أشعب هو شعيب واسم أبيه جبير وكنيته أبو العلاء ويعرف بابن أم حميدة, ويقال حميدة مولاة أسماء بنت أبي بكر، وكان أشعب خال الأصمعي والواقدي.
عمّر دهراً طويلاً، وأدرك زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وله نوادر مأثورة، وأخبار مستطرفة, قال أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد: قيل إن أشعب توفي سنة أربع وخمسين ومائة.
كان من أظرف الناس وأكثرهم نادرة وأبدعهم فكاهة ومجوناً, وكان شرهاً لهماً دباغي المذهب طفيلياً جد بخيل.
وكان لذلك كله حبيباً إلى النفوس كأنه مخلوق من كل نفس, فكان مقرباً من الخلفاء والأمراء وأهل بيت النبوة وأشراف العرب, وكانوا يتنافسون في طلابه والاختصاص بسمره ومجونه.
وأشعب بن جبير هذا فضلاً أنه ماجن في طليعة مجان العرب فإنه كان إماماً من أئمة الحديث, وكان في الغناء في طبقة معبد والغريض, وكان فقيهاً وأديباً.
قيل لأشعب طلبت العلم وجالست الناس ثم تركت وأفضيت إلى المسألة فلو جلست لنا وجلسنا إليك فسمعنا منك فقال لهم نعم فوعدهم فجلس لهم فقالوا له حدثنا فقال سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول خلتان لا يجتمعان في مؤمن ثم سكت فقالوا له ما الخلتان فقال نسي عكرمة الواحدة ونسيت أنا الأخرى.
من نوادره العجيبة:
كان أشعب مشهورا بنهمه الشديد للطعام ، وذات مرة دخل مجلس الخليفة.. وكان الخليفة يأكل حلوى ، فأعطاه واحدة منها فأكلها أشعب ، وأراد أن يلمح للخليفة أنه يريد الثانية فقال:
ـ ثانى اثنين إذ هما فى الغارففهم الخليفة فأعطاه الثانية
فقال أشعب : فعززنا بثالث .... فأعطاه الثالثة فأكلها
ثم قال : فخذ أربعة من الطير...فأعطاه الرابعة فأكلها ..
ثم قال : يقولون خمسة ...فأعطاه الخامسة فأكلها
ثم قال : سادسهم كلبهم فأعطاه السادسة
فقال : سخرها عليهم سبع ليال فأعطاه السابعة
فقال : وثمانية أيام...فأعطاه الثامنة
فقال : وكان فى المدينة تسعة رهط فأعطاه التاسعة
فقال : فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة فأعطاه العاشرة
فقال : إنى رأيت أحد عشر كوكبا فأعطاه الحادية عشرة
فقال : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فأعطاه الثانية عشرة ثم أعطاه الطبق كله
فقال أشعب: والله يا أمير المؤمنين لو لم تعطني الطبق لوصلت معك إلى قوله تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون .
وحكي أشعب عن الشعبي قال: لقيت طويس الشؤم، فقلت: ما بلغ من شؤمك؟ قال: بلغ من شؤمي أني ولدت يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فطمت مات أبو بكر، فلما راهقت قتل عمر، فلما دخلت الكتاب قتل عثمان، فلما تعلمت القرآن قتل علي، فلما أن تعلمت الشعر قتل الحسين.فقلت: ما أظن بقي من شؤمك شيء، قال: بلى، بقي من شؤمي حتى أدفنك.قال الشعبي: وأنا دفنته بحمد الله ومنّه.
وضرب الحجاج أعرابيا سبعمائة سوط، وهو يقول عند كل سوط: شكرا لك يا رب! فلقيه أشعب فقال: أتدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: ما أدري.قال: لكثرة شكرك؛ اللَّه تعالى يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ, فقال:
يا ربّ لاشكر فلا تزدني *** أسأت في شكرك فاعف عني
باعد ثواب الشاكرين مني
وسأل رجل أشعب أن يسلفه ويؤخّره، فقال هاتان حاجتان، فإذا قضيت لك إحداهما فقد أنصفت. قال الرجل: رضيت. قال: فأنا أؤخرك ما شئت ولا أسلفك!
وَكَانَ أشبعُ لَا يغب طَعَام سَالم بنِ عبد الله بن عُمَر فاشتهى سالمٌ أنْ يأْكل مَعَ بناتِه. فَخرج إِلَى بُستان لَهُ، فجَاء أشعبِ فَخُبر بالقصة فاكترى جملا بدرهم
فَلَمَّا حَاذَى حائطَ الْبُسْتَان. وثبَ، فَصَارَ عَلَيْهِ، فَغطّى سالمٌ بناتَه بِثَوْبِهِ. وَقَالَ: بَنَاتِي بَنَاتِي. فَقَالَ أشعبُ: إِنَّك لتعلَم مَا لنا فِي بناتك من حق وإنّك لتعلَم مَا نُريد.
وحكي عن أشعب: أنه جلس يوما في مجلس فيه جماعة، فتفاخروا وذكر كل واحد منهم مناقبه وشرفه أو شجاعته أو شعره وغير ذلك مما يتمدّح به الناس ويتفاخرون؛ فوثب أشعب وقال: أنا ابن أمّ الجلندح، أنا ابن المحرّشة بين أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم. فقيل له: ويلك! أو بهذا يفتخر الناس! قال: وأىّ افتخار أعظم من هذا! لو لم تكن أمّى عندهن ثقة لما قبلن روايتها في بعضهنّ بعضا.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي