الشيخة الحافظة رملة بنت الحسن بن سيد أحمد بن محم رحمهم الله

عزيزةُ حسنٍ للعزيز قد انتمت *** فكانت لعمر الله إحدى العجائبِ 

كشمس كبدرٍ كالسَّحاب وكالضحى *** كالصبح كبرق كالسنا كالثواقب

 لقد ملأ الأقطارَ باهرُ فضلها *** وسارت بها الركّبان من كل جانبِ   

هي الشيخة الحافظة الفاضلة الخيرة رملة بنت الحسن بن سيد أحمد بن محم بن خاجيل بن احميدي بن خاجيل بن امرابط مكه ولدت سنة 1310 للهجرة، الموافق سنة 1889م وهو ما يعرف بعام بو مراره، والدتها ميمونة بنت اخيار انتاجو بن الولي الصالح محمود بن اشفق أمير، من فخذ ادميجن الأبييريين.

 فخر نساء عصرها، من لم ير نظيرها في سيرتها، من ‌بيت ‌علم ونباهة وشهامة وفضل وعز، نشأت في تربية أبيها وتعليمه وتأديبه وتهذيبه وتلقينه إياها المعارف الأولى، وكان أبوها الحسن عالما، كما كان جدها سيد أحمد قاضي منطقة الكبلة. 

حفظت كتاب الله تعالى فكانت تقرأه آناء الليل والنهار، وَقد ضربت فِي الْأَدَب بِسَهْم وافر، وَأخذت من الفقه بحظ كبير، عارفة بأحكام الشريعة، ومن أحفظ الناس للفقه، استظهرت رسالة ابن أبي زيد القيرواني كلها، وَلها طبع نَافِذ، وخاطر عَامر، وقريحة ‌ثاقبة، وكياسة نادرة، جمعت الفضائل والمحاسن.  

كانت ورعة، عابدة، تقية، ‌عالمة عاملة، عاقلة كاملة، صادقة الرواية، حسنة الطوية، عفيفة ستيرة صالحة، من أهل الخير والدين، وافِرة العقل، كبيرة الْقدر، عظيمة الشأن، فهي كما يقول الشاعر: 

 ورثت العلا من تغلب ابن وائل *** تلاداً ‌لها ‌من عهدها المتقادم 

وأنى يجاريكم إلى المجد حاسد *** جهول بأسرار العلا غير عالم 

وما عسيت أن أقول فيمن جمعت طرائف المحاسن، واحتوت على غايات المناقب، فإن ذكر كرم الطبع، وشرف المنتسب، كانت شجرتها العريقة ضاربة في قرارة المجد والعلاء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإن مدح حسن الخلق فلها أخلاق خلقن من الكرم المحض، وشيم تشام منها بارقة المجد.  

كانت رحمها الله ذات رأي سديد، ومعرفة ‌ثاقبة بدقائق الأمور بطوية صحيحة، وعزيمة صريحة. 

غفل عن الإشادة بذكرها أصحاب الأقلام، وهي مَن أحقّ من يذكر، وأجدر من يتحدث عنه، فقد كانت طيبة السريرة، نقيّة القلب، هادئة الطبع، لمحاتها ذكية، لا تلتفت إلى غير خصوصياتها، دائمة الصمت، قليلة الكلام، وحديثها على قدر معناه. 

كانت مثالا للجود والكرم، يقصدها القاصي والداني، القريب والبعيد. 

تزوجها الشيخ سيدي باب حوالي سنة 1907م فأنجبت له البنين الأفاضل، والبنات الكريمات: الشيخ يعقوب والشيخة أم كلثوم والشيخة عائشة والشيخ يوسف والشيخ موسى والشيخة جويرية والشيخ هارون والشيخ داوود والشيخة سودة والشيخ سليمان رحمهم الله أجمعين، أما الشيخة جويرية فقد توفيت طفلة يافعة قبل البلوغ، والشيخ داوود توفي رضيعا: 

أعلام علم للورى وهدى وإر *** شاد وحلم سادة أمجاد                             

                           *********** 

هم السادات لا يرجى ويخشى *** سواهم عند وعد أو وعيد 

مكث معها الشيخ سيدي باب ما شاء الله وتوفي عنها سنة 1924م وهي في ريعان شبابها:  

واللهُ أكرمها سنين حياته *** بجواره فاستأثرت بمآثر 

من برِّه من نصره بمواقف *** تركت لها حسن الثناء السائر 

تحملت من بعده أعباء حضرتها، وتربية وتعليم أبنائها وبناتها، فقامت بالأمر أحسن قيام، وأدارت الأسرة بحنكة وحكمة منقطعي النظير، تقابل المقاساة والشدائد بحسن الصبر والرضا بالمقادير: 

مُهذَّبَةٌ قَدْ طيَّبَ اللهُ خِيمَها *** وَطهَّرها مِن كلِّ سُوءٍ وباطِلِ 

وكانت ‌تلك ‌الحضرة محطّ رحال العلماء، ومقصد الأئمة والفصحاء من أمثال محمد محمود ولد اكرامه وابنه محمد سالم ولد محمد محمود ولد اكرامه، ومحمد المصطفى ولد ابنو الملقب (داداه)، والعلامة القارئ محمد عبد الودود ولد حميه.

 فانتظم أمر حضرتها، وانتشر العلم ونهل الناس من معين العلماء. 

كانت غاية الشيخة رملة رحمها الله عظيمة، ونيَّتها سليمة، ومساعيها ‌كريمة، كانت تتمتع بأخلاق دمثة، وشمائل فاضلة، قلّ أن توجد في زمانها، من الاجتهاد في العبادة، والطاعة، وتلاوة القرآن الكريم، والدفع بالتي هي أحسن، وحب الخير للفقراء والمساكين، والعطف على الأيتام والأرامل، والسعي للإصلاح بين المسلمين، وقضاء حوائج الضعفاء والملهوفين. 

 ‌وكانت ‌على طريقة عظيمة من ملازمة الذكر، وعلى قدم فاضلة من الْعِبَادَة والشفقة وتذكير النِّسَاء وإبداء النصح لهن وتوجيههن وتَعليمهن الْخَيْر، كما كانت تجلس في خيمتها وتدرس بناتها وبنات الحي. 

اشتهر ‌فضلها في الآفاق ونما بأبي تلميت، حدث أحدهم قال: ولما دخلنا عليها رأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، وأمرت بالطعام فأكلنا، ودعت بالشراب فشرب أصحابنا، وسألت عن حالنا فأجبناها، وانصرفنا من عندها ونحن شاكرون ‌معروفها: 

تخجل السحب عند جود ‌نداها *** حين تهمي وغيثها مهطول 

توفيت الوالدة الشيخة رملة سنة 1935م، عن عمر ناهز 45 سنة، ودفنت عند البعلاتية بأبي تلميت.  

فرحم الله تلك الروح اللطيفة، ولا برحت ‌سحائب الغفران بقبرها مطيفة 

أقامَتْ على قَبْرٍ عاطرِ الثَّرى *** ‌سحائبُ رِضْوانٍ فليس تَرِيمُ 

‌سقى ‌الله صوب الغاديات ضريحها وَأكْرم فِي دَار الْبَقَاء مآبها.


          وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي