مؤتمر علماء إفريقيا 2010 في داكار:

 بسم الله الرحمن الرحيم هذه كلمة كنت قد كتبتها وألقيتها في مؤتمر علماء إفريقيا بالسنغال الذي عقد يوم 07 يونيو 2010م، ومثلت حينها عائلة أهل الشيخ سيديا بطلب من الخليفة العام لأهل الشيخ سيدي ، الشيخ عبد الرحمن الحكومة بن محمد بن الشيخ سيدي رحمه الله تعالى . نص الكلمة :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله و مصطفاه.السادة العلماء الأفاضل، إخواني الكرام في اتحاد علماء إفريقيا.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.نيابة عن عائلة الشيخ سيديا الكبير، وباسم خليفتها العام الشيخ عبد الرحمن ولد محمد ولد الشيخ سيديا، أهديكم تحايانا الخالصة، وتمنياتنا الصادقة أن تتكلل أعمال هذا المؤتمر المبارك بالنجاح.إلى السيد الرئيس عبد الله واد، راعي هذا المؤتمر حفظه الله تعالى، وجعل تلك الجهود الجبارة التييبذلها خدمة لمجتمعه ولأمته، رفعا لدرجاته و تثقيلا لميزان حسناته، إلى مقامه ـ باسم أهل الشيخسيديا الكبير - نهدي خالص الدعاء وعظيم التقدير.أيها المحفل الكريم: يكتسي هذا المؤتمر أهمية بالغة من حيث كونه يدشن عهدا جديدا من التواصل بينأحفاد علماء القارة الإفريقية، التي حفلت طيلة القرون التي أعقبت فجر الإسلام بأجيال حفظوا الشريعة الإسلامية، ونبغوا في علومها، وجاهدوا في سبيل نشرها وصونها، متحدين ظروفا صعبة، وتضاريس قاسية، ومحدودية الإمكانات والوسائل.تحدوا المستعمر وثقافته وفكره، فطردوه خاسئا، لأنهم لا يساومون على إسلامية هذه المجتمعات واستقامتها على المنهج النبوي الطاهر، الذي لا يرضى لها ربها سواه، أخرجوا المستعمرين، وأورثونا من بعدهم هذه المنارات الشاهقة الشماء في شنقيط وطوبا والقاهرة والقيروان و فاس ووهران وغيرها، فكانوا بحق خير سلف أماجد.جاء مؤتمركم المبارك ـ هذا ـ خطوة سديدة في التذكير بذلك الوهج السني، وتقوية للحمة والآصرة بين جيل العلماء المعاصرين، كنا ـ بحق ـ محتاجين لها، لنتذاكر فيما بيننا أمجادنا التي لا تغبر نلتمس فيها القدوة والهمة والحافز، ونتذاكر واقع الإسلام في قارتنا، ما الذي تحقق له، وماذا يتهدده، وما المنبغي والممكن فعله والإسهام به، أداءا للواجب والمسؤولية، وإبراء للذمة أمام الله سبحانه وأمام شعوبنا الكبيرة المتطلعة منا للكثير.إن مثل هذه المؤتمرات والندوات التي تهتم بالعلم والعلماء تلقى من حكومة الجمهورية الإسلاميةالموريتانية برئاسة السيد محمد ولد عبد العزيز كل العناية والمباركة، فالعهد الجديد في موريتانيا يبشرباستعادتها ريادة مسيرة العلم والفكر والأدب، في ظل حكم يحفل بالعلم والعلماء، ويقدر الإبداع والمبدعين.علماءنا و مشايخنا الكرام، أيها الإخوة الأفاضل: مثلما هو حال كثير من علماء هذه القارة الأجلاء، لميحظ التراث العلمي للشيخ سيديا الكبير وأبنائه من بعده بالعناية المنبغية، لنشره وتجليته، وهو تراثعلمي زاخر وغني و متنوع، خطته أنامل ذلكم العالم الصالح، الذي نذر عمره النائف على قرن من الزمن، للعلم والدعوة والإصلاح، واكتنزت مكتبته العائلية الضخمة بنفائس من تأليفه، وأخرى منتأليف حفيده الإمام المجدد الشيخ سيدي باب ولد الشيخ سيديا، كل تلك النفائس والكنوز المعرفية ترقد هناك فوق الرفوف وفي بطون الصناديق، في مكتبة الشيخ سيديا الكبير في مدينته بتلميت، تستنهض فيكم الغيرة على ميراث النبوة وتراث العلماء، كي تنفضوا عنها الغبار، وتُغنوا بها المكتبة الإسلامية ، وتُروُوا بها ظمأ طلبة العلم وذويه للمزيد.أيها الجمع الكريم: لقد اتسعت دائرة أعمال الشيخ سيديا الكبير العلمية والإصلاحية لتعم أطراف القارةالإفريقية، وواصل مسيرته من بعده حفيداه العلامة الشيخ سيدي باب والمصلح الاجتماعي الكبير الشيخسيدي المختار، فأهدوا هذه البلاد وغيرها من بلدان القارة، علماء أجلاء ومربين صلحاء، تتلمذواعليهم، ثم أضاءوا بمنهجهم الرباني النوراني أطراف إفريقيا.وفي خمسينيات القرن الماضي أنشأ والدنا الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيديا معهد بتلميت الإسلامي الذي خرج أجيالا من العلماء والمفكرين أذكت في مختلف بلدان القارة حركة العلم والفكر والإصلاح.وإننا بإذن الله سبحانه، ماضون على طريقهم سائرون سيرتهم، حافظون لعهدهم، فمحاظرنا في نواحي أبي تلميت تخرج الأجيال تلو الأجيال من حفظة كتاب الله، المتفقهين في دينه، النافرين إليها من مختلف أقطار اتحادنا الإفريقي الكبير، تعيدهم علماء يبشرون بدين الله، وينذرون أقوامهم لعلهم يحذرون الزيغ عن سبيله المستقيم.سيبقى أبناء الرجل الصالح الشيخ سيديا الكبير أوفياء له، متواصلين مع تلامذته ومريديه في مختلف الأقطار والبلدان، يتواصون بالحق والصبر والهدى والاستقامة، وسيبقون أوفياء له نشرا للعلم والمنهج النبوي السني في محاظرهم العلمية الكبرى، وحيثما حلّوا أو ارتحلوا.وختاما أذكركم ونفسي أن علينا معشر العلماء وطلبة العلم مسؤولية القيام لهموم الأمة وقضاياها، أمانةًلانعذر إن فرطنا فيها، أو قصرنا في التوعية والاستنهاض والاستنفار لها، وقد نادى بنا الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا منذ أواسط القرن التاسع عشر، حين أبصر طلائع المستعمرين، تجتاح قارتنا الإفريقية، فقال رحمه الله، ونحن نرددها من بعده ـ فما أشبه الليلة بالبارحة:

و روم عاينوا في الدين ضعفا *** فرامـوا كلما راموا اختبــارا

فإن أنتم سعيتم وانتدبتم *** برغم منهم ازدجروا ازدجـارا

وإن أنتم تكاسلتم وخمتم *** برغم منكم ابتدروا ابـتدارا 

فألفوكم كما يبغون فوضـى *** حيارى لا انتداب ولا ائتمارا

 فيا للمسلمين لما دهـاكم ***  إلى كـــم لا تـردون الحوارا

 أجيبوا داعي المولى تعالـى *** أو اعتذروا ولن تجدوا اعتذارا

أجيبوه بدنياكم تعـزوا *** وتدخروا من الأجر ادخارا 

وهذا ما أشرت به عليكم *** ولو لم تجعلوني مستشارا

 أسأل الله تعالى للجميع التوفيق، ولأعمال هذا المؤتمر النجاح، وأثني بالشكر والعرفان لجمهورية السنغال الشقيقة حكومة وشعبا، وللقائمين على تنظيم هذا المؤتمر المبارك.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي  داكار : 07/06/2010