المراد بيوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة، وقد دل على ذلك عدة أحاديث:الحديث الأول:
عن عبدالعزيز بن عبدالله بن خالد بن أَسِيْد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة اليوم الذي يعرف فيه الناس». أخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص153) ، رقم الحديث (149).
الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرفة يوم يعرف الإمام، والأضحى يوم يضحي الإمام، والفطر يوم يفطر الإمام». أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/286)، رقم (9827).
الحديث الثالث: عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: رجل حج أول ما حج، فأخطأ الناس بيوم النحر أيجزئ عنه؟ قال: نعم إي لعمري إنها لتجزئ عنه، قال: وأحسبه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون»، وأراه قال: «وعرفة يوم تعرفون». أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/286)، رقم (9829)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (2/778)، رقم (4222).
الحديث الرابع: عن مسروق أنه دخل على عائشة رضي الله عنه يوم عرفة فقال: اسقوني، فقالت عائشة: يا غلام، اسقه عسلًا، ثم قالت: وما أنت يا مسروق بصائم؟ قال: لا، إني أتخوف أن يكون يوم الأضحى، فقالت عائشة: ليس ذلك، إنما يوم عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام . أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/44)، رقم (6802)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/316)، رقم 3487).
وجه الاستدلال: أن الأحاديث المذكورة تدل دلالة صريحة على أن المراد بيوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الناس بعرفة(32). انظر: «النور الساطع من أفق الطوالع» (ص3).
الدليل الثاني: عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»(37). أخرجه مسلم في «صحيحه»، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (2/818)، رقم (1162).
وجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاف الصيام إلى يوم عرفة، ولم يضفه إلى اليوم التاسع، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أضافه إلى اليوم التاسع، فدل على أن هذه الإضافة معتبرة . انظر: «النور الساطع من أفق الطوالع» (ص4).
الدليل الثالث: أن الصيام ورد مضافًا إلى يوم عرفة في النصوص الشرعية، والقاعدة المقررة عند الأصوليين أنه يتعين البقاء على الظاهر من دلالة الاسم حتى يدل دليل على العدول عنه . موقع فضيلة الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد، فتوى رقم (17165).---- الإضافة في يومِ عرفةَ إضافة إلى مكان بذاتِه ،وأن الله عز وجل يُباهِي ملائكتَه بِعِبادهِ الواقفين بذلك الصعيد الطاهر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء» ، رواه أحمد.
وروى ابن خزيمة و ابن حبان و البزار و أبو يعلى و البيهقي عن جابر رضي الله عنه، مرفوعًا أيضًا: « ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجِّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يومًا أكثر عتقًا من النار، من يوم عرفة» .ومن المعلوم أن المقصود بهذا اليوم وبلا شك هو يوم وقوف الناس بعرفة لا غيره والدنو والمباهاة وتغيظ الشيطان يكون في هذا اليوم لا غيره، فيحمل فضل صيام يوم عرفة على هذا اليوم أي يوم وقوف الناس بعرفة.
وقال بدرالدين العيني -رحمه الله-: «قوله من عرفة على وزن فعلة اسم للزمان، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهذا هو الصحيح، وقيل عرفة وعرفات كلاهما اسمان للمكان المخصوص». عمدة القارئ شرح صحيح البخاري» (2/259).الدليل الرابع: «أن المسلمين في جميع أقطار العالم الإسلامي قد أجمعوا إجماعًا عمليًّا منذ عشرات السنين على متابعة الحجاج في عيد الأضحى، ولا يجوز لأي جهة، أو مجموعة من الناس مخالفة هذا الإجماع» . فتاوى يسألونك» للدكتور حسام الدين عفانة (10/351).
وذهب بعض العلماء إلى القول : باختلاف المطالع في جميع الشهور، ما عدا شهر ذي الحجة، واستدل له بعضهم بقول ابن العربي -رحمه الله-: «إن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها». أحكام القرآن» (1/200).وأما حديث كريب الذي يحتجون به، وهو أن كريباً طلب من ابن عباس وهو في المدينة أن يفطروا على رؤية أهل الشام فأبى ابن عباس ذلك؛ فليس فيه أن لكل بلد مطلعه وإنما فيه أن يصوم أهل المدينة على حساب أهل الشام .. فأبى ابن عباس ذلك .. وهذا هو الصواب، إذ لا يمكن لأهل المدينة معرفة رؤية أهل الشام لهلال شوال؛ لانعدام الاتصالات المباشرة، لذلك كان لزاماً أن يصوم أهل كل بلد يومئذ حسب رؤيتهم، وهذا ما يفيده رأي ابن عباس، وذلك لتعذر بلاغ الرؤية للجميع _ يومئذ _، وليس في حديث كريب أن لكل بلد سياسي مطلعه، ولكل قطر جغرافي هلاله.
ثم لو كان الأمر أن لكل بلد مطلعهم، لقيل: ما هي حدود هذا البلد في عهد الصحابة حتى يصوم أهله .. ؟ ما هي المساحة التي يصوم فيها المسلمون ولا يصومون بعدها .. ؟ ولو تمعَّن الناس هذه المسألة، لأدركوا خطأ بل فساد القول بأنّ ( لكل بلد مطلعه ).
وأما الجواب الصحيح عن حدود البلد التي يصوم المسلمون فيها، فهو حدود علمهم أن الهلال قد هلّ ... فمن بلغه الخبر صام، أو أفطر، ومن لم يبلغه لم يصم، ولم يفطر، وذلك لأن الشرع أناط الأحكام بعلم الإنسان بها، ولم ينطها ببلد , أو حدود , أو ما شابه ذلك.
وقال أيضا: إن الواجب على الأمة جميعاً الاقتداء بالحجيج في تحديد يوم عرفة والعيد، فيوم عرفة هو يومٌ للأمة جمعاء، ومن خالف فإنما يخالف حقاً، وواقعاً، ويفرق أمته.
فهل يعقل ديناً وهلالاً أن يكون هناك عرفة في أكثر من بلد؟ وهل يترك الله ملايين من الحجيج يخطئون، ويرد حجهم و دعاءهم .. ؟ إنّنا نحتاج إلى قليل من التفكر، وقليل من الواقعية.
وعليه فيوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة، وأن أهل البلدان الأخرى تبع لهم في تحديد هذا اليوم، وبه قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- ، ودار الإفتاء المصرية ، والأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة ، والشيخ سليمان بن عبدالله الماجد. ويوم عرفة علم على المكان، ويدل على ذلك أن الفقهاء قد قرروا أن عرفة هو اليوم الذي يقف الناس فيه بعرفة بغض النظر عن كونه اليوم التاسع أو اليوم العاشر، فلو وقفوا بعرفة خطئًا يوم العاشر من ذي الحجة، فحجهم صحيح باتفاق الفقهاء : قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ونظير هذا قول بعضهم إذا وقف الناس يوم العاشر خطأ أجزأهم فالصواب أن ذلك هو يوم عرفة باطنًا وظاهرًا، ولا خطأ في ذلك، بل يوم عرفة هو اليوم الذي يعرف فيه الناس». مجموع الفتاوى» (22/211).
ومن الأدلة التي تبين أن شهر ذي الحجة خاص بالحج ، والناس تبع لهم في ذلك ، قوله سبحانه وتعالى: (( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ))، فأحد عشر شهرا من الأهلة: هي مواقيت للناس في عباداتهم ومعاملاتهم، والشهر الثاني عشر: خصه بالحج، فيكون سائر الآفاق وأهل البلدان تبع للحجيج في هذا الشهر. هكذا فسر بعضهم هذه الآية الكريمة.
جمعها : إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي