وأخيرا نجح الغرب في مشروعه الذي طالما أولاه الكثير من وقته وعنايته، وبذل من أجله جل جهده وطاقته.
عمل المفكرون الغربيون طوال أزمنة متعاقبة، ومراحل متفاوتة على وضع مخططات تلو أخرى لتفكيك المجتمعات الإسلامية، والقضاء على الوازع التربوي، وتغيير المفاهيم الفكرية والاجتماعية، وخلق أرضية تتناسب مع ما يطمحون إليه من بث أفكار هدامة، عبر برامج فتاكة، تنتشر كالنار في الهشيم.
وهاهم يصلون إلى مبتغاهم، وينجحون في مقاصدهم.
زرعوا الفيسبوك وروجوا له وسهلوا كل ما يتعلق به ليكون في متناول الجميع صغارا وكبارا.
اتخذه الناس ميدانا واسعا وفضاء رحبا لبث كل ما يحلو لهم ويطيب.
قلب صفحات مستخدمي الفيسبوك، وأمعن النظر في بعض المنشورات، فلن تجد إلا من يبوح عبره بأسراره، ويعبر من خلاله عن مشاعره وأحاسيسه، ومكامن حقائق نفسه، وكأنه الصديق الأنيس، والمستودع النفيس، والولي الحميم.
أضف إلى ذلك أنه أصبح ميدانا لإذاعة الفضائح والعيوب، والوقوع في الأعراض، وهتك الحرمات، ، وإحداث الفرقة والشقاق، والقطيعة بين الناس.
والداهية العظمى والمصيبة الكبرى أن يصبح هذا الفضاء مرتعا خصبا لشبابنا وشاباتنا يسرحون فيه ويمرحون، لا شغل لهم إلا الولوج فيه، وإضاعة الوقت في سبر أغواره، والغوص في لججه دون عناء وملل.
وإنك لتعجب كل العجب عندما ترى البعض يخلع رداء الحياء والحشمة، وينأى بنفسه عن القيم والأخلاق النبيلة، ليعبر عن مشاعر تافهة بذيئة، وأحاسيس حقيرة دنيئة، بأسلوب مقيت، ووقاحة شنيعة، وجرأة شديدة، مع غياب كامل للاحترام والتقدير والتوقير، والتغاضي عن العادات والتقاليد والأعراف الدينية، وتجاهل الرقيب المجتمعي.
على الأسرة أن تقوم بدورها، حتى لاتبوء بإثمها وإثم أبنائها.
على الخيرين والمصلحين والمدونين إبداء النصح والإرشاد والتوجيه.
على المؤسسة التعليمية أن تكشف لمنتسبيها أضرار وأخطار هذا الفضاء، إن لم يستخدم لغرض تعميم الفوائد العلمية، والتوجيه والتوعية.
كيف لمجتمع أن ينهض وحبال المؤامرات تهز كيانه.
كيف لمجتمع أن ينهض وأبناؤه هم من يحملون معاول لهدم بنيانه، ويعملون على تقويض تماسكه، والقضاء على قيمه وأعرافه، وزعزعة أمنه واستقراره.
كيف لمجتمع أن ينهض والنعرات الفئوية، والأفكار الشرائحية تنخر في جسده.
كيف لمجتمع أن ينهض ومن بين أفراده من يتجاسر على علمائه وقادته بالإساءة والسب والقذف.
كيف لمجتمع أن ينهض وبناته لا حياء لهن ولا وازع لديهن.
نحن في كل الأحوال ينبغي لنا أن ندرك أننا لن نخرج من هذه الحالة الخطيرة، لا بالخطابات الفئوية، ولا بالشتائم المتبادلة، ولا بتراشق الاتهامات، ولا بالعرائض والصراعات حول من كان السبب في اختلاقها وافتعالها، ومن وقعها، ومن لم يوقعها.
لن نخرج من هذا الانتكاسة العميقة دون أن ندركها بعقلنا الجمعي، أعني أن نعرف في قرارة أنفسنا أننا تائهون.
أن ندرك داخلياً أننا يجب أن نفعل شيئاً مختلفاً، وأن نفكر بطريقة مختلفة حتى نحقق نتائجَ مختلفة، وإلا فسنظل في تلك الدوامة المؤلمة ندور، دون أن نجد سبيل الخروج.
الواضح أننا نحتاج إلى أن نبحث هذا الأمر في مستوياته الفكرية والثقافية والاجتماعية، وأن نسمع آراء المصلحين المخلصين، والمفكرين المبدعين، والعلماء المثقفين، لا أن نسير على خطى من يجترون الأفكار الجاهزة، ويعزفون على الأوتار الحساسة لمآرب شخصية، ويكررون ما يحب أن يسمعه الجمهور.
*******
أرى تحت الرماد وميض جمر *** ويوشك أن يكون له ضرام.
*******
فإن بادرتموه تداركوه *** وإلا يسبق السيف البدارا
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي