حاضرة الربيع موطن الوجهاء والفضلاء ... ومنارة الساسة والعلماء:

أهل الربيع لحي الدهر حاسدهم *** قوم أماجد لا تحصى محامدهم

فالعلم والحلم والمعروف عادتهم *** ناهيك من فضلهم أن ذي عوائدهم

قد نال ماموله من كان واجدهم *** ولم ينل مطلبا من هو فاقدهم

هي حاضرة الربيع شمال شرق أبي تلميت على مسافة 7 كيلومترات منها، أسسها الشيخ سيدي باب رحمه الله، وحفر بها بئرا سنة 1910م: 

 وكان السبب في ذلك أنه ــ رحمه الله ــ مر بخيمة بها امرأة مسنة تدعى بنت عبد الدايم وكانت قد علمته حروف الهجاء ومعرفة الحركات، فشكت إليه العطش وأخبرته بأنهم يوردون الماء من مكان بعيد، فقال لها لن تشتكي العطش من اليوم فصاعدا، فكان من أمر حفر البئر ما كان، وكان أخوه الشيخ سيدي المختار (اباه) رحمه الله خير معين له :  

ودهره فربيعٌ من مكارمه *** وعدله فكأنَّ الشَّمس في الحمل. 


حدودها: من الشمال الغربي عين السلامة، ومن الشمال الشرقي ابير البن، ومن الجنوب القبة، ومن الجنوب الشرقي تنيرك، ومن الغرب بتلميت.

وكانت لدى الشيخ سيدي باب ــ رحمه الله ــ فكرة حفر أربعة آبار في الجهات الأربع لمدينة أبي تلميت، ثم إن الشيخ عبد الله بن الشيخ سيدي باب حمل على عاتقه مسؤولية تحقيق تلك الفكرة

 فحفر بئرا أخرى بالربيع سنة 1928م، وحفر بئر عين السلامة شمال المدينة 1932م، ثم بئر لمجومم حوالي 1936م، ثم حفر بئر القبة في الناحية الجنوبية الشرقية 1939م.

وكانت حاضرة الربيع محطّ رحال العلماء، ومقصد طلاب العلم والقراء، وملاذ المحتاجين والفقراء، وملقى الرّحال، وملتقى الرِّجَال، وقبلة الآمال، جليلة ‌موصوفة بكل خير، جامعة لكل فضل، وحالها في ذاتها أشرف حال، آهلة عامرة، ازدهرت فيها التجارة، أسرع إليها الوعي الثقافي. 

هي موطن الفضلاء، ومقر الصلحاء والزعماء الذين طبق ذكرهم الآفاق، وذاع صيتهم في كل مكان:

وما أراني بمستوف مناقبهم *** ولو نظمت لهم زهر النجوم حلا.

أقام بها الشيخ سيدي المختار (اباه) بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير رحمهم الله مدة إلى أن توفي بها ودفن عند البعلاتية، ثم زينب بنت الشيخ سيدي باب (أهل الشيخ طالب اخيار بن الشيخ ماء العينين).

كانت الخطوة الأولى لعائلة أهل الشيخ سيدي وقتئذ  هي التوجه إلى عالم العلم والعلماء، فأجمع رأيهم على إنشاء مدرسة تجمع بين الدراسة القديمة والحديثة العلوم الأصلية والعصرية، فكانت المدرسة في بادئ الأمر عند حاضرة المبروك على شكل خيمة أشبه بخلية نحل يتوافد عليها الطلبة من كل حدب وصوب ينهلون من علم المدرسين والمربين الذين اختارتهم الجماعة وانتدبتهم لهذه المهمة، ومن أولئك الرجال الأفاضل: باب بن طفى، وإبراهيم بن بده بن الشيخ سيدي، ومحمد محمود بن حمين، وعبد الله بن الشيخ ماء العينين (شيخان)، وإبراهيم بن حرمة الله، وموسى بن أحمد بن عبد الفتاح (الكليم)،ولمرابط بن اكرامه، وعبد الله بن أربيه، والعلامة إسماعيل بن سيدي عبد الله رحمه الله الذي عرف بحرصه الشديد على تعهد تلاميذه بطريقته الفذة التي تميز بها عن بقية العلماء في طريقة التدريس وتوصيل المعلومات إلى ذهن التلميذ. 

وكانت المدرسة تتنقل معهم حيثما حلوا، إلى أن استقربهم المقام أخيرا عند الربيع سنة 1973م، وهم أهل يوسف وأهل موسى وأهل سليمان أبناء الشيخ سيدي باب، وأهل أحمد بن الشيخ سيدي المختار(اباه)، وأهل محمد عبد الله بن سيدي عبد الله، أهل الشيخ بن جدو، وأهل حرمة الله بن الشيخ محمد (زينب بنت الشيخ سيدي المختار) (اباه) وأهل أحمد بن المصطفى بن اغننا، وأهل محمد محمود بن اكرامه (دحمود)، وأهل سيد اعمر بن العالم، وأهل أحمد بن آبوده، وأهل محمد كنين، وغيرهم من الأسر العريقة:   

أَرض بهَا الشّرف الرفيع وغاية الْعزّ *** المنيع ومسكن الأجواد

وكان كبار القوم أهل الشيخ سيدي باب وأهل الشيخ سيدي المختار (اباه) لَا يضنون بِشَيْء، ويبذلون مقدورهم فِي حوائج الناس، ويسعون في مصالح العباد والبلاد، ويبذلون المعروف للقاصي والداني.

طلعوا في سماء المجادة بدورا، وبرزوا في محافل السيادة صدورا، وتساموا في المشارق والمغارب ظهورا، وحملوا من المهابة والجلالة لواء منشورا، لهم في علو الهمة ونفوذ العزيمة منصب ‌لا ‌يضاهى، ومرقب لا يباهى، أبية نفوسهم، طيبة غروسهم، عزيز جارهم، محمي ذمارهم، كريمة سجاياهم، عظيمة مزاياهم، تلقاهم في المكاره ليوثا، وفى المكارم غيوثا.

تولى الشيخ يوسف بن الشيخ سيدي رحمه الله مهامها فأحسن رعايتها وتدبير أمورها دون ملل أو كلل، يواسي فقيرهم، ويسعى في مصالح ضعفائهم، ويبذل مِن جاهه وجهده وماله ما يدخل السعادة على نفوسهم، فكان أبا حقيقيا وزعيما أساسيا ومرجعا روحيا لسكان تلك الحاضرة.

وحفر بها بئرا ارتوازية بعد أن تحول الجميع من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية للحاضرة، وهي التي تمدهم بالماء الشروب.

وقد قام  الشيخ موسى رحمه الله بدور كبير في توفير الكثير من المستلزمات لساكنة الحاضرة، وعرف بالإنفاق والسخاء، وكان لا يرد سائلا حتى تقضى حاجته، ويسعى في حاجة الكبير والصغير، وله إنجازات كثيرة، وقد حفر بئرا بالربيع صالحة للشرب سنة 1994م،  ويسقى من مائها الأراضي الزراعية.  

كما كان الشيخ سليمان رحمه الله الذي ملأ ذكره البلاد والعباد، وشاع كرمه في الآفاق، وشهد ‌القاصي ‌والداني بفضله وعلو مكانته، يقوم ببذل المعروف والنفقة على الفقراء والمحتاجين ومساندة الضعفاء وإغاثة الملهوفين لم ينقطع عن ذلك العمل إلى أن توفي رحمه الله، وكان قد بدأ بحفر بئر سنة 1977م، إلا أن الأشغال فيها لم تكتمل إلا في سنة 2009م بمجهود من ابنته البارة سارة بنت سليمان.    


انْتَشَر ‌الْعلم بحاضرة الربيع انتشارا موسعا، حتى أصبحت قبلة للعلماء والمتعلمين، وقد لبثت هذه الحاضرة منارة كبرى ‌تشع نور المعرفة والعلم زمنا طويلا، وكان أولاد الشيخ سيدي باب قد استجلبوا علماء وقراء آخرين منهم: الفقيه محمد يحيى بن سيد أحمد المجلسي والعالم النحرير الشاعر محمد بن المصطفى البارتيلي والقارئ محمد بن سيد ميلود، كما كان القارئ المتبحر في كتاب الله تعالى محمد عبد الودود بن حميه يزور الحاضرة بين الفينة والأخرى. ‌

تخرج ‌من مدرسة الربيع جماعة من الطلبة: نجباء نبلاء، وعلماء أجلاء، وساسة زعماء، لهم مشاركات في شتى المجالات.

وممن نبغ منهم العلامة الفاضل الشيخ إبراهيم (المفتي) بن يوسف بن الشيخ سيدي حفظه الله، عالم العصر، تميز بحُسن الفهم، وصحة الفِطنة، وذكاء القلب، وحدة القريحة، ونفاذ البصيرة، ونزاهة النفس، كما تفرد بعلم الحديث حِفظًا، وعِلمًا، وإتقانًا، وفقهًا، له اليد الطولى في علم النحو  والشعر، مع الأمانة والعدالة وصحة العقيدة:

عَلامَة الْعلمَاء وَالْبَحْر الَّذِي *** لَا يَنْتَهِي وَلكُل بحرٍ سَاحل.

يقول الشيخ إبراهيم ردا على أبيات للشاعر محمد بن دحان التندغي:

يا فاضلا من أناس بذَّ واحدُهم *** جمع الورى في العلا والكل حاسدهم

يسعون للمجد سعيا لا مثيل له *** بذاك قد سبق الوُرَّاد واردهم

فيهم غطاريف من بحر الهدى اغترفوا *** قد ءاب بالفوز طول الدهر قاصدهم

كم فيهمُ من أديب شاعر ذرب *** هذي قصائدهم بل ذي فرائدهم

والحلم خلقهم والبذل عادتهم *** لذاك قادهمُ في الأصل قائدهم

قوم كرام تقى الرحمان شيمتهم *** والدين في كل ما ياتون رائدهم

إليك نازع هذا الحي شوقهم *** فهل على برحه وصل يساعدهم

يقول الأستاذ محمد ولد دحان التندغي:

أهل الربيع لحيَ الدهر حاسدهم *** قوم أماجد لا تحصى محامدهم

فالعلم والحلم والمعروف عادتهم *** ناهيك من فضلهم أن ذي عوائدهم

قد نال ماموله من كان واجدهم *** ولم ينل مطلبا من هو فاقدهم

يقفون للشيخ ءاثارا تقودهم *** نحو المكارم نعم الشيخ قائدهم 

وفيهم من بنيه السادة الفضلاء *** أئمة فاز بالمطلوب قاصدهم 

أولاهم الله من نعماه أدومها *** وحققت لدى المولى مقاصدهم.

يقول الأستاذ والمؤرخ البارز المختار بن حامدن (التاه) رحمه الله:

أظل وأمسي هنا وأبيت *** وأصبح عند أبي تلميت

فنعم الصباح ونعم المساء *** ونعم المظل ونعم المبيت

مشرق الشمس بريع *** تلميت فالربيع 

فبأعلى ريع بعلا*** تية أطيب ريع 

فربى عين سلام *** في غديات الربيع 

هيج الطبع فأحيى*** ميت الفكر الطبيعي

في مراد من رياض ال***مجد مطلول مريع

حيث آل الشيخ سيدي ***  ذوو القدر الرفيع

وإذا النصر جليسي *** وإذا اليسر ضجيعي

وإذا بي لست أخشى *** من رفيع أو وضيع.  


              وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي