استدراك لطيف ... وموقف ظريف :

من أظرف ما يروى، وأندر ما يحكى: 

أن الشاعر النحرير: محمدو ولد محمدي العلوي لما أنشد قصيدته الرائعة التي يمدح فيها الشيخ سيدي الكبير والتي مطلعها : 

قالت وكنت من الضلالة سائرا *** في ظل مسترخي السدول بهيم .وأتى فيها على ذكر خلاله، ووصف فضائله، وتعداد مناقبه:

شيخ هدى من ضل عن سنن الهدى *** حتى كسى الأنوار كل أثيم 

عمَّ الأنام بهديه وأمدَّهمْ *** كلاًّ بفيض من نداه عميم

وردت حياض نواله وعلومه *** هِيمُ الورى فشفى غليلَ الهيم

في كفه رزق الأنام فكلهم *** ساعٍ لموضع رزقه المقسوم

فترى البيوت أمامه مملوءة *** ما بين ناوي رِحْلَةٍ ومقيم

كُلاً بنسبة ما يحاول خصه *** من قوت أفئدةٍ وقوتِ جُسوم

مَـنْ قَاسَـهُ بالْأَكْرَمِيـنَ فَـإِنَّـهُ *** فِى الشَّـأْوِ قَـاسَ مُجَلِّيًا بِلَطِيـمِ

بَلْ قَاسَ مُلْتَطِـمَ البِحَارِ بِنُطْفَـةٍ *** والرَّوْضَ غَضًّـا نَاضِـرًا بهَشِيـمِ

حَدِّثْ ولَا حَرَجٌ عَنِ الشَّيْخِ الرِّضَـا *** أوْ دَعْ إذَا حَـدَّثْـتَ بالمَـعْـلُـومِ 

وخلص إلى ذكر ما كانت تزخر به تلك الحضرة وترفل فيه من نعم الله  الغزار، وآلائه المدرار، والتي كانت تصرف في وجوه البر والإحسان،  ويقصدها القاصي والداني والفقير وابن السبيل والغريب والقريب، تسع الكل بخيراتها، وتعم الجميع بمنافعها :

فترى بساحته الدماَء وفرثَها *** ولَقى العظام جديدةٍ ورميم

وترى القدور رواسيًا وترى الجفا *** نَ لوامعًا بحواضرِ المطعوم

من قاسه بالأكرمين فإنه *** في الشأو قاس مجليًا بلطيم

بل قاس ملتطم البحار بنطفةٍ *** والروضَ غضًّا ناضرًا بهشيم

حدّث ولا حرجٌ عن الشيخ الرضا *** أو دَعْ إذا حدثت بالمعلوم

ثم وصف ومدح جلساءه ومن حوله :

يا حبذا ذلك الكمال وحبذا *** جلساؤه من زائر وخديم

وما إن استكمل الشاعر تقديم قصيدته العصماء، وانتهى من نثر درره اللألاء، حتى هزت قلوب الحاضرين، وأبهرت جموع السامعين، ونالت إعجاب الشيخ سيدي الكبير. 

إلا أن الوالدة الفاضلة والشيخة الصالحة: امام بنت عال ولد عبد بن  المصطف بن محنضنلل احتجت على الشاعر الفحل محمدو بعدم ذكرها في القصيدة الشاملة، الحاوية متنا وغرضا، فما كان من الشاعر إلا أن نظر إلى الشيخ سيدي الكبير ليعرف رأيه، فقال له الشيخ سيدي : نعم ، فأردف الشاعر قائلا : 

ولحبذا تلك القعيدة إنها *** حليت بدر من حلاه يتيم

نالت عظيم الحظ حين تعلقت *** بمنال حظ لا ينال عظيم 

قد أكملت خلقا وخلقا وانتمت *** لأروم صدق فوق كل أروم 

عدمت نظائرها فواجد من لها *** شبه لعمرك واجد المعدوم 

إن كنت قد أخرتها ذكرا فكم *** من آخر في رتبة التقديم .

وتعتبر قصيدته هذه من أحسن وأجمل قصائد المدح في الشعر العربي..وكان ولد محمدي يعرف كيف يخيط من لغة الضاد مطرزة مدح تليق بعظيم من مثل الشيخ سيدي الكبير .. تزدان به المدائح، وتبهى به المنائح، ويسعد الغادي إليه والرائح..

وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي