الشيخ سيدي الكبير

الشيخ سيدي الكبير : مؤسس بتلميت
***********
قطب زمانه ووحيد عصره وعلامة دهره الحبر البحر الفهامة , من أصلح الله به الأمة وأقام به الحجة وأخرج به البلاد من كوارث الفتن والسيبة : الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبه بن أحمد دوله بن أبابك ولد سنة 1190هـ ، 1770م في منطقة القبلة في الجنوب الغربي من موريتانيا ولاية الترارزة ونشأ في وسط علمي وديني شديد الالتزام.
وكان مولده في السنة المعروفة بعام المرفك بنواحي بتلميت , يقول الشيخ محمد فال بن بابه العلوي:
ووقعة المرفق عام يشفق :: ولد فيه العالم المحقق
الشيخ سيدي إمام المغرب :: جميعه من عجم وعرب.
لم يكن للشيخ سيدي همٌّ في صغره غير تحصيل العلم فلم يشغله ما شغل غيره من أبناء سنه، يقول هارون ابن الشيخ سيدي في كتاب الأخبار: “كان هذا الشيخ المذكور آية من آيات الله في وقته حليما لا يزعزعه شيء كالطود الراسي وكان وقورا ثبتا متأنيا في جميع أموره وكان غاية قصوى في العلم وفي الاتباع وفي العمل بما علم حتى قيل إنه لم يفعل مكروها ولا خلاف الأولى منذ عقل إلى أن توفي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة وحتى قيل إنه في صغره وطفولته لم يقع منه ما يقع من الصبيان ولم ينتقد عليه شيء كأنما فطره الله يوم فطره على الخير وعمله وجلب المصالح ودفع المضار عن عامة خلق الله تعالى “.
والمتتبع لحياته العلمية وحدها ـــ رحمه الله ــ يجد نفسه أمام ما يقارب خمسين سنة من الترحال والسعي وراء العلم، بدأت من منطقة بوتلميت لتمر على "لعكل"، حيث محضرة حرم ولد عبد الجليل، ثم محضرة أهل حبيب الله في لبراكنة ثم تيشيت فولاته، ليحط الرحال في محضرة الشيخ سيدي المختار في أزواد، حيث قضى حوالي سبع عشرة سنة عاد بعدها الشيخ سيدي عالما بحرا مربيا عارفا بالله.فقد تلقى معارفه العلمية الأولى ثم غادر المنطقة في رحلة انتجاع علميه استغرقت 38 سنة قضى منها 13 عاما في دراسة علوم اللغة على يد حرمة بن عبد الجليل (1150هـ ـ 1243م ، 1737هـ ـ 1828) .
وأربع سنوات في دراسة الفقه على يد حبيب الله ولد القاضي الإجيجبي وعاما في المطالعة في مكتبات تيشيت وسبع عشرة سنة في دراسة التصوف والتبحر في أسرار الطريقة القادرية على يد العلامة الشيخ سيد المختار الكنتي وابنه الشيخ سيدي محمد في أزواد.
عاد الشيخ سيدي من نجعته الطويلة إلى منطقة القبلة سنة 1827 بعلم وافر فأسس زاويته الذائعة الصيت في عموم المنطقة وكرس معارفه العلمية ونفوذه السياسي والروحي لإصلاح مجتمعه البدوي ونشر الطريقة القادرية في الغرب الافريقي وأهلته لذلك مكانته العلمية والدينية وبصيرته السياسية وأدبه الجم ونفوذه على أمراء المنطقة ووجهائها في القرن الثالث عشر الهجري .
 ثم ليبدأ مرحلة عطاء لا حدود لها في شتى مجالات الحياة انطلاقا من قناعته الراسخة بضرورة إصلاح مجتمعه، فباشر برعاية مصالح الناس ودفع الضرر عنهم ونشر ثقافة السلم وإصلاح ذات البين. ونشر العلوم بكل أنواعها، فأجاز عشرات الرجال علماء ولغويين وغيرهم.وإضافة إلى ذلك كان رحمه الله قدوة لغيره عالما ورعا متبعا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فكان محط الرحال ومأوى الضعاف والفقراء. . وكان مهابا لا يُخشى على حرمه من عدوان.سافر إلى المغرب 1834م فأحسن ملك المغرب استقباله وأهداه مكتبة ضخمة ثم عاد إلى مجموعة أولاد أبيري حيث تزوج سيدة فاضلة تدعى (محجوبة) أمامه بنت عالي ولد عبدي أنجبت له ابنه الشيخ سيدي محمد.
يقول صاحب الوسيط : ((.... وهو العلم الذي رفع على قطره واستظل به أهل دهره وماذا أقول في رجل اتفق على أنه لم يظهر مثله في تلك البلاد، وقد رأينا من أحفاده ما يرفع العناد، إذ من المعلوم أنهم قاصرون عن مداه، أو لم يجاوزوه إلى ما وراه.
واشتغل في شبابه بالعلوم وبرع فيها بملازمته لحرمه بن عبد الجليل العلوي مدة طويلة ثم شد رحاله إلى الشيخ سيدي المختار الكنتي وبرع في الطريقة ثم رجع إلى أهله حيث اعترفوا بفضله.
ولم تزل فضائله تبدو حتى أذعنت له الزوايا وحسان وصار مثل الملك بينهم فلا يعقب حكمه. وكان أهلا لذلك كرما وحلما وعلما ولم تزل الدنيا تنهال عليه ويفرقها بين الناس.
كانت شنقيط تجعله حرما آمنا يضم عنده آلاف الناس يطعمهم ويسقيهم ويقضي جميع مآربهم حتى لقي الله ولا يسأله أحد حاجة إلا أعطاه إياها بالغة ما بلغت, أما فضائله فأكثر من أن تعد (راجع الوسيط لابن الأمين (240 ص ـ242).
عاد الشيخ سيدى من نجعته الطويلة إلى مسقط رأسه حيث الوضعية السياسية والاجتماعية سيئة.
فعلى المستوى السياسي احتدم الصراع بين إمارتي الترازرة والبراكنه، والاستعمار الفرنسي على التخوم يذكي الخلافات بين الإمارات ويشعل الصراعات الداخلية والاغتيالات السياسية ، والظلم والنهب الذي تمارسه المجموعات الحسانية المتغلبة . أخذ الشيخ سيدي في إصلاح هذا الوضع عبر مستويات من الإصلاح السياسي والتعليمي والاجتماعي والفكري.
فعلى المستوى التعليمي أسس جامعته المعروفة التي تجاوزت الدائرة الضيقة إلى دائرة الشيخ ومريديه الجامعة لمختلف الأقوام ونظم الزوايا مستفيدا من تجربته في زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي ،فوضع الموارد الاقتصادية ووزع المهام المختلفة وحفر الآبار وأصلح الأراضي الزراعية وكفل طلبة العلم واعتني بالمرضى وآوى أصحاب السبيل واهتم بتربية الحيوانات باعتبارها عمود الاقتصاد الريفي التقليدي آنذاك، فغصت زاويته بأفواج الطلبة من كل حدب 
وصوب .

اعتمد الشيخ سيدي في تنظيم حضرته نظاما جديدا متميزا, فكانت بذلك مشروعا دينيا واجتماعيا ذا طابع إصلاحي عام, مما جعلها متميزة عن غيرها من التنظيمـات الحضروية الصوفية في المنطقة. فقد كانت هذه الحضرة تقوم على أساس جلب المصلحة ودرء المفسدة، والوئام، والالتحام، والمحافظة على وحدة أفرادها وجماعاتها, وإشاعة الأمن والاستقرار, والتحضر بحفر الأبار وبناء المساجد والدور وتنصيب القضاة، والذب عن كل من دخل حريم الحضرة بغض النظر عن تصنيفه العرقي. كما كانت هذه الحضرة مرکز إشعاع فكري وثقافي وديني شمل البلاد كلها وتجاوزها إلى الأقاليم المجاورة , فأرسل الشيخ سيدي مریديه إلى غامبيا والسنغال وإقليم كازاماس لنشر الإسلام حيث أسسوا زوايا في تلك الأقاليم.

ويعتبر الشیخ سیدي نفسه مسؤولا عن كل من التحق بهذه الحضرة ويرتب له حقوقا معلومة يتم توفيرها ويتضح ذلك من قوله في رسالة إلى عشيرته أولاد انتشایت :(... ومما ينبغي أن تتنبه له وتنبه عليه غيرك أن هذه العلائق التي علق الله بنا من المسلمين لم يحملهم على التعلق بنا إلا طلب النفع والاستدفاء بدفئنا والاستظلال بظلنا و استجلاب سائر المنافع واستدفاع جميع المضار بحرمة حريمنا وجاهنا لحسن ظنهم بنا، فلا أقل من أن نمسك عنهم شرنا، إذا لم ندفع عنهم شر غيرنا، فإن لهم من الحقوق علينا، ما نعجز عن القيام بعشر العشر منه ...).

ونتيجة لحسن تنظيم هذه الحضرة واتساع انتشارها ونجاح مشروعها الإصلاحي الكبير ، كانت كعبة للطامعين والمظلومين.يقول عنه صاحب الوسيط : 

( ...وكانت العرب في أرض شنقيط، تجعله حرما آمنا، فيجتمع عنده أحدهم، بمن قتل أباه أو أخاه، فيجلسهما على مائدة واحدة. وإذا بلغ الجاني نواحي البلد الذي يقيم به، أمن على نفسه. ولم يمض عليه يوم، إلا وعنده آلاف من الناس، يطعمهم ويكسوهم، ويقضي جميع مآربهم، حتى لقي الله، ولا يسأله أحد حاجة إلا أعطاه إياها، بالغة ما بلغت...).

 تدخل الشيخ سيدي الكبير رحمه الله وافتدى المجموعات الغارمة بماله وفض النزاعات حتى طالت فداءاته أكثر من 30 مجموعة، لا تزال وثائق فداءاتها موجودة حتى الآن.  

الدور السياسي :
استطاع الشيخ سيدي أن يحول التصوف من قضية شخصية بين العبد وربه إلى ظاهرة سياسية ليس في بلاد شنقيط وإنما في إفريقية الغربية.
وأهله ذلك للعب دور سياسي بارز مكنته رسائله المختلفة التي بعثها إلى الأمراء والوجهاء والقبائل والإدارة الاستعمارية وجعلته كما يقول المصطفى بن أعل طالب أبرز مفكري الارستقراطية الدينية في العصر.
بدأ دوره السياسي يظهر في المنطقة عندما نهض بمهام قبيلته السياسية حيث توسط في النزاعات بين الإمارات خاصة في إمارة اترارزة التي اشتد فيها النزاع بسبب الإتاوات التي تدفعها مقابل السماح لها بالتجارة ، وتوسط في النزاعات بين البراكنة وبين الترارزة وآدرار وبين أمراء تكانت بكار ولد اسويد أحمد (ت 1323هـ ـ 1905م) وأمير الترارزة أعمر بن المختار (1251هـ ـ 1800م ـ 1243هـ ـ 1829م) الذي تعهد له بمبلغ من ميزانية الإمارة مساهمة في تسيير زاويته العلمية الشهيرة .
كما كان له تأثير قوي على ابنه الأمير التروزي الشهير محمد لحبيب بن اعمر بن المختار ، وسانده في صراعه ضد الفرنسيين على الضفة ومحاولاتهم لاحتلال بلاد شنقيط رغم أن الشيخ سيدي توفي قبل دخول الاستعمار الفرنسي إلى موريتانيا .
إلا أن موقفه كان حازما واستطاع ببصيرته النافذة ورؤيته الواعية الفذة استشعار الخطر الاستعماري وسياساته التوسعية فعمل على لم شمل الإمارات البيظائية وتوحيد صفوفها للوقوف في وجه الزحف الفرنسي القادم.
في هذا الإطار انعقد مؤتمر تندوجة برعايته سنة 1856م وحضر المؤتمر أمراء اترارزة ولبراكنة وآدرار وتكانت وذلك لتنسيق جهودهم وحل خلافاتهم السياسية الجانبية.
وعضد ذلك المجهود الداخلي بالتوجه للخارج بطلب العون من سلطان المغرب الذي كتب له رسالة يطلب منه العون بالكتب والسلاح ، وعززت رسالته السياسية هذا الدور الذي اطلع به فكانت الأمراء والقبائل تتوسط به كما تبين ذلك رسائله في التوسط بين أولاد أبييري وتندغة وبين اركيبات وتجكانت وبين تجكانت وكنت.
وكانت وسيلة الشيخ سيدي في ذلك هي الدعوة بالحسنى والجدال بالتي هي أحسن والإقناع .

ويقول الشيخ هارون بن الشيخ سيدي باب في كتابه الأخبار: وكان الشّيخ سِيدِيَّ في غاية الاهتمام على طول الدوام بمصالح الأنام من أمته عليه الصلاة والسلام فلا يبلغه خلافُُ كبير ولا صغير ولا عظيم ولا حقير بين اثنين أو قبيلتين أو قبيلة فيما بينها على فتيل ولا قطمير إلا سعى في التوْفيق بين أهله بمبلغ طاقته بوفوده بنفسه أو ببذله لكل ما يرضي أحد الطرفين أو الكتابة الوعظية الزجرية الحكميّة الشرعية التى لا تقرأ على صفاة ملساء إلا أثرت فيها لما فيها من الحق والوضوح وعدم التحاشي من إظهار الحق لمن هو له أو عليه وعدم خوف لومة لائم فيه سواء كان المخاطب من العرب أو من الزوايا أو من غيرهما وسواء بعُد منه أو قرُب وسواء كان من عشيرته أو من غيرها ،  شهد بهذا كله الخاص والعام من سائر الأنام والعيانُ فيه مُغْنٍ عن الخبَر. اهـ.

ويقول العلامة حمدا بن التاه في محاضرته في ندوة الشيخ سيدي: “إن الشيخ سيدي مرجعية نموذجية لمختلف الأبعاد، في العطاء الثقافي والاجتماعي والسياسي في هذا البلد، والذي يقرأ كتاب الشيخ هارون ولد باب ولد الشيخ سيدي والرسائل الصادرة عن هذه الأسرة، يجد أن آفاقها لم تكن محدودة، ليس فقط في اترارزه أو في موريتانيا ولكنها تتجاوز هذه الآفاق إلى أقطار أخرى وإذا كان الشيخ سيدي محمد يقف في الشمال ليضع حدا من الحدود الموريتانية ويقول:
أحمراء السواقي ما ورائي :: الآن غربت أيها الانتشائي
فإن الشيخ إبراهيم ولد الشيخ سيدي يضع أيضا لبنة ليحد الحدود الشرقية:
ها أنا اليوم بالنوار مقيم :: أي عهد بيني وبين النوارا.”
وتحدث العلامة اباه ولد عبد الله عن البعد الإصلاحي للشيخ سيدي في كلمة له بعثها إلى ندوة بتلميت فقال إنه “يعتبر أكبر مصلح بما لكلمة الإصلاح من معنى: إصلاح ذات البين بين الأمراء، والإصلاح بين القبائل المتناحرة، والإصلاح بين الأفراد المتنافرة، وإصلاح النفوس ورياضتها لتنقاد لأمر ربها امتثالا واجتنابا، إلى نشر العلم والفتوى في النوازل النازلة والتآليف البديعة والنصائح القيمة، إلى دماثة خلق وتحمل مشقة عرف بهما في رحلته الطويلة في طلب العلم إلى نصرة المظلوم وإعانة المنكوب والصبر على جفاء الجافي ودفعه بالتي هي أحسن بحيث صار حرما آمنا يلجأ إليه الخائف ويفر إليه الجاني، متعززا بتقوى الله مكتفيا به عما سواه، ويقال من خاف الله خافه كل شيء، حتى صارت سمته على المواشي أمانا لها من اللصوص الناهبين فصار بعض الناس يضعها على مواشيه خوفا عليها. وفي هذا يقول العالم الشاعر أبد بن محمود العلوي يخاطب باب بن الشيخ سيدي محمد:
أنسى الورى بلدانهم وغدت لهم == بلدانه سلمى البلاد ومنعجا
من لم يخط البا بلوح خطه == يمنى التليل تحصنا مما فجا.”

***الدور الفكري :
سعى الشيخ سيدي إلى إصلاح المجتمع سياسيا وفكريا عبر الدعوة إلى الإمامة وإقامة سلطة سياسية مركزية تقيم الدنيا وتحرس الدين ، ويعكس إنتاجه الشعري جانبا من ذلك المشعل الفكري الذي اهتم به وعضده من خلال دوره الإصلاحي الاجتماعي عبر زاويته وتأثيره على الأمراء والوجهاء وإشاعته للفتاوى المختلفة التي تناولت مختلف نوازل البادية الشنقيطية .
ويمكن ملاحظة البعد الاجتماعي للشيخ سيدي والنظرة البعيدة التي يتمتع بها والتي سبق بها الكثير من المفكرين الإسلاميين الذين خلفوه من خلال تحفظه على تجربة "إديجب" في تطبيق الشريعة الإسلامية قبل تهيئة الأرض الصالحة لذلك وأفرد لذلك الموضوع مؤلفه المعروف بالميزان القويم والصراط المستقيم .
ورأى أن إقامة الحدود بصورة فردية يعرض القبيلة للخطر بسبب انعدام الوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك الهدف النبيل . وطبيعي أن الشيخ سيدي كان يسعى إلى إيجاد مناخ أفضل لتوعية الناس وتهيئة الأرض المناسبة لقيام المجتمع الإسلامي أولا ثم بتطبيق الحدود.
فإن الحدود إنما شرعت لتنظيم المجتمع ولابد من العمل على بناء المجتمع بمختلف أبنيته وهياكله وإحراز السلطة المركزية والقاعدة البشرية الراعية والفكرة الايديولوجية المحركة.
وعلى هذا المنوال سار الشيخ سيدي في مشروعه غير مستعجل ، ولا متناس لواقع مجتمعه البدوي ، وظروفه المختلفة الاجتماعية في العالم الإسلامي آنذاك .
لم تحل مكانة الشيخ سيدي ومشروعه الإصلاحي المناقض للمصالح الفرنسية من إقامة علاقة معهم على أساس الندية والاحترام.
وقد وعت الإدارات الاستعمارية الفرنسية مكانة الشيخ سيدي ونفوذه فاحترمته وقدرته.
وتبرز رسائله إلى الإدارة الاستعمارية جانبا من تلك المكانة وذلك الدور.
ويمكن أن نعطي مثالا برسالته لحاكم السنغال افيدرب 1854 ـ 1863 التي دعاه فيها إلى الإسلام مستعيدا الأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث بعث إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام.
وتعتبر رسائل الشيخ سيدي مصدرا من مصادر التاريخ الإسلامي وتلقى الضوء على مختلف أطواره وتشكلاته الاجتماعية والسياسية وتقلباته الدينية.

ومن روائع شعره ما قاله في الحث على مكارم الأخلاق :

أَيَا مَعْشَرَ الْإِخْوَانِ دَعْوَةُ نَادِبِ ***** إِلى الْحَقِّ وَالْمَعْرُوفِ ليْسَ بِكَاذِبِ

أعِيرُونِيَ الْأَسْمَاعَ أُهْدِ إِلَيْكُمُ ***** وَصِيَّةَ صَافِي النُّصْحِ غَيْرِ مُخَالِبِ

فَهَذَا أَوَانُ النُّصْحِ وَسَّطَ نَجْمُهُ **** لِتَوْسِيطِ نَجْمِ الْبَيْنِ بَيْنَ الْأَصَاحِبِ

فَلَا تُنتِجُوا الْبَغْضَاءَ بِالْمَزْحِ بَيْنَكُمْ ***** بَلِ اسْتَنتِجُوا بِالدِّينِ وُدَّ الْأقَارِبِ

فَكَسْرُ الْأوَانِي بِالدِّفَاعِ مُرُوءَةً ***** يُبَايِنُ فَضْلًا كَسْرَهَا بِالتَّجَاذُبِ

وَمَن كَانَ ذَا لَوْحٍ وَهَمٍّ وَطَاعَةٍ ***** فَلَا يَدْنُ لِلْمُسْتَصْبِيَاتِ اللَّوَاعِبِ

فَمَا أفْسَدَ الْألْوَاحَ وَالْهَمَّ وَالتُّقَى ****** كَبِيضِ التَّرَاقِي مُشْرِفَاتِ الْحَقَائِب

مِرَاضِ الْعُيُونِ النُّجْلِ حُوٍّ شِفَاهُهَا ***** رِقَاقِ الثَّنَايَا حَالِكَاتِ الذَّوَائِبِ

وَمَن كَانَ مِنكُمْ ذَا وِدَادٍ وَخُلَّةٍ ***** لِمُرْتَفِعِ الْأخْلَاقِ جَمِّ الْمَنَاقِبِ

لِيَسْحَبْ عَلَى عَيْبِ الْخَلِيلِ ذُيُولَهُ ***** وَيَسْتُرْ فَشَأْنُ الْخِلِّ سَتْرُ الْمَعَايِبِ

وَلَا يُنسِهِ قُبْحُ الطَّوَارِي إذَا أسَا ***** مُعَاشِرُهُ حُسْنَ الْخِصَالِ الذَّوَاهِبِ

خَلِيلِيَ لَا أُبْدِي إلَى مَن يَذُمُّهُ ***** طَلَاقَةَ وَجْهِي بَلْ عُبُوسَةَ حَاجِبِي

أُحِبُّ الذِي يَهْوَى وَأُبْغِضُ مَا قَلَى ***** وَلَسْتُ عَلَيْهِ إِنْ يَزِلَّ بِعَاتِبِ

إذَا مَا دَعَا يَوْمًا لِصَدْمَةِ حَادِثٍ ****** أَلَمَّ عَلَيْهِ كُنتُ أوَّلَ وَاثِبِ

وَلَيْسَ بِعَادٍ عَنْهُ تَهْوِيلُ خَطْبِهِ ***** وُثوبِي فَإِنَّ الْخِلَّ خِلُّ النَّوَائِبِ

وَمَنزِلَةُ الْإِخْوَانِ فِيهَا تفَاضُلٌ ****** فَمِنْهُمْ لَذِيذُ الطَّعْمِ عِندَ الْمُصَاحِبِ

وَمِنْهُمْ زُعَاقٌ لَا تُطاقُ طِبَاعُهُ ****** مُعَاشِرُهُ يَرْتَاحُ إذْ لَمْ يُقَارِبِ

وَمِنْهُمْ فَجُورٌ يُظْهِرُ الْوِدَّ كَاذِبًا ***** مَذَاهِبُهُ فِي الْكِذْب فَوْقَ الْمَذَاهِبِ

وَكَائِنْ تَرَى مَن تَزْدَرِي وَتَظُنُّهُ ***** لَئِيمًا إذَا يُمْنَاهُ هَطْلَى سحَائِبِ

ألَا رُبَّمَا كَانَ الْكَرِيمُ بِظَاهِرٍ ***** لَئِيمًا لَهُ فِي الْبُخْلِ غَوْصَةُ رَاسِبِ

وَمَا النَّاسُ إلا مِثْلَ مَا قِيلَ سَابِقًا ***** صَنَادِيقُ سُدَّتْ فَتْحُهَا بالتَّجَارِبِ.

وقال سيدي عبد الله بن أحمد دام الحسني مادحا الشيخ سيدي الكبير رحمهما الله تعالى :

ما للمشيبِ وفعل الفتيةِ الشَّبَبَهْ ... وللبيب يواصي في الصّبا خَببهْ
آنت لذي شَمَطِ الفودينِ رجعته ... إنَّ القتيرَ ليَحمي ذا النُّهى طرَبهْ
لمَّا تأوَّبني منْ طولِ ما جَمحَتْ ... نفْسي هُمومٌ رَمتْ صَبْرِي بما سَلبهْ
ناجَيْتُ فكري وقد أمعَنْتُ من نظري ... ثمَّ استمر بيَ الرَّأْيُ الذي اكتسبَهْ
أن يمْمَتْ شرَفَ الدينِ الكمالَ بنا ... علياءُ تعتسف الآكام والهضبهْ
حتى وضعتُ عَصى سَيْري بباب فتىً ... يؤوِى الطريد ويولي الراغب الرغبهْ
من نبْعة طيّبَ الباري أرُومتها ... بيتاً أحلَّ ذُرى المجدِ العُلى نسبهْ
حارتْ أناسٌ بجَدْوى حاتمٍ ولقد ... نَرى سَخاءً كمالَ الدينِ قد غلبَهْ
أغْنى العماعِمَ مِنْ راجيهِ سَيْبُ نَدَا ... مَنْ لا يُمنَّ على العافينَ ما وَهبهْ
مَن كان يَفْضُلُ لِلمُعْتَرِّ إِنْ عَرضَتْ ... عزَّاءُ تعْدُو عَليهِ أُمَّهُ وَأَبَهْ
أَحْنى على الشُّعْثِ والأيتام مِنْ نَصَفٍ ... على صَغيرٍ لها قدْ أكبرتْ عَطبهْ
أشدُّ عندَ تمادي أَزْمَةٍ فرَحاً ... بالمُعْتفين مِن العافي بكلّ هِبهْ
يلقى العفاة بوجهٍ من سماحتهِ ... كالهُنْدُوانيِّ تجلو متنَهُ الجَلَبهْ
وَإنْ أَلَمَّ بهِ ضَيْفٌ فمرتحل ... يُثني وكان جميلَ الظنّ إذْ رَغِبَهْ
ولَّى يفرّقُ حمدَ الشيخ في فِرَقٍ ... شتًّى ويكثرُ مما قدْ رأى عجبَهْ
رأى هنالكَ أخلاقَ الكرامِ إلى ... زِيِّ الملوكِ وَزِيِّ السَّادَةِ النخبَهْ
رأى مُصَرَّعَةَ الأنعام قد قسمتْ ... بين الصفيفِ وبين الجَونَةِ الرَّحَبه
رأى الوُفُودَ على بابِ الكمالِ كما ... يرى الدُّثورَ على عِدٍّ حمتْ قُلُبَهْ
من مُعْتفٍ وأخي فتْوى ومُلتمِسٍ ... فَصْلَ القَضا ومريدٍ كشف ما حُجِبه
أو كشْفَ مسألةٍ والكل قد وسعت ... جفائه ولكلّ منه مَا طلبهْ
فاللهُ بارك في نفْسِ الكمالِ وفي ... ما اللهُ موليهِ من قُصوى ومقترِبهْ
إنْ تستَبِقْ حَلباتِ المجدِ راكِضةً ... خيلُ المعالي تَراهُ سابقَ الحَلَبهْ
لا يضمرُ الضَّجْرَ من جارٍ أساء ولا ... مِنَ المُرافِقِ يوهي صَبرَ مَن صَحِبَهْ
ولا يضيقُ ذراعا بالذي صَنعتْ ... أيدِ
ي الحوادثِ تبتز الفتى سَلَبهْ
وكم ثئًا بينَ ما حَيْين أصْلَحَهُ ... خَرْزَ الصّناعِ لمسني أجرة قِرَبَهْ
أمَّا الرِّقاعُ فأعلاقٌ يجودُ بها ... والسيرُ نصحُ بليغٍ يَبتغي القُرُبه
رآهُ ذو العرْش علامُ الغيوب لذا ... أهْلاً فساق لهُ مِنْ قبله سَببَهْ
عِلماً وفَهماً يصيدُ المشكلاتِ بْهِ ... دَرْكَ الطِّمِرَّةِ مَنْ سرْبِ المَهى عطِبه
ومَصَّ كلَّ درورٍ من مسلسلةٍ ... دُرًّا تَخيَّرَهُ للملك مَنْ ثقبهْ
لما تغلْغلَ في علمِ الشريعةِ منْ ... صافيهِ أعَملَ في نَيْلِ العُلى نُجُبهْ
شدَّ الرحالَ على عُتْقِ الرِّكابِ إلى ... تاج الأجِلّةِ من ساداتِنا النُّخَبهْ
فنال ما نال إذ حطّ الرحالَ وما ... أدراك ما نال يا واهًا لها رتبهْ
فأصبح الشيخُ مأوى كل ذي ظمإِ ... كما يُصَبَّحُ مَسْقى دجلةَ القربَهْ.

وكان للشيخ سيديا علاقة سابقة بالمولى سيدي محمد ، حدثت بمناسبة سفره إلى المغرب في عهد أبيه المولى عبد الرحمن بقصد الحج، فإنه كما نقل في الوسيط: “لما قدم إلى مراكش وجد المولى سيدي محمد بن المولى عبد الرحمن ألكن لا يبين الكلام فتفل في فمه، فانطلق بالكلام” (الوسيط 241). ولم يحج الشيخ سيديا لوصول الأخبار بظهور الوباء بالحجاز، لكنه عاد بمكتبة كبيرة تضم الكثير من نفائس الكتب، أشاد بها وبصاحبها العلامة بابه بن أحمد بيبه العلوي بقوله:

لك الطائرُ الميمونُ والمنزل الرحب *** فإنك أنت الغوثُ لا شك والقطبُ
أضاءت بلادُ الغرب لمَّا حللتَها *** فأصبح يبكي عند تَرحالك الغرب
وجئتَ بكتب يعجز العيسَ حملُها *** وعندك علم لا تحيط به الكتب
وأنت حسام قاطع كل شبهة *** وأنت سراج في البرية لا يخبو.

وقال محمدوبن محَمْدي العلوي يمدح الشيخ سيدي الكبير:

قالت وكنتُ من الضلالِة سائراً ... في ظلّ مُسترخِ السُّدُول بَهيم
هلاّ اهتديت بنجمٍ شَيْبَك إذ بدا ... فكم اهتدى ذو حيرة بنجوم
أو ما كبِرْتَ عن النَّسيب ألا ترى ... عند العدول إلى امتداح كريم
بمحاسنٍ تنسيك ما للبيض من ... وجهٍ أغرّ الوجنتينِ وسيم
هذي محاسن من غدا بصفاتهِ ... مستوْجبَ الإجلال والتعظيم
مَنْ بالسيادةِ والمحامدِ وسْمُهُ ... وفق اسمه فالإسْمُ كالموسوم
نالت من الرُّتَب العوالي كَفُّهُ ... ما لم تكن لتنال كف أريم
ألفى المكارم قد تهدّم ركنها ... فأقام ساقطَ ركنِها المهدوم
خلق الإله بنَانه للبحث عن ... صعب العلوم وكسب كل عديم
ولسانهُ للكف إلا مدمناً ... لتعلم أو مـــــدمنَ التــــــــــعليم
وجنانَهُ الماضي المنيرَ لفهم ما ... عنه قد اكدى فهمُ كل فهيم
وقصائدٍ ودَّ العذارى جعلَها ... حَلْيا مكان اللؤلؤ المنظوم
يا راكباً يدنيهِ ساحةَ بابهِ ... تقريبُ دامية الأظلّ رَسُوم
أبشرْ فقد يمَّمتَ مَن مَنْ ينحُه ... يظفر بنيل مؤمّل ومروم
إن سائلاً يمّمت بحر مواهبٍ ... أو جاهلاً يمّمت بحر علوم
أو مشتكٍ من ذي عداءٍ مَظْلماً ... يمّمت رفع شكاية المظلوم
عَلِم المعارف والمعانيَ والمعا ... ليَ من أب نَبِهٍ بهنَّ عليم
شيخ هدى من ضلّ عن سنَن الهدى ... حتى كسى الأنوار كل أثيم
عمَّ الأنام بهديه وأمدَّهمْ ... كلاًّ بفيض من نداه عميم
وردت حياض نواله وعلومه ... هِيمُ الورى فشفى غليلَ الهيم
في كفه رزق الأنام فكلهم ... ساعٍ لموضع رزقه المقسوم
فترى البيوت أمامه مملوءة ... ما بين ناوي رِحْلَةٍ ومقيم
كُلاً بنسبة ما يحاول خصه ... من قوت أفئدةٍ وقوتِ جُسوم
لم يكفه الميْرُ الكثير لدى القرى ... كلاَّ ورِسْلُ الكوم نحر الكوم
فترى بساحته الدماَء وفرثَها ... ولَقى العظام جديدةٍ ورميم
وترى القدور رواسيًا وترى الجفا ... نَ لوامعًا بحواضرِ المطعوم
من قاسه بالأكرمين فإنه ... في الشأو قاس مجليًا بلطيم
بل قاس ملتطم البحار بنطفةٍ ... والروضَ غضًّا ناضرًا بهشيم
حدّث ولا حرجٌ عن الشيخ الرضا ... أو دَعْ إذا حدثت بالمعلوم
يا حبذا ذلك الكمال وحبذا ... جلساؤه من زائر وخديم
ولحبذا تلك القعيدة إنها ... حَلِيَتْ بِدُر من حُلاه يتيم
نالت عظيم الحظ حين تعلقت ... بمنال حظ لا يُنال عظيم
قد أُكملتْ خَلْقاً وخُلقاً وانتمت ... لأروم صدق فوق كل أروم
عُدمت نظائرُها فواجد من لها ... شبهٌ لعمرك واجدُ المعدوم
إن كنت قد أخرتها ذكرًا فكم ... من آخر في رتبة التقديم.


ويقول محمذن ولد السالم الحسني في مدح الشيخ سيدي الكبير رحمهما الله تعالى:
وقافيةٍ بذلْتُ الوسْعَ فيها … لتصلُحَ أن تُزَفَّ إلى الكمال
أُحاوِلُ أن أضمنَها خِلالا … تَضَمَّنَهَا فمنْ لي بالمُحال
إمامٌ في مصالح ذي البرايا … وفي كسبِ المَحامدِ غيرُ آل
يقصر عن مداه أبو عدِيٍّ … ويحيى وابنُ مامةَ في النوالٍ
ولم أرَ قبلَ مسجدِهِ مَصلىًّ … تضمَّنَ وابلاً سَرِبَ العَزال
يداه غمامتانِ على البرايا … على التدءاب دائمتا انهِمَال
فذي عمَّتْ بصَيّبِهَا وهَذي … تخصُّ به ذوي الهمم العوالي
تجرَّد للعُلى شيحانَ يبغي … مقامات عَصَين على الرجال
لمعترٍّ وجارٍ وابنِ عمٍّ … وأرملةٍ تَوَاكلها المَوال
وعَرْجَلةٍ من الغرْباءِ شُعْثٍ … من اللأواء تجْأر كالسعالي
جَمَعْتٌ على مُكلَّلةٍ رداحٍ … كجابيةِ المخوَّلِ وفْرَ مالِ
وعانٍ قد فككتَ ومستضيفٍ … حَضأتَ له الزَّخيخ على التّلال
كِلا الغَوْثين علكَ قَهوَتيه … ولم تترك لغيرك من فضال
فرُحْت ولا يعابُ عليك فعِلٌ … ولا ألفيتَ مغلوبا بحال
تخالقُ بالجميلٍ الخَلْقَ طُرًّا … وأنْتَ معَ الجليلِ الفردِ خال
حوتْ ما دون مرتبة التنبّي … يداكَ من المكارمِ والمعالي
وأنت إذاً من الثقلين طُرًّا … بمنزلةِ اليمين من الشمال.


وفاته :
توفي الشيخ سيدي الكبير سنة 1284هـ ـ 1868م رحمه الله رحمة واسعة .

قال العلامة الهادي بن محمدي العلوي في رثاء الشيخ سيدي الكبير :

الأرضُ بعد الشيخ ثَكلى يالها ... قد زُلْزِلَتْ من فَقْدِهِ زِلْزَالَها
أنَّى لها تجِدُ السُّلُوَّ وَرَاَءه ... عزَّ السُّلُوُّ وَرَاَءهُ أنَّى لها
يا لِلْحَوَائج والخطوبِ إذا دَهَتْ ... ذهَبَ المُعَدُّ لهنًّ كان فيالها
رُزْءٌ أصاب العالمين جميعَها ... أطفالها ونساَءها ورجالَها
كهفُ البرِيَّةِ حاملٌ أَعْبَاَءها ... دون الورى ومصدّق آمالّها
غوثُ الأنام إذا السُّنون تتايَعَتْ ... والأرضُ أَصْبَحَ ماؤُهَا صَلْصَالَها
كم كاعِبٍ أو فارضٍ أو يافعٍ ... أو عائل قَدِمَتْ إليه فعالَها
كم عصبة ضربت إليه جيادَها ... وَعِصَابَةٍ ضَرَبت إليه جِمَاكها
تَبْغي حوائج من يديهِ كثيرة ... حطت لهنَّ سرُوجَها وَرِحَالهَا
الواهبُ الجردَ العتاق وقد حَمَتْ ... قَصَب الرهان إذا تجول مَجَالها
إِنَّ العَطِيَّةَ لا يَتِمُّ نفاذُها ... إلا وَأَرْدَفَ بعدَها أمثالَها
دارٌ رأى إقبالها إدبارَها ... ورأى الورى إدْبَارَها إقبالَها
ومنها:
مَأوَى الورى قطبُ الرحى مَنْ جاَءهُ ... يَجِدَ الرَّحى أبداً تحكّ ثِفَالَهَا
ويجدْ كريمة شولهِ معقولةً ... بالباب قد خَضَبَ النَّجيعُ عِقالَها
تخشى المساء أو الصباح سوامهُ ... فكلاهما انتظرت بهِ آجالهَا
فالناسُ ينتجعونَ سَيْبَ يمينهِ ... لا سيفَها وسنانَها وبلالَها
كم ليلة أو بلدةٍ أحياهما ... بالذكرِ والحَفْرِ المفيض زُلالَها
لمَّا رأى سُبُل الرِّفاقِ مَضَلّةً ... عَمَرَ البلادَ وهادَها ورِمالهَا
منَع البلادَ مِنْ أن تُصابَ بَسَيئٍ ... حَتى أجارَ من الرُّعاةِ سَيالَها
وإذا العُدَاةُ مَعَ العُدَاةِ تَقابَلَتْ ... وضَعَ العُداةُ عن العُداةِ نِبالَها
وحَمى جميعَ العالمينَ حِمايةٍ ... لَمْ تحمها أسد الشَّرَى أشبالَها
لكنَّما المولى رحيمٌ بالوَرى ... فالتَحمَدِ المولى الذي أبْقى لها
مَنْ كان وارث سِرِّهِ ومقامِهِ ... حَذْوَ الرِّجالِ على النّعالِ نعالَها
أتَتِ الخِلاَفَةُ مَرْبعاً قد طالما ... سَحِبتْ بهِ منْ قبلِ ذا أذْيالَها
وتَسنمتْ أرآمُها أرآمَها ... وتكَنَّستْ أطْلاَؤها أطْلالها.

ورثاه الشيخ محمد بن حنبل  بقصائد عدة، اخترنا منها هذه القصيدة التي تعتبر من عيون الرثاء :

أرى الملة البيضاء جل مصابها *** ففاضتُ مآقيها وطال انتحابها

وقاست بفقد الشيخ وجد مصابة *** بواحدها لما تولى شبابها

وضاق بها عرض البسيطة والتقى *** على أهلها ظفر الخطوب ونابها

وأظلم وجهُ الأرض حتى كأنما *** تردت مدادًا غوطها وحدابها

فبعد كمال الدين ما نقع الصدى *** رِواء ولا سر الصحاب صحابها

 ولا طاب مشموم ولا راق منظر *** ولا لذ مِنْ غُر الثنايا عِذابها

أَلا رُبَّ مَنْ يَبكي الكمال بعبرةٍ *** حرامٍ على غيرِ الكمال انصبابها

وخَودٍ تلقت بالبنان دموعَها *** تشابه لَونا دمعُها وخِضابُها

ويسبقها طورا من الدمع سابق *** قد ابتل منه عِقدُها ونقابُها

 تخاطبني وهنا وفي الصدر غصة *** فلأيًا بلأيٍ ما يبين خطابُهَا

تقول أبعد الشيخ تنعم عِيشة *** ويهنأ أرضا أن يُثج سحابُها

أليس الذي أحيى به الله خلقه *** ولولاهُ لم تحمل رؤوسا رقابُهَا

فقلت لها والنفس تغلي ومقلتي *** شبيه بمنثور الجمان انسكابها

ثقي بإله لا يموت ورحمةٍ *** مِنَ اللهِ مقصور علينا حِجابها 

وأن سيولَ المُكْفَهِراتِ تنزوي *** فتعقُبها أخرى يعُب عُبابها

فنحن بني الإسلام أبناء ملةٍ *** قدَ اصبح محروسَ الجنابِ جنابُها

فهذا بحمــد الله منه خليفةٌ ***  به انزاح عنها بثها واكترابُها

وماست به أغصــــانُها ورياضها *** فرَجع لحنًا طيرُها وذبابُها

ووافى بأجواز المؤمل رَكبُها *** وجاءت بألوان النجاح ركابها

فأرست أواخيها وأرخت ستورها *** وألقتُ عصاها واستقرغرابها

وردّ أنوفَ الشامتين رواغما *** عليها جميعا ذُلها واكتِئابها

ليهنأك أنْ قد قام بالأمر بعده *** فتًى هو بيتُ المكرمات وبابُها

تضلع من علم الشريعة وانتهی *** إليه منَ اسرار الطريق لبابُها.

وترك الشيخ سيدي الكبير تراثا ضخما من المعارف والفنون أهمها :
ـ بغية الخائض في حكم المتتبع بالحائض .
ـ تحفة الأطفال على لامية الأفعال
ـ خلاص النفس من الحبس رسالة في امتناع تمثل الشيطان بالنبي صلى الله عليه وسلم
ـ جواز التنفل بالخبث
ـ رسالة في حكم تعليم النساء .
ـ رسائل في أحكام وفوائد النكاح
ـ رسالة في خواص البسملة والفاتحة
ـ العلق الثمين
ـ رسالة في القبض والبسط
ـ رسالة في المال المدفوع للأكابر ولمداراة الظلمة
ـ شذور الأذكار الماحية للأوزار
ـ شرح الصغرى للسنوسي
ـ شرح المقصور والممدود
ـ الكلام المقنع في مسألة المتمتع
ـ مجمع الطي والنشر في المسائل العشر
ـ مرآة النظر في وجوه خبايا المختصر، شرح به باب الفرائض من خليل
ـ الميزان القويم و الصراط المستقيم
ـ النفحة القيومية بتقرير الأجرومية .

من أراد الحصول على على هذه النقلة وهي مسألة إهداء ثواب قراءة القرآن فليضغط على هذا الرابط لتنزيلها :
http://www.mediafire.com/folder/dgs33rmtwf1dqah,nb8y9fxrxn0w653/shared
وهذه قصيدته الاستسقائية التلميتية اضغط على الرابط لتحميلها :
https://www.mediafire.com/file/l1thj16bp5g2dt5/ألا+عم+صباحا.pdf/file.

كتب الترجمة / إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي 


مقالات ذات صلة