الشيخة محجوبة امامه بنت عال بن عبد رحمها الله

نالت عظيم الحظ حين تعلقت *** بمنال حظ لا ينال عظيم 

قد أكملت خلقا وخلقا وانتمت *** لأروم صدق فوق كل أروم 

عدمت نظائرها فواجد من لها *** شبه لعمرك واجد المعدوم 

 هي الشيخة الفاضلة محجوبه الملقبة امّامّه بنت عالِ بن عبدِ بن المصطف بن محنض نلل، ولدت سنة 1821م، تربت ونشأت في حضن والديها، عرفت عائلتها بالعلم والتقى والفضل والشهامة والإباء. 

أمها من فاضلات النساء، الصالحة الشهيرة خَدِيج بنت محمد بن الحاج المختار الجكني الأصل من أولاد يوسف، فورثت منها طيب الأخلاق وصفاء النية ورقة الجانب، فاعتنت بتربيتها، وأرضعتها لبان العلوم، فتمكنت منها المناقب الحسنة، والأخلاق الرفيعة، فقلما يخبث فرع أصله طيب، وقلما يطيب فرع أصله خبيث.

 وأم عال والد امامه ميمونة بنت المختار بن عبد الله بن محنض نلل وهي ميمونة أگِلال المعروفة. 

ولما عاد الشيخ سيدي الكبير من نجعته الطويلة إلى منطقة القبلة سنة 1242هـ الموافق 1827م بعلم وافر، أسس حضرته الذائعة الصيت في عموم المنطقة، وكرس معارفه العلمية ونفوذه السياسي والروحي لإصلاح مجتمعه، وأهلته لذلك مكانته العلمية والدينية، وبصيرته السياسية وأدبه الجم، ونفوذه على أمراء المنطقة ووجهائها في القرن الثالث عشر الهجري، ثم ليبدأ مرحلة عطاء لا حدود لها في شتى مجالات الحياة انطلاقا من قناعته الراسخة بضرورة إصلاح مجتمعه، فباشر برعاية مصالح الناس ودفع الضرر عنهم، ونشر ثقافة السلم وإصلاح ذات البين، ونشر العلوم بكل أنواعها.

 فكانت بذلك مشروعا دينيا واجتماعيا ذا طابع إصلاحي عام، مما جعلها متميزة عن غيرها من التنظيمـات الحضروية في المنطقة.

 فاجتمعت كلمة القبيلة عليه شيخا مربيا، وزعيما روحيا، مرشدا معلما، ورئيسا سياسيا لعامة القبيلة والمنطقة، يقول صاحب الوسيط: ( ولم تزل فضائله تبدو حتى أذعنت له الزوايا وحسان وصار مثل الملك بينهم فلا يعقب حكمه، وكان أهلا لذلك كرما وحلما وعلما ولم تزل الدنيا تنهال عليه ويفرقها بين الناس..).

 يقول أحمد بابُ الجكني:

 أبيٓيْرِ مِن فضلْ الجوَّاد     مِتْرَيّس بالشيخ اعبادْ 

تِركِتْ لِمرابطْ بيهْ اسْيادْ    أنُورُ لِدمِّيجن ساوَ 

غَلْظ إدَبَّعمر بيه انزادْ      وادْهَسْ بِيهْ انْزادْ اغْلاوَ

 مُوسَ وابْهُـم غِلْظُ وَوْلادْ      أعْدَجَّ وِادَقْرَهاوْ 

ويقول عبد المالك بن إمام بن الناه الأبييري:  

أيا غوث الزمان وياحــــــــــــلاه *** وياطُرْقَ النجـاةِ إلى الســـداد 

ومشكاةَ الحنادسِ والديـــــــاجـي *** ومنجاةَ الحـواضـرِ والبــواد 

فإنَّ عُلا بَنِي أبْيَيــــــــرِ أضْحى *** بمجدكُم المؤثَّـل في ازدِيـــــاد 

تحاضر في المِجاد وكلِّ خيرٍ *** بكم وبكـم تقـارع في الجــــــلاد 

بنجركم المشــــــرَّف خير نجـر *** وناديك الأمـــــــاجد خير ناد

 وإن حلــت بهــــــم أربَى نئـود *** فأنت لهـا المُعَدُّ من الســــــداد 

ونـازلـةٍ كفيْـــت ويـوم حـق *** وفاقرة تُـدافَـع بالـذيـــــــــــــاد 

وجائرةٍ صرفتَ لصِـــرف عَـدلٍ *** وحائرة هـــــدَيتَ على اطِّراد 

كـريـم مـن كـريـم من كريم *** جواد من جواد من جــــــــــــواد.

  تزوج الشيخ سيدي الكبير السيدة الفاضلة امامه بنت عال بن عبد، فكان هذا الزواج الميمون فاتحة ارتباط وثيق بين الشيخ سيدي وعامة أهل المصطف بن محنض نلل وخاصة أهـل عـالِ بـن عـبـدِ: 

يا روضة كملت محاسنها التي *** جلب العقول بهاؤها للناظر 

وتزخرفت وتعطرت وتهذبت *** أغصانها وتبسمت للزائر

 وتشعشعت أنوارها وتكلمت *** أطيارها وتدفقت بكواثر

 وتهذبت ‌أخلاقها وتنسمت *** أوراقها وتفتحت بأزاهر 

من بعد أن طرب الزمان بحسنها *** زفت إلى بحر البحور الزاخر

   دامت مسرته ودام سعده *** وحسوده في ضنك عيش خاسر

 ووقاه من شر الزمان وفتكه *** وكفاه ثورة فاجر أو جائر

 وأناله في الناس ظلا وافرا *** يكفيه من بغى المظلوم الماكر 

وكسا بنيه الغر فضل ردائه *** يتناسقونه كابرا عن كابر

 لا زال مجدهم العلى مؤزرا *** ومؤيدا باسم العزيز القاهر.

 كانت الوالدة امامه رحمها الله حافظة لكتاب الله تعالى، قارئة له، دائمة الطاعة، عاقلة فاضلة، ذَات ‌رَأْي صائب، وفكر ثاقب، وكمال باهر، وتدبير محكم، ونالت من السَّعَادَة مَا لم ينله أحد فِي زمانها.  

كَانَ الشيخ سيدي الكبير يستشيرها ويعتمد عَلَيْهَا، وكانت ‌سندًا له، تعينه في جميع أشغاله، وفي تدبير شؤون الحضرة. 

لها الرأي الصائب والقول السديد، كما شهد هو نفسه، انتشر صيتها، وطابت سمعتها، وحصل ‌لها ‌القبول العام لدى العامة والخاصة. 

لقد كانت طيبة القلب، واسعة الصدر، بعيدة الأناة، كريمة الأخلاق، مرضية الطبيعة، كثيرة الخير، صانعة للمعروف، سَخِيَّةٌ، فيها من السخاء والجود والعطف على الفقراء والمحتاجين ما لم يخف فضله على أحد.

 حيث إنها كانت كثيرة الرفق بهم والحدب عليهم، والإشفاق والحب لهم جميعا، ‌كثيرة ‌الإطعام للمساكين، ‌محسنة للْملهوفين والأرامل، ولها مآثر عظيمة، وإدرارات جسيمة.

 وكانت الحضرة قبلة للخائفين والطامعين، وملجأ للجميع، تسع الكل بخيراتها، وتشمل الجميع بمنافعها، يقول سيدي عبد الله بن أحمد دامُ البوحسني واصفا حالتها: 

رأى هنالكَ أخلاقَ الكرامِ إلى *** زِيِّ الملوكِ وَزِيِّ السَّادَةِ النخبَهْ
رأى مُصَرَّعَةَ الأنعام قد قسمتْ *** بين الصفيفِ وبين الجَونَةِ الرَّحَبه 

كانت الشيخة امامه عزيزة ‌النَّفس، عالية الهمة، شديدة الْوَقار، ويحكى أن الشاعر النحرير: محمدو ولد محمدي العلوي لما أنشد قصيدته الرائعة التي يمدح فيها الشيخ سيدي الكبير والتي مطلعها 

قالت وكنت من الضلالة سائرا *** في ظل مسترخي السدول بهيم 

 وأتى فيها على ذكر خلاله، ووصف فضائله، وتعداد مناقبه: 

شيخ هدى من ضل عن سنن الهدى *** حتى كسى الأنوار كل أثيم

عمَّ الأنام بهديه وأمدَّهمْ *** كلاًّ بفيض من نداه عميم 

وردت حياض نواله وعلومه *** هِيمُ الورى فشفى غليلَ الهيم

 في كفه رزق الأنام فكلهم *** ساعٍ لموضع رزقه المقسوم

 ويقول: 

حَدِّثْ ولَا حَرَجٌ عَنِ الشَّيْخِ الرِّضَـا *** أوْ دَعْ إذَا حَـدَّثْـتَ بالمَـعْـلُـومِ 

 وخلص إلى ذكر ما كانت تزخر به تلك الحضرة وترفل فيه من نعم الله الغزار، وآلائه المدرار، والتي كانت تصرف في وجوه البر والإحسان، ويقصدها القاصي والداني والفقير وابن السبيل والغريب والقريب: 

فترى بساحته الدماَء وفرثَها *** ولَقى العظام جديدةٍ ورميم 

وترى القدور رواسيًا وترى الجفا *** نَ لوامعًا بحواضرِ المطعوم

 من قاسه بالأكرمين فإنه *** في الشأو قاس مجليًا بلطيم 

بل قاس ملتطم البحار بنطفةٍ *** والروضَ غضًّا ناضرًا بهشيم 

حدّث ولا حرجٌ عن الشيخ الرضا *** أو دَعْ إذا حدثت بالمعلوم 

ثم وصف ومدح جلساءه ومن حوله : 

يا حبذا ذلك الكمال وحبذا *** جلساؤه من زائر وخديم 

وما إن استكمل الشاعر تقديم قصيدته العصماء، وانتهى من نثر درره اللألاء، حتى هزت قلوب الحاضرين، وأبهرت جموع السامعين، ونالت إعجاب الشيخ سيدي الكبير

 إلا أن الوالدة الشيخة الفاضلة: امامه بنت عال ولد عبد احتجت على الشاعر الفحل محمدو بعدم ذكرها في القصيدة الشاملة، الحاوية متنا وغرضا، فما كان من الشاعر إلا أن نظر إلى الشيخ سيدي الكبير ليعرف رأيه، فقال له الشيخ سيدي: نعم، فأردف الشاعر قائلا : 

 ولحبذا تلك القعيدة إنها *** حليت بدر من حلاه يتيم 

نالت عظيم الحظ حين تعلقت *** بمنال حظ لا ينال عظيم  

قد أكملت خلقا وخلقا وانتمت *** لأروم صدق فوق كل أروم  

عدمت نظائرها فواجد من لها *** شبه لعمرك واجد المعدوم  

إن كنت قد أخرتها ذكرا فكم *** من آخر في رتبة التقديم . 

كانت عابدة، ذات حنكة وتجربة، مناقبها غزيرة، وفضائلها كثيرة.  

وانتفع بها الكثير من الرجال والنساء والبنات، كانت تلقّنهم القرآن الكريم، وتعلمهم أنواعا من القرب، وكانوا يسألونها، ويرجعون إليها في أمورهم ومسائلهم، فتحلّها في مجلسها. 

وتجهد نفسها في كل ما تقدر عليه ممّا يقرّب إلى الله تعالى، مع الزهد الحقيقيّ باطنا وظاهرا.  

ولعمري ما أفرطت في نعتها، بل فرطت، وما صرحت بجميع محاسنها وفضائلها، بل لوحت. 

توفيت رحمها الله تعالى سنة 1891م ودفنت عند بيرالل  شمال المزمزم، حوالي 80 كلم شمال أبي تلميت. 

رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته:

عليه سلام الله ما ذرّ شارق *** وما صدعت ورقاء في فرع أملود 

وجادت ثرى اللّحد الزّكي ‌سحائب *** مجدّدة الرّحمى بأحسن تجديد           

                         ******* 

أقامَتْ على قَبْرٍ عاطرِ الثَّرى *** سحائبُ رِضْوانٍ فليس تَرِيمُ 

إلى أن يعودَ القبرُ أنْضَر روْضةٍ *** بها النَّبْتُ شتَّى يانِعٌ وهشِيمُ                  

                          ****** 

عَلَيْك من الرَّحْمَن فضل وَرَحْمَة *** وروح وَرَيْحَان مدى الدَّهْر وَالْعصر 


  وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي