الأمير الشهم محمد لحبيب:
هو محمد لحبيب بن اعمر بن المختار بن الشرغي بن اعل شنظوره بن هدي بن أحمد من دمان، وأمه أم راص من ذرية أعمر آگجيّل.تولى إمارة الترارزة سنة 1245ه بعد وفاة أبيه.
اشتهر بالتقى والعدل ومحبة أهل الخير والتعفف عن أموال الغير، وهو أول من تكسب من أمراء الترارزة خلافا للعادات المتبعة عندهم، اكتسب المال من سعيه الخاص.
يقول عنه صاحب التكملة: كان من أهل الخير يبجل العلماء ويعف عن أموال المسلمين، وكان المغافرة قبله لا يملكون من المال إلا الجمال والأثاث، ويعيبون من حال الحول على جمله عنده، وهو أول من أمر منهم باقتناء الماشية.
وقد وصف الشيخ سيدي الكبير الأمير محمد لحبيب أكثر من مرة بـ"سلطان الترارزة بلا منازع ومقدمهم بلا مدافع "، وخاطبه الشيخ سيديا قائلا: "لأنك سلطان وملك من أعظم سلاطين المغافرة، ومن أقواهم ولله الحمد شوكة، وأكثرهم أعوانا وأنصارا، ينصرك البر الصالح لعدلك، والفاجر الطالح لخوفك والطمع فيك.
واعتبره فيديرب الذي خبره كثيرا وتصارع معه طويلا على السيادة في حوض النهر، أنه أبرز زعماء المنطقة القلائل "الذين يتمتعون بسلطة فعلية حقا، وتعميهم الأبهة والكبرياء...".وقال فينصاه Vincent ، الذي حضر اجتماعات عقدها محمد لحبيب لوجهاء قومه، إنه "مهاب جدًا في قومه وأن إحضاره النبلاء لمجلسه مجرد عادة، إذ لا تأثير لآرائهم على قراراته".
وقد تخللت فترة إمارته الطويلة (1829م- 1860م) حروب خارجية منها: حربه مع أمير آدرار أحمد ابن عيده سنة 1267ه المتعاون مع المعارضين لمحمد لحبيب بقيادة سيدي أحمد ابن إبراهيم اخليل، وسيدي أحمد بن امحمد شين، وأحمد ابن الليگاط، كما استعان محمد لحبيب بالمختار ابن عيده أخي أحمد ابن عيده والمناوئ له.
وفي عهده كانت معركة الملحس:وهي يوم لأحمد ابن عيده أمير آدرار على محمد لحبيب، وذلك أن خندوسه1 ورئيسها سيدي أحمد بن عثمان بن إبراهيم اخليل بن ببكر سيرَه انضووا إلى ابن عيده أمير أولاد يحي بن عثمان مغاضبين لمحمد لحبيب فحارب معهم ابن عيده محمد لحبيب عند الملحس في أمشتيل بعيدا عن مدد قومه فهزموه وقتلوا جمعا من أشراف قومه عام 1265ه، ويطلق على هذه الحملة غزي المنكاسه أي حملة المكنسة ومعناه أنه نهب كل شيء. وعير أحمد بن عيده محمد لحبيب بالتواني في أخذ ثأره من يوم الملحس بقوله في شعر شعبي لا يخلو من نشاز عن الطبع المغفري:
محمـد لحبيـب السـلطان = ما بــان ان لاه يمتــان
شـتين ف الخـط وف أكـان = ماج فيـه ولا ج ف الصيف
هوكـاع الا بـوجعران = بخبــــار يـستــــن لخريـف.
ثم سار محمد لحبيب في العام بعد ذلك بجيوشه وفيهم جنود الخالفه الكحله "أهل الگبله" المعروفون بالبطولة الذين تقاتل بهم أمراء الترارزة في الوقائع العظام، ومع محمد لحبيب في صولته هذه المختار أخو أحمد ابن عيده محاربا لأخيه، فدل محمد لحبيب على طرق آدرار حتى دخله من الجانب الجوفي من غير علمهم وأتى أطار فحرق نخل ابن عيده في أمدير، وأتى كانوال وهو موضع إقامة ابن عيده زمن جذاذ النخل ولم تقع بينهم وقعة عظيمة لتحصن أولاد يحي بن عثمان بالجبال وقد تقع سرايا قليلة.
قال في التكملة: ورجع محمد لحبيب ولم يفعل كما فعل الملوك الذين إذا أجلوا أميرا ملكوا محله لضعف ملوك البوادي.
ويذكر عبد الودود بن انتهاه الشمسدي في كتابه الإخبار عن غوامض الأخبار قصة الصولة بسياق يختلف شيئا ما عن القصة التروزية، قال: صال محمد لحبيب فتهيأت له أولاد يحي بن عثمان ومناصروها في آدرار، فلما بلغ فم جول منما يلي الباطن التقى بعسكر أبناء يحي بن عثمان ووقعت مناوشات فرجعت الترارزة في صباح الغد على أعين أهل آدرار، وذلك من باب المكيدة والحيلة، فجاؤوا على طريق السَّنَّين فمروا بشوم وصعدوا معه حتى وصلوا الغاركات موضع قرب أكدش فخفي أمرهم على أهل آدرار، فوجه ابن عيده كتيبة في استطلاع خبرهم فرجعوا لقومهم دون أن يجدوا خبرا، ثم صبح جيش محمد لحبيب محلة أحمد ابن عيده عند آمدير الكبير على حين غفلة، فعاجل الأمير أحمد ابن عيده إبل المحلة فاستاقها كأنه أسد لا يقدر فارس أن يلحقه، فتجابها وقد حرق جيش الترارزة آمدير الكبير وقصدوا أطار وحرقوا أماسين.
وعند عودة محمد لحبيب كانت الأصوات تتعالى: يومان لا ظلم فيهما: يوم القيامة، ويوم ترى فيه خيام أبناء أحمد من دمان.ويذكر ابن انتهاه أن محمد لحبيب عندما رجع لم يشعر إلا والشيخ سيدي الكبير قد ضرب قبته في محلة أولاد أحمد من دمان يسعى في الصلح بين إمارتي الترارزة وآدرار.
وكان السبب في ذلك أن أحمد بن عيده لما وقع الفشل في قومه وعلم من نفسه العجز عن حرب الترارزة ولم تظهر له فائدة فيها، أرسل مع من يثق به في السر للسالك بن أحمد ناه بأن يكاتب الشيخ سيدي في العافية بينه مع محمد لحبيب، ويكون الشيخ هو الواسطة في ذلك وهو السائل لها من نفسه دون ذكر السالك وأحمد بن عيده، لأن الشيخ سيدي جل أهل آدرار تلامذته وأهل هديته فلا تهمة للمذكورين في كونه واسطة في العافية لأهل آدرار، وقد كتب السالك للشيخ سيدي الكبير رسالة لم ير مثلها ونصها: ( وبعد فإلى ثبت الراسخين الإثبات، مجدد الدين عالم الرحلات، مقيم ما تضعضع من سور الدين برواس الدعمات، ومأوى الركاب الطارفين العفات ... وهي طويلة ومحل الحاجة منها: وبعد فإن أحمد بن عيده مريدكم زعما، وخديمكم على أنفه رغما، يلتمس الذب عن بابه، والالتفات إلى جنابه، وطرد من يحوم حول رحابه ... ) وهي طويلة ومحل الشاهد منها ما تقدم.
فلم يعلم محمد لحبيب بشيء إلا والشيخ سيدي الكبير نازلا عنده من أجل الوساطة، فوافقه محمد لحبيب على الصلح والعافية).وكانت هذه الصولة سنة 1267هـ حسب ما ذكر المختار بن حامدن رحمه الله.
توفي الأمير محمد لحبيب سنة 1277هـ - 1860م، رحمه الله رحمة واسعة.
-----------------
1= خندوسه اسم يطلق على تحالف من أولاد أحمد من دمان متألف من أهل التونسي وأهل الشرغي ولد هدي وكان له دور بارز في تاريخ الإمارة إذ كان باستمرار معقل المعارضة الصريحة أو الخفية وذو إسهام كبير في تدبير الاغتيالات والانقلابات.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي