــالـَــــهْ
وانظـر إلى ذكرهمُ منْ غـَـلـَطا *** بمـــزجِ ضـادِهِ بـِــدالٍ أو بـِـــــطـَا
وفي السماع من جميع العربِ *** في الشَّـرْق والغرب تـمـامُ الأرَبِ

وقال ـــــــ رحمه الله ــــــ:(بسيط)

الضاد حرفٌ عسيرٌ يشبه الظاءَ *** لا الدَّالَ يُشْبُه في لفظ ولا الطاء
لحنٌ فـَـشَا منذ أزمانٍ قد اتّبعَتْ *** أبــناؤُهم فـيه أجْـداداً وآبـاء
من غيرِ مُستَـنَدٍ أصـلا وغايتــُهم *** إلـْــفُ العوائد فيـه خَبْطَ عشواء
والحق أبلـجُ لا يخفى على فـَطِنٍ *** إن استضاء بما في الكُـتْب قد جاء
هذا هو الحقُّ نصًّا لا مَردَّ لــــــهُ *** من شاء بالحق فليومن ومن شاء

وقال العلامة حبيب بن الزايد التندغي مخاطبا الشيخ سيدي باب:

أحيَيتَ يا شيخُ مَيْتَ العِــلم إِحياءَ *** نـَعَمْ وأسْمَعْتَ لو ناديـتَ أَحْــياءَ
لكنْ ظلامُ الهوى أعمى البصائر مِنْ *** مَنْ عارضوك بما لم يُجْدِ إِجْـداءَ
قدعارضوك بأن الضاد لم يكُ عيــ*** نَ الظاء واستحسنوا مِن ذاك ما ساءَ
كأنهم غـَـفـَـلـُوا عَمَّـا افـتـَـتـَحْتَ بهِ *** “الضادُ حرفٌ عسيرٌ يُشبــهُ الظـاءَ
وليس جَعْلُ ذوي الإنكار ضادَكُمُ *** ظاءً يُصَــيِّــِرُهُ في نفســه ظــــــــــاءَ
فالحسُّ يغلـَطُ في الأشياء يحسـبها *** شيئا كما قد يظنُّ الشيءَ أشْــيــاءَ
وحُبُّكَ الشيءَ أحيانا يُصِمُّ كما *** عَنْ أفصحِ الخلق خيرِ العُرْبِ قدْ جاءَ
ما قلتَ إلا الذي في الكُتـْب جاء ومَن *** لمْ يتـَّـصف بالحَيَا فلياتِ مــا شـَـــــاءَ
يا من بفهمٍ وإنصافٍ قد اتَّصَفُوا *** تأمَّـلـوا صرَّحَتْ لا ريـــب جَــدَّاءَ

وقال محمد فال بن بابه في ذلك: (بسيط)

مَنْ أنْكرَ الحَـقَّ لا تَـنْصَبْ تعالِجْهُ *** فإن فيه عُـضـالاً ذلك الـــــــــــــــــداء
ومنْ تأمَّلَ ألْـــــفـَى أصْـلَ عِلـَّتِهِ *** كونَ الطباعِ لـِمَا لمْ تألفَ اعْداءَ

وقد قيـلتْ في الموضوع والبحر والروي مُقَطّعات من الفريق, وقال في أول رسالته: “فهذه نقول يعرف بها اللبيب الدائر مع الحق، أن الصواب في لغة العرب الضادُ الشبيهةُ بالظاء المعجمة، حسبما تلقيناه أيضا بالرواية المعتبرة أواخر النقول , لا الضادُ الشائعةُ الآن الشبيهةُ بالطاء والدال المهملتين.” ثم نقلَ على هذا كثيرا من كلام القراء وعلماء العربية.
ثم قال والرواية التي وُعِدَ بها قَبْـلُ هي ما شافهنا به أخونا الأديب العالم الثقة المحقق التقي الشيخ محمد فال بن بابه بن أحمد بيبه العلوي حفظه الله وجزاه خيرا، ثم طلبنا منه كتابتها، فكتب ما صورته: “الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، قرأتُ الفاتحة وبعض السور على المقرئ بالحرم المدني، مُفتتحَ عام سبع وثلاثمائة وألف، وهو الشيخ أحمد بن محمد الصوفي من أهل القسطنطينية، وجدتُه مجاورا بالمدينة، ماهرا في فن القراءات والتجويد، يتصل سنده بابن الجَزَري، وكنتُ أتردد إليه ما دمت في المدينة, ولما سمعتُ أولا كيفية نطقه بالضاد، ظننته يجعلها ظاء، فقرأت عليه بها فقال لي “ظ” لا و”ض” لا، يعني ب “ض لا” النهي عن الذي يقرأ به أهل بلادنا ومن يقرأ كقراءتهم، 
وأنا كأني لا أسمع منه إلا الظاء، وهو لا يرضى بها مني فقلت له ما الفرق، فقال لي: والضاد باستطالة ومخرج مَيِّز من الظاء.
ولما قيل للشيخ سيدي باب إن بعض الزوايا يأخذون عليه أربع مسائل: أولاها قراءتُه لحرف الضاد بمخرج وصِفةٍ مخالفيْن لما يعرفونه؛ والثانيةُ أنه يطيل الصلاة وقد يؤخرها، والثالثة أنه لا يساعد في رد من لجأ إلى الفرنسيين من المماليك إلى مواليهم؛ والرابعة أنه هو الذي جاء بالنصارى إلى هذه البلاد، قال الشيخُ سيديَ بابَ: « أما الأولى، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبرني أن الضاد غير المتفشية التي يقرأ بها أهل هذه البلاد ليست فصيحة، لكني لم أعتمد على المرائي، فبحثت في المصادر والمراجع حتى تبيَّن لي عدمُ فصاحتها، وبقيتُ أنتظر الرواية، إلى أن شافهني بها أخي وصديقي محمد فال بن بابه. (يقول بعد ذلك في كتاب له حول الموضوع: "وأما الرواية التي وُعِدَ بها قَبْـلُ فهي ما شافهنا به أخونا الأديبُ العالمُ الثقةُ المحققُ التقيُّ الشيخُ محمد فال بن بابه بن أحمد بيبه العلويُّ حفظه الله وجزاه خيرا").وأما المَماليك فلم أسع في ردهم لأنهم لم يهربوا أصلا من مواطنهم وأهليهم إلا عن سوء معاملة باديةٍ عليهم.وأما تأخير الصلاة فإني أشرع أولَ الوقت في التهيؤ لها، "وأنتم في صلاة ما انتظرتموها"،  لكني بطيء التهيؤ، كما أني أرى وجوب إقامة الأركان والتلاوة على حالهما، وتخفيفُ الصلاة المأمورُ به نسبي بعيدٌ عما هو منتشر اليوم من صلاة مفرطة في السرعة.وأما دخول الفرنسيين، فلن يكون بي من التوفيق والحظ ما يجعلني أنا السببَ في مجيئهم إلى هؤلاء المسلمين المغلوبين المضطهدين المعتدَى عليهم يوميا في دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم. (بالحسانية: ما نَلْحَكْهَ من متْن العكدْ)! , ويضيف الشيخُ سيديَ بابَ: "وكنتُ دوْما أدعو الله سبحانه وتعلى أن يفرج عنا وعن المسلمين في بلاء السيْبة المزمن، ولو بمجيء أمة أخرى تبسط سلطانها على هذه الديار، لكني لم أدع الله تعلى أن تكون تلك الأمة مسلمة؛ فهو تقديرٌ سابقٌ من الباري سبحانه وتعلى، إذْ لا يوجد في الوقت قوةٌ إسلامية قادرة على إنهاء السيبة في هذه الربوع.

مسألة الاجتهاد والتقليد:
ومن المسائل التي ألف فيها الشيخ سيدي باب مسألة الاجتهاد والتقليد, ومما دعا إلى ذلك أن المقلد للمذهب المالكي مثلا، قد يجد الدليل مع المخالف في المذهب أو مع مقابل المشهور في مذهبه، فيصر على التمسك بما كان عليه، ويستدل بكلام القرافي في التنقيح وهو أن من ليس بمجتهد لا يجوز له العمل بمقتضى حديث، وإن صح عنده سنده، لاحتمال نسخه وتقييده وتخصيصه وغير ذلك من عوارضه التي لا يضبطها إلا المجتهدون”, وكذلك لا يجوز للعامي الاعتماد على آيات كتاب الله العزيز، لما تقدم. بل الواجب على العامي تقليد مجتهد معتبر ليس إلا, لا يخلصه من الله إلا ذلك، كما أنه لا يخلص المجتهدَ التقليدُ، بل ما يؤدي إليه اجتهاده بعد بذل جهده بشرطه 
: وقد نظم سيدي عبد الله في مراقي السعود هذا بقوله: (رجز) 

من لم يكن مجتهدا فالعمل *** منه بمعنى النص مما يحظل 

فقد فهم الشيخ باب بأن هذا الكلام لا يخالف ما تقرر من وجوب العمل بما رجح بالدليل، فقال: “بل يوافقه لأن المقلد في هذه الصورة تابع للمجتهد الموافق لذلك الدليل, على أننا نفرض أن المقلد في هذه المسألة قد اطلع على ما قاله العلماء في دليلها، وعلى ما قالوا في أدلة المخالفين وفهمها وعلم الأقوى منها”.

 وقال في أوله: “فهذه نقول قصد بها بيان أن الأولى للمقلد لأحد الأئمة الأربعة إذا وجد خلاف إمامه عن أحد الأئمة الثلاثة في مسألة وتبين له رجحانه على مذهب إمامه في تلك المسألة بموافقة القرآن أو السنة الصحيحة المخرجة في الصحيحين، أو أحدهما ، أو نص الترمذي مثلا على صحتها، ولم يجد ذلك لإمامه، أو وجد ثلاثة من الأئمة الأربعة متوافقين على خلاف إمامه في مسألة، ولم يجد فيها دليلا من القرآن والسنة الصحيحة موافقا لإمامه، ولاسيما إن اجتمعت هذه المرجحات كلها ومعها رواية عن إمامه، أن يعمل بما تبين له رجحانه إن كان متحريا للحق.
ونقل كلام القرافي الذي يستدل به الخصوم، وأشبعه نقلا عن أئمة المذاهب الأربعة، مع التعريف بالقائل، نقلا عن من عرف به من المؤرخين، 
.كما يفعل الرهوني في حاشيته تارة.
وبالجملة فهو كتاب غزير العلم مطبوع منتشر في المكتبات، مفهرس الفصول سهل التناول، وقرظه بأبيات مطبوعة معه، أولها (بسيط):
هذي نقول صحيحات صریحات *** في قفوها لإله العرش مرضاة

الشيخ سيدي باب وهم السلطة المركزية
إذا كان الشيخ سيدي باب معاصرا لفترة التنوير العلمي التي نوهنا بها آنفا فإنه كان معاصرا كذلك لفترة سياسية حالكة كأنها الليالي الحنادس، فالسلب والنهب والاقتتال بين القبائل كان شرعة ومنهاجا لسكان هذه البلاد في الفترة التي عاصرها الشيخ سيدي باب, وقد رأى بناظريه ما انجر عنها من أضرار. وقد رد هذه الوضعية – بثاقب النظر إلى غياب السلطة المركزية التي بإمكانها أن توفر الأمن والعافية.
فما تعانيه البلاد في نظر الشيخ سيدي باب ناتج عن الفراغ السياسي أو ما يعرف عندنا اصطلاحا ب “السيبه”، بل إن المصطلح عنوان للبلاد،
. إذ هي موسومة بالبلاد “السائبة”, وفي الذهن أنها على فترة من الحكام.
والسبب في الحروب الواقعة بين الزوايا قديما وحديثا سيبة البلاد وعدم اعتناء من فيها من أهل الشوكة وغيرهم باتباع القرآن المجيد ؟ في قوله تعالى : 

(( وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓاْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ )).
وقد تبين الشيخ سيدي باب من خلال إعمال النظر في التجارب السياسية لأسلافه أن محاولات عدة لتنصيب إمام قد انتهت إلى الفشل، فلقد تبين أن البلاد منذ عهد المرابطين لم تخضع لسلطان مركزي يجبي الضرائب (ولم يكن لها بيت المال المحتاج إليه في كل شيء ) ، ويبسط الأمن والعافية ويحفظ الأموال والأهلين ويعمر الأرض ويفجر العيون , 
لينعم أهلها بالرخاء ويرفلوا في حلل النماء
وقد تبين كذلك أن هذه الوضعية انطبعت في أذهان الكتاب والمتشوقين للهم العام المعاصرين له بشكل عام، وخاصة فقهاء الأحكام السلطانية, إذ أجمعوا على تكييف هذه المعاني جميعا في تسميات تترك الانطباع بالتفكير في هذه المعاناة – معاناة هم الدولة – , وتنصيب إمام والمشاكل الناجمة عن الفراغ السياسي، وأشهرها – كما مر معنا – تسميتها بالبلاد السائبة
 ( الخالية من سلطان أو أمير أو رئيس خير يدفع من ظلم الظلمة وجور الجائرين وعدوان المعتدين وسطوة المتسلطين).
ولا بد أنه تبين كذلك أن هذه المحاولات انجرت عنها أضرار، إن لم نقل فتن أعظم شأنا وأعمق أثرا ( انظر محاولات اجيجبه وتتدغه، نموذجا للقبائل, وكذا محاولات ناصر الدين في منطقة الكبله وسيدي عبد الله ولد میابی نموذجا للأفراد ) .. ولنأخذ نموذجا من النصوص التي تبين تبعات القيام بالأمور العامة في غياب السلطة المركزية (الإمام).
فقد أورد الشيخ سيدي الكبير في رسالته إلى قبيلة اجيجبه التي تصدت لأمر الحسبة ما يلي: فمن تصدى من هذا الزمان اليوم في إقامة الدين والدعاية إلى سبيل المهتدين، ثم رام أن يحمل الناس على فعل المعروف وترك المنكر وأن يغير مناكرهم بيده وأظهر عضده دون إمام تجتمع إليه الكلمة وتقوى به الصولة ويشد به ساعد الحق وتكون به على الباطل الدالة، 
فقد تصدى لإثارة فتنة تستباح فيها الدماء وتنهب فيها الأموال من غير فائدة ولا عائدة
مع أن قيام الدولة وتنصيب الإمام أقل ما فيه من الفوائد حقن الدماء وبسط العافية، فهو واجب شرعي بإجماع الفرق الإسلامية.
وقد عاصر الشيخ سيدي باب جيلا من حملة الهم العام – كما مر معنا – استصرخوا بني جلدتهم لقيام الدولة ونصب الإمام، أمثال الطالب أحمد ولد اطوير الجنة، 
وبابه ولد أحمد بيبه المتوفی 1276هـ ومحنض بابه المتوفى 1277هـ والشيخ محمد المامي المتوفى 1292هـ.
بل إن الاهتمام بالسلطة المركزية ونصب الإمام دفع الطالب أحمد ولد اطوير الجنة إلى أن بايع سلطان مراكش عبد الرحمن بن هشام العلوي المتوفي 1276هـ 
.خشية أن يوافيه الموت وليس في عنقه بيعة.
ولابد أن الشيخ سيدي باب اطلع على آثار الحركة الإصلاحية في المشرق العربي لهذا العهد، وذلك عبر ما ينشر بالصحف والمجلات التي حرص على اقتنائها، فبمراجعة بسيطة في مكتبته نجد العروة الوثقى لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بين رفوفها، ولا يخفى عليكم أن بين ثناياها آراء صريحة في التعامل مع الوافد الأوروبي.
هذا فضلا عن قضايا معاصرة أخرى كالإسلام والنصرانية وأسباب التقدم والتخلف والأمة والسلطان.

 وفضلا عن ذلك فقد كان لديه اهتمام كبير وواسع بأوضاع الأصقاع العربية والإسلامية التي دخلها الوافد الأوروبي وخاصة الفرنسي منه، وقد لاحظ أنها أحسن حالا من الأقطار التي لم يدخلها.
وفي هذا الظرف بالذات كان الفرنسيون على مرمى سهم أو سهمين من البلاد وكانوا يتحفزون للتوغل فيها ، فرجح الشيخ سيدي باب اعتبارا لكل ما سبق أن التعامل معهم شر لا بد منه، وضرورة لا غنى عنها, وقد مكن الشيخ سيدي باب لهذا الرأي من الوجهة الشرعية، بالجواب على السؤال الذي طرحه كبلاني، والمتعلق بجهاد الفرنسيين الذين لا يتعرضون للدين, وقد برع الشيخ سيدي باب في إعمال النصوص الشرعية في ثنايا الرد وصرح بأن هذا كله مع أن النصارى على ما ذكر في السؤال للذين لا يتعرضون للدين، بل يعينون عليه ببناء المساجد ونصب القضاة والقيام بكثير وغير ذلك من المصالح، ككف المتلصصين والمحاربين، وجعل السلم بين القبائل المتحاربة في هذه البلاد السائبة.
ومن المعلوم أن الحاجة كانت ماسة لذلك “فلعل الله تعالى أرسلهم رحمة لعباده – يقصد الفرنسيين – ولطفا بهم، فهو أهل لذلك والمرجو لما هنالك.
ولن يستغرب الدارس عمق النظر والنباهة التي طبعت إعمال الشيخ سيدي باب للنصوص إذا أحكم النظر في سعة اطلاعه وعلو همته واتقاد ذكائه، وقد استفاد الشيخ سيدي باب كثيرا في هذا المضمار من كتاب الناصري السلاوي المعروف ب “الاستقصا”, ولا بأس هنا من تلخيص هذا الجواب الآنف الذكر في نقاط محددة حتى تعم الفائدة، إن شاء الله، من مضمونه:
أولا : أحقية الإمام بالمهادنة توخيا للمصلحة العامة
ثانيا: عجز أهل هذه البلاد عن مواجهة الفرنسيين، اعتبارا للفرقة السياسية – السيبة – وغياب بيت المال وعدم التكافؤ في القدرات – السلاح – مثلا
ثالثا : عدم وجوب الهجرة بحكم عدم القدرة عليها، ثم عدم تعرض الفرنسيين للدين، اعتبارا لفصلهم بين السلطتين بل الإعانة عليه وذلك ببناء المساجد ونصب القضاة
رابعا : كف أيادي المتلصصين والمحاربين عن عامة المتضررين، ومن ثم إحلال السلم بين هذه القبائل المتحاربة في هذه البلاد السائبة
خامسا : الترجي أن يكون الله تعالى أرسل الفرنسيين رحمة لعباده ولطفا بهم
وفضلا عن هذا الجواب فإن الشيخ سيدي باب قد أغنى هذه الآراء ومكن لهذه الوجهة في وثائق أخرى، كالرد على سيدي محمد ولد أحمد ولد حبت"1" ــ ( ستجد هذه الرسالة كاملة في نهاية الترجمة ) ــ والاستعراض الحصيف الذي اختتم به كتابه عن إمارتي إدوعيش ومشظوف.
ويحلو لنا أن نختتم هذا الحديث المقتضب بفقرة من هذا الاستعراض تتعلق بصميم هم السلطة المركزية عنده إذ اعتبر الوافد الفرنسي حلا مؤقتا لقيام السلطة المركزية ومكن لذلك في الوثائق.
قال رحمه الله : ” فجاء الله تعالى، وهو العليم الحكيم، بدولة فرنسا فحقنت دماء هؤلاء المساكين وكفت عن أموالهم الأيدي العادية، فأي نعمة أعظم من ذلك وأي مصلحة فوق ما هنالك؟ إلى منافع أخرى، مثل الآبار التي حفروا وأحكموا والأسواق التي أقاموا والأطباء المهرة والأدوية المستكثرة من غير أجرة (…), ولو أن الزوايا والعرب وغيرهم من أهل هذه الأرض تذكروا ما كانوا فيه من القتل والنهب والفتن وأنواع الظلم, واستحضروه وجعلوا المنافع الواصلة إليهم بسبب الفرانسة نصب
 أعينهم لاغتبطوا بقدومهم وعلموا أن العافية لا يعدلها شيء وأن المصلحة تأتي كرها.

  وقد سلم الشيخ سعد أبيه بهذه الآراء, وكتب ما نصه:" ما كتبه الشيخ عمره الله معافى أعني الولي ابن الوليين العالم ابن العالمين الشيخ سيدي مسلم صحيح وما حمله على كتبه والبحث هنا إلا ما جعل الله في قلبه من الرأفة والرحمة بالمؤمنين والسياسة وحسن التدبير وراثة من آبائه الكرام رضي الله عنه وعنهم وعنا بهم فمن علم أن النصارى في أوفر عدد وعدة قد هدموا الدول القوية الوافرة العدد والعدة في مشارق الأرض ومغاربها وعلم أن الشيخ عمره الله معافى ورضي عنه وعن سلفه أولی بوراثة النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم من غيره سلم مكتوبه هذا  لا محالة ومن اتهم الشيخ فليأت بالأفعال لا بالأقوال وإلا فحجته داحضة وتهمته باطلة.

 والسلام وكتب أيضا:

قل للمحاول شأو الشيخ سيدي لا **** تتعب لنفسك ذات الزيغ والأود

أتی بنبذة علم لا نظير لهـا **** کالدر إن برزت في سالف الأبد

لأنها جمعت أي الكتاب وما **** سن الرسول لنا في يومنا وغد

فاشد د يديك على نصوصها وعلى **** نقولها واحكها في كل ما بلد

شافه ولاتتكلم حال غيبته **** یا ناقلا جاهلا واکشف عن العضد

ثم كتب الشيخ سيدي باب :

إن هذا التسلیم یا ناظریه **** أحسن الشيخ فيه سعد أبيه

بان في نثره الصواب وأما **** نظمه فالبيان قد بان فیه   

حاسدیه رويدكم قد تعبتم **** أقصروا عن مداه يا حاسديه

وانتقاص الشبيه غير شبيه **** في العلا كلها بغير شبيه.

نظرته الإصلاحية الاجتماعية:

امتدت نظرته الإصلاحية لتشمل كافة الميادين، واتسع أفقه ورؤاه ليصحح المفاهيم القائمة والعادات السائدة في مجتمعه وفق الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

يقول رحمه الله تعالى في مؤلفه: ( مسألة الدفاف في الأعراس):(... أما بعد فالذي يظهر لي ــ والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ــ

أن ضرب الدفاف في الأعراس ونحوها على الهيئة المألوفة في بلادنا وزماننا المؤدية إلى اختلاط الرجال والنساء وأن ما يؤخذ من المتزوج والمتزوجة وأقاربهما في هذه البلاد أيضا مما يسمى عوائد ونحوه للاعبين عند الدف وغيرهم، عوائد مستقبحة شرعا مستهجنة طبعا مترددة بين المنع والكراهة في الأولى , محرمة فيما بعدها , فينبغي عندي للمعتنين بدينهم بل أو دنياهم من الزوايا خصوصا عشيرتنا أولاد أبيير ومن في حكمهم أن يتوبوا إلى الله تعالى منها.وشروط التوبة الندم على ما فات، والنية ألا يعود، وأن يسدوا عنهم أبواب هذه المفاسد الدينية والدنيوية فيقتصروا منها على ما أذن فيه الشرع أصالة وأُمن معه من الوقوع في الفتنة مئالا.

ويقول رحمه الله: ( .... وأما الإشادة بما يُعطَى والإعلان به بأصوات مرتفعة أن فلانة هي التي أعطت ذلك حتى يعلم جميعُ من في المحفل بذلك فمن التسميع وقصد المراءاة.وفي الحديث:" من سمَّع سمَّع اللهُ به، ومن يُراءِ يُراء اللهُ به "فإن كان المعطِي يأمر بذلك أو يعجبه فهو ممن يقصد السمعة والرياء بعمله، إلا أن هذا العمل ليس بعبادة، والرياء بغير العبادة هل هو محرم؟أما الذي في الإحياء أن انصراف الهمم إلى طلب الجاه نقصان في الدين، ولا يؤمن بالتحريم.

فعلى هذا نقول: تحسين الثوب الذي يلبسه الإنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة، وليس بحرام لأنه ليس رياء بالعبادة، بل بالدنيا، وقس على هذا كل تجمل للناس وتزيُّن لهم.

ثم قال: فإذن المراءاة بما ليس من العبادة قد تكون مذمومة، وقد تكون مباحة، وذلك على حسب الغرض المطلوب به، ولذلك نقول إن الرجل إذا أنفق ماله على جماعة من الأغنياء لا في معرض العبادة والصدقة، وذلك ليعتقد الناس أنه غني فهذه مراءاة ليست بحرام. وكذلك أمثاله، إلا أنه نظَّر فيه شيخنا الإمام العارف بالله تعالى أبو محمد عبد الرحمن بن محمد قدس الله تعالى سره في حديث مسلم، في حديث: من قاتل للرياء والسمعة، وذكر الحديث إلى أن قال فيه:" رجل وسع الله تعالى عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه الله تعالى نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هذا جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.وقد علم أيضا أن المباهاة حرام وأن ما قُصد به المباهاةُ من الولائم لا يجوز وفي الشمائل في باب الوليمة: والمباح منها المعتاد لا سرفٌ ومباهاةٌ.وانظر قول صاحب المختصر: وإن بُوهِيَ به حَرُمَ. هـ

إلى أن يقول رحمه الله: وهذا حال ولائم الوقت فإن الغالب عليها أوكلها مناكر ومحرمات، فينبغي التيقظ لذلك والتبصر ولا يعتمد على عموم الكليات ويغفل عن غوائل النوازل الجزئيات فيذهب دينه ويهلك مع الهالكين، هذا مع فساد المقاصد والنيات لقصدهم المباهاة والتفاخر.

وقال ابن العربي: كان عليه الصلاة والسلام يجيب كل مسلم، فلما فسدت مكاسب الناس والنيات كره العلماء لذي المنصب أن يسرع للإجابة إلا على شروط. هـ). انتهى من مؤلفه مسألة الدفاف في الأعراس. 

شعر الشيخ سيدي باب:

لقد قاد الشيخ سيدي باب رحمه الله دعوة تجديد صادقة في ضوء النصوص الشرعية، فأمر بتحقيق الإيمان الخالص وحض على الاستقامة في الدين والتمسك بالمنهج النبوي الشريف، وحذر من المحدثات والبدع في الدين, يعلم ذلك من درس سيرته وآثاره القيمة , وأبياته التالية تلقي الضوء على هذا المعنى:
آمِنْ أُخَيِّ وَاسْتَقِمْ *** وَنَهْجَ أحْمَدَ الْتَزِمْ
وَاجْتَنِبِ السُّبُلَ ،لَا *** تَغْرُرْكَ أضْغَاثُ الْحُلُمْ
لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَدَى *** خَيْرِ الْقُرُونِ قَدْ عُدِمْ
أحْدَثَهُ مَن لَمْ يَجِبْ *** قَطْعًا بِأنَّهُ عُصِمْ
مِن بَعْدِ مَا قَدُ انزِلَتْ *** الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ
وَبَعْدَ مَا صَحَّ لَدَى *** جَمْعٍ عَلَى غَدِيرِ خُمْ
وَادْعُ إلَى سَبِيلِهِ *** وَخُصَّ فِي النَّاسِ وَعُمْ
.وَاذْكُرْ إذَا مَا أعْرَضُوا *** عَلَيْكُمُ أنفُسَكُمْ
إن الباحث المنصف في الفكر الإسلامي لا يستطيع أن ينكر أو يتجاهل مظاهر التجديد الفكرية والمنهجية عند الشيخ سيدي باب في عصر ساد فيه الجمود الفكري والتعصب لأراء الناس وعدم التركيز على دراسة نصوص الكتاب والسنة، حيث اختار رحمه الله منهجا واضحا سلك فيه طريق رجال خیر القرون وأئمة السنة الذين عليهم مدار العلم والصلاح والاستقامة في الأمصار الإسلامية، مسترشدا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية معرضا عن كل ما سوى ذلك.. وهذا واضح في مؤلفاته وقد خصص الكثير من شعره لنصرة السنة والدعوة إليها، والذب عنها، والترغيب فيها والتحذير من مخالفتها داعيا إلى اتباع الحق والدوران معه حيث دار، مركزا على أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاكرا أن النفع والضر من خصائص الله عز وجل وحده كما قال تعالى: (( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا )) , ومن جميل شعره في هذا المعنى قصيدته المشهورة التي ظلت إلى وقت قريب مقررة في النشيد الوطني وفيها يقول:
كُن لِلْإِلَـَهِ نَاصِرَا *** وَأَنـكِرِ الْمَـنَاكِـرَا
وَكُنْ مَعَ الْحَقِّ الذِي *** يَرْضَاهُ مِنكَ دَائِرَا
وَلَا تَعُـدَّ نَافِـعًا *** سـوَاءَهُ أَوْ ضَائِـرَا
وَاسْـلُـكْ سَبِـيلَ الْمُصْطَفَى *** وَمُتْ عَلَيْهِ سَائِرَا
فَـمَا كـَفى أَوَّلَـنَا *** أَلَيْسَ يَكْـفِي الْآخِرَا
وَكُن لِّقـَوْمٍ أَحْدَثـُوا *** فِـي أَمْـرِهِ مُهَاجِرَا
قَدْ مَـوَّهُـوا بِـشُـبَهٍ *** وَاعْـتـَذرُوا مَـعَـاذِرَا
وَزَعَـمُوا مَـزَاعِـمًا *** وَسَـوَّدُوا دَفـَاتِـرَا
وَاحْتـَنَكـُوا أَهْلَ الْـفـَلَا *** وَاحْتـَنَكـُوا الْحَوَاضِرَا
وَأَوْرَثـَتْ أَكَابِرٌ *** بِـدْعـَتَهَا أًصَاغِـرَا
وَاحْكُمْ بِمَا قَـدْ أَظْهَرُوا *** فَـمَا تـَلِي السَّرَائِرَا
وَإن دَعَـا مُجَادِلٌ *** فِي أَمْرِهِمْ إِلَى مِـرَا
فـَلَا تـُمَارِ فِيهِمُ *** إِلَّا مِـرَاءً ظَاهِـــــــــرَا
وهذه الأبيات تظهر بجلاء مدى الفكر التجديدي في مجال السلوك والتربية عند الشيخ سيدي باب رحمه الله.

 ومن شعره رحمه الله
لـَجَأتُ إلـَيْكَ رَبِّي وَالْـتـَجَأتُ *** وَحَسْبـِيَ إن رَجَوْتُ وَإن لـَجَأتُ
لـَجَأتُ مِنَ الْأنـَامِ إلـَيْكَ طُرًّا *** وَمِن نفـْسِي إلـَيْكَ قـَدِ الـْتـَجَأتُ
رَجَوتـُكَ سَيِّدِي فِي كُلِّ حَالٍ *** إذا أحْسَنتُ فـَرْضًا أوْ أسَأتُ
فـَرَرْتُ مِنَ الْأبَاعِدِ وَالْأدَانِي *** إليْكَ وَمِن سِوَاكَ فـَقـَدْ بَرِئتُ
وَخُيِّبَ فِيهِمُ ظَنـِّي وَإنـِّي *** إليْكَ مِنِ ارتِجَاءِ الْخَلْقِ فِئتُ
وَبُؤْتُ بـِسَيِّئِ الْأعْمَالِ مِنـِّي *** وَبـِالْإحْسَانِ مِنكَ إلـَيَّ بـُؤْتُ
وَجـِئتـُكَ مُنزِلًا مَا أشتـَكِيهِ *** وَلِلْمَأمُولِ رَبِّ إلـَيْكَ جـِئتُ
فـَوَفـِّقـْنِي لِمَا تـَرْضَاهُ مِنـِّي *** وَكَفـِّرْ مَا اجتـَرَمْتُ وَمَا اجتـَرَأتُ
وَقـَضِّ حَوَائِجـِي مَنـًّا وَأتـْبـِعْ *** لِمَا قـَدْ شِئتـَهُ مَا مِنكَ شِئتُ

ومن شعره رحمه الله:

يَا رَبِّ إِنِّي إِلَى رُحْمَاكَ مُحْتَاجُ **** وَأَنتَ مَن تُرْتَجَى مِنْ عِندِهِ الْحَاجُ

مِنْهَاجُ قَصْدِكَ لِلْحَاجَاتِ إِنْ حَضَرَتْ **** لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ لِلْفَوْزِ مِنْهَاجُ 

وَمَنْ يَؤُمُّكَ لِلْحَاجَاتِ مُعْتَمِدًا **** مِنْهُ سَيُحْمَدُ عِندَ الصُّبْحِ إِدْلَاجُ 

أَبْوَابُ فَضْلِكَ مَا زَالَتْ مُفَتَّحَةً **** مَا إِنْ لَهَا دُونَ مَنْ يَرْجُوكَ أَرْتَاجُ 

وَبَحْرُ جُودِكَ غَمْرٌ كُلَّمَا نَفِدَتْ **** أَمْوَاجُ خَيْرٍ تَدَاعَتْ مِنْهُ أَمْوَاجُ

 رَبٌّ بِقُدْرَتِهِ السَّبْعُ الْعُلَى رُفِعَتْ **** فِيهَا سِرَاجٌ عَلَى الْآفَاقِ وَهَّاجُ

 وَالْأَرْضُ مِن تَحْتِهَا مِن فَضْلِهِ دُحِيَتْ **** فِيهَا مِنَ النَّجْمِ وَالْأَشْجَارِ أَزْوَاجُ 

مَبْثُوثَةُ فَوْقَهَا فِي ظِلِّ نِعْمَتِهِ **** مِن كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْأَحْيَاءِ أَفْوَاجُ

 يُرْجَى بِرَحْمَتِهِ مِن بَعْدِمَا قَنطُوا **** نِتَاجُ مُزْنٍ إِلَى الْأَجْرَازِ ثَجَّاجُ

 لَا يَغْتَنِي سُوقَةٌ عَنْهُ وَلَا مَلِكٌ **** مَا زَالَ يُورَثُ فِي آبَائِهِ التَّاجُ 

يَا فَارِجَ الْهَمِّ مَسْدُولًا عَسَاكِرُهُ **** مَا إِن لَّهُ فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ فرَّاجُ 

يَا وَاهِبَ الْحَاجِ قَدْ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ **** مَا إِنْ إِلَيْهِ بِغَيْرِ اللهِ مِعْرَاجُ 

أَصْلِحْ لَنَا أَمْرَنَا دُنْيَا وَآخِرَةً **** وَلَا يَكُنْ حَظَّنَا كَدٌّ وَإِزْعَاجُ

 سَارَتْ إِلَى بَابِكَ الْمَفْتُوحِ أَرْحُلُنَا **** إِن سَارَ قَوْمٌ إِلَى الْأَغْيَارِ أَوْ عَاجُ 

واأَمْرٌ نَتَائِجَهُ نَرْجُو وَنَأْمُلُهَا **** مَهْمَا تَحَصَّلَ لِلْأسْبَابِ إِنتَاجُ . 

ويقول رحمه الله :

إليكَ مَدَدنَا أَكُفَّ الرَّجاءِ *** ﺇِﻟَٰـهَ العِبَادِ ورَبَّ السَّمَاءِ

فأنتَ المُؤَمَّلُ فى كلِّ حِينٍ *** لِدَفْعِ البَلاءِ وجَلْبِ العَطَاءِ

وأنتَ المُؤَمَّلُ عندَ الخُطوبِ *** وأنتَ المُؤَمَّلُ عندَ الرَّخَاءِ

وأنتَ المؤمَّلُ عند الصَّبَاحِ *** وأنتَ المُؤَمَّلُ عندَ المَسَاءِ

وأنتَ المُؤمَّلُ حالَ الحَياةِ *** وأنت المُؤمَّلُ حَالَ الفَنَاءِ

وأنتَ الكريمُ وأنت الحَليمُ *** وأنتَ الرَّحيمُ بأهلِ الجَفَاءِ

وأنت القَريبُ وأنتَ المُجِيبُ *** وأنتَ السَّمِيعُ خَفِيَّ الدُّعَاءِ

ومَا إنْ يُكَدِّرُ بَحرَ النَّوَالِ *** ﺇِﻟَٰـهِيَ منكَ جَميعُ الدِّلَاءِ

عَمَمْتَ بفضلكَ لا مِنْ تُقَاةٍ *** لِشَيْءٍ ولا طَلَبًا لِلْجَزَاءِ

وأنعَمْتَ مِن قَبْلِ بَدْءِ السُّؤالِ *** ومِن بَعدِهِ بجَزِيلِ الحِبَاءِ

وسِيَّانِ فيه قَصِيرُ الرِّشَاءِ *** لِمَطلَبِهِ وطويلُ الرِّشَاءِ.

وقصيدته المشهورة الرائعة التي تداولها القاصي والداني الذائعة الصيت المعروفة بقصيدة الأسماء ، من أراد الحصول عليها محققة فما عليه إلا أن يضغط على هذا الرابط:
https://www.mediafire.com/file/dgs33rmtwf1dqah/قصيدة+الأسماء.pdf/file

دعي الشيخ سيدي باب إلى زيارة  دار اندكوك1 , وهي مدينة : ( ريشاتول ) الحالية السنغالية التابعة لولاية سان لويس ( اندر), للتباحث والتشاور مع عدد من الوجهاء والشيوخ حول قضايا الأمة, إلا أن الشيخ باب أبدى تحفظه على بعض المسائل المطروحة للنقاش والتي يرى أنها لا تخدم المصلحة العامة للمسلمين , وبعد أن ركب القارب البحري مع الفرنسيين للعودة إلى بلاده , حاول الفرنسيون أخذه إلى وجهة أخرى غير وجهة البلاد , فلما استكشف الشيخ مكنون سريرتهم، واستبان حالهم وعرف خبث طويتهم وسوء قصدهم, أنشأ قائلا:  

أقولُ لمَّا أتى دارَ اندُكوكَ بنا **** بَنيٌ وغرَّبَ عنها وهو مُنجفِلُ

يُقصِّرُ الطرفُ عنها وهو مجتهدٌ **** عدْوًا ويَقْصُرُ عنه الأرْبَدُ الزعِل

ترى دواخِنَه من فوقه ظُللاً **** وللنَّواتِي في أرجائه زَجَلُ

كأن مِصباحَه نارٌ على عَلَمٍ **** أو كوكبٌ من رجومِ الجنِّ مُشتعِلُ

اللهُ صاحبُنا سفْرا وخالفُنا **** في أهلنا وإليه الوَجهُ والأملُ

ولم يخِبْ أملٌ  بالله مُعْتلِقٌ **** ولم يَضِع مَن على الرحمن يتَّكِل.

فخاب سعيهم وفشلت خطتهم , وأصيب القارب بعطب في محركه , ورجع الشيخ سيدي باب إلى وطنه عالي الكعب رفيع المقام , مكرما معززا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1= وفي دار اندكوك هذه يقول العلامة امحمد بن أحمد يوره:

كأن ذُرى دار اندكوكَ و دوحها *** يعاليلُ مزنٍ قد علاها جهامُها 

أو الغادة البيضاء تُكسى بخُضرةٍ *** و رُدَ على غير الجبين لثامها

ودار اندكوك كما أسلفنا هي مدينة ريشاتول السنغالية التي تقع على بعد حوالي 12 كلم من روصو السنغالية و100 كلم من سان لويس ( اندر ).

وبها أكبر مصنع للسكر في السنغال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزل العلامة الجليل الشيخ يحظيه ولد عبد الودود  مرة قرب مدينة بتلميت على بعد حوالي ثلاثة أميال من الناحية الغربية، ففرح بذلك أهل بتلميت فرحا عظيما وخاصة العلامة الجليل الشيخ سيدي باب، الذي خرج ضمن وفد كبير من أهل بتلميت للسلام على الشيخ يحظيه والترحيب به، والتعبير له عن عظيم الغبطة والسرور.وقال الشيخ سيديا باب مخاطبا العلامة يحظيه مرحبا ومادحا:

أحظى الذي جل عن شرك وتشبيه ==بالعلم والأدب المختار يحظيه

يرضى به الناس في أيامه خلفا == عن سيبويه معافيه وشانيه

يا رُبَّ جوهر علم ظل ينفثه ==لآخذين له لم يغمضوا فيه

يبدي عويصاته بالدرس بينة == كأن كل عويص من مباديه

لولا هداه بتلك التيه ما خرجت== فيها الهداة إلى حين من التيه

في مجلس نفع الله الأنام به == سيان عاكفه فيه وباديه

دعا إليه أولو الألباب مجتهدا==لسان حال فلبوا صوت داعيه

ما إن تصدر بالتمويه صاحبه==وإن تصدر أقوام بتمويه

يا بارك الله في أيامه وحمى==من المكارم ما يحويه ناديه

أهلا بمقدمه الميمون طائره==والبشر والرحب والتكريم لاقيه

كنا نرجيه مذ حين ونأمله== والحمد الله معطي ما نرجيه.

استحسن العلامة الشيخ يحظيه قطعة الشيخ سيدي باب،فطلب من عدد من طلابه أن يقولوا قصائد ليختار منها قصيدة جوابية للقطعة ففعلوا، ووقع الاختيار على قصيدة للشاعر أحمد الأمين بن عبد الرحمن (بدين) وهي القصيدة التالية:

ألا قدم الهمام فلا جلال == يجاوزنا الغداة ولا جمال

ألا أهلا بمن علا الأرض معه == وأهلا بالذي حمل الجمال

بباب الجود سيدنا المرجى == إذا دهم المهات الثقال

هو العلم المعظم ذو المعالي == هو البحر الغطمطم والثمال

به رفع الهدى وعلت ذووه == وخاب ذو الضلالة والضلال

وكان العدل منهدم النواحي == فشيد به دعائمه الطوال

ألا يا خير من حملت إليه == أراحلها المراحل والرحال

مقامك في العلى عز ارتقاء == ألا فلتقنأ راحتها الرجال

فما تجد البغال إذا تباري == جيادا في ميادنها البغال

وما شمس الزوال إذا تعالت == يحاول أن يباريها الهلال

نشأت مسودا لا غرو طفلا == فشأنكم السيادة والخصال

تجدد كل مكرمة نمتها == لك الأجداد ليس لها منال

إلى أن صرت فوق ذرى المعالي == بأخمصك السهى تطأ النعال

وصار الخلق ذالكم عيال == يلوذ بكم عن آخره العيال

فذاك لما هو يشتكيه == يلوذ بكم وذاك بما ينال

تعودك الجميع لما يرجي == فلم يخب النزول والارتحال

ولم يك في الأنام إمام عدل == سواك على إمامته اتكال

ألا أنت الإمام إمام عدل == يماز من الحرام به الحلال

ألا أنت الإمام إمام عدل==يقدمه اجتناب وامتثال

ألا أنت الإمام إمام عدل == يقدمه المقال أو الفعال

ألا أنت الإمام لنا وأنى == يقر للسوى معك احتمال

ملاذ الناس إن عظم الدواهي == وغيث إن تتايعت المحال

وأبلغهم وأحسنهم مقالا == وأصفحهم وحق لك المقال

(أبوك خليفة ولدته أخرى == وأنت خليفة ذاك الكمال).

خرج الشيخ يحظيه في جمع من طلابه حاملين القصيدة، فلما وصلوا بتلميت وحان وقت إلقاء القصيدة أخذها بدين وألقاها , وكان الشيخ سيدي باب مضجعا فجلس وقال: (أح التلميد إيبان عاد يحلب بيديه اثنتين) .  

قال محمد محمود ولد اكرام يمدح الشيخ سيدي باب – رحمهما الله تعالى:
عُلومٌ وآدابٌ لدَى الشيخِ تُرشِدُ *** تقاصر عنها كلُّ حبرٍ مُـــــــجدِّدُ
وتركُ ابتداعٍ مَّا نجَا منه غيرُه *** ونورُ جبينٍ واضح يتــــــــــوقدُ
كفتْنيَ مما فاتني عند غيرِه *** ألا إنني جارٌ له ومــــــــــــــقلِّدُ
ووفَّقني الرحمنُ أن سرْتُ نحوَه *** لعليَ في الداريْن أُحظَى وأُسعَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ سيدي باب والعلامة محمد محمود بن التلاميد التركزي:

هذه رسالة من العالم اللغوي الفذ والمحقق الثبت والفقيه اللغوي الشهير محمد محمود ولد التلاميد التركزي، الشهير في المشرق العربي بالشيخ الشنقيطي، وقد وجهها إلى العالم السني الأصولي المجدد الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا. والرسالة على إيجازها تعطي صورة عن أسلوب ولد التلاميد المتأثر بأساليب المشارقة في نهاية القرن التاسع عشر حيث يكثر من الأوصاف والتحليات والكنى "سيدنا ومولانا أبو المحاسن..."، فضلا عن الاستشهاد بالشعر العربي وإيراده في ثنايا النثر... كما نجد حرص ولد التلاميد رحمه الله على أن يبعث لشيخ سيدي باب بن الشيخ سيديا آخر المراجع العربية التي أشرف على نشرها بالمشرق وخصوصا كتاب المزهر للسيوطي وهو مرجع في فقه اللغة مشهور.

نص الرسالة:

الحمد لله تعالى وحده , إذا طلعت شمسُ النهار فإنها *** أمارة تسليمي عليك فسلمِ  سلام عليكم أنتمُ الأنس كلهُ *** وإن غبتمُ فالكتبُ عنكمْ هيَ الأنس
حضرة مولانا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيديَا بن مولانا وسيدنا أبي المحاسن جمال الدين محمد بن مولانا وسيدنا أبي محمد كمال الدين سيديا، إمام المسلمين وارث خاتم الأنبياء والمرسلين. رحم الله السلف وبارك للعالمين في الخلف، ويرحم الله عبدا قال آمينا.السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وعلى قرة العين الأخ البر سيدنا ومولانا سيدي المختار وعلى أنجالكم الخيرة البررة وعلى جميع القبيلة والمريدين. لا زلتم ملجأ للقاصدين ومحط رحال الوافدين.
لن يزالوا كذلكمْ ثم لا زلـــ*** ـــت لهم خالدا خلودَ الجبال
أما بعد فإني أحمد الله إليكم وألتمس صالح دعائكم وأشتاق إليكم شوقا يفوق شوق غيلان مي، ولو قدرت صككت إليكم الركابَ صكة عُمَيٍ. (ولكتبت ما) يضيق عنه هذا الصك. ويصل حضرتكم (مع) الحاج محمد مولود الكتاب المزهر للسيوطي. وَمَنْ جَلَّ عن كل المراتب قدره *** فأفضل ما يُهْدَى إليه كتابُ وعليكم سلام تعين صدورَه أكفالُه، وتتلو قرومَه إفالُه، وتتبع عوذَهُ أطفالهُ. ودمتم فوق ما رمتم وفدتكم كل نفس من كل بأس. وكتبه الحقير الذليل المرتجي من ربه عفو ذنبه إمام العلم بالحرمين وخادمه بالمشرقين والمغربين محمد محمود بن التلاميد التركزي المدني المكي لطف الله به. 1309 لخمس بقين من شوال (22 مايو 1892)وصلكم مع حامله .... ونسخة من الكتاب المزهر أرسلوها إلى جدُّ بن البشير بن الحبيب التركزي.

وقال الشيخ محمد أحمد بن الرباني يمدح الشيخ سيدي باب:
حوى من عُلا الأشياخ مجدا مُؤثلا *** وفخر الشيوخ الراسخين ولا فخرا
وبذل جميع المال منه سجـــــــــــية *** فما بذلُه البيضا يقي بذله الصفرا
ووافاه عَمْرٌ يشتكي ظلمَ عــــــــــامرٍ *** وزيدٌ وعمْرٌ يشكوان معا عــمْرا
ووافاه ذو الفقر الذي يرتجي الغنى *** ووافاه ذو الوفر الذي يحذر الفقرا
أيَا مستقلا في العطاء هـــــــــــــنيدةً *** وجُرْدَ المذاكي والسلانمةَ الحمرا
حباك إلهُ العرش خيرَخــــــــــــــليقةٍ *** وحسنَ خصال لا نطيق لها حصرا
فأنت لنا بدر منير جلا الـــــــــــــدجا *** سناه إذا غيمُ السما غيبَ البــــدرا
وبحرٌ خضم يقذف الدرَّ مـــــــــــوجُه *** كبحرٍ خِضمٍّ مـــــوجُه يقذف الدرا
وستْرٌ منيعٌ للخطوب نـــــــــــــــــعدُّه *** إذا الدهرُ عن أبنائه هتك الســترا
ألا فاحْصُرنْ بالسور أشكالَ فـــــــتنةٍ *** إذا أُهملوا من سُوركم أوقدوا الشرا
وعــــدِّ القــــــــضايا السفسطيات إنه *** قد آذنَتِ الصغرى بما تُنتج الكبرى
وكفَّ الذي أغرى على الحرب قومَه *** وأرشِدْه للتحذير من ذلك الإغـــــرا
وبادرْهمُ من قبل ما أحكموا الــوغى *** ودقوا كما دقت لها مُــــنشِمٌ عطرا
كأني بهم إذا أيقنوا الجدَّ مــــــــنكمُ *** تبدل ذاك العسرُ من أمرهم يــــسرا
قصدنا مكانَ العزِّ والنصحِ والوفى *** فكيف نــــخاف الذل والمكر والغدرا
خذِ العُذْرَ في ذا الأمرِ منا فحسبنا *** نجاحا بــــــهذا الأمر أن تقبل العذرا
وهبْنا تعمَّدْنا الإساءةَ مـــــــحضةً *** فأنت بما يـــــــــمحوا إساءتنا أدْرى
ولو أن قاسي الصخرِ كان أمامنا *** لكنا نـــــــُرَجي أن تُلين لنا الصخرا
وأن مدار الأمر للصلح فاجـــبروا *** بما شئتم أشياخنا كسرنا جـــــــبرا
وذلك بالإنصاف في الأمـــــر بيننا *** فتمنحنا شطرا وتمنحهم شــــــطرا
جزاك إلهُ العرشِ خيرَ جـــــــــزائه *** وصاحبَك التأييدَ والعزَّ والنــــصرا
ودامت لك البشرى من الله بالمُنى *** من الدين والدنيا ودامت بك البشرى
بخاتم رسْل الله طه محمـــــــــــــد *** عليه صلاةُ الله دائـــــــــــــمةً تترى.

وقال محمد الأمين بن الشيخ المعلوم البوصادي تـ 1337 هـ في الشيخ سيدي باب:
أيا من على الأسرار لا المال يؤتمن *** ويا تارك المثمون للناس والثمن
أعني على أمر تطاول عهده *** عدوي مع البرغوث فيه على سنن
أقاسي عدوي بالنهار وليلتي *** أقاسي بها البرغوث والهم والحزن
ففعلك ماض ليس فيه مضارع *** وأجزم من مهمى ولما وإن ومن.


وقال الشيخ امحمد ابن أحمد يوره رحمه الله في آل الشيخ سيدي:

لم أصب للظعن إذ يحدو بها الحادي *** كلا ولا العود عند الشادن الشادي
ولا لذكرة أيام لنا سلفت *** عند النخيلة بين الرمل والوادي
ولا إلى الغيد يوم العيد بارزة *** وقد تضمخن بالهندي والجادي
لكن إلى حضرة عمت منافعها *** كل العباد باسعاف وإسعاد
هم هداة الوری المهدون ما سئلوا *** والأرض ليس بها مهد ولا هاد
قصر علیکم تراث المصطفى الهادي *** – بين الوری ـ قصر تعيين وإفراد

لتنزيل مؤلفه : عمل اليوم والليلة اضغط على هذا الرابط:
https://www.mediafire.com/file/ozs1037aj81jb2n/عمل+اليوم+والليلة.pdf/file
ومؤلفه : مسألة الدفاف في الأعراس:
 http://www.mediafire.com/folder/joln0kilbbzhajh,mcnkerxn1ioelzc/shared
وصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
https://www.mediafire.com/file/joln0kilbbzhajh/صفة+صلاة+النبي+صلى+الله+عليه+وسلم.pdf/file

ولد الشيخ سيدي باب، كما ذكر حفيده العالم المحدث محمد بن أبي مدين في ترجمته المختصرة المفيدة، في ربيع الأول عام سبع وسبعين ومائتين وألف , وتوفي ثالث جمادى الآخرة عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف.
وقد أرخ لوفاته العلامة القاضي العدل الشيخ سيد محمد بن الداه بن داداه مشيرا بحساب الجمل أيضا إلى قدر عمره بقوله (رجز):
قضى بجيم من جمادی الثانيه *** إمام كل حضر وباديه
الشيخ سيدي بوقت الظهر *** يوم الخميس يا له من أمر
في سنة تاريخها “بشمس” *** والعمر “دین” كضياء الشمس 
كما أرخ له محمد فال بن بابه في مرثيته له، مشيرا إلى قدر عمره بحساب الجمل، بقوله: (طويل) .“وصد” “بشمس” عمره ومسيره *** فكان به للمكرمات ختام.

 رحمه الله رحمة واسعة.

 وقد ترجم له الشيخ محمد بن أبي مدين رحمه الله ترجمة خاصة سماها نزهة الراني في ترجمة الشيخ سيدي الثاني:وهذا هو رابط تحميل هذه النقلة: 

https://www.mediafire.com/file/e63jq0jy0t8nbg0/نزهة+الراني+في+ترجمة+الشيخ+سيدي+الثاني.pdf/file

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"1" = وهذا نص رسالة الشيخ سيدي باب إلى سيدي محمد بن أحمد بن حبت كتبت الرسالة بتاريخ: 27 جمادى الآخرة 1327الموافق: 15 يوليو 1909م:
بسم الله الرحمن الرحيم 

من سيديَ بن محمد إلى السيد الفاضل ابن سلالة السادة الأفاضل، الأخ سيدي محمد بن أحمد بن حبَتْ، رحم الله تعالى السلف وبارك في الخلف. آمين. سلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فقد رأيت كتابك الكريم وخطابك الوسيم، وإني أرى أنه لا يخفى عليك عدم القدرة على الجهاد من كل وجه. ولا يخفى عليك أن الجهاد وسيلة مقصِدها إعلاء كلمة الله تعلى؛ وأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصِدها لم تشرع؛ وأن هذه المسألة تخفى كثيرا على أهل الفقه.
ولا يخفى على الناظر عدم قدرة سكان البلد على الجهاد من كل وجه. فإذا تُحقق أو ظُن عدم اتحاد الكلمة على السلطان القاهر وعدمُ بيت المال وعدمُ السلاح المماثل وعدمُ العدد المكافئ وعدمُ الصنائع المقاومة ونحوُ ذلك من سائر أسباب القوة، فقد تُحقق أو ظُن أن الثمرة إنما هي خلاف مقصِد الجهاد. وبذلك تصير دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ضائعة في غير ثمرة تجنى. فيصير الجهاد مضرة خالصة فيكون فتنة من الفتن، هذا إضافة إلى أن أهل الفساد يجعلونه ذريعة لاستئصال شأفة المسلمين. والعيانُ مُغْنٍ في ذلك عن البيان والوصفُ فيه قاصرٌ عن البيان.
ولا يخفى أن المسلمين في هذا القطر البيضاني الآن أسوأ حالا وأضيع أنفسا ومالا بسبب ذلك من السودان الذين في ملكة هذا الجنس منذ حين. بل لا نسبة بينهم وبينهم.
فهؤلاء في عذاب أليم وأولئك في نعيم.
مع اتفاقهم على أن دينهم منذ ملكهم لم يزل في زيادة صلاح.
فقد كان جلهم كفرة فصار جلهم مسلمين. وكانوا يتقاتلون دائما ويتناهبون وينهبون من دخل أراضيهم من تجار المسلمين. فصارت الحال بخلاف ذلك كله.
وصارت أرضهم الآن جنة من جنان الدنيا أمنا وعافية ومعاشا.
وتيسر الحج وسائر العبادات والأسباب فيها غاية. فليس شيء أرفق ببيضان هذا القطر ولا أصلح لهم من أن يصيروا مثلهم.
ولولا وخامة تلك الأرض على البيضان لارتحلنا إليها منذ سنين ورأيناه أصلح لسائر المسلمين.
وقد علمنا حال المغرب الأوسط المعروف بأرض الجزائر وقد ملكه الفرنسيس منذ نحو سبعين عاما، وحالُ تونس وقد ملكوها منذ نحو ثلاثين سنة، وحالُ اتْوَاتْ وسائرِ التَّكْرُورْ. وقد علمنا حال مصر والهند وجَاوَه وهَوْصَ بعد ملك الإنجليز لهم. فلم يزل الدين قائما في هذه الأصقاع وأهلها في عافية. وإن قُدِّرَ بعضُ المفاسد فمفسدة السيبة أو الحرب مع العجز عنها أعظم.
ومن القواعد المجمع عليها: وجوبُ ارتكاب أخف الضررين وتركُ أعظم المفسدتين.
وقد عُلم ما نصوا عليه من احتمال بعض الضيم للمصلحة أخذا من قضية صلح الحديبية، إذ صالحهم صلى الله عليه وسلم على رد من جاء مسلما وهم يعذبونه ليردوه إلى الكفر نظرا منه صلى الله عليه وسلم إلى مصلحة أعظم.
وانظر إلى إرسال إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسَارَة إلى الجبَّار.
وكلا الأمريْن في صحيح البخاري وقد تكلم عليه الحافظ في فتح الباري؛ ونصوص الفقهاء طافحةٌ بهذا المعنى في عَقد الجزية ونحوه.
وأما أمر الاصبنيول في الأندلس فحالُ النصارى إذْ ذاك خلاف حالهم الآن، فقد تقرر في قوانينهم المتفقِ عليها بينهم منذ حين عدمُ التعَرُّض لأحد من أهل الأديان، كائنا من كان، وأن من تعرّض لصاحب دين من المسلمين أو غيرهم يُعاقب عقوبة شديدة. وقد شاهدنا مصداق ذلك؛ وقد رأينا من أسلم من الفرنسيين وغيرهم في انْدَرْ وانْدَكَار لا يعرضون له بقليل ولا كثير، بل يكادون تكون النصرانية وسائر الملل عند جمهورهم الآن سواء. بل عوْنُهُم على إظهار شعائر الإسلام ببناء المساجد وإقامة الأئمة فيها والمؤذنين والقضاة والمدرسين وإجراءُ أرزاقهم من بيت مالهم كلَّ حين أمر مشهور. وغير مستحيل على الله تعلى وقدرته أن يؤيد دينه بالمخالفين أو يقودهم إلى الدخول فيه، كما فعل بالديلم والسلجوقيين وبني عثمان والله على كل شيء قدير.
وقد حادت هذه الأمة، أقال الله عثرتها، عما كان عليه سلفها الصالح، فاتبع الأمراء الشهوات وابتدع العلماء والصالحون البِدع، وطلبوا الدنيا بالدين، وبقيت العامة حَيَارَى لا يجدون مرشدا ولا يهتدون سبيلا، فتخلف النصر عنها وظهر عليها مخالفوها فلا ترى شبرا من الأرض منذ حين فتحه المسلمون، ولا تزال ترى إقليما فتحه النصارى. ولا يزال ذلك ما لم تراجِعِ الأمةُ دينَها وتُخلِصِ اتباعَ سنة نبيها عليه الصلاة والسلام. ولما أراد الله تعلى إنفاذَ أمره بذلك ألهَمَ بعظيم فضله وجميل لطفه ومحكم تدبيره أجناس النصارى أن لا يعرضوا للدين إلا بما يعين أهله ويصلح بلادهم فله الحمد والشكر .
وأما الهجرة فلا تجب إلا عند التعرض للدين وعدمِ التمكُّن من إقامة شعائر الإسلام، فإن البلد الذي تظهر فيه شعائر الإسلام بلد إسلام. بل قال بعض العلماء إن الإقامة مع الكفار وإظهار شعائر الإسلام بينهم أفضل من الهجرة. انظر فتح الباري والقسطلاني في مواضعه.
وأما كلام المعيار وتابعيه، فمع تيسُّر الهجرة من بلاد الأندلس إلى بر العدْوة ومع وجود طائفة لها سلطان وقوة تجاهد في سبيل الله ومع تعرُّض الاصبنيول (الإسبان) حينئذ للدين، إلى غير ذلك. فأين الحال من الحال؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون على تراجع الدين والعلم واتباع الهوى والجهل.
وإنه لا يخفى علي أنك لم ترد بهذا الأمر أكْلَ مال ولا اكتسابَ منزلة، ولكن أرى أنك لم تمعن النظر في أحوال الزمان والمكان؛ ومثلُك إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر, والله تعالى يوفقني وإياك وسائر المسلمين. آمين.
فأرى أن ترجع عن هذا الأمر وتجعل ذلك قربة إلى الله تعلى، فقد ضاع فيه من دماء المسلمين وأموالهم وحريمهم ما لا يحصى، وإن مثلك من نظر للمسلمين وقاد العافية إلى المساكين.
وقد كلمت نائب فرنسا هنا في أمرك فأمنك ولله الحمد، وأمر أن تأتيه في ثمانية أيام ولا تتأخر عنه، فتلتقيان وتقرران كيفية الصلح والعافية، فأرى أن تفعل ذلك عاجلا، فهو خير في العاجل والآجل إن شاء الله تعلى,
والسلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته.
لثلاث بقيت من جمادى الآخرة عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف.))./انتهت الرسالة/.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

والحمد لله أولا وآخرا

وكتب الترجمة / إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي