الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير

هو الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير،أعظم أدباء زمانه وبدر قطره وعمدة شعراء عصره , وابن سيد دهره , ولد سنة 1246هـ وعاش نحو أربعين سنة وتوفي 1286هـ .
تربى في كنف والده ونهل من معينه , واستجلب له أبوه العلماء والمربين والمؤدبين , يقول عنه أحمد بن الأمين صاحب الوسيط : ( هو العلامة الأريب، اللغوي الأديب. نشأ في نعمة عظيمة، وكلاءة جسيمة. وما ظنك بمن أبوه الشيخ سيديّ، ولما ولد هذا الفتى، تباشرت به تلك الأقطار، واشرأبت إلى مآثره تلك الصحارى والقفار، ولما ميز بين الحيّ واللّيْ، وفرق بين النشر والطيْ. استجلب له أبوه المؤدبين والمتأدبين، وكان يعلمه الكرم كما يعلمه العلوم، ويدقق في محاسبته على ما يبدو منه في عنفوانه، حتى سما ونبل، واقتدى به حذو النعل بالنعل....), تدل قصائده على شاعرية متدفقة وملكة شعرية استثنائية , 
وقد ترك الشيخ سيدي محمد دیوانا شعريا متوسط الكم رائع الكيف، ينطوي دون مبالغة على الثقافة العربية الإسلامية في شتی عصورها، ومختلف بيئاتها، وتعتبر واويته المديحية وداليته المدحية ورائيته الجهادية وعينيته الإبداعية ومیميته العذرية ونونيته النفسية وأرجوزتاه التوسلية والأبوية دررا متألقة ذات مكانة سامقة في الشعر العربي عموما والشعر الشنقيطي خصوصا، ولغة الشيخ سيدي محمد قوام بين التحليق والإسفاف فلا يمس قارئَ شعره كبيرُ نصب من تصفح المعاجم وتوضيح المباهم. وقد ترجم له المختار بن حامد في "حياة موريتانيا" فقال عنه:"كان عالما بكل معنى الكلمة" . ومما قاله صاحب الوسيط عنه إثر ترجمة والده الشيخ سيدي: " هو العلامة الأديب اللغوي الأريب. وكان الناس يظنون أن الشيخ سيدي إذا مات لا يسد أحد مسده فلما مات وخلفه ابنه لم يتغير شيء مما كان يجريه" .
عاش الشيخ سيدي محمد حياته مع والده الشيخ سيدي، واطلع عن كثب علی سيرته ومسيرته، وسنته في أداء الشعائر ومعاملة الناس ولاحظ إنتاجه ونتائجه: إصلاحه بين العشائر والسعي في لم الشمل، إطفاء الفتن وبذل الأموال، وإيواء الغرباء وحماية المستضعفين وحفر الآبار وحقن الدماء، وتحمل النوائب، وتأمين الجواد وإجارة السوابل، فارتبط به ارتباطا أفقده الرغبة في الحياة بعده، ثابتا بالتواتر حدث به الثقات الثقات.

 فلم يعش بعده إلا سنة واحدة، عزف فيها عن الدنيا وبهجتها، وترفع عن زخرفها ولذتها، فكان يلبس لبوس الخدام متجولا بين التلامذة والضيفان، يحمل القرى ومعتاد الوجبات، وكان كثير التردید لقول عبیدالله بـن عتبة بن عبدالله بن مسعود:

غرابٌ وظبيٌ أعضبُ القرنِ نادَيَا *** بِصَرْم وصِرْدانُ العشـيِّ تصــیحُ

لَعَمري لئن شطَّت بعتْمةَ دارُهـا *** لقَـد كنتُ من وشك الفراق أُلِـيحُ

أروح بِـهَمٍّ ثم أغدو بمـــثله *** ويُحسب أني في الثياب صحـــيح

لَئن كنـت أغدُو في الثياب تجملا *** لَجسميَ من تحت الثياب جريح

وإذا كان موت والده يذيب الجلامد ويهد الأطواد ويشيب الغلمان فإن إيمانه المتوهج قد قشع غياهب الحيرة وطرد وساوس المرد وأنأى خوَر المنكسرین، فرسخت قدماه في المنهاج السني ونطق لسانه بمقول طيب يرضي الله ورسوله :

فعلُ الجليلِ هو الجميلُ *** فارضَوْا بما فعل الجليل

فهْو الوكيلُ وحسبنا *** ســـبحانه نعمَ الوكيلُ 

إن البقـا يَا معشرَ الــ *** إخوانِ ليس له سبيل 

ودوامُ حالٍ للورى *** في الدهر أمـــــرٌ مستحيل

وقد أجمعت قبيلته، "أولاد أبييرى" على بيعته بالخلافة، وكانوا له كما كانوا لوالده، وعبر عن هذه البيعة وهنأ بها الشيخ محمد محمود بن عبد الفتاح العالم العارف، الشاعر الشهير.

خلَف الشيخ سيدي محمد أباه بسنتين لم تكتملا فكان على منهاج أبيه سياسية وسيادة، إذ كانت سياسته امتدادا لسياسة أبيه في سلوكه الوسطي بين الإمارات وانتهاجه سياسة العلاقات الودية مع أمراء الترارزة والبراكنة وغيرهما من الأمراء على حد سواء.
فلذلك كانت دراسة شعره وحياته الأدبية وموضوعات شعره تعكس واقع الحياة أيام الشيخ سيدي، ومن الصعب أن نعزل حياته عن حياة أبيه، وبمعنى آخر أن نقرأ شعره معزولا عن ذلك الواقع المعيش، بل إن قراءة في شعر الشيخ سيدي محمد تضع أيدينا على ملامح تلك الحياة السياسية
والاجتماعية أيام الشيخ سيدي الكبير، فهذا الشعر بحق هو المجلة الرسمية لتلك الحقبة التاريخية، لذلك نرى القضايا المطروحة هي نقطة الارتكاز في الموضوعات الشعرية لدى الشيخ سيدي محمد مثل اللصوص وقضايا السيبة ونزع السلاح لدى الزوايا المرفوض من طرف الشاعر وما يمكن أن ينجر على الإسلام من احتلال النصارى أرض موريتانيا.
لذلك هبَّ الشاعر لعلاج كل هذه القضايا فبادر بالدعوة لمقاومة الاحتلال فجاءت قصيدته الرائية إرهاصا لشعر المقاومة الإسلامي في الشعر الموريتاني بل نواة للشعر الملتزم بقضايا الأمة في الشعر العربي الحديث.
بل صورت هذه القصيدة الرافضة للاحتلال الداعية إلى الجهاد الحالة التي كان عليها المجتمع الموريتاني من تشرذم وخلافات بين الأمراء مما جعل البلاد عرضة للاحتلال بحكم ضعفها وتخاذل أهلها، كما تنبئ عن يقظة الشيخ سيدي محمد وتمثله وحدة هذه البلاد من خلال أمره بتوحيد صف المسلمين. فهي بحق دعوة تستحق أن تدرج ضمن الشعر الملتزم بقضايا الأمة الكبرى وتقام عليها دراسات كالتي قامت على الشعر الحديث، إذ أن هذه الدعوة الملتزمة كانت أسبق من نظيراتها في المشرق العربي . وهي كذلك تمثل أصداء لمؤتمر تندوجه وإن كنا نرجح أنها لاحقة عليه وهي تجلي لنا اهتمام الشيخ سيدي محمد بواقع مجتمعه وقضاياه الكبرى.
وهذا ينسجم مع واقع الشيخ سيدي الكبير الذي أرسل في تلك الحقبة رسالة إلى المولى محمد عبد الرحمن بن هشام سلطان المغرب يطلب فيها إمداده بالسلاح لمقاومة النصارى الذين بلغوا السنغال واحتلوا الجزائر.
وقد اعترف له بذلك الفرنسيون أنفسهم.
ولاشك أن للشيخ سيدي محمد فهما ثاقبا استطاع أن يستبق به الأحداث ، وعقلا بعيد الغور استشعر من خلاله ما يمكن أن ينجر عن احتلال المستعمر لموريتانيا، كما تنبئ عن يقظته من خلال أمره بتوحيد الصف للمقاومة على الرغم من أن الإمارات آنذاك مشبرقة الأوصال منهكة القوى بسبب انعزالها وانشغالها بالفتنة فيما بينها، وكأن هذا العامل أوحى إلى الشاعر بأن الأرض مرشحة للاحتلال بحكم ضعفها وتقوقع الإمارات على نفسها واستشراء ظاهرة اللصوص وتفشي الفوضى.
ولذلك اعترف الشيخ سيدي نفسه لابنه في قصيدته : رويدك إنني شبهت دارا .... برسوخ القدم في الشعر بقوله للتلاميذ: " صاحبكم الآن قال الشعر. وهو من هو في النقد والأدب. ولم يكن هذا الاعتراف نابعا من فراغ وإنما جاء ذلك للتأكيد على أن شاعرنا أصبح شاعرا فحلا جديرا بالتقدير والاحترام، بل يحمل ذلك إشارة إلى أن الشيخ سيدي محمد مؤهل أن يكون خليفة لأبيه.
وتوالت هذه الشهادات فضلا عن شهادة الشيخ سيدي لابنه من كل الدارسين لشعر الشيخ سيدي محمد.
يقول يوسف مقلد: سيدي محمد هذا أكبر شاعر في موريتانيا بين القدماء والمحدثین إطلاقا. وتقول عنه دراسة في مجلة الوسيط الصادرة عن المعهد الموريتاني للبحث العلمي: هو العلامة الأديب والشاعر الأريب غرة عصره وابن سيد دهره، ابن الشيخ سيدي ابن المختار ابن الهيبه الأبيري ثم الانتشائي... إلى أن يقول في الترجمة، وهو محل الاستشهاد هنا:
.... وترك قصائد تدل على طول باعه في الأدب وله في النكت الأدبية أشياء كثيرة وكان عالي الكعب في النحو والتاريخ وغير ذلك .
فلقد أظهر في النونية البراعة التاريخية والمعرفة الموسوعية في كل الفنون من أيام العرب والسيرة وتاريخ الفرق وعلم النجوم والنحو وغيرها.
ولكن أهم نموذج لشعر المقاومة والالتزام ومحاربة اللصوص والفوضى الاجتماعية والسياسة قصيدته الرائية وهي :

رُوَيْدَكَ إنَّنِي شَبَّهْتُ دَارَا **** عَلَى أمْثَالِهَا تَقِفُ الْمَهَارَى

تَأمَّلْ صَاحِ هَاتِيكَ الرَّوَابِي **** فَذَاك التَّلُّ أحْسِبُهُ أَنَارَا

وَتَانِ الرَّمْلَتَانِ هُمَا ذَوَاتَا **** عُلَيَّانٍ وَذَا خَطُّ الشُّقَارَا

وَإِن تُنجِدْ رَأَيْتَ بِلَا مِثَالٍ **** جَمَاهِيرَ الْكَنَاوِينِ الْكِبَارَا

هُنَالِكَ لَا تَدَعْ مِنْهُنَّ رَسْمًا **** بَدَا إلَّا مَرَرْتَ بِهِ مِرَارَا

وَلَا تَقْبَلْ لِعَيْنٍ فِي رُبَاهَا **** تَصُونُ دُمُوعَهَا إلَّا انْهِمَارَا

وَدُرْ بَيْنَ الْمَيَامِينِ الْعَوَالِي **** فَإِنَّ عَلَى مَعَاهِدِهَا الْمَدَارَا

إذَا كُنتَ الْوَفِيَّ فَعَلْتَ هَذَا **** فَرَاعَيْتَ الذِّمَامَة وَالْجِوَارَا

وَإلَّا خَـــــــلِّنِي وَخَلَاكَ ذَمٌّ **** فَإِنَّ لَدَيَّ أحْدَاقًا غِـــــــــزَارَا

وَقَدْنِي مِنْ إِعَانَتِكَ انتِظَارِي **** أُنَيًّا رَيْثَمَا أبْكِي الدِّيَـــارَا

وَإِن كُنتَ الْخَلِيَّ وَلَا وَفَاءٌ **** لَدَيْكَ فَتَسْتَطيعَ لِيَ انتِظارَا

فَبَلْهَ اللَّوْمَ ثُمَّ إِلَيْكَ عَنِّي **** فَلَا ضَرَرًا أُرِيدُ وَلَا ضِرَارَا

وَلَا عَارٌ عَلَيكَ فَأنتَ مَرْءٌ **** تَرَدَّيْتَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَا

وَلَكِنَّا رِجَالَ الْحُبِّ قَوْمٌ **** تَهِيجُ رُبَى الدِّيَارِ لَنَا ادِّكَارَا

سَقَانَا الْحُبَّ سَاقِي الْحُبِّ صِرْفًا **** فَنَحْنُ كَمَا تَرَى قَوْمٌ سُكَارَى

نَرَى كُلَّ الْهَوَى حَسَنًا عَلَيْنَا **** إذَا مَا الْجَاهِلُونَ رَأَوْهُ عَارَا

وَأَحْرَارُ النُّفُوسِ نَذُوبُ شَوْقًا **** فَنَأْتِي كُلَّ مَا نَأْتِي اضطِّرَارَا

وَمَنْ يَأْتِي الْأُمُورَ عَلَى اضطِّرَارٍ**** فَلَيْسَ كَمِثْلِ آتِيهَا اخْتِيَارَا

تَرَانَا عَاكِفِينَ عَلَى الْمَغَانِي **** لِفَرْطِ الشَّوْقِ نَندُبُهَا حَيَارَى

أُسَارَى لَوْعَةٍ وَأَسًى نُنَادِي **** وَمَا يُغْنِي النِّدَاءُ عَنِ الْأُسَارَى

وَلَوْ فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ حُرٌّ **** يَفُكُّ الْأَسْرَ أَوْ يَحْمِي الذِّمَارَا

لَفَكُّوا دِينَهُمْ وَحَمَوْهُ لَمَّا **** أَرَادَ الكَافِرُونَ بِهِ الصَّــــــغَارَا

وَسَامُوا أَهْلَهُ خُطَّاتِ خَسْفٍ **** يُشَيِّبُ وَقْعُ أَصْغَرِهَا الصِّغَارَا

حُمَاةَ الدِّينِ إِنَّ الدِّينَ صَارَا **** أَسِيرًا لِلُّصُوصِ وَلِلنَّصَارَى

فَإِن بَادَرْتُمُوهُ تُدَارِكُوهُ **** وَإِلَّا يَسْبِقِ السَّيْفُ الْبِــــــــدَارَا

بِأَن تَسْتَنصِرُوا مَوْلًى نَصِيرًا **** لِمَن وَالَى وَمَن طَلَبَ انتِصَارَا

مُجِيبًا دَعْوَةَ الدَّاعِي مُجِيرًا **** مِنَ الْأَسْوَاءِ كُلَّ مَنِ اسْتَجَارَا

وَأَن تَنسْتَنفِرُوا جَمْعًا لُهَامًا **** تَغَصُّ بِهِ السَّبَاسِبُ وَالصَّحَارَى

تَمُرُّ عَلَى الْأَمَاعِزِ وَالثَّنَايَا **** قَنَابِلُهُ فَتَتْرُكُهَا غُــــــــــــــــبَارَا

تَنِي رُبُدُ النَّعَامِ بِحَافَتَيْهِ **** وَتَعْيَا دُونَ مُعْظَمِهِ الْحُـــــــــــبَارَى

يَلُوحُ زُهَاؤُهُ لَكَ مِن بَعِيدٍ **** كَمَا رَفَعَ الْعَسَاقِيلُ الْحـــــــــِرَارَا

تَخَالُ سِلَاحَهُ شُهْبًا تَهَاوَى **** وَتَحْسِبُ لَيْلَهُ النَّقْعَ الْمــــُثَارَا

وَلَوْلَا النَّقْعُ إِنْ يَلْمَعْ بِلَيْلٍ **** لَصَيَّرَ ضَوْؤُهُ اللَّيْلَ النَّـــــهَارَا

بِكُلِّ طَلِيعَةٍ شَهْبَاءَ تُبْدِي **** إذَا طَلَعَتْ مِنَ الصَّدَإِ اخْــضِرَارَا

وَتَخْفُقُ فَوْقَهَا بِالنَّصْرِ رَايٌ **** فَتَحْسِبُهَا بِهَا رَوْضًا أَنَـــــــارَا

وَفِتْيَانٍ يَرَوْنَ الضَّيْمَ صَابًا **** وَطَعْمَ الْمَوْتِ خُرْطُومًا عُقَارَا

أحَبُّوا الْمِلَّةَ الْبَيْضَا فَكَانُوا **** عَلَيْهَا مِن مُرَاوِدِهَا غَــــيَارَى

سُطَاةٍ فَوْقَ مَتْنَيْ كُلِّ سَاطٍ **** قَلِيلٌ مَن يَنَالُ لَهُ عِـــــــذَارَا

بِمَا يَحْوِيهِ مِن وَصْفٍ حَمِيدٍ **** عَلَى أَحْزَانِ فَارِسِهِ أَغَارَا

وَسَلْهَبَةٍ مَفَاصِلُهَا ظِمَاءٌ **** قَوَائِمُهَا رِوَاءٌ لَا تُجَــــــارَى

عَلَيْهَا مِن مَحَاسِنِهَا شُهُودٌ **** عَلَى أَن لَا تُبَاعَ وَلَا تُعَارَا

بِأَيْدِيهِمْ مُذَرَّبَةٌ طِوَالٌ **** تُرِي الْأقْرَانَ أَعْمَارًا قِصَارَا

وَبِيضٌ مُرْهَفَاتٌ جَرَّدُوهَا **** وَرَدَّوْهَا مِنَ الْعَلَقِ احْمِرَارَا

تَفَرَّى الْأُهْبُ قَبْلَ الضَّرْبِ عَنْهَا **** وَلَا عَظْمٌ يَفُلُّ لَهَا غِرَارَا

وَكُلُّ أَخِي فَمَيْنِ أَبَى اعْتِدَالًا **** وَتَقْوِيمًا عَنِ الْغَرَضِ ازْوِرَارَا

مَسَلُّ شُطَيْبَةٍ فِي الْمَتْنِ مِنْهُ...إلَى تَسْدِيدِ شَارَتِهِ أَشَارَا

حَذَاهُ بِكَالْهِلَالِ مُوَشِّحُوهُ...بِكَالْجَوْزَاءِ صَوْغًا وَازْدِهَارَا

بِوَشْيٍ حَبَّرُوهُ وَأَوْدَعُوهُ...تَصَاوِيرًا تَرَى فِيهَا اعْتِبَارَا

مِنَ الْعُدَدِ الْأُلَى آلَى سِمَاكٌ...بِرُوحِ اللهِ عِيسَى لَن تُبَارَى

تَلَظَّى النَّارُ فِي الْكَانُونِ مِنْهُ...إذَا مَا صَافَحَ الزِّندُ الشِّفَارَا

وَلَيْسَ لِنَارِهِ شَرَرٌ تَرَامَى ...بِهِ إلَّا الْمُوَقَّعَةَ الْحِرَارَا

فَمَنْ يَمْرُرْ قُبَالَةَ مُنْخَرَيْهِ...يَكُن كَهَشِيمِ مَن رَامَ احْتِظَارَا

جُمُوعًا تَنطَحُ الْأَعْدَاءَ جَهْرًا...فَتَتْرُكُهُمْ جَدِيسًا أَوْ وَبَارَا

جُمُوعًا لَا يَقُومُ لَهَا مُنَاوٍ...وَلَا يَخْشَى الصَّدِيقُ لَهَا مُغَارَا

تَصُوبُ عَلَى بِلَادِ السِّلْمِ غَيْثًا...وَتُوقِدُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ نَارَا

بِنَصْرِ اللهِ وَاثِقَةٌ يَقِينًا...فَلَا تَدْرِي مِنَ الْخَلْقِ الْحِذَارَا

لَهَا إِعْلَاءُ كِلْمَتِهِ مَرَامٌ...فَلَا غُنْمًا تُرِيدُ وَلَا افْتِخَارَا

فَمَنْ يَكُ هَكَذَا يَحْيَا حَمِيدًا...وَيَسْتَحْلِي بِمِوْطِنِهِ الْقَرَارَا

وَمَن لَا،فَالْمَمَاتُ بِهِ جَدِيرٌ...وَلَوْ لِلنَّارِ بَعْدَ الْمَوْتِ صَارَا

فَيَا لَلْمُسْلِمينَ لَهَا أمُورٌ ...لَهَا الْأكْبَادُ تَنفَطِرُ انفِطَارَا

تَهَاوَنتُمْ بِمَوْقِعِهَا وَمَا إن... تَهَاوَنتُم بِهَا إلَّا اغْتِرَارَا

لُصُوصٌ لَا تَخافُ الْبَأْسَ مِنكُمْ...وَلَا الْعُقْبَى فَتَرْضَى أن تُدَارَى

وَلَا يَنجُو مُقِيمٌ مِنْ أذَاهُمْ...وَلَا ابْنُ تَنَائِفَ اتَّخَذَ السِّفَارَا

وَلَا شِيبٌ عُكُوفٌ فِي الْمُصَلَّى...وَلَا عُونُ النِّسَاءِ وَلَا الْعَذَارَى

فَبَيْنَا الْحَيُّ خَيَّمَ ذَا طِلَالٍ ...تَبَوَّأَ مِن فَسِيحِ الْأَرْضِ دَارَا

بِسَاحَتِهِ مَحَافِلُ حَافِلَاتٌ...بِأَشْيَاخٍ مُهَذَّبَةٍ طَهَارَى

وَكُلِّ فَتًى يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا ... وَتَفْتَرُّ الْمِلَاحُ لَهُ افْتِرَارَا

إلَى نَسَبٍ لَهُمْ بَلَغُوا ادِّعَاءً ... بِهِ أَذْوَاءَ حِمْيَرَ أَوْ نِزَارَا

إلَى أَنْ يُبْصِرُوا شُعْثًا كَسَاهُمْ ... لِبَاسُ الْجُوعِ والْخَوْفِ اغْبِرَارَا

رِعَاءُ الشَّاءِ حَقَّا مَن رَّآهُمْ ... يَقُولُ هُمُ الرِّعَاءُ وَمَا تَمَارَى

هُنَالِكَ لَا تَرَى شَيْئًا نَفِيسًا ... وَلَا مُسْتَحْسَنًا إِلَّا مُوَارَى

وَلَمْ يَكُ قَدْرُ لَمْحِ الطَّرْفِ إلَّا ... وَقَدْ سَلَبُوا الْعِمَامَةَ وَالْخِمَارَا

أجِدَّكُمُ بِذَا يَرْضَى كَرِيمٌ ... وَهَلْ حُرٌّ يُطِيقُ لَهُ اصْطِبَارَا

وَرُومٌ عَايَنُوا فِي الدِّينِ ضُعْفًا ... فَرَامُوا كُلَّ مَا رَامُوا اخْتِبَارَا

فَإِنْ أَنتُمْ سَعَيْتُمْ وَانتَدَبْتُمْ ... بِرَغْمٍ مِنْهُمُ ازْدَجَرُوا ازْدِجَارَا

وَإِنْ أَنتُمْ تَكَاسَلْتُمْ وَخِمْتُمْ ... بِرَغْمٍ مِنكُمُ ابْتَدَرُوا ابْتِدَارَا

فَأَلْفَوْكُمْ كَمَا يَبْغُونَ فَوْضَى ... حَيَارَى لَا انتِدَابَ وَلَا ائْتِمَارَا

فَمَا ظَنُّوا لِعَظْمٍ ،جَابِرُوهُ ... كُسَارَى،بَعْدَ هَيْضَتِهِ انجِبَارَا

وَقَالُوا إنَّ لِلْفُرَصِ انتِهَازًا ... وَثَارُوا كَيْ يَنَالُوا مِنْهُ ثَارَا

ولَا أعْرِفْ وَسَوْفَ تَرَوْنَ عَمَّا ... قَلِيلٍ صُبْحَ لَيْلِكُمُ اسْتَنَارَا

مَهًى حُورَ الْمَدَامِعِ عَاطِفَاتٍ ... تَخُوضُ بِهَا الْقَرَاقِيرُ الْبِحَارَا

إذَا الْتَفَتَتْ لِجَانِبِهَا تَلَافَتْ ... حِذَارَ الْمَوْجِ لَوْحًا أَوْ دِسَارَا

لَأنْ كَانتْ مَرَاكِبُهَا الْمَهَارَى ... وَأنْ كَانَتْ مَرَاوِدُهَا الْقِفَارَا

تُلَطِّمُهَا الْعُلُوجُ عَلَى خُدُودٍ ... كَسَا أَلْوَانَهَا الْفَزَعُ اصْفِرَارَا

يُدِرْنَ لَهُمْ عُيُونًا حَائِرَاتٍ ... يُغَرِّقُ فَيْضُ عَبْرَتِهَا احْوِرَارَا

فَلَا هُمْ يَرْحَمُونَ لَهَا بُكَاءً ... وَلَا يَخْشَوْنَ أن تَجِدَ اقْتِدَارَا

وَحَلَّوْهَا خَلَاخِلَ مِن قُيُودٍ ... وَقَدْ كَانَتْ لُجَيْنًا أوْ نُضَارَا

وَأغْلَالًا بِأجْيَادٍ وَأيْدٍ ... تَعَوَّدَتِ الْقِلَادَةَ وَالسِّوَارَا

تُكَلِّفُهَا بَنَاتُ الرُّومِ قَسْرًا ... بِخِدْمَتِهَا رَوَاحًا وَابْتِكَارَا

وَكَانَتْ كُلَّمَا مَشَتِ الْهُوَيْنَى ... لِكِسْرِ الْبَيْتِ تَنبَهِرُ انبِهَارَا

فَيَشْدُدْنَ الْحِبَالَ بِكُلِّ خَصْرٍ ... رَقِيقُ الرَّيْطِ كَانَ لَهُ إزَارَا

وَيَحْمِلْنَ الْجُذُوعَ عَلَى رُءُوسٍ ... غَدَائِرُهَا تَضِلُّ بِهَا الْمَدَارَى

وَتُكْرَهُ لِلذِي كَانَتْ تَرَاهُ ... حَلَالًا وَهِيَ طَائِعَةٌ شَنَارَا

فَيَا لَلْمُسْلِمِينَ لِمَا دَهَاكُمْ ... إلَى كَمْ لَا تَرُدُّونَ الْحِوَارَا

أجِيبُوا دَاعِيَ الْمَوْلَى تَعالَى ... أَوِ اعْتَذِرُوا وَلَن تَجِدُوا اعْتِذَارَا

أجِيبُوهُ بِدُنيَاكُمْ تَعِزُّوا ... وَتَدَّخِرُوا مِنَ الْأَجْرِ ادِّخَارَا

فَإحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ لَكُمْ أُعِدَّتْ ... حَمَالَةَ قَادِرٍ حَازَ الْيَسَارَا

بِجَنَّتِهِ اشْتَرَى مِنكُمْ نُفُوسًا ... وَمَالًا يَا رَبَاحَكُمُ تِجَارَا

وَهَذَا مَا أَشَرْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ... وَلَو لَمْ تَجْعَلُونِي مُسْتَشَارَا

فَإِنْ أَنتُمْ تَوَلَّيْتُمْ فَحَسْبِي ... وَجَارِي اللهُ .نِعْمَ اللهُ جَارَا

وَمَنْ يَكُ جَارُهُ الْمَوْلَى تَعَالَى ... كَفَاهُ ،فَلَنْ يُضَامَ وَلَنْ يُضَارَا

وَرَبِّي شَاهِدٌ وَكَفَى شَهِيدًا ... بِهِ أَنِّي دَعَوْتُكُمُ جِهَارَا

وَكَمْ مِن نَّاصِحٍ قَبْلِي دَعَاكُمْ ... جِهَارًا بَعْدَمَا يَدْعُو سِرَارَا

وَكُلٌّ حِينَ يَدْعُو لَم يَزِدْكُمْ ... دَوَامُ دُعَائِهِ إلَّا فِرَارَا

فَرَبِّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا ... وَمَن جَعَلُوا هُدَاكَ لَهُمْ مَنَارَا

وَزِدْنَا مِلَّةَ الْإِسْلَامِ عِزَّا ... وَلَا تَزِدِ الْعِدَى إِلَّا تَبَارَا

وَصَلِّ عَلَى الذِي حَازَتْ قُرَيْشٌ ... بِنِسْبَتِهِ الزَّعَامَةَ وَالْفَخَارَا

إلَى آلٍ وَصَحْبٍ مَعْهُ قَامُوا ... وَسَارُوا حَيْثُ قَامَ وَحَيْثُ سَارَا

خُذُوهَا مِن بَنَاتِ الْفِكْرِ بِكْرًا ... تُغِيرُ الْغَانِيَاتِ وَلَن تُغَارَا

لَهَا عَن رَائِدِ الْأَفْكَارِ خِدْرٌ ... حَمَاهَا قَبْلَ هذَا أَنْ تُزَارَا. 


 مظاهر التجديد في شعر الشيخ سيدي محمد:
إن مظاهر التطور والطبع والانسياب والانثيال تستعلن في أول شعر تطالعه لهذا العبقري الملهم الذي تتفصى شخصيته الأدبية والعلمية والأخلاقية من أن تحد بحدود تعريفية جامعة مانعة. وما ذاك إلا لخصوبة هذه الشخصية وسخاء مواهبها واندياح رقعة معارفها الموسوعية المذهلة.
وما ظنك بشخصية تتواشج فيها مظاهر المعرفة العلمية المتخصصة في العلوم الشرعية من أصول دين وفقه ومعرفة باختلاف المذاهب وائتلافها مع مظاهر شخصية الفنان المبدع الملهم الذي لا تكاد رصانة الوقار العلمي تحجب تدفق شاعريته المطوحة الأخيلة؟ هذا إلى مظاهر شخصية أخرى ذات بعد صوفي عميق تعرج بصاحبها إلى أرقى معارج التزكي والطهر والتألق الروحي.. ولكن هذه المظاهر المتعددة للنشاط الروحي والثقافي لهذه الشخصية تأتلف ولا تختلف إذ أن شعر الشاعر كله ينم عن أصالة هذه الشخصية وانسجامها واستعلانها من خلال آثارها الإبداعية المتعددة.
إننا نكاد نتقرى هذه الشخصية بلمس إذا استعرنا عبارة البحتري، إنها شخصية ذلك الشاعر الملهم المتدله بالجمال الصادق اليقين المتين الدين الأبي الأشم الأريحي الكريم النبيل الجليل الذي لا يخلو مزاجه الوقور من مسحة نكتة غير جافية مدته بلون من السخرية غير اللاذعة كان وجودها نسيجَ وحدِه في الشعر الموريتاني. إذ قل أن نجد هذه المسحة في غير الهجاء .
وقوله في القصيدة المتدافعة عند الناس بين التبغ والشاي، وإن كان السياق الشعري يرجح أنها في الشاي : (وافر)

دع الإكثارَ منْ قالٍ وقيلِ ... كفاكَ اللوْمُ بالكِلمِ القَلِيلِ
أَقِلني إن عَثرتَ على عقاري ... فخير الصحبِ كلُّ فتى مُقيل
وإلا تزدجر عمَّا عليه ... جُبْلتَ على التّهوُّرِ والصَّهيل
فإني لستُ منك ولستَ مني ... وليس رَعيلُ خيلك من رعيلي
ولستَ إلى لقاءِ اللهِ مني ... بمنزلة الرَّفيق ولا الزميل
ولم تك في الحساب غداً حسيبي ... ولم تك لِي بمولّي أو وكيلِ
تُلوِّمُ أن تعاطينا كؤوساً ... تذكرنا كؤوسَ السلسبيل
تحاول أن تحرّمَها عليْنا ... فليس لما تحاولُ من سبيل
تريد على إباحتها دليلا ... متى احتاج النهار إلى دليل
أصول الحلِّ عدوها فعدوا ... نبات الأرض من تلك الأصول
وقبلك ملَّ فيها القولَ قومٌ ... فما أغنوا بذلك من فتيل
وليس اللوْم فيها اليومَ إلا ... أحاديثٌ تعدّ من الفضول
وإنّ لها فوائدَ واضحاتٍ ... يراها كلُّ ذي نظر أصيل
إزالةَ حِقد ذي الحقد المناوي ... وتَحبيب الخليل إلى الخليل
وجبرَ خواطرٍ وقضاَء حاجٍ ... ومعرفةَ السخيّ من البخيل
وفوزا إن تعاطاها الندامي *** بتمييز الظريف من الثقيل
وإيقاظَ النواظر من كراها ... وإبراَء المتيّمِ والعليل
وزاد مسافرٍ ومتاع مُقْوٍ ... وأنسًا في الإقامة والرحيل
وتحفة قادم وسرورَ أو ... أرى حين المبيتِ أو المقيل
وفاكهة الشتاء إذا تأَذَّى ... وجوهُ الناسِ بالشَّمَلِ البليل
وتطربُ مَنْ يدرّسُ كل فنّ ... وتفرجُ كرب ذي الهم الدخيل
وتلى كل صبّ مستهام ... عن الخدّين والطرْف الكحيل
وتدفع ذا التلصص فهي أغْنى ... إذا دفعت من السيف الصقيل
وترضى المسلمين وفي رضاهم ... يؤمل أن ينال رضى الجليل
وحسبك من فوائدها بهذا ... دع الإكثارَ من قال وقيل.

الشوق والحنين إلى الوطن ومسقط الرأس دلالة واضحة على وفاء الشاعر وأصالته وصدق مشاعره , وفي ذلك يقول الشاعر معبرا عما يختلج في وجدانه:

لَعَمْرُكَ مَا تَرْتَابُ مَيْمُونَةُ السُّعْدَى *** بِأَنَّا تَرَكْنَا السَّعْيَ فِي أمْرِهَا عَمْدَا 

سِوَى أنَّنَا كُنَّا عَبِيدَ مَشِيئَةٍ  *** ولَا عَارَ فِي أنْ يُعْجِزَ السَّيِّدُ الْعَبْدَا 

فَلَيْسَ عَليْنَا أنْ يُسَاعِدَنَا الْقَضَا  *** وَلَكِنْ عَلَيْنَا أنَّنَا نَبْذُلُ الْجُهْدَا 

ألَمْ تَرَ أَنَّا قَدْ رَعَيْنَا عُهُودَهَا ***  عَلَى حِينَ لَا يَرْعَى سِوَانَا لَهَا عَهْدَا 

حَبَسْنَا عَلَيْهَا وَهْيَ جَدْبٌ سَوَامَنَا  *** مَا صَدَّنَا السَّعْدَانُ عَنْهَا وَلَا صَدَّا

 وَيَظْعَنُ عَنْهَا النَّاسُ حَالَ انتِجَاعِهِمْ  *** فَلَمْ نَنتَجِعْ بَرْقًا يَلُوحُ وَلاَ رَعْدَا 

وَإِذْ غَدَرَتْ فَانفَضَّ مَن كَانَ حَوْلَهَا  *** وَفَيْنَا فَلَمْ نَغْدِرْ وَلَمْ نُخْلِفِ الْوَعْدَا 

فَجِئْنَا لَهَا حَتَّى ضَرَبْنَا قِبَابَنَا  *** عَلَى نَجْدِهَا الْمَيْمُونِ أَكْرِم بِهِ نَجْدَا 

وَمَرْجِعَ سَانِيهَا جَعَلْنَا مُخَيَّمًا  *** لِئَلَّا نَصُونَ الشِّيبَ عَنْهَا وَلَا الْمُرْدَا 

نَظَلُّ وُقُوفًا صَائِمِينَ عَلَى الظَّمَا  *** نَخَالُ سَمُومَ الْقَيْظِ فِي جَنبِهَا بَرْدَا 

وَتُذْرِي عَلَيْنَا الرَّامِسَاتُ غُبَارَهَا  *** فَنَنشَقُهُ مِنْ حُبِّ إِصْلَاحِهَا وَرْدَا 

وَيَشْرَبُ كُلُّ النَّاسِ صَفْوَ مِيَاهِهِمْ  *** وَنَشْرَبُ مِنْهَا الطِّينَ نَحْسِبُهُ شُهْدَا 

بِهَذَا تَرَى مَيْمُونَةٌ أنَّ تَرْكَنَا  *** لهَا لَمْ يَكُن مِّنَّا اخْتِيَارًا وَلَا زُهْدَا 

عَلَى أَنَّنَا وَالْأَمْرُ عَنَّا مُغَيَّبٌ  *** وَلِلهِ مَا أَخْفَى وَلِلهِ مَا أَبْدَى 

مِنَ اللهِ نَرْجُوا أَنْ يُيَسِّرَ أَمْرَهَا  *** وَيَجْعَلَ بَعْدَ النَّحْسِ طَالِعَهَا سَعْدَا 

فَيَرْأَبَ مَثْآهَا وَيَجْبُرَ كَسْرَهَا  *** وَيُبْقِيَهَا مَيْمُونَةً كَاسْمِهَا سُعْدَى

أما مظاهر الروعة الفنية التي تنبئ عن أصالة شاعرية الشاعر، فهي مظاهر متعددة، منها ما هو إبداع من خلال استيعاب التراث وإعادة صياغته بعد تمثل ذكي تظهر فيه أصالة الشاعر واستعلان شخصيته، ومنها ما هو إبداع وابتكار. ويظهر لك ذلك من خلال إحساس الشاعر بأزمة الإبداع: (كامل)
يا معشر البلغاء هل من لوذعي *** يهدی حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيدة *** بكرا فأعياني وجود المطلع
لا يقلل من أهمية هذا الطرح لأزمة الابداع أن طائفة من الشعراء القدماء قد تطرقت إلى التبرم باجترار الشاعر لإبداعات سابقة. فقد قال عنترة : (كامل)
هل غادر الشعراء من متردم؟ *** أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه: (خفيف)
ما أرانا نقول إلا رجيعا *** ومعادا من قولنا مكرورا.

وشعر الشيخ سيدي محمد ناطق بشمائله ومناقبه، وسيرته وعلاقته بالآخرين، يقول رحمه الله تعالى :

فَمـنْ يَك راغبا في القرب مني *** يَجدني دون ماء المقلتين

ومن يُؤثر قلاي فليس شيء *** يواصل بينه أبدا وبيني

 ألاحظ من خليطي كل زيــن *** كا أغضي له عن كل شين

ولَا أصغي إلى العوراء حتى *** يرى أني أصم المسمعين

إننا لا نكاد نجد لهذا الشاعر نظيرا من الشعراء الموريتانيين في سعة الإحاطة بالموروث الشعري العربي، أو كما يحدث عن نفسه في نونيته الشهيرة:
أَدَمْعًا تُبْقِيَانِ بِغَرْبِ عَيْنِ ... وَقَدْ عَايَنتُمَا دَارَ الْكُنَيْنِ
أَلَيْسَ مِنَ الْوَفَاءِ لِقَاطِنِيهَا ... إِذَالَةُ مَا يُصَانُ بِكُلِّ عَيْنِ
بَلَى إِنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَغَانِي ... بِمِنْهَاجِ الصَّبَابَةِ فَرْضُ عَيْنِ
وَإِن لَّمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ رَسْمٍ...كَوَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمَيْنِ
فَإِنَّ لَهَا يَدًا دَيْنًا عَلَيْنَا...وَحَقٌّ أَنْ يُؤَدَّى كُلُّ دَيْنِ
أَفَاوِيقَ الصَّفَاءِ بِهَا ارْتُضِعْنَا... بِهَا حَوْلَيْنِ كَانَا كَامِلَيْنِ
وَلَمْ يَسْحَرْ فُؤَادِيَ قَطُّ طَرْفٌ...سِوَى طَرْفَيْنِ فِيهَا سَاحِرَيْنِ
فَذَانِكَ تَارِكَا قَلْبِي وَرُوحِي...بِنِيرَانِ الْمَحَبَّةِ خَالِدَيْنِ
فَعُوجَا يَا خَلِيلَيَّ اللذَيْنِ...هُمَا مِنِّي بِمَنزِلَةِ الْيَدَيْنِ
عَلَيْهَا بَاكِيَيْنِ وَحَيِّيَاهَا...مَعِي حُيِّيتُمَا مِن صَاحِبَيْنِ
قِفَا ثُمَّ ارْجِعَا الْأَبْصَارَ فِيهَا...وَعُودَا فَارْجِعَاهَا كَرَّتَيْنِ
بِهَا مُتَرَسِّمَيْنِ بِهَا وَكُونَا...إِذَا لَمْ تَبْكِيَا مُتَبَاكِيَيْنِ
وَإِن جَمَدَتْ عُيُونُكُمَا كِلَانِي...إلَى عَيْنَيْنِ لِي نَضَّاخَتَيْنِ
وَكُونَا عَاذِرَيْنِ وَلَا تَكُونَا...إِذَا لَمْ تُسْعِدَانِيَ عَاذِلَيْنِ
فَمَا لَكُمَا سِوَى الذِّكْرَى سَبِيلٌ...عَلَيَّ فَلَسْتُمَا بِمُصَيْطِرَيْن
وَقَدْ حَوَتِ الْمَيَامِنُ مَنزِلَاتٍ...وَرِيعُ بَنِي الْمُبَارَكِ مَنزِلَيْنِ
وَمَغْنًى قُرْبَ ذَاتِ الْقَرْمِ عَافٍ...وَآخَرُ دَارِسٌ بِالتِّيرِسَيْنِ
وَدَارٌ حَوْلَ حِقْفِ النِّصْفِ أَقْوَتْ...وَأُخْرَى أَقْفَرَتْ بِالتَّوْأَمَيْنِ
سَقَاهَا كُلُّ مُنْهَمِرِ الْعَزَالِي...مِنَ الْأَزَمَاتِ يَغْسِلُ كُلَّ رَيْنِ
فَتُصْبِحُ غِبَّهَا الْأَجْرَازُ تَحْكِي...مَصَانِعُهَا تَعَاوِيذَ اللُّجَيْنِ
وَتُشْبِهُ فِي غَلَائِلِه هَدَايَا...بَرَزْنَ إِلَى الزَّفَافِ بِكُلِّ زَيْنِ
مَعَاهِدُ عِندَنَا فِي الْحُبِّ فَاقَتْ ..مَعَاهِدَ مَنْعِجٍ وَالرَّقْمَتَيْنِ
لَيَالِيَ لَا أُحَاذِرُ أَن أُلَاقِي...صُدُودًا مِن سُعَادَ وَلَا بُثَيْنِ
وَلَمْ تَقُلِ الْعَذَارَى أَنتَ عَمٌّ... نَعُدُّكَ عِندَنَا أَحَدَ الْأَبَيْنِ
تَحِنُّ إِلَى الشَّبَابِ وَلَسْتَ مِنْهُ...عَلَى حَظٍّ سِوَى خُفَّيْ حُنَيْنِ
فَقُلْتُ لَهُنَّ إِنْ يَّكُ وَخْطُ فَوْدِي...يَسُوءُ الْفَالِيَاتِ إِذَا فَلَيْنِي
فَكَمْ يَوْمٍ يَعِزُّ عَلَى الْفَوَالِي...بِهِ مِنِّي فِرَاقُ الْمَفْرِقَيْنِ
وَكَمْ يَوْمٍ وَتَرْتُ بِهِ الْعَذَارَى...كَيَوْمِ مُهَلْهلٍ بِالشَّعْثَمَيْنِ
يُجِبْنَ إِذَا دَعَا الدَّاعُونَ بِاسْمِي...كَأَنِّي عِندَهُنَّ ابْنُ الْحُسَيْنِ
تُلَاحِظُنِي الْعبُورُ مَعَ الْغُمَيْصَا...فَآنَفُ عَنْهُمَا لِلْمِرْزمَيْنِ
وَإِنْ أَبْدَتْ لِيَ الْجَوْزَا وِشَاحًا...سَلَكْتُ بِهَا سَبِيلَ الشِّعْرَيَيْنِ
وَإِن تُشِرِ الثُّرَيَّا لِي بِكَفٍّ...خَضِيبٍ قُلْتُ عَنِّي لِلْبُطَيْنِ
وَحَيْثُ بَنَاتُ نَعْشٍ دُرْنَ حَوْلِي...تَرَكْتُ وِصَالَهَا لِلْفَرْقَدَيْنِ
وَكَمْ شَمْسٍ بِهَالَتِهَا تَحَلَّتْ...وَلَاحَتْ فِي الزَّوَالِ خِلَالَ غَيْنِ
وَغَارَ الْبَدْرُ إِذْ وَلَّتْهُ مِنْهَا...نِوَارًا فَازْدَرَيْتُ النَّيِّرَيْنِ
وَلَا عَجَبٌ إِذَا خُنتُنَّ عَهْدِي...وَآثَرْتُنَّ إِقْصَائِي وَبَيْنِي
فَقَدْ خُنتُنَّ فِي الْقُدَمَاءِ عَبْــدَيْنِ قَبْلِي لِلْمُهَيْمِنِ صَالِحَيْنِ
وَمِن شَرْخِ الشَّبَابِ اعْتَضْتُ حِلْمًا...وَحَالُ الْحِلْمِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
وَكُنتُ إِذَا عَزَمْتُ عَلَى ارْعِوَاءٍ..وَجَدتُّ عَزِيمَتِي إِسْرَاءَ قَيْنِ
وَكَمْ سَامَرْتُ سُمَّارًا فُتُوًّا...إِلَى الْمَجْدِ انتَمَوْا مِن مَّحْتِدَيْنِ
حَوَوْا أَدَبًا عَلَى حَسَبٍ فَدَاسُوا...أَدِيمَ الْفَرْقَدَيْنِ بأَخْمصَيْنِ
أُذَاكِرُ جَمْعَهُمْ وَيُذَاكِرُونِي... بِكُلِّ تَخَالُفٍ فِي مَذْهَبَيْنِ
كَخُلْفِ اللَّيْثِ وَالنُّعْمَانِ طَوْرًا...وَخُلْفِ الْأَشْعَرِيِّ مَعَ الْجُوَيْنِي
وَأَوْرَادِ الْجُنَيْدِ وَفِرْقَتَيْهِ...إِذَا وَرَدُوا شَرَابَ الْمَشْرَبَيْنِ
وَأَقْوَالِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوِيهٍ...وَأَهْلَيْ كُوفَةٍ وَالْأَخْفَشَيْنِ
نُوَضِّحُ حَيْثُ تَلْتَبِسُ الْمَعَانِي...دَقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ
وَأطْوَارًا نَمِيلُ لِذِكْرِ دَارَا...وَكِسْرَى الْفَارِسِيِّ وَذِي رُعَيْنِ
وَنَحْوَ السِّتَّةِ الشُّعَرَاءِ نَنْحُو ...وَنَحْوَ مُهَلْهلٍ وَمُرَقَّشَيْنِ
وَشِعْرَ الْأَعْمَيَيْنِ إِذَا أرَدْنَا...وَإِن شِئْنَا فَشِعْرَ الْأَعْشَيَيْنِ
وَنَذْهَبُ تَارَةً لِأَبِي نوَاسٍ...وَنَذْهَبُ تَارَةً لِابْنِ الْحُسَيْنِ
وَإِنِّي وَالنُّهَى تَنْهَى وَتَجْلُو...خَفَايَا اللَّبْسِ فِي الْمُتَشَابِهَيْنِ
عَدَتْنِي أَنْ أُصَافِيَ كُلَّ خِلٍّ...مَخَايِلُ مِن مُّدَاهَنَةٍ وَمَيْنِ
كِلَا أَخَوَيَّ يُظْهِرُ لِي وِدَادًا...فَاَعْرِفُ مَا يَسُرُّ كِلَا الأَخَيْنِ
فَمَنْ يَكُ رَاغِبًا فِي الْقُرْبِ مِنِّي...يَجِدْنِي دُونَ مَاءِ الْمُقْلَتَيْنِ
وَمَنْ يُؤْثِرْ قِلَايَ فَلَيْسَ شَيْءٌ...يُوَاصِلُ بَيْنَهُ أَبَدًا وَبَيْنِي
أُلَاحِظُ مِنْ خَلِيطِيَ كُلَّ زَيْنٍ...كَمَا أُغْضِي لَهُ عَن كُلِّ شّيْنِ
وَلَا أُصْغِي إِلَى الْعَوْرَاءِ حَتَّى...يَرَى أَنِّي أَصَمُّ الْمِسْمَعَيْنِ
وَمَا جَهْلُ الْجَهُولِ بِمُسْتَفِزِّي...وَمَا لِي بَالدّنيَّةِ مِنْ يَدَيْنِ
وَأَحْمِلُ كُلَّ مَا يَأْتِي خَلِيلِي...لَهُ إِلَّا عُبُوسَ الْحَاجِبَيْنِ
وَلَيْسَ يَهُولُنِي مِن مُسْتَشِيطٍ ...تَهَدُّدُهُ بِنَفْضِ الْمِذْرَوَيْنِ
وَعِندِي جَانِبٌ فِي الْهَزْلِ لَيْنٌ...وَآخَرُ عِندَ جِدِّيَ غَيْرُ لَيْنِ
وَقَدْ يُلْفَى إِذَا الْجُلَّى ادْلَهَمَّتْ...أُسَامَةَ مَنْ يُظَنُّ أَبَا الْحُصَيْنِ
وَمَهْمَا يَعْرُنِي لِلْهَمِّ ضَيْفٌ...يَجُرُّ مِنَ الْبَلَابِلِ ضَيْفَنَيْنِ
جَعَلْتُ قِرَاهُ أَكْوَمَ قَيْسَرِيًّا...هِجَانَ اللَّوْنِ جَوْنَ الذِّفْرَيَيْنِ
كَأَنَّ صُنَانَهُ الْمُنبَاعَ نِقْسٌ...تَحَدَّرَ مِن جَوَانِبِ قُمْقُمَيْنِ
عَلَى لِيتَيْنِ كَالطّرْسَيْنِ مُدَّا...إِلَى كَالْقصْرِ رَحْبِ الْقُصْرَيَيْنِ
يَزُمُّ عَنِ الْكَلَالِ وَكُلِّ نَعْتٍ...يُعَابُ سِوَى انتِقَالِ الْمِرْفَقَيْنِ
رَعَى رَوْضَ الْحِمَى غَضًّا نَضِيرًا...فَلَمْ يَحْتَجْ لِمَاءِ الدُّحْرُضَيْنِ
وَعَن صَدَّى لَهُ السَّعْدَانُ أَغْنَى...إلَى أَمَدِ انسِلَاخِ جُمَادَيَيْنِ
لَهُ افْتَرَّ الْكِمَامُ بِكُلِّ ثَغْرٍ...وَبَكَّاهُ الْغَمَامُ بِكُلِّ عَيْنِ
فَمَلَّكَهُ الرُّعَاةُ الْأَمْرَ حَتَّى...كَسَاهُ النّيَّ نَسْجُ الْمِشْفَرَيْنِ
تُثَبِّطُهُ أَدَاهِمُ مِنْ حَدِيدٍ...يَنُوءُ بِهَا مُدَانِي السَّاعِدَيْنِ
إلَى أَن كَادَ وَهْوَ بِلَا جَنَاحٍ...يَطِيرُ بِقُوَّةٍ فِي الْمنكِبَيْنِ
هُنَاكَ عَلَوْتُهُ بِقُتُودِ رَحْلٍ...حَمَاهُ الْكَتْرُ مَسَّ الْمَتْنَيَيْنِ
فَحَاوَلَ أَنْ يُبَارِيَ فِي الْبَرَارِي...هِجَفّيْ سَابِقٍ بِالدَّوْنَكَيْنِ
يَسِيرُ الْخَيْطَفَى حِينًا وَحِينًا...يُرَاوِحُ بَيْنَ كِلْتَا الْخَوْزَلَيْنِ
يُوَلِّي الْمُعْزَ أَخْفَافًا خِفَافًا...تُغَادِرُ كُلَّ صَخْرٍ فَلْقَتَيْنِ
تَقَاذَفُ بَيْنَهَا الظِّرَّانُ شَتَّى...تَقَاذُفَ أَيْمَنَيْنِ وَأَعْسَرَيْنِ
بِهِ أُحْيِي التَّدَانِيَ كُلَّ حِينٍ...وَأُدْنِي لِلتَّنَائِي كُلَّ حَيْنِ
أُغَادِرُهُ وَقَبْلِي مُسْتَحِيلٌ...عَلَيْهِ الْأَيْنُ ذَا ظَلَعٍ وَأَيْنِ
وأَرْحَلُهُ سَلِيمًا مَنسِمَاهُ...وَأَرْجِعُهُ رَثِيمَ الْمَنسِمَيْنِ
وَلَوْ لَمْ أُلْفِهِ أُصْلًا لَطَارَتْ...بِيَ الْعَزَمَاتُ بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ
فَلِلْعَزَمَاتِ أَجْنِحَةٌ تُدَانِي...كَلَمْحِ الطَّرْفِ بَيْنَ الشَّاحِطَيْنِ
فَشَطْرَ الْمَشْرِقَيْنِ تَؤُمُّ طَوْرًا...وَآوِنَةً تَؤُمُّ الْمَغْرِبَيْنِ
وَلَيْسَ كَمِثْلِهَا وَزَرٌ لِلَاقٍ...مِنَ الدَّهْرِ ازْوِرَارَ الْحَاجِبَيْنِ
فَمَا حُرٌّ يُقِيمُ بِأَرْضِ هُونٍ...وَلَوْ كَانَتْ مَقَرَّ الْوَالِدَيْنِ
وَأَهْلُ الْمَرْءِ نَيْلُ غِنًى وَجَاهٍ...وَهَلْ يَسْعَى الرِّجَالُ لِغَيْرِ ذَيْنِ
فَمَسْقِطُ رَأْسِهِ نَفْعٌ وَضُرٌّ...وَإِلَّا فَاتِّبَاعُ الْقَارِظَيْنِ
فَمَالُ الْمُنذِرَيْنِ يُعَدُّ فَقْرًا...بِلَا عِزٍّ وَمَالُ الْحَارِثَيْنِ
وَعِزُّ الْحَارِثَيْنِ يُعَدُّ ذُلًّا...بِلَا مَالٍ وَعِزُّ الْمُنذِرَيْنِ
فَعِشْ حُرًّا فَإِن لَّمْ تَسْتَطِعْهُ...فَضَرْبًا فِي عُرَاضِ الْجَحْفَلَيْنِ
وَهونٌ فِي أَقَاصِي النَّاسِ هَيْنٌ...وَهونٌ فِي الْعَشِيرَةِ غَيْرُ هَيْنِ
فَمَا الْمَنكُورُ مِنْ أَصْلٍ وَعَيْنٍ...بِكَالمَعْرُوفِ مِنْ أَصْلٍ وَعَيْنِ
وَلَمَّا صَاحَ مِن فَوْدِي نَذِيرٌ...وَصَرَّحَ ثَانِيًا بِالْعَارِضَيْنِ
وَقَبْلَ الشَّيْبِ إِيجَادِي نَعَانِي...فَلَيْسَ الشَّيْبُ أَوَّلَ نَاعِيَيْنِ
وَدَاعِي الْعَقْلِ بِالتَّجْرِيبِ نَادَى...وَدَاعِي اللهِ أَندَى الدَّاعِيَيْنِ
سَلَا قَلْبِي عَنِ الدُّنيَا لِكَوْنِي...وَمَا أَهْوَاهُ مِنْهَا فَانِيَيْنِ
وَإِنِّي إِن ظَفِرْتُ بِهِ فَلَسْنَا...عَلَى حَالٍ تَدُومُ بِبَاقِيَيْنِ
وَلِكِنَّا إِذَا طَبَقٌ تَوَلَّى...عَلَى طَبَقٍ تَرَانَا رَاكِبَيْنِ
وَعَنْ عَهْدِ الشَّبِيبَةِ وَالْمَلَاهِي...وَأَيَّامِ الْمَيَامِنِ وَالْكُنَيْنِ
سِوَى أَنِّي اسْتَبَاحَ حَرِيمَ صَبْرِي...هَوَى الْحَرَمَيْنِ أَشْرَفِ مَوْطِنَيْنِ
وَسَوْفَ تَفِي الْعَزَائِمُ والْمَهَارَى...بِوَعْدٍ مُنجَزٍ مِن وَافِيَيْنِ
فَقَدْ مَنَّيْنَنِي قَبْلَ الْمَنَايَا...مُرُورَ رَكَائِبِي بِالدَّهْنَوَيْنِ
يُنَازِعْنَ الْأَزِمَّةَ سَالِكَاتٍ...مَمَرَّ الْجَيْشِ بَيْنَ الْعُدْوَتَيْنِ
تُبَادِرُ بِالْحَجِيجِ وُرُودَ بَدْرٍ...وَيَحْدُوهَا الْحَنِينُ إِلَى حُنَيْنِ
قَوَاصِدَ رَابِغٍ تَبْغِي اغْتِسَالًا...وَإِحْرَامًا لَدَيْهِ وَرَكْعَتَيْنِ
تَمُرُّ بِذِي طُوَى مُتَنَاسِيَاتٍ...لِفَرْطِ الشَّوْقِ كُلَّ طَوًى وَغَيْنِ
مِنَ التَّنْعِيمِ يَدْعُوهَا كَدَاءٌ...إلَى الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ
عَلَى بَابِ السَّلَامِ مُسَلِّمَاتٍ...بِتَطْوَافٍ وَسَعْيٍ عَاجِلَيْنِ
تُنَاخُ لِحَاجَتَيْ دُنيَا وَأُخْرَى...هُنَاكَ فَتَنثَنِي بِالْحَاجَتَيْنِ
بِبَيْتِ اللهِ مَلْمَسِ كُلِّ حَاجٍ...تَعَالى اللهُ عَن كَيْفٍ وَأَيْنِ
حِمًى إِنْ أَمَّهُ لَاجٍ وَراجٍ...يَكُونَا آمِنَيْنِ وَغَانِمَيْنِ
فَمَنْ يَجْهَلْ حِمَايَتَهُ يُسَائِلْ...أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهُ وَذَا الْيَدَيْنِ
إِلَى خَيْفِ الْمُحَصَّبِ رَائِحَاتٍ...بِكُلِّ أَشَمَّ ضَاحِي الْوَجْنَتَيْنِ
وَتَغْدُو بِالشُّرُوقِ مُبَارِيَاتٍ...بِنَا إِجْلَيْ نَعَامٍ جَافِلَيْنِ
مِنَ التَّعْرِيفِ مُسْيًا صَادِرَاتٍ...يَخِدْنَ مُنَكِّبَاتِ الْمَأْزِمَيْنِ
وَمِن جَمْعٍ يَسِرْنَ مُغَلِّسَاتٍ...لِوَقْفَةِ سَاعَةٍ بِالْمَشْعَرَيْنِ
بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ مُتَرَامِيَاتٍ...لِاُولَى الْجَمْرِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ
وَتَرْجِعُ إِنْ أَفَاضَتْ لَابِثَاتٍ...ثَلَاثَ لَيَائِلٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ
وَلِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُوَدِّعَاتٍ...قَدِ ارْتَاحَتْ لِإِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ
وَأُخْرَى لَمْ تَكُن لِتُنَالَ إِلَّا...بِزَوْرِ مَحَلِّ أُخْرَى الْهِجْرَتَيْنِ
إِلَيْهَا مِن كُدًى يَهْبِطْنَ صُبْحًا...هُبُوطَ السَّيْلِ بَيْنَ الْقُنَّتَيْنِ
إِلَى عُسْفَانَ تَعْتَسِفُ الْمَوَامِي...إِلَى الْبَيْدَاءِ دُونَ الْحَرَّتَيْنِ
تَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَالِفَاتٍ...عَلَى الْإِلْبَابِ بَيْنَ اللَّابَتَيْنِ
تَوَخَّى مَسْجِدَ التَّقْوَى تَحَرَّى...مُنَاخَ مُحَمَّدٍ وَالصَّاحِبَيْنِ
فَتَسْتَقْصِي بِهِ الرُّكَبَاتُ مِنْهَا...مِنَ الْقُصْوَى مَكَانَ الرُّكْبَتَيْنِ
وَلَا تُلْقِي عِصِيَّ السَّيْرِ إِلَّا...إِذَا وَصَلَتْ لِثَانِي الْمَسْجِدَيْنِ
ضَرِيحِ الْمُصْطَفَى صَلَّى عَلَيْهِ...مَعَ التَّسْلِيمِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ
يحفُّ خَلِيفَتَاهُ بِهِ فَأَكْرِمْ...بِهِمْ مِن مُصْطَفًى وَخَلِيفَتَيْنِ
وَأَصْحَابِ الْبَقِيعِ وَمَنْ حَوَتْهُ...مِنَ الْأَبْرَارِ كِلْتَا الْبُقْعَتَيْنِ
جُزُوا عَنَّا بِرَيْحَانٍ وَرَوْحٍ...عَلَيْهِمْ لَنْ يَزَالَا دَائِمَيْنِ
وَأُوتُوا جَنَّتَيْنِ دَنَتْ عَلَيْهِمْ...بِخَيْرِ جَنًى ظِلَالُ الْجَنَّتَيْنِ
أُولَاكَ النَّاسُ أَهْلُ اللهِ حَقًّا...حُمَاةُ الدِّينِ بِالْأَسَلِ الرُّدَيْنِي
بِهِمْ يَا رَبِّ عَامِلْنَا جَمِيعًا...بِلُطْفِكَ دَائِمًا فِي الْحَالَتَيْنِ
وَبِالْمَأْمُولِ جُدْ فَضْلًا عَلَيْنَا...وَقِ الْأَسْوَاءَ فِي الدَّارَيْنِ تَيْنِ
وَبِالْحُسْنَى لَنَا فَاخْتِمْ إِلَهِي...كِتَابَ الْحَافِظَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ.


وهذه قصيدته  " المولد النبوي " صلى الله عليه وسلم:

أهْلًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَوْلِدِ النَّبَوِي*** مُقَابَلِ الطَّرَفِ الْأُمِّيِّ وَالْأَبَوِي
أهْلًا بِمِيلَادِ مَوْلُودٍ بِهِ كَمَلَتْ *** بُشْرَى الْبَشَائِرِ لِلْبَادِي وَلِلْقَرَوي
أهْلًا بِمِيلَادِ مَن لَّمْ يَحْكِ مَوْلِدَهُ *** مِنَ الظّرُوفِ مَكَانِيٌّ وَلَا مَلَوِي
أكْرِم بِهَا لَيلَةً غَرَّاءَ مُسْفِرَةً *** عَنْ غُرَّةٍ فِي مُحَيَّا الضِّئْضِئِ الْقُصَوِي
أكْرِم بهَا لَيْلَةً غَرَّاءَ ضَاحِيَةً *** فِيهَا يَتِيمَةُ سِمْطِ اللُّؤْلُؤِ اللُّؤَوِي
أكْرِم بِهَا لَيْلَةً غَرَّاءَ مُطْلِعَةً *** شَمْسَ الضُّحَى بِسَمَاءِ الْمَطْلَعِ النَّبَوِي
أكْرِم بِهَا لَيْلَةً غَرَّاءَ مُظْهِرَةً *** سِرَّ الْوُجُودِ الذِي فِيهِ الْوُجُودُ حُوِي
أكْرِم بِهَا لَيْلَةً غَرَّاءَ مُنتِجَةً *** نَتيجَةَ الْعالَمِ السُّفْلِيِّ وَالْعُلُوِي
هِيَ التِي عَرَفَ الْكُهَّانُ أنَّ لَهَا *** شَأْنًا متَى لَاحَ فِيهَا للنُّجُومِ هُوِي
يَا لَيْلَةَ الْمَولدِ الْمَيْمُونِ طَالِعُهُ *** طَوَى زَمَانَكِ مَن فِيهِ الزَّمَانُ طُوِي
طَوَى الذِي طُوِيَ السَّبْعُ الطِّبَاقُ لَهُ *** طَيًّا وَزَيًّا لَهُ بَسْطُ الْبِسَاطِ زُوِي
لَوْلَاكِ مَا أُنزِل الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَلَا الدِّ *** ينُ الْقَوِيمُ وَلَا مَا فِي الصِّحَاحِ رُوِي
وَلَا وَعاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا أنَسٌ *** وَلَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَالنَّوَوِي
لَوْلَاكِ مَا جَمَعَ الْقُرْءانَ جَامِعُهُ *** وَلَا دَرَى الْخَازِنُ التَّفْسِيرَ وَالْبَغَوِي
وَلَا رَوَى قَارِئٌ صَحَّتْ قِرَاءَتُهُ *** حَرْفًا مِنَ الْمَقْرَإِ الزَّيْدِيِّ وَالْأُبَوِي
وَلَا أُقِيمَتْ مِنَ الْإِسْلَامِ قَاعِدَةٌ *** وَلَا بَدَا فَضْلُ سُنِّيٍّ عَلَى حَشَوِي
لَوْلَاكِ مَا اسْتَنبَطَ الْأَحْكَامَ مُجْتَهِدٌ *** ولَا اسْتَبَانَ حَلَالَ الْبِيْعِ مِن رِبَوِي
وَلَا أَبَانَ بَيَانِيٌّ مَعَانِيَهُ *** ولَا نَحَا اللَّفْظَ نَحْوِيٌّ وَلَا لُغَوِي
لَوْلَاكِ مَا جَمَعـَتْ جَمْعُ الْحَجِيجَ وَلَا *** أَمْنَوْا لِمَرْمَى جِمَارِ الَموْقِفِ الْمِنَوِي
لَوْلَاكِ مَا جُعِلَتْ اُمُّ القُرَى حَرَمًا *** وَلَا تَشَرَّفَ مِن بَيْنِ الْوَرَى عَلَوِي
لَوْلَاكِ لَمْ يَغْلِبِ الرُّومَ الْغِلَابَ ولَا *** مُلُوكَ سَاسَانَ تَيْمِيٌّ وَلَا عَدَوِي
لَوْلَاكِ مَا نِيلَ مَا عَزَّ الْكَلِيمَ لَدَى *** نَجْوَاهُ بِالْمَوْقِفِ الطُورِيِّ وَالطُّوَوِي
لَوْلَاكِ مَا وُجِدَتْ بُشْرَى الْمَسِيحِ وَلَا *** فِدَى الذَّبِيحِ .....1
وَلَمْ تَدِنْ حِمْيَرُ الصُّعْرُ الْخُدُودِ وَلَمْ *** يَرْقَ الْمَنَابِرَ عَبَّاسٍ وَلَا أُمَوِي
فَكَمْ أَفَدتِّ صَدِيقًا أوْ أَبَدتِّ عِدًى*** وَكَمْ فَدَيتِ رَقِيقًا أَوْ هَدَيْتِ غَوِي
وَكَمْ مَنَحْتِ عَطَاءً أَو مَنَعْتِ حِمًى*** وَكَمْ أَعَنتِ ضَعِيفًا أوْ أَهَنتِ قَوِي
وَكَمْ أَزَلْتِ دَوًى عَن جِسْمِ كُلِّ دَوٍ*** وَكَمْ أَزَحْتِ جَوًى عَن قَلْبِ كُلِّ جَوِ
وَكمْ جَنَبْتِ إِلَى الْأَعْدَاءِ عَادِيَةً *** وَكَمْ نَهَبْتِ لَهُمْ مِن جَامِلٍ وَشَوِي
وَكَمْ كَفَيْتِ كِفَاحَ الْأُسْدِ يَوْمَ وَغًى *** وَكَمْ سَبَيْتِ مِلَاحَ الرَّبْرَبِ الْمَهَوِي
بِجَحْفَلٍ مِن صِحَابِ المُصْطَفَى صُبُرٍ*** عَلَى اقْتِحامِ الْوَغَى بِالْمَأْزِقِ الْوَغَوِي
قَدْ عَوَّضُوا لَثْمَ بِيضِ الْهِندِ مُصْلَتَةً *** مِن لَثْمَةِ الْمَبْسَمِ الظَّلْمِيِّ والظَّمَوِي
مِن كُلِّ أَرْوَعَ بَسَّامٍ إِذَا كَلَحَتْ *** عُونُ الْحرُوبِ لَهُ عَن فَاهِهَا الشَّغَوِي
مُدَجَّجًا كَالسَّبَنتَى لَا يُسايِرُهُ *** مِنَ الْأُسُودِ كَرَائِيٌّ وَلَا شَرَوِي
يَدْعُو الْوَرَى بِدُعَاء الْمُصْطَفَى لَهُمُ *** إلى صِرَاطٍ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِ سَوِي
يَا لَيْتَ أَنِّي إِلَيْهِ جُبْتُ فِيحَ فَلَا *** لِلْجِنِّ بِالليْلِ فِي حَافَاتِهِنَّ دَوِي
بِكُلِّ نَاجِيَةٍ خَوْصَاءَ طَاوِيَةٍ *** يَخُوصُ آلَ المَوَامِي آلُهَا الْحَنَوِي
كَأَنَّهَا حُقْبُ جَأْبٍ طَالَمَا جَزَأَتْ *** بِالرَّوْضِ حَتَّى رَمَاهَا بِالْقَنَى السَّفَوِي
صَامَتْ وَصَامَ أَسَابيعًا يُنَهْنِهُهَا *** حَتَّى لَقَد طَوِيَتْ مِن صَوْمِهَا وَطَوِي
والْمَاءُ يَرْصُدُهُ غَرْثَانُ مِن ثُعَلٍ *** يَرَى الْقَنِيصَ إِذَا يَبْدُو صَفِيفَ شَوِي
حَتَّى أَحُطَّ لَدَى مَغْنَاهُ أَرْحُلَهَا *** فَأَسْتَطِيبَ ثَوَاءً حَيْثُ طَابَ ثُوِي
أُلْقِي عَصَا السَّيْرِ لَا أَنْوِي الإِيَابَ إذَا *** كَان الْإيَابُ مِنَ الزَّوْرِ الرِّفّاقِ نُوِي
خُذْهَا إِلَيْكَ رَبِيعُ بِنتَ لَيْلَتِهَا *** زَهْرَاءَ شَاذِيَةً مِن زَهْرِكَ الشَّذَوِي
عَذْرَاءَ مُعْرِبَةً عَن عُذْرِ صَاحِبِهَا *** بِالْحَالِ إن لَّمْ تَفُهْ بِالْمَنطِقِ الشَّفَوِي
مَا اسْطَاع َ حَاكَةُ صَنْعَاءٍ صِنَاعَتَهَا *** وَلَمْ يَحُكْهَا رِبَاطِيٌّ وَلَا سَلَوِي
وَافَتْ تُقَبِّلُ تُرْبَ النَّعْلِ مِنْ خَفَر ٍ*** تَرْجُو الْقَبُولَ بِجَاهِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1= وجد البيت هكذا غير مكتمل لم يتجاوز" فدى الذبيح " , لكن الأخ الفاضل الشيخ إبراهيم بن موسى بن الشيخ سيدي تممه على هذا النحو:لَوْلَاكِ مَا وُجِدَتْ بُشْرَى الْمَسِيحِ وَلَا *** فِدَى الذَّبِيحِ وَمَا اسْتَحْسَنْتُ قَوْلَ"لَوِ"أما العلامة الشيخ إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي فيرى البيت على هذا النحو:لَوْلَاكِ مَا وُجِدَتْ بُشْرَى الْمَسِيحِ وَلَا *** فِدَى الذَّبِيحِ ولا عزَّ المدَى الصفوِي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن روائع شعره قصيدته التي يمدح فيها والده متمثلا قوله تعالى { وأما بنعمة ربك فحدث } وسائلا له المولى عز وجل المزيد من فضله ونعمه وآلائه:

يا سَيِّـدِي إنِّي فَدَاكَ اللهُ بِي *** جَارُ الْحِمَى مَا عَنْهُ لِي مِنْ مَذْهَبِ
أطْنَابُكُمْ مَــوْصُولَةٌ بِطُنٌبِي *** لِي حَقُّ ذِي الْقُرْبَى وَحَــقُّ الْجُنُبِ
وَإنَّنِي قِنٌّ لَكُمْ لَمْ اُشَــــــــــبِ *** وَذُو انتِسَابٍ لَسْتُ بالمُــــــؤْتَشَبِ
وَذُو تَــــــــــــــعَلُّقٍ وَذُو تَحَبُّبِ *** وَذُو تَــــــــمَلُّقٍ وَذُو تَـــــــربُّبِ
وَمُسْتَضِيفٌ مُرْمِلٌ لَمْ أرْغَبِ *** فِي غَيْرِكُمْ لِظَمَإي والسَّـــــــغَبِ
وَسَائِلٌ وَذَاكَ غَيْرُ مَشْعَبِي *** لَكِنَّنِي فِي نَـــــــــــــــيْلِكُم ْكَأشْعَبِ
وَكَمْ حُقُوقٍ لِيَ لَمْ اُؤَنَّبِ *** إن قُلْتُ أهْلُهَا بِـــــــهِمْ أوْصَى النبي
لَا أنَّ إلِّي مِنكُمُ لَمْ يُرْقَبِ *** غَمْصًا لمِاَ مِن فـــــضْلِكُمْ عُلِّقَ بِي
لَكِنْ عَدَا بِي الطَّوْرَ تَوْقُ رَقَبِي *** مِن نِسْبَتِي لَكُمْ لأعْلَى مَرْقَبِ
وأحْمَدُ اللهَ فَلَوْ لَمْ اُنسَبِ *** إلَى حِمَاكُمْ فِي الْوَرَى لَمْ اُحْسَبِ
وَلَمْ تَجِدْ رَكاَئبي مِن مَضْرِبِ *** فِي مَشْرِقِ الأرْضِ وَلَا فِي المَغْرِبِ
نَعَمْ كَفَانِي لِامْتِلَاءِ جُرُبِي *** عِلْمِي بِـــــــــكُمْ وَرُؤْيتي وقُرُبي
في جَنبِ ذَلِكَ هباَ عِندَ هَبِ *** مِلْءُ الْبَــــرَى مِن فِضَّةٍ وَذَهَبِ
أُمِّي فِدَاكُمْ بَعْدَ أنْ يُبْدَأ بِي *** وَبِأبِي لَوْ أنَّ غَـــــــيْرَكُمْ أبِي
ووَجْنَتِي لنَعْلِكمْ في التَّيْرَبِ *** وِقَايَةٌ مِن شَــــوْكَةٍ وَعَقْرَبِ
مَنِ ادَّعَى عَنكُمْ غِنًى في مَذْهَبِ *** إنِّي إلَى مَذْهَبِهِ لَمْ أذْهَبِ
أمَا دَرَى مِن جَهْلِهِ المُرَكَّبِ *** بِأنَّهُ سِوَى الْعَمَى لَمْ يَرْكَبِ
فَإنَّهُ لَوْلَاكُمُ لَمْ يُــــضْرَبِ *** لَهُ بِسَهْمٍ مَا أقَلَّ مَـــــــــضْرَبِ
ولم يَزَلْ حَيَاتَهُ في تَغَبِ *** ولمْ يَزِنْ بَيْنَ الوَرَى مِن زَغَبِ
وعُذْرُهُ اْلجَهْلُ وَعِلْمُ الْحَدَبِ *** مِنكُمْ لَهُ أدَّى لِسُوءِ الْأدَبِ
وَمَا عَلَى عَالِي الذُّرَى مِن نَصَبِ *** في هَبَّةِ الصَّبَا ورَمْيَةِ الصَّبِي
وكيف أغْنى عنكمُ ونَسَبِي *** وَنَشَبِي مِنكُمْ ومِنكُمْ حَسَبِي
ومنكُمُ دَفْعِي ومِنكُمْ جَلَبِي *** ومنكُمُ دِرْعِي ومنكُمْ يَلَبِي
وأسَلِي وقُضُبِي ومَوْكِبِي *** وجَحْفَلِي وعَضُدِي ومَنكِبِي
ومَعْقِلِي وملْجَإي ومَهْرَبِي *** ومَلْبَسِي ومَأكَلِي ومَشْرَبِي
ومِنكُمُ رَاحِي ومنكُمْ ضَرَبِي *** وَرَاحَتِي مِنكُمْ ومِنكُمْ طَرَبِي
وجَبْرُ كَسْرِيَ وجَبْرُ حَرَبِي *** وبُـــــرْءُ دائيَ وبُرْءُ جَرَبِي
وأنتُمُ وَسِيـــــــلَتِي وسَبَبِي *** لمَا إليهِ وِجْــــهَتِي وخَبَبِي
وأنتُمُ دَرِيئَتِي مِــــن لَهَبِ *** نَارِ لَظَى يَوْمَ اشْتِدَادِ الصَّيْهَبِ
أمْ كَيْفَ يَغْنَى عَنكُمُ ذُو أرَبِ *** لِرَبِّهِ مِنْ عَجَمٍ وعَـــــرَبِ
ومَالِكُ المُلْكِ الذِي لمْ يُغْلَبِ *** وَفَضْلُهُ إنْ يُعْطِهِ لَا يُسْلَبِ
وَالْفِعْلُ مِنْهُ عَنْهُ لَمْ يُنَقَّبِ *** وَحُكْمُهُ فِي الْكَوْن ِلَمْ يُعَقَّبِ
وَلاَّكُمُ لِأجْلِ مِيراثِ النبي *** أمْرَ الوَرَى مِنْ أقْرَبٍ وأجْنَبِي
رَحْبُ الفَضَا لوْلَاكُمُ لمْ يَرْحُبِ *** ولمْ تُجَدْ جُرْزٌ بغُرِّ السُّحُبِ
وإنْ يَصبْ صَوْبُ الحَيَا وَيُصِبِ *** لَمْ يُحْيِ مَيْتاً دُونَكُمْ ويُخْصِبِ
والدَّرُّ لَوْلَا رَغْسُكُمْ لَمْ يُحْلَبِ *** والدُّرُّ لَوْلَا سِعْرُكُمْ لَمْ يُجْلَبِ
إذْ لِرَحَى الْأكْوَانِ حَقُّ القُطُبِ *** أنتُمْ وَهَلْ تَغْنَى الرَّحى عن قُطُبِ 
فَلْيُؤْمِنِ الْحَسُـــــودُ أوْ يُكَذِّبِ *** مَا طُرُقُ الْحَقِّ كَطُرْقِ الْكَذِبِ
وأنتُمُ غَيْثُ وغَوْثُ المُـــجْدِبِ *** والنادِبِ الملْهوفِ والمُنتَدِبِ
ألْفيْتُمُ الدِّينَ بقُطْرِ المغــــــرب *** طارتْ به في الجَوِّ عَنقا مغرب
وَرَسْــــــمُهُ عَفتْهُ هُوجُ النُّكُبِ *** وَلَمْ تُعَجْ لَهُ صُدُورُ الرُّكُبِ
فَشِدْتُمُ دُعُمَ كُلِّ خَـــــــــــرِبِ *** مِنْهُ فَلَمْ يُهْدَمْ وَلَمْ يَضْطَرِبِ
وَعَنْهُ ذُدتُّم بِشَبَا ذي شُــــــطَبِ *** يُجَرِّعُ البُغَاةَ كَأسَ الْعَطَبِ
مَهْمَا يَسُمْهُ الْخَسْفَ ضَخْمُ الْقَبْقَبِ *** قَالَتْ سُيُوفُ الحقِّ فيه قَبْ قَبِ
فبَزَغَتْ شمسُ الهُدَى فِي الْغَيْهَبِ *** فَابْيَضَّ كُلُّ أسْوَدٍ وَأكْهَبِ
مُشْرِقةً في نُورِهَا المُـحْتَجِبِ *** تَـــــــبَارَكَ اللهُ كَأن لَمْ تَجِبِ
مِن نُّورِهَا اسْتَمَدَّ نُورُ الشُّهُبِ *** فَلَاحَتَ اسْعُدُ السِّنِينَ الشُّهُبِ
فَطَابَتِ الْحَالُ التِي لَمْ تَطِبِ *** وَأرْطَبَ الْعَيْشُ الذِي لَمْ يُرْطِبِ
وَآضَ صَابُ الدَّهْرِ بِنتَ الْعِنَبِ *** وَعَاضَ نَابَهُ بِبَرْدِ الشَّنَبِ
بُــــورِكَ فِيكُمُ وَفِي مُــــطَيَّبِ *** مَا حُزْتُمُوهُ باَدِيهِ والمُغَيَّبِ
وَاللهُ يُـــــــبْقِيكمْ لِنَفْيِ الرِّيَبِ *** وَنَفْعِنَا مِنْ حَاضِرٍ وَغَيَبِ
وَعَن سَبِيلِ الْأبْطَحِيِّ الْيَثْربِي *** جَزَاكُمُ خَيْرَ الْجَزَا خَيْرُ رَبِ
أدْعُوهُ فِي كَمَالِهِ المْسْتَوْجِبِ *** أنَّا مَتَى مَا نَدْعُهُ يَسْتَجِبِ
مُوقِناً انَّ غَيْرَهُ لَمْ يَـــــــهَبِ *** وَلَا يَـقِي في رَغَبٍ ورَهَبِ
بِالِاسْم الَاعْظَمِ وَمَا لَهُ اجْتُبِي *** مِن صِفَةٍ وَاسْمٍ وَآيِ الكُتُبِ
وَالَانبِيَاءِ كُلِّهِمْ والنُّخَبِ *** من رُسْلهم والمُصْطفى المُنتَخَبِ
والآلِ والْأصْحَابِ والمُنتَسِبِ *** والَاوْلِيَا والمؤْمنِ المُحْتَسِبِ
وبالمَلَائِكَةِ والمُــــــــــــــــقَرَّبِ *** وَرُسْلِهِمْ مِنْ أقْرَبٍ فَأقْرَبِ
أنْ يُولِيَ الرِّضَا الذِي لَمْ يُعْقَبِ *** بِسَخطٍ لَكُمْ وَطُولَ الحِقَبِ
وأنْ يَزيدَ مِنْ عَـــــوَالِي الرُّتَبِ *** مَقَامَكُمْ دُون عَنَا وتَعَبِ
وأن يَقِي نِـــــعْمَتَكمْ من سَلَبِ *** وأنْ يَقِيكمْ شرَّ كلِّ مِخْلَبِ
وَحَاسِــــــــدٍ وَرَاصِدٍ مُرْتَقِبِ *** وَنَافِثٍ وَغَـــاسِقٍ إنْ يَقِبِ
وَعَائِنٍ وَخَائنٍ مُخْـــــــتَلِبِ *** وَهَاتِكٍ وَفَاتِكٍ مُــــــــسْتَلِبِ
وأنْ يُبَارِكَ لَكُمْ فِي الْــــــــعَقِبِ *** مِنكُمْ فيَحْظَى بثَباتِ العَقِبِ
وَمِنْهُ جَلَّ وَهْوَ مُولِي الرَّغَبِ *** وَفَاطِرُ السَّبْعَيْنِ دُونَ لَغَبِ
أرْجُو بِكُمْ نَيْلَ جَمِيعِ الْأرَبِ *** وَدَرْكَ هِمْلَاجِي هَوَادِي الرَّبْرَبِ
وَفَوْزَ سُهْمَانِي بِكُلِّ مَـــــطْلَبِ *** قَــــصَّرَ عَنْهُ كُلُّ مَاضٍ قُلَّبِ
وحَمْلِيَ الْعِبْءَ بصُلْبٍ صُلَّبِ *** وَكَوْنَ بَرْقي غَيْرَ بَرْقٍ خُلَّبِ
ومَدَّ غَمْرِكُمْ مَعِينِ المَسْكَبِ *** بَرْضِي ونور ِالشمسِ منكُمْ كَوْكَبِي
ومَتْحِيَ الْغرْبَ بِأقْوَى سَبَبِ *** وأنْ يُفَرِّجَ تَــعَالَى كُـــــــــرَبِي
وأنْ أفُوتَ دَرْكَ كُلِّ طَلَبِ *** وأدْرِكَ المــــــــطلوبَ دُون طَلَبِ
وأحْرُزَ الخَصْـــلَ بغيرِ تعبِ *** وأخْرُزَ الـــخرْقَ بــخيرِ مِشْعَبِ
وأن اُبَلَّغَ المُــــنى لم تَجُبِ *** فِيحَ المَـــــوَامِي النائياتِ نُجُبِي
ويَسْتَقِيمَ عَـــرَجي ونَكبَيٍ *** وأرْكَبَ النَّـــــــجَاةَ خَيْرَ مَرْكبِ
وتُبْرِدُوا مِنْ غُلَّتي بِنُغَبِ *** مِن ثَلْـــــجِكُمْ تُزْرِي بِبَرُدِ الثَّغَبِ
وَتَسْمَحُوا بنَظْرةٍ مِنْ حَدِبِ *** بِهَا يُـــــــقامُ أوَدُ المُحْدَوْدِبِ
وتَنفَحُوا بِنَفْحَةٍ مِن طَيِّبِ *** طِيبِكم المُـــــــــطَيَّبِ الُمُطَيِّبِ
وتنشلوا بجَذْبةٍ مَنْ يُجْذَبِ *** بِهَا يَصِلْ بِهَا فَلَمْ يُــــــذَبْذَبِ
حتى اُرَى بِالنَّائِلِ المُكْتَسَبِ *** مِنكُمْ إلَيْكُمْ صَادِقَ المُنتَسَبِ
فَيَتَوَلاَّنِي الذِي إنْ أكْسِبِ *** وِلَايَةً مِنْهُ فَذَاكَ مُــــــــحْسِبِي
لَازِلْتُمُ فِي الْحَرَمِ المُحَجَّبِ *** والنَّاسُ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عَجَبِ
وَأنتُمُ فِي قُطْرِهِ المُرَجَّبِ *** وَعَـــــــصْرِهِ في مَكَّةٍ وَرَجَبِ
يَأتِيهِ فَلَّ أرَبٍ وهَــــــرَبِ *** كلُّ أخِي مَـــــــخَافَةٍ وَتَرَبِ
فَآمِلٌ سَيْحَ جِمامِ القُلُبِ *** ومُشْتَكٍ هَضْمَ اللُّصُوصِ الْغُلُبِ
وَمُسْتَرَقٌّ رَامَ فَكَّ الرَّقَبِ *** وَسَالِكٌ رَامَ جَــــــوَازَ الْعَقَبِ
وَسَائلٌ عَن مُشْكلٍ مُسْتَصْعَبِ *** وَجَاهِلٌ يَمْشِي كَمَشْيِ المُصْعَبِ
فَيُلْتَقَى جَمِيعُهُمْ بِمَرْحَبِ *** وتُبْسَطُ البُسْطُ لَهُمْ بالرَّحَبِ
وآدِبٌ بالنَّقَرَى لَمْ يَدْرَبِ *** وَالْجَفَلَى مَهْما دَعَاهَا يَطْرَبِ
تَرَاهُمُ لَدَى الْجَنَابِ المُخْصِبِ *** عَلَى الْقِرَى كَالْعَكَرِ المُعْصَوْصِبِ
فَمَنْ يُقِمْ يُزَدْ عَلَى المُطَّلَبِ *** وَمَنْ يَؤُبْ فَـــــحَامِدُ المُنقَلَبِ
وَلَا يَزَلْ بَرْقُ نَدَاكمْ يَطَّبِي *** أهْلَ الْقَــرِيضِ نَحْوَكُمْ وَالْخُطَبِ
رِكَابُهُمْ يَنْهـــــَجْنَ كُلَّ نَيْسَبِ *** مِن سبْسَبٍ خَوَارِجًا لِسَبْسَبِ
لمَّا رَأوْا مُهْدي الثَّنا في نُصُبِ *** إلَّا لَكُمْ لَمْ يَذْبَحُوا للنُّصُبِ
والْكُلُّ عَـــــدَّ نَفْسَهُ كالمُذْنِبِ *** لِعَجْزِهِ أطْــــــنَبَ أوْ لَمْ يُطْنِبِ
وَكُلُّ مَنْ أصَابَ أوْلَمْ يُصِبِ *** تُغْضُونَ عَنْهُ مِنْ عُلُوِّ المنصِبِ
فتُتْحِـــــفُونَهُمْ بِـــــــكُلِّ أرَبِ *** تَأسِّيًا بِالْحَــــــــــنَفِيِّ الْيَثْربي
أتْحَفَهُ اللهُ بِغَيْثٍ صـــــــــيِّبِ *** مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الطَّـــــيِّبِ
وَالْآلَ وَالصَّحْبَ وَكُلَّ مُــجْتَبِ *** دِينَ النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى لَمْ يـــَرْتَبِ
مَا فَازَ بِالشُّرْبِ قَصِيرُ الْكَرَبِ *** مِنَ ازْرَقِ الْجَمِّ قَرِيبِ المْشَرَبِ
وَلَمْ يَؤُبْ فَوْقَ رِكابٍ خُـــــيَّبِ *** مَنِ انتَـــهــَوْا لِوَلَدِ المُسَـــــيِّبِ
جَاءَتْ بِقَصْدِ الزَّوْرِ وَالتَّقَرُّبِ *** تَسْحَبُ ذُلاً خَـــــدَّهَا فِي التَّيْرَبِ
هَذَّبَهَا مَن لَيْسَ بِالْمُــــــهَذِّبِ *** لَكِنَّهُ فِي ضِــــمْنِها لَمْ يَـــــكْذِبِ
تَمْرِي النَّدَى الذِي بِدَرِّهِ حُبِي *** مُهْدِي الثَّنا مَرْيَ الصَّباَ للسُّحُبِ
تَرْجُو النَّجَاةَ مِنْ دَوَاهِي الْحِقَبِ *** وَالْفَوْزَ بِالنُّجْحِ وحُسْنِ العَقِبِ.  

لولا ما عرف عن شعراء موريتانيا السابقين من تواضع لأجمعوا على نعت بعض قصائدهم البديعة الرائعة بالمعلقات, وسيكون من ضمنها بلا شك هذه القصيدة العجيبة شكلا ومضمونا, ومادة ومعنى, ووسيلة وهدفا.
لقد ظهرت في هذه القصيدة عبقرية علماء موريتانيا وشعرائها، وكيف لانت لهم لغة العرب بل لغة القرآن الكريم وكيف فنوا فيها، وفنيت فيهم؛ فامتزج الجميع فلا تمايز ولا افتراق!.
يدعو الشيخ سيدي محمد - رحمه الله تعالى- من خلال هذه القصيدة إلى تجاوز المألوف في مضامين الشعر العربي والتطرق إلى مناحٍ ومعانٍ ومقاصدَ لم يحدث أن تُطُرق إليها وإلى اختيار صيغٍ تعبيريةٍ جديدةٍ كل ذلك يكون خدمة للقصيدة العربية الأصيلة لا تحييدا أو تغييرا أو تبديلا لها موضحا - رحمه الله تعالى- الملامح المتوخاة لأي إبداع حقيقي.

يقول الشيخ سيدي محمد:

يَا مَعْشَرَ الْبُلَغَاءِ هَلْ مِنْ لَوْذَعِي ــ يُهْدَي حِجَاهُ لِمَقْصَدٍ لَمْ يُبْدَعِ

إِنِّي هَمَمْتُ بِأَنْ أَقُولَ قَصِيدَةً ــ بِكْرًا فَأعْيَانِي وُجُودُ الْمَطْلَعِ

لَكُمُ الْيَدُ الطُّولَى عَلَيَّ إِنَ انتُمُ ــ ألْفَيْتُمُوهُ بِبُقْعَةٍ أوْ مَوْضِعِ

فَاسْتَعْمِلُوا النَّظَرَ السَّدِيدَ وَمَنْ يَجِدْ ــ لِي مَا أُحَاوِلُ مِنكُمُ فَلْيَصْدَعِ

وَحَذَارِ مِنْ خَلْعِ الْعِذَارِ عَلَــى الدِّيَارِ, وَوَقْفَةِ الزُّوَّارِ بَيْنَ الْأَرْبُعِ

وَإِفَاضَةِ الْعَبَرَاتِ فِي عَرَصَاتِهَا ــ وَتَرَدُّدِ الزَّفَرَاتِ بَيْنَ الْأَضْلُعِ

وَدَعُوا السَّوَانِحَ وَالْبَوَارِحَ وَاتْرُكُوا ــ ذِكْرَ الْحَمَامَةِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ

وَبُكَاءَ أَصْحَابِ الْهَوَى يَوْمَ النَّوَى ــ وَالْقَوْمُ بَيْنَ مُوَدِّعٍ وَمُشَيَّعِ

وَتَجَنَّبُوا حَبْلَ الْوِصَالِ وَغَادِرُوا ــ نَعْتَ الْغَزَالِ أَخِي الدَّلَالِ الْأتْلَعِ

وَسُرَى الْخِدَالِ عَلَى الْكَلَالِ لِرَاكِبِ الــشِّمْلَالِ بَيْنَ النَّازِلِينَ الْهُجَّعِ

وَدَعُوا الصَّحَارَى وَالْمَهَارَى تَغْتَلِي ــ فِيهَا، فَتَذْرَعُهَا بِفُتْلِ الْأَذْرُعِ

وَتَوَاعُدَ الْأَحْبَابِ أَحْقَافَ اللِّوَى ــ لَيْلًا وَتَشْقِيقَ اللِّوَى والْبُرْقُعِ

وَتَهَادِيَ النِّسْوَانِ بِالْأُصْلَانِ فِي الْـكُثْبَانِ مِن بَيْنِ النَّقَى وَالْأَجْرَعِ

وَالْخَيْلَ تَمْزَعُ بِالْأَعِنَّةِ شُزَّبًا ــ كَيْمَا تُفَزِّعَ رَبْرَبًا فِي بَلْقَعِ

وَالزَّهْرَ والرَّوْضَ النَّضِيرَ وَعَرْفَهُ ــ وَالْبَرْقَ فِي غُرِّ الْغَمَامِ الْهُمَّعِ

وَالْقَيْنَةَ الشَّنبَا تُجَاذِبُ مِزْهَرًا ــ وَالْقَهْوَةَ الصَّهْبَا بِكَأْسٍ مُتْرَعِ

وَتَذَاكُرَ السُّمَّارِ بِالْأَخْبَارِ مِنْ ــ أعْصَارِ دَوْلَةِ قَيْصَرٍ, أَوْ تُبَّعِ

وَتَنَاشُدَ الْأَشْعَارِ بِالْأَسْحَارِ فِي الْــأَقْمَارِ لَيلَةَ عَشْرِهَا وَالأَرْبَعِ

وَتَدَاعِيَ الْأبْطَالِ فِي رَهَجِ الْقِتَالِ إلَى النِّزَالِ بِكُلِّ لَدْنٍ مُشْرَعِ

وَتَطَارُدَ الْفُرْسَانِ بِالْقُضْبَانِ والْــخِرْصَانِ بَيْنَ مُجَرَّدٍ وَمُقَنَّعِ

وَتَذَاكُرَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ لِلْــأَنسَابِ وَالْأَحْسَابِ يَوْمَ الْمَجْمَعِ

وَمَنَاقِبَ الْكُرَمَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالــصُّلَحَاءِ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ الْخُشَّعِ

فَجَمِيعُ هَذَا قَد تَدَاوَلَهُ الْوَرَى ــ حَتَّى غَدَا مَا فِيهِ مَوْضِعُ إصْبَعِ

مِن مُدَّعًى مَا قَالَهُ أَوْ مُدّعٍ ــ وَالْمُدَّعَى مَا قَالَ, أَيْضًا مُدَّعِ

وَالْيَوْمَ إِمَّا سَارِقٌ مُسْتَوْجِبٌ ــ قَطْعَ الْيَمِينِ, وَحَسْمَهَا فَلْيُقْطَعِ

أَوْ غَاصِبٌ مُتَجَاسِرٌ لَمْ يَثْنِهِ ــ عَنْ عَزْمِهِ حَدُّ الْعَوَالِي الشُّرَّعِ

مَهْمَا رَأَى يَوْمًا سوَامِيَ رُتَّعًا ــ شَنَّ الْمُغَارَ عَلَى السَّوَامِي الرُّتَّعِ

فَكَأَنَّهُ فِي عَدْوِهِ, وَعِدَائِهِ ــ فِعْل السُّلَيْكِ, وَسَلْمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ

وَالشِّعْرُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ الْمُدَّعِي ــ صَعْبُ الْمَقَادَةِ, مُسْتَدِقُّ الْمَهْيَع

كَمْ عَزَّ مِن قُحٍّ بَلِيغٍ قَبْلَنَا ــ أَوْ مِنْ أَدِيبٍ حَافِظٍ كَالْأصْمَعِي

هَلْ غَادَرَتْ (هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ) فِي ــ بَحْرِ الْقَصِيدِ لِوَارِدٍ مِن مَشْرَعِ؟

وَالْحَوْلُ يَمْكُثُهُ زُهَيْرٌ حُجَّةٌ ــ أَنَّ الْقَوَافِيَ لَسْنَ طَوْعَ الْإِمَّعِ

إِنَّ الْقَرِيضَ مَزَلَّةٌ مَن رَامَهُ ــ فَهْوَ الْمُكَلَّفُ جَمْعَ مَا لَمْ يُجْمَعِ

إِنْ يَتْبَعِ الْقُدَمَا أَعَادَ حَدِيثَهُمْ ــ بَعْدَ الْفُشُوِّ, وَضَلَّ إِن لَمْ يَتْبَعِ

وَتَفَاوُتُ الشُّعَرَاءِ أَمْرٌ بَيِّنٌ ــ يَدْرِي الْغَبِيُّ وُضُوحَهُ وَالْأَلْمَعِي

مَا الشَّاعِرُ الْمَطْبُوعُ فِيهِ سَلِيقَةً ــ وَجِبِلَّةً مِثْلَ الذِي لَمْ يُطْبَعِ

وَمُهَذِّبُ الْأَشْعَارِ بَادٍ فَضْلُهُ ــ عِندَ السَّمَاعِ عَلَى الْمُغِذِّ الْمُسْرِعِ

مَا الشِّعْرُ إِلَّا مَا تَنَاسَبَ حُسْنُهُ ــ فَجَرَى عَلَى مِنْوالِ نَسْجٍ مُبْدَعِ

لَفْظٌ رَقِيقٌ ضَمَّ مَعْنًى رَائِقًا ــ لِلْفَهْمِ يَدْنُو وَهْوَ نَائِي الْمَنزَعِ

مُزِجَتْ بِرِقَّتِهِ الْحَلَاوَةُ يَالَهُ ــ مِن رَاحِ دَنٍّ بِالْفُرَاتِ مُشَعْشَعِ

فَيَكَادُ يُدْرِكُهُ الذَّكِيُّ حَلَاوَةً ــ وَطَلَاوَةً بالْقَلْبِ قَبْلَ الْمَسْمَعِ

تَعْرُو الْقُلُوبَ لَهُ ارْتِيَاحًا هِزَّةٌ ــ يَسْخُو الشَّحِيحُ بِهَا لِحُسْنِ الْمَوْقِعِ

وَالشِّعْرُ لِلتَّطْرِيبِ أَوَّلَ وَضْعِهِ ــ فَلِغَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَنَا لَمْ يُوضَعِ

وَالْيَوْمَ صَارَ مُنَكِّدًا, وَوَسِيلَةً ــ قَدْ كَانَ مَقْصدُهَا انتَفَى لَمْ يُشْرَعِ

وَإِلَيْهِ تَرْتَاحُ النُّفُوسُ غُلُبَّةً ــ فَيُمِيلُهَا طَبْعًا بِغَيْرِ تَطَبُّعِ

يَنسَاغُ لِلْأَذْهَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ــ وَيَزِيدُ حُسْنًا ثَانِيًا فِي الْمَرْجِعِ

فَيَخَالُ سَبْقَ السَّمْعِ مَن لَمْ يَسْتَمِعْ ــ وَيَعُودُ سَامِعُهُ كَأن لَمْ يَسْمَعِ

كَالرَّوْضِ يَغْدُو السَّرْحُ فِيهِ, وَيَنثَنِي ــ عِندَ الرَّوَاحِ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَعِ

وَإِذَا عَرَفْتَ لَهُ بِنَفْسِكَ مَوْقِعًا ــ تَخْتَارُهُ يُهْدَى لِذَاكَ الْمَوْقِعِ

مَن كَانَ مُسْطَاعًا لَهُ فَلْيَأْتِهِ ــ وَلْيَقْنَ رَاحَتَهُ امْرُؤٌ لَمْ يَسْطِعِ

وَالْجُلُّ مِن شُعَرَاءِ أَهْلِ زَمَانِنَا ــ مَا إِنْ أَرَى فِي ذَا لَهُ مِنْ مَطْمَعِ.

جانب الفكاهة والطرف في شعره: 

وإذا انتقلنا إلى الفكاهة والطرف والملح فقد احتلت حيزا كبيرا من هذا الشعر إلى جانب التنكيت. يقول في نديم له عظيم اللهى يسمى نحن : 

ما هَزَّ عِطفَي كمي يومَ هيجاء *** بين الأوَاني كذي النونين والحاء

فرد يقوم مقامَ الجمع فَـهوَ لِذا *** يُدعى بمُضمر جمعٍ بين أسماءِ

يسطُـو بأسلحة للأكل أربعةٍ *** يدٍ وفم وبُلْعُوم وأمعَـاء

تخال لُقماته العُظمى براحتهِ *** كرَاكِرَ الإبل أو جماجمَ الشاء

ما بِيْنَ طَلعتِها فيها وغَيْبتِهَا *** في فِيه إلا كلمح الطرف من رائي

فتنهوي كدلي خان ماتِحها *** أشطانُها فتهاوت بين أرجاء

فبان أنّ الذي يحويه من شرف *** قد صحَّ لكنهُ بالهاء لا الفاء

ويقول أيضا : 

لا تنكروا ما ادعاه نحن من شرف *** به استبد عن اباء وأجداد

 هو الشريف بلا شك ولا ريب ***  لكنه حلّ في مسلاخ حداد

ومن ذلك وصفه للعجائز اللائي جئنه معترضات على تزوجه ممن لا يرضين عنها : (طويل)

أمن فعل أَمْرٍ في الشريعة جائز *** أباح اهتِضامي بينكم كُلُّ عاجز

وكان بكُم جند البغاة يهابني ***  فصال علي اليوم جند العجائز

فَجئتُ كأني قد أتيت ببدعةٍ *** وفاحشة من نحو فعلة ماعزِ

فلو أن أرضي ذاتُ معز رجمنني *** ولكنها ليست بذاتِ أماعزِ

ولم يتوقف جانب الطرف والملح والفكاهة إلى هذا الحد، بل تجاوز ذلك ليشمل "نظم طرف وملح بني ديمان في قصص معروفة عندهم تمثل مدرسة الكيس والروية وما يسمى بـ "الديمين". يقول: (رجز)

يا رائمًا هَـزْلَ بَنِي دَيْمَانا *** دونك منه جُمَلاً حِسانا

واعلم بأن منهمُ فرسانا *** قد سلكوا من قبل ذا الميدانا

وقصَبُ السَّبْقِ بذا المجال *** مُسلَّم قطعا لبابَ فالِ 

إلى أن يقول معددا ظرفاءهم ويتعرض لبعض القصص السائرة، يقول :

ومنهم محمذ مَيْلُودُ *** مِنْ ظرفاء عصره معدودُ

وهو الذي قدْ سقَطَ العِجلُ عليه *** فضَمهُ بعد إبائهِ إلیه

ومنهمُ نجلُ الفُظيْلِ بَابا *** فتح مِن سبل الذكاءِ بَابا

وقال إذ جيءَ بلحم الحوتِ *** دَيمانُ لا تعرف أكل الْكوِتٍ

وللشيخ سيد محمد قصيدة جليلة المعنى جميلة المبنى تسمى : ( قصيدة يا من يجيب ), من أراد الحصول عليها كاملة فلينزلها عبر هذا الرابط المباشر :
https://www.mediafire.com/file/emnvjmi3w39on41/يا+من+يجيب2.pdf/file .

قال الشيخ محمد بن حنبل الحسني في مدح الشيخ سيدي محمد ذاكرا شمائله :

ليـهـنـأك أن قـد قـام بـالأمر بعده *** فـتـى هـو بـيـت المـكـرمـات وبـابـها

تـضـلع مـن عـلم الشـريـعـة وانـتـهـى *** إليـه مـنَ اسـرار الطـريـق لبـابـهـا

أغــر وســيــم يــغـبـط الشـهـد خـلقـه *** عــلى أنــه طــلق اليـمـيـن رحـابـهـا

له هـمـة يـهـوى بـهـا النـسـر واقعا *** ويــهــبـط مـن جـو السـمـاء ربـابـهـا

فـتـى مـا نـجـت نـجـب المـطـي بـمثله *** ولا حــمــلتــه بــخــتــهـا وعـرابـهـا

ولا نــيــطــت الآمــال إلّا بــفـضـله *** ولا فــاض إلا مــن يــديـه عبابـهـا

ولا ضــاء وجــه الأرض إلا بــوجـهـه *** ولا طــاب إلا مــن شــذاه تــرابـهـا

عــلا فــوق أعــلام البــريــة رتـبـة *** تـقـاصـر عـنـهـا شـيـبـهـا وشـبـابـهـا

وأصــبــح مــحـتـلا مـن المـجـد سـورةً *** عـلى كـل ذي مـجـد قـد أعـيـى طـلابُها

له حــضــرة جــابــت بـه حـلل السـنـا *** فــطــابــت بــه أكــنـافُهـا ورحـابُهـا

تــرى حـولهـا المـسـتـضـعـفـيـن أعِـزّةً *** كــمــا كــنّ آســاداً بــبـيـئة غـابُهـا

وتــلفــى بـهـا المـسـتـكـبـريـن أذلّةً *** كـمـا ظـلّ فـي أيـدي الرعـاء ذئابها

هــمــت مــزن جــدواه ومــزن عــلومــه *** بــمـا شـاء جـهـال الورى وسـغـابـهـا

هـمـت فـكـفـى الجـاديـن واكـف جودها *** واذهـــب لوح الوارديـــن ذهــابــهــا

ويــعــتــقــب المـدلون أعـداد فـضـله *** مدى الدهر لا يوذى الدلاء عقابُها

ســقـى اللّه أيـام الخـليـفـة طـحـمـةً *** مـن الرحـمـة الوسـعى طموحا أبابها

ولا عــطــلت أزمـانـه بـعـد مـا غـدت *** مـنـوطـاً عـليـهـا شـنـفـهـا وسـخـابها

ولا عــريــت مـنـه عـصـورٌ بـه ازدهـت *** وأســبــغ مـن نـور عـليـهـا ثـيـابُهـا

وتــم له بــالمــصــطـفـى كـلّ مـرتـجـىً *** وءاب مــرجــوه حــمــيــدا مــئابــهــا

عــليــه صــلاة لا تــغــيــب ورحــمــة *** وفــيــضــات تــســليــم مـرب ربـابـهـا.

وله أيضا من قصيدة أخرى يمدحه بها :

ألمت بشعث في الفلاة هجوع *** وأنضاؤهم في أنسع وقطوع 

سروا ما سروا حيث الفياييد جثم ****  ولَفُّ قطيعِ المها بقطيع

وحيث الثبيت الجلد تجشأنفسه **** وتصــمي سهام الخوف كل جزوع

علَی مثل أشباح الحني مبرح *** بها السير إلا مجفرات ضلوع

طووا منكراتِ البيد في مدلهمةٍ *** علی كـلّ فتلاء الذراع ذروع

فلما استقل النجم في أخرياتهـا *** ككفة وشم في لبــان خريـع

أنخن فألقين العثانين رزحـا *** بكل زمـام كالـشـجاع بديع

ولاقى خدود القوم مستنتل الحصا *** كمعصم خودِ تَحـتَ خَـد ضَـجیع

فأَحبب بِهَا مِن زائر رحل زائر *** لشيخ لأشـتات الجميل جموع

سَقى الأرض أيام الخلافة فارتوت *** أهاضيب زمزام الرعود هَموع

وأطلع شمْس الدين فائضة السنا *** عَلـی كل وهد في البلاد وريـع

وفجَّر أنهارا من العلم حفلا *** بكل نمير للغليل نقوع

وقلد أجيــادَ البسيطة صيته *** وشنف أذني بُرقُع ورقيـع

وأصبح روض الخير جُن ذبابهُ *** وأغصانه ماست بكل سجوع

ونادى منادي الأمن واليمن والهـنا *** فأسمع ذا سمع وغير سميع


وقال عبد المالك بن الإمام الأبييري في مدح الشيخ سيدي محمد :

خليلي إن هاج المنازل عبرتي *** بفقد ما تبكتني الطلول الدوارس

وكنت جليد النفس لولا معاهد *** تعاهدني من رسمهن الوساوس

دعاني أبكي كل رسم عهدته *** برسم الأماني والشباب مجالس

لياليَ إذ غصن التواصل ناعم *** وغصن التجافي والتقاطع يابس

ليالي إذ تسبي بفينان بانـةٍ *** بيبرين مطلول الربی فهو مائِسُ

وطرف كأنّ السحر في لحظاتهِ *** تناعــسـهُ طَـورا وطورا تخـالس

ووجه يكاد اللحظ يدمِي خُـدوده *** شموس الضحى إن قابلته حنَــادِس

وثغر کنَور الأقحوان مؤشــر *** توخته مرصاد القلوب الأبالس

 له نكهة كالمسـكِ ضِيعَ مع الصـبا *** وطَـعم كأحلى ما تمج الجوارِس

كساها الحيا مِن رونق الحسن بهجة *** كَمـا بَهجت بابن الكمال المجالس

بسيدنا الأسنى مُـشــيِّدِ عِزنــا *** ومقباسنا إن تطغ فينا الحنــادِس

يتيمة عقد المجد مشكاةِ نــورهِ *** ومقباسه إن تَخْب منه النبارس

تحلى به مِـنْ عاطل الدهر جيده *** ولَانـت بِهِ شُهب العصور العوابس


وقال محمد مولود بن أحمد بن عبدالله الحاج بن المبارك،رحمه الله يمدح الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير:  

فذر الصبا وزر الكريم محمدًا *** بتحية تستَوجب الإفضالا

أكرمه إجلالا بذاك فإنه *** يستوجب الإكرام والإجــــــــلالا

قدم له مــا تستطيع من الثــنا *** واصدع به واضرب به الأمثالا

صفه بما تصف الكرام وفوقه *** إذ فاقهم أدبا وفاق نوالا

وشمائلا تزري بنفحة روضة **** مُلئت تناویرا زهت وزلالا

أخطأت إن شبَهتَـه في جوده *** معنا وكعبا حاتما وبلالا

أو كنت قد شبهته في علمه *** متموجا يَرمي السفين تلالا

فانزل إلى ذاك الفناء تجد فتى *** جم الرماد على الربي محلالا

سَهلَ الجناب لمن أوى لجنابه *** حُوش الجَنان ندِي البَنان أُثالا

يَلقي العفاة بواضح متبلِج *** متبسم يَستبشر استهلالا

يَهبُ الألوف على الألوف وضعفها *** للمجتدين قناطرا وريالا

ونـجائبًا شم الذرى مشدودة *** برحالها والعوذ والأشوالا

فاللّه إذ قسم المكارم في الوری *** أُوفى له من حظه المكيالا 

لو واجه البدرَ المنيـرَ بوجههِ *** لَغدا بهِ البدر المنير هلالا

أو قابل الشمس المضيئة بالضحى *** صحوًا لألبـس وجهها أجلالا

قسما بربّ الرَاقصاتٍ إلى مِنًى *** عوجًا عوابرَ في الهجير الآلا

خوصا تبارى في الأزمةِ جُنْحًا *** يطوين منشور الفلاة شلالا

يحملن شُعْثا عامدين لحجهم *** كيما يحطوا عنهمُ الأثقالا

مـا أمَّتِ الوجناء في راحولها *** منهُ أبرَّ مواثقا ومقالا

 وأعزَّجيرانًا وأغـزر نـائِـلاً *** والمَحل يعرِق بالسعار محالا

وأتمَّ أخلاقا وأحسنَ خِلقَةً *** منه وأطيب شيمة وخلالا

 آلَ الكمال وُقيتمُ شر العِدى *** ووُقيتم البأساء والأنكالا

وكفيتم شر الحسود وكيْدَهُ *** وكفيتم المغتال والمحتالا.


عاش الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبيرنحو أربعين سنة وتوفي سنة 1286هـ , ودفن مع والده بتندوجه رحمهم الله جميعا رحمة واسعة . 

فوقف على الضريحين العالم الزاهد الشاعر، الهادي بن محمدي فقال : 

لله بيت لا يخيبُ سؤالُه *** فهو الأمانُ لسائل من خيبةِ

يا عيبة الأنوار فخرك ساطع *** لم تحوهِ فخرا جوانح عيبــةِ

بك حلَّ أهل الهيبَ حاضرةُ النـدَى *** أهل المكارم والعلا والهيبـةِ

فكأنهم أولاد شيبةَ في الندَى *** طفلُ الذؤابةِ مثلُ كهلِ الشيبةِ

لَا تحسبوا القومَ الحضورَ بغُيَّبٍ *** بعضُ الحضورِ مُشاكِلٌ للغَيبــةِ

إن رام زائرُك الموفقَ حاجــــةً *** كِيلَت حوائِجُه بأعظم وَيبــةِ

كما وقف عليهما العالم الفاضل عبدالله بن محنض بابه بن عبيد فقال :

حَليُ الزمانِ وغُرةُ الإنسانِ *** وجميـعُ مَـا يُرجى مــن الإحسَـان

شمسانِ قَـد حَلاَّ ببرج واحـدٍ *** عجبا لبرجٍ حلَّه شمســــانِ.


وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه , والحمد لله أولا وآخرا     

    كتب الترجمة / إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي