العلامة الداه بن داداه

هـو الـتقـي الـنقـي المنتـقـى شـرفا *** هـو الـأبي الـوفـي الــٱمر النـاهي

 لله لله ذاك المـرءُ مـن رجـل *** طلـــقِ الجــبـين زكــي الـنفـس أوَّاه

 لله لله ذاك المـرء مـن رجـل *** لم يعـص مـولاه فـي طـوع وإكـراه

 لله لله ذاك المـرء مـن رجـل *** لـم يَـزْهُ مـن زهــرة الـدنيا لـه زاه

 هو العلامة الفاضل, رفيع الْمقَام, كريم السجايا, حميد الْخِصَال، التقي الْأمين: سيديا الملقب ( الداه ) بن العلامة الشهم أحمد محمود الملقب ( داداه ), أمه السيدة الفاضلة عائشة بنت سيديا بـن اشـفغ عبيد دفينة تامرزكيت. 

ابن أخ الشيخ سيدي الكبير، ولد وتربى وترعرع في حضن والديه حيث الحلم والعلم والكرم والنبل والمعروف والتعليم والتدريس. 

وكان والده العلامة داداه كما يقول الشيخ هارون بن الشيخ سيدي باب رحمه الله: (... صدرا من صدور المسلمين, وكان عالما عابدا مقبـلا علـى شـأنه, مسالما لجميع خلق الله تعالى, لم يصدر منه ولا من عامة ذريته طيش على أي إنسان... وكان هذا البيت محببا من جميع الناس فضلا عن سائر القبيلـة وكـان بيت نفع محض لعامة المسلمين لا يشوبه تنقيص، وعُمر داداه في طاعة الله تعالى). 

 نهل العلامة الداه من معين والديه القرآن الكريم، والعلوم الشرعية واللغوية، حفظا وتعلما واستظهارا. 

كما قرأ على العلامة المقرئ سيد المختار ادابهمي, حيث أجازه في روايته, ويعد من كبار العلماء المحققين.

 كان العلامة الداه رحمه الله من خيار أهل أبي تلميت علماً وعقلاً ودهاء وتدبيراً، حسن الفعال، ‌زكي ‌النفس، متين الديانة، لم يتفوه قط في أيامه بسب ولا فضول، وكان يشتغل بنفسه بما يهمه من الأمور، نزيهاً، فاضلاً، محصلاً، فقيهاً، من الأدباء العلماء، عمدة في الكتابة، ثبتاً، موثقاً، صبورا، بصيرا بِعلم الْمَنْقُول والمعقول، طاهر الأخلاق، عالي الهمة، قوي الذكاء، متجنبا عَن الدُّنْيَا، مقتنعا مِنْهَا بِمَا يقوم بأوده، خيِّرا، مُتَعَبِّدا، مُتَهَجِّدا، عَدِيمَ الشَّرّ، لَهُ مُعَامَلَةٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. 

 حسن العشرة، لطيف الطبع، متوددا، محببا إلى كل من يكلمه، غواصاً على الْمعَانِي، وافر الْعقل، كثير السكينَة، تَامّ الْوَرع، غاية في الجود، شهما، محبا للخير، طريقته محمودة، وشمائله عظيمة. 

صحب عمه الشيخ سيدي الكبير فحُمدت صحبته، وشكرت أخلاقه، وكان قد تنزل منه منزلة الروح من الجسد. 

أحبه الشيخ فقربه وأدناه، واصطفاه واجتباه، وجعله أمين سره، ومتولي تدبير شؤون حاضرته. 

لَهُ رسائل تدل على غزارة علمه، وطول باعه في اللغة، أَجَاد فِي سبكها وصياغتها وتركيبها , ووجد بخطه ما لفظه : انتهى شرح الهمزية في مـدح خير البرية على يد كويتبـه الفقير الضعيف الراجي عفو مولاه الكريم اللطيف لشيخه وسيده وروحه وحياته ومماتـه وجنانه وحفظه وحصنه وكهفه وأمنه وأمانه ويومـه وليلتـه وغـده وأمسه ودهـره وزمانه ووطائه وغطائه وسمائه وأرضه وجنانه الداه بن أحمد محمود جعلهما الله ببركة شيخهـم مـن الواقفين عند الحدود والآمرين بما أمر به الملك الحق المعبود كـان الله للجميع وليـا ونصيرا بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان الفراغ منه عشية الأربعاء لخمسة بقين من الربيع الأول عام إحدى وخمسين بعد المائتين والألف اللهم اغفر لي ولوالدي ولأشياخي ولإخواني ولجميع المسلمين ولمن دعا للجميع.    

كان رحمه الله أحد ‌العلماء ‌العارفين وعباد الله الصالحين، الجامعين بين العلم والعبادة والعمل والزهادة:

 همامًا سقاه الله من فيض سره *** كؤوسًا بها مزج بود وإجلال 

وعلاه حتى نال بالقرب رتبة *** حوى فضلها مجد المقدم والتالي

 ويعد الداه رحمه الله من عظماء مريدي الشيخ سيدي، وكان يسافر معه في جميع أسفاره ويؤم الصلاة به في السفر، لما رأى فيه من الصيانة والديانة.  ولاه الشيخ شؤون حاضرة أبي تلميت وقلده جميع المهام بها، فدبر الأمور أحسن تدبير، وسيرها أفضل تسيير. 

وعُدت توليته من كمال معرفة الشيخ بحقيقة أهل حاضرته، فزان الأمر علماً وإنصافاً وديانة، وكانت جميع الرسائل الموجهة إلى أهل هذه الحاضرة المذكورة تصدر باسمه. وكانت رسائل الشيخ سيدي لا تنقطع عنه، تتوالى عليه تباعا، لكثرة المهام، وجسامة المسؤولية.

 وكان يفتتح رسائله إليه بما يلي:  ( الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده  هذا وإنه من عبد ربه الغني به سيدي بن المختار بن الهيب إلى الأبناء البررة والمريدين الخيرة  الـداه ومحمـد سـدين واكتوشـن وسيد أحمد السالم وجميع من معهـم مـن الأصحـاب والأحباب حفظهم الله ورعاهم وحمـد مسعانا ومسعاهم بالسلام التام الطيب العام والرحمة والبركة والإكرام وبعد فاعلموا ....إلخ ). 

كما كان الداه يتفقد أخبار أهل الحاضرة، ويعدل بينهم، ويقضي بالشرع، ويبذل جهده في تعمير البلاد، وتكثير الزراعة، وإرضاء النفوس، ويجري الأرزاق السنية على الفقراء، والمحتاجين، والضعفاء، واليتامى، والأرامل، وعلى كل من يستحقها، نزولا عند رغبة الشيخ سيدي، وتنفيذا لخطته.

 ويضيف الشيخ هارون عنه بقوله: ( ...وكـان مـن الصـدور الأجلة, وكان ينقل الكتب الكثيرة للشيخ سيدي ويحصل لنفسـه مـا وجـد من مؤلفاته ورسائله وكان عنده الشيء الكثير من ذلك وقد حفظ الله تبارك وتعالـى بـه وبأخويه مولود والمختار أكبر مجموعة من فتاوي الشيخ سيدي ورسائله وأخبـاره ).  وكـان الداه في نفسه سيدا، جليلا، مدبرا، رشيدا على قومه.

 ولم يزل الـداه مقبلا على طاعة الله تعالى سرا وجهرا وعلى خدمة شيخه بالنصيحة علانية وسـرا إلى أن توفي رحمه الله تعالى ورضي عنه في آخر حياة الشيخ سيدي الكبير، ودفن في البعلاتية مع والده داداه رحمهما الله تعالى ورضي عنهما آمين. 

 ولما توفي الداه رثاه ابن عمه الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيدي الكبير بمرثيته الرائقة ومطلعها:

 النـاس لاهُون عمـا لـيس باللاهي*** عـنـهم مـن الـأمر إن الأمر للـه

 أرى الحِمـا يـدَّرينـا حـين غفلتنـا **** ونحـن مـا بـيـن لـاه عنـه أو ســاه 

أمـر لعمـــرك إمــــر داهــــم داه *** للمسلمين بفقـد السـيـد الــداه 

هـو الإمـام الـهمـام المرتضـى خـلقـا *** هـو الحـلـيـم الـزعيم الأبـلـه الــداهي

 هـو الـتقـي الـنقـي المنتـقـى شـرفا *** هـو الـأبي الـوفـي الــٱمر النـاهي

 أغـر أبلـج مـا فـي عرضـه طـبَـعٌ *** مهذب غيـر طـيــــاش وزهزاه 

إن يمـش هونـا بلا تيـه ولا خُيلا *** عنَّا لـه كـل مُختـــــال وتيـَّـــاه

 أولاه مولـاه جاهـا فـي خلائقـه *** فلـم يُـرد ثمنـا مـن ذلـك الـجــاه

 يــصون فــاه عـن العــوراء ينطقهـا *** إن غيــرُه نطقــوا الـعورا بــأفواه

 لو كان فـي المـاء عـار وهـو ذو ظمإ *** ما ذاق أخــرى الليالي بــرد أمــواه

 سهل الشمائل موفـورُ الفضـائل مـا * ثـــورِ الفواضـــل أتَّاءٌ بــإبراه 

ضـخـم دســـائعه حلـوٌ طبائعه *** جَـمٌّ صنائعُه فـــتـاحُ إشـــكـاه  

كـم قـاد للحـق أقوامـا وأنْـبـهَ أقـ*** وامـا فيـا لـك مـن قـود وإنبـاه

 لله لله ذاك المـرءُ مـن رجـل *** طلـــقِ الجــبـين زكــي الـنفـس أوَّاه

 لله لله ذاك المـرء مـن رجـل *** لم يعـص مـولاه فـي طـوع وإكـراه

 لله لله ذاك المـرء مـن رجـل *** لـم يَـزْهُ مـن زهــرة الـدنيا لـه زاه 

مـا زال يلـهج بالترحــال متخذا *** مـيدان ذي قَـــرَب للـه قـهــقاه

 فاخـتاره الله عـن دار الفنـاء إلـى *** دار البقـاء التـي مـا اخـتـار إلاَّ هِـي

 دارٌ هــي الــدارُ فيهـا كـلُّ مُتَّكإ *** سهلٍ أعِـدَّ لإترافٍ وإرفـــــاه

 دار هــي الـدار فيهـا كـل فاكهـة * ولـحمِ طـيـرٍ بـهـا مـا احـتـاج للطـاهي

 دار هــي الــدار فيهـا كـل قاصـرةٍ *** للطـرفٍ مـن عُـرُب فـي الحـسـن أشـباه

 مـن كـل حورا يكاد الطـرْف يجرحُها *** مـن لـيـن بَــضٍّ كـلـون الـدُّرِّ رهـــراه

 فيهـا قـواريـرُ مـن وُّرق يُطاف بها *** مـلأى لنـزهــة قــومٍ ثم نُزَّاه

 بَـــوِّئ بفضـلك روحَ الــداهِ أطيبَهـا *** يـا عالمًـا كـلَّ شـيء علـمَ إكـنـاه

 يـا أرحـم الـراحمين ارحمـه إنَّ لـه *** مـن الـيـقين لغيـر الـواهـنِ الــواهي 

يـا أرحـم الـراحمين ارحمـه إن لـه *** إليـك تَحــنــانَ ذي شـــــوق وإيـــلاه

 يـا أرحـم الـراحمين ارحمـه إن له *** قلبـاً عـن الله مـا إن كـان بــاللاهي

 ولا تضـع عمـلا قـد كـان أحسـنَه *** بنيَّـةٍ أُخْلِصـت مـن غيـر إعـضـاه

 واجعـل لنـا ربِّ منـه فـي ابـنه خـلفَـا *** عســاهُ يَحظَـى لنـا منـه بإشــبـاه

 بجـــاه مـن أنَّ جِـذع عنـد فُرقتـه *** وحَـنَّ تَحــنــانَ أمِّ الـسقْـب ميـلاهِ

 عليـــه أزكـى صـلاةِ الله دائمـةً *** والـأمـرُ مـن قبـلُ أو مـن بعـدُ للـهِ.

 وفي هذه المرثية كثير من شمائل الداه وحالته الدينية وحالته الاجتماعية وحالته العلميـة وحالته السياسية وغير ذلك وعددها ثلاثون بيتا وهي جيدة الشاعرية في حد ذاتهـا.  ويقول الشيخ هارون رحمه الله: (... وبلغنـا أن الشيخ سيدي عزم على مرثية يقولها في الداه ابن أخيه ومريده وخاصيته دون غيره فلما بلغته مرثية الشيخ سيد محمد هاته قال إنها تكفيه عما كان عزم عليه إعجابا منـه بهـا والله تعلى أعلم ).  

ورثاه سيد الامين بن محمود بن اطوير الجنة بقصيدة يقول فيها : 

وما هو إلا عبد حق وسيد *** كريم لأشتات الفضائل جامع

 ولا مات منه الذكر بعد مغيبه *** ولا زال في الأبنا بدور طوالع. 

               وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي