كتب الشيخ عبد الله بن داداه إلى الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب رسالة بديعة، مشتملة على معان رفيعة، مع الإيجاز الفائق، والمنطق الرائق.
وإتماما للفائدة قمت بشرح بعض العبارات والأمثال الواردة في الرسالة، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم ( سلام تام يقود جميع التحايا بالزمام, إذ غيره منها تبع وهو إمام, يقوم مقام اللقي، ويغني عن اعتساف مجهول القي, ويخبر بما في الضمائر, من المحبة الراسخة في السرائر, من كاتبه إلى سيد أقرانه, فريد عصره, وحلي زمانه, من قام بالمصالح أحسن قيام, وتولى عن الناس أمورهم وهم نيام, مظهر المعالي بعد خفائها, ومجدد رسوم المكارم بعد دروسها وعفائها, شيخنا وسيدنا ووالدنا عبد الله بن الشيخ سيدي, أطال الله حياته في عافية, و نعم سابغة ضافية, موجبه السؤال عن الحال, أصلحه الله مع المآل, وإخباركم أنا لا باس علينا عامة, ولم يطرأ فينا ما يكتب, وقد أتاني كتابكم الكريم, فقابلته بما يستحق من التعظيم, وسررت به غاية لما فيه من سلامتكم, وما فيه من الظفر بحاجتكم, وفيه أن بعض الناس أشاع ما عجز القلم عن كتابته, عجزي عن نظره وقراءته, وقد كذب عليكم والله وافترى, وجاء بأم حبوكرى, وقال ما لم يقع ولم يسمع ولم ير ولن يرى, بل يسرني ما يسركم, ويصميني ما يسوءكم, وما كنت أظن قوله يثبت في خلد, حتى يكتب به من بلد إلى بلد, لكن الدهر أبو العجب, وربما ظُنت الأشياء وقـد قالهـا من كذب, وأيم الله لا ترون مني إلا صدق المحبة والوداد, سالكا سنن الآباء والأجداد, ولا يقع لي معكم سجيس الأزلم, ـــ ومن يشابه أبه فما ظلم ـــ إلا الوفاق لا الشقاق, وحسن الاعتقاد بلا انتقاد, والموالاة لا المقالاة, والمطاوعة لا المنازعة, والمصافاة لا المنافاة, والمتابعة لا المقاطعة, والائتلاف بلا اختـلاف, والاتبـاع لا النزاع, والاتصال بلا انفصال, وطلب التوصل لا التنصل، فأنا منكم وإليكم وفيكم وبكم ومعكم ودونكم ولكم لا عليكم, ولا محيد لي عن ذلك إن شاء الله المالك. وفيه أنه ينبغي مني أن أعين في الظاهر والباطن, فإعانتي في الباطن يعلمها من أسأله الإعانة لكم مساء وصباحا, وفي كل وقت غدوا ورواحا, وأستجلب الدعاء لكم من كل من يظن به خير, مما يجلب النفع أو يدفع الضير, وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقضي لكم جميع الحاجات, ويمنحكم أعلى الدرجات, وفي الظاهر ها أنا لا تدعوني إلا اندعيت, ولا تناديني إلا لبيت, ولا تأمرني إلا مثلت فورا وبادرت وامتثلت, فنفسي فداء لنفوسكم, ورأسي دون رءوسكم, فحقكم علي آكد الحقوق, وعقوقكم عندي أشنع العقوق, وعند الاختبار, تتبين الأسرار, فلسان حالي يا سيدي, منشد على مسامعكم يا سيدي, وقد كذب على التلامذة من زعم أن عندهم لكم أدنى خلاف, أو لهم عما تستحقونه من التعظيم والتزام الطاعة والتوقير والاحترام على الناس عامة وعليهم خاصة استنكاف أو انحراف, فو الله ثم والله ما قالوا كلمة, ولا سمع منهم أحد لمة, ليس لهم غرض, ولا في قلوبهم مرض, إنما جاءوا للتعلم, ولم يأتوا للتكلم, وطلب الخير, لا استجلاب الضير, ونعوذ بالله أن تكون أماكن الأمن مخاوف, ومواضع السلامة متالف, وأنت تعلم قول الحكيم, مستمع النميم، ليس له حميم, و أسلم على من ضمه مجلسكم الكريم.) .اه. عبد الله بن داداه.
الشرح:
- مقام اللقي: اللقي فى الأصل: اللقاء واللقيا - اعتساف مجهول القي: السير على غير هدى في بيداء مقفرة.
- أم حبو كرى : قال أبو علي القالي إسماعيل بن القاسم في كتابه المقصور والممدود:يقال: جاء بأم حبوكرى، أى بالداهية. وقال يعقوب: يقال للداهية: أم حبوكرى وأم حبوكر، وأم حبوكران ثم يلغى أم فيقال وقع فى حبوكر، وأصله الرملة التى يضل فيها. وأنشد قول ابن أحمر الباهلى:
فلما عسا ليلى وأيقنت أنها *** هي الأربى جاءت بأم حبو كرى
وقال آخر:
هذا دعامَة دِينِنا بلْ كَسْره *** إن الرَّزيَّة فيه أم حبوكرى .
- سجيس الأزلم: أي أبد الدهرقال أبو عبيد في الأمثال:قال: وكذلك سجيس عجيس, ومعناهما الدهر أيضاً، ومنه قول الشاعر:
فأقسمت لا آتي أبن ضمرة طائعا *** سجيس ما أبان لساني
ومن أمثالهم في هذا قولهم: لا آتيك الأزلم الجذع وهو الدهر. قال أبو عبيد: قال أبن الكلبي: ومن هذا قولهم: لا أفعل ذلك ما حي حي، وما مات ميت.
وقال الزبير بن عبد المطلب في الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صبي:
مكرم معظم *** دام سجيس الأزلم. أي أبد الدهر .
- منشد على مسامعكم يا سيدي: يعني قول الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير في أبيه:
يا سَيِّـدِي إنِّي فَدَاكَ اللهُ بِي *** جَارُ الْحِمَى مَا عَنْهُ لِي مِنْ مَذْهَبِ.
- بعد دروسها وعفائها: بعد طمسها والتخلي عن التخلق بها، قال عمرو بن الأيهم:
لمن الدار قُد عفت ومحاها *** نسجٌ ريحٍ وصائباتُ السحابِ.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي